الأحد، 31 أغسطس 2008

تمذهبتَ للنعمان بعد ابن حنبل

المبارك بن المبارك بن سعيد بن الدهان أبو بكر بن أبي طالب النحوي الواسطي الضرير الملقب بالوجيه والمتوفى سنة 612 عن ثمانين سنة. قرأ القراءات واشتغل بالعلم، كان حنبليا ثم تفقه على مذهب أبي حنيفة، وقيل انتقل إلى مذهب الشافعي، وفيه يقول أبو البركات بن التكريتي المؤيد الشاعر:

ومن مبلغ عني الوجيه رسالة * وإن كان لا تجدي لديه الرسائلُ
تمذهبتَ للنعمان بعد ابن حنبل * وذلك لما أعوزتك المآكل
وما اخْـتَرتَ رأي الشافعي ديانةً * ولكنما تهوى الذي هو حاصل
وعما قليل أنت لا شك صائر * إلى مالكٍ فانظر لما أنا قائل


ومالك خازن النار كما لا يخفى.

السبت، 30 أغسطس 2008

وبودي أني واحدٌ منكم

قدم الأمير محمد بن جعفر ولي عهد الخليفة العباسي المعتمد من الجبل إلى العراق سنة 278، وقد اشتد به وجع النِّقْرس، حتى لم يقدر على الركوب، فاتُخذ له سريرٌ عليه قبة، فكان يقعد عليه، ومعه خادم يبرّد رجله بالأشياء الباردة، حتى بلغ من أمره أنه كان يضع عليها الثلج، ثم صارت علةُ رجله داءَ الفيل وكان يحمل سريره أربعون حمالاً، يتناوب عليه عشرون عشرون، وربما اشتد به أحياناً فيأمرهم أن يضعوه، فقال لهم يوماً: قد ضجِرتم وبودي أني واحدٌ منكم أَحمِل على رأسي، وآكل، وأني في عافية، قد أطبق دفتري على مائة ألف مرتزق ما أصبح فيهم أقبح حالاً مني. ثم توفي عن 49 سنة.

الجمعة، 29 أغسطس 2008

يا رسول الله خويدمك

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أخذت أمي أمُ سليم بيدي، وقد أزرتني بخمارها وردتني ببعضه، فجاءت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، هذا أنس، غلام لبيب كاتب، يخدمك، قال: فقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى الإمام أحمد عن ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً أطيبَ، ولا مَسَستُ شيئا قطّ ديباجاً ولا خزاً ولا حريراً ألين مَسّاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ثابت: فقلت: يا أبا حمزة ألستَ كأنك تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنك تسمع إلى نغمته، قال: بلى، والله إني لأرجو أن ألقاه يوم القيامة، فأقول: يا رسول الله خويدمك.

قال أنس رضي الله عنه: خدمته عشر سنين بالمدينة، وأنا غلامٌ ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن يكون، ما قال لي فيها أفٍ، وما قال لي لِـمَ فعلت هذا أو ألا فعلت هذا.

الخميس، 28 أغسطس 2008

الأمل

قال الإمام أبو عثمان النهدي عبدالرحمن بن مل المتوفى سنة 100: بلغت ثلاثين ومائة سنة فما من شيء إلا قد عرفت فيه النقصان إلا أملي فإنه ‏كما هو.‏

الأربعاء، 27 أغسطس 2008

ويلك! العُمَرَين!

كان الرشيد يستقبح المدح بالكذب ويذم المادح به، قال يوماً لبعض ولاته: كيف تركتَ الناس؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أحسنتَ فيهم السيرة، وأنسيتَهم سيرة العُمَرَين. فغضب الرشيد واستشاط وقال: ويلك يا ابن الفاعلة: العُمَرَين! العُمَرَين! وأخذ سفرجلة فرماه بها فكادت تهلكه، وأُخرج من بين يديه.

والعمران أبو بكر وعمر رضي الله عنهما

الثلاثاء، 26 أغسطس 2008

أيسر الخطب

وقالوا لها هذا حبيبك معرضٌ * فقالت ألا إعراضُه أيسرُ الخطبِ
فما هي إلا نظرة بتبسمٍ * فتصطكَ رجلاه ويسقطَ للجنب

الاثنين، 25 أغسطس 2008

مناظرة في المنام

قال المؤرخ الحجة والأديب الماهر أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر المعروف بابن خَلِّكان، والمتوفى سنة 681 عن 73 سنة، في كتابه وفِياتُ الاعيان وأنباءُ أبناءِ الزمان في ترجمة الإمام النحوي أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي البصري المعروف بالمبَـرَّد النحوي والمتوفى سنة 286 عن 76 عاماً:

وكنت رأيت المُبَرَّد في المنام، وجرى لي معه قصة عجيبة، فأحببت ذكرها، وذلك أني كنت بالإسكندرية في بعض شهور سنة 636 - أي عندما كان في الثامنة والعشرين - وأقمت بها خمسة أشهر، وكان عندي كتاب الكامل للمبرد، وكتاب العِقد الفريد لابن عبد ربه، وانا أطالع فيهما، فرأيت في العِقدِ في فصلٍ تَرْجَمَهُ بقوله - أي جