الأحد، 6 يوليو 2014

حدث في الثامن من رمضان

في الثامن من رمضان من عام 455 توفي، عن 70 عاماً، مؤسسُ الدولة السلجوقية السلطانُ طُغْرُل بَك، محمد بن ميكائيل بن سَلْجُوق.
وكان السلاجقة، وهم أتراك، قبل تملكهم يسكنون وراء النهر، قريبا من بخارى، ولا يدينون لأحد من الملوك، فإذا قصدهم من لا يطيقونه دخلوا المفاوز، ولهم مع ولاة خراسان وقائع، وأول من ملك منهم طغرل بك، هذا، في سنة 429.
وهو الذى رد مُلكَ بني العباس، بعد أن كان اضمحل وزالت دعوتهم من العراق وخُطِبَ للعبيديين الفاطميين لما استولى البساسيري على بغداد، فما زال طغرل بك يعمل حتى أعاد الخليفة القائم بأمر الله، وأرجع الخطبة باسمه، وقتل البساسيري، وأزال مُلكَ بني بويه من العراق وغيره.
وكان طغرل بك متزوجاً من سيدة اسمها ألترنجان، وفيها دين وافر ومعروف ظاهر وتتصدق كثيراً وتفعل البر كثيراً، ولها رأي وحزم وعزم، وكان السلطان سامعاً لها مطيعاً، والأمور مردودة إلى عقلها ودينها، وتوفيت سنة 452 بعلة الاستسقاء في جرجان، وحزن السلطان عليها حزناً عظيماً، ولما احتُضِرت قالت للسلطان: اجتهد في الوَصْلة بابنة الخليفة لتنال شرف الدنيا والآخرة! وأوصت بجميع ما لها لابنة القائم زوجتِه في المستقبل.
وخطب طغرل بك ابنة القائم بأمر الله، ولم يكن لها كفؤاً بمعايير ذلك الوقت للعُجمة والنسب - فشقَّ على الخليفة ذلك، ولم يجد بداً من زواجها فزوجه بها، وكان العقد بتبريز وزفت إليه ببغداد، فمكثت معه ستة أشهر، كان مريضاً فيها، ثم توفي بالري - وهي اليوم طهران - فحملوا تابوته، فدفنوه بمرو عند قبر أخيه، داود جغري بك.
ومما ذكره المؤرخون عن زفافها: فلما كان ليلة الاثنين الخامس عشر من صفر زُفت السيدةُ ابنة الخليفة إلى دار المملكة، فضُربت لها السُرادقات من دجلة إلى دار المملكة، وضُربت الدبادب - أي الطبول - والبوقات عند دخولها إلى الدار، فلما دخلت أُجلست على سريرٍ مكلل بالذهب، وعلى وجهها بُرقع، ودخل الملك طغرل بك فوقف بين يديها فقبل الأرض، ولم تقم له، ولم تره، ولا كشفت برقعاً كان على وجهها، ولم يجلس حتى انصرف إلى صحن الدار، والحجاب والأتراك يرقصون هناك فرحاً وسروراً، وبعث لها مع الخاتون زوجة الخليفة - وهي ابنة أخيه - عقدين فاخرين، وقطعة ياقوت حمراء، كبيرة هائلة، ودخل من الغد فقبل الأرض وجلس على سرير مكلل بالفضة بإزائها ساعة، ثم خرج وأرسل لها جواهر كثيرة ثمينة وفَرْجية رداء مفرّج الأطراف - نسجت بالذهب مكللة باللؤلؤ، وما زال كذلك كل يوم يدخل ويقبل الأرض ويجلس على سرير بإزائها، ثم يخرج عنها ويبعث بالتحف والهدايا، ولم يكن منه إليها شيء، مقدار سبعة أيام، ويمد كل يوم من هذه الأيام السبعة سماطا هائلا، وخلع في اليوم السابع على جميع الأمراء.
وكان طغرل بك عادلاً في الجملة، حليماً كريماً، محافظاً على الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة، يصوم الإثنين والخميس، ويكثر من الصدقات ويبني المساجد، ويقول: أستحي من الله سبحانه وتعالى أن أبني لي داراً ولا أبني إلى جانبها مسجداً.
كان عاقلاً حليماً من أشد الناس احتمالاً، وأكثرهم كتماناً لسره، حكى عنه أقضى القضاة الماوردي قال: لما أرسلني القائم بأمر الله إليه سنة 433، كتبت كتاباً إلى بغداد أذكر فيها سيرته وخراب بلاده، وأطعن عليه بكل وجه، فوقع الكتاب من غلامي، فحُمِل إليه، فوقف عليه وكتمه، ولم يحدثني فيه بشيء، ولا تغير عما كان عليه من إكرامي.
ومن محاسنه أنه سّير الشريفَ ناصرَ بن إسماعيل رسولاً إلى الإمبراطورة البيزنطية ثيودورا، فاستأذنها الشريف في الصلاة بجامع القسطنطينية جماعةً يوم الجمعة، فأذنت له في ذلك، فصلى وخطب للخليفة العباسي القائم بأمر الله، وكان رسول المستنصر العبيدي صاحب مصر حاضراً فأنكر ذلك، وكان من أكبر الأسباب في توتر العلاقات بين المصريين والبيزنطيين.
وكان كريماً، فمن كرمه أن أخاه إبراهيم ينال أسر من البيزنطيين، لما غزاهم، بعضَ ملوكهم فبذل في نفسه أربعمئة ألف دينار، فلم يقبل إبراهيم منه وحمله إلى طغرل بك، فأرسل ملك الروم إلى نصر الدولة بن مروان صاحبِ الجزيرة وميافارقين يشفع في فكاكه، فأرسله طغرل بك إلى ابن مروان بغير فداء، وسير معه رجلاً علوياً، فأنفذ ملك الروم إلى طغرل بك ما لم يحمل في الزمان المتقدم، وهو ألف ثوب ديباج، وخمسمئة ثوب أصناف، وخمسمئة رأس من الكُراع - الماشية - إلى غير ذلك، وأنفذ مئتي ألف دينار، ومئة لبِنة فضة، وثلاثمئة شهري - نوع من الخيول - وثلاثمئة حمار مصرية، وألف عنز بيض الشعور، سود العيون والقرون، وأنفذ إلى ابن مروان عشرة أمنان - المَنُّ يقرب من الكيلو مسكاً، وعمّر ملكُ الروم الجامعَ الذي بناه مَسلمَة بن عبد الملك بالقسطنطينية، وعمر منارته، وعلق فيه القناديل، وجعل في محرابه قوساً ونشابة، وأشاع المهادنة.
وحكى وزيره محمد بن منصور الكندري عنه أنه قال - يعني السلطان - رأيتُ وأنا بخراسان في المنام كأني رُفعتُ إلى السماء وأنا في ضبابٍ لا أبصر معه شيئاً، غير أنني أشم رائحة طيبة فإذا مناد ينادي: أنت قريب من الباري جلت قدرته، فاسأل شيئاً ليقضى، فقلت في نفسي: أسألُ طول العمر، فقيل: لك سبعون سنة، فقلت: يا رب لا تكفيني، فقيل: لك سبعون سنة! فقلت: لا تكفيني، فقيل: لك سبعون سنة!
ولما حضرته الوفاة، قال: إنما مَثلي مَثلُ شاة تُشدُّ قوائمُها لجز الصوف فتظن أنها تُذبح فتضطرب، حتى إذا أطلقت تفرح، ثم تُشدُّ للذبح فتظن أنها لجز الصوف فتسكن، وهذا المرض الذي أنا فيه هو شدُّ القوائم للذبح، فمات منه.
وعاش عقيماً، فعهد بالسلطنة إلى ابن أخيه سليمان بن جغري بك، فاختلفت الأمراء عليه، ومالوا إلى أخيه سليمان بن جغري بك، فاختلفت الأمراء عليه، ومالوا إلى أخيه ألب أرسلان، فاستولى على ممالك عمّه مع ما في يده.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer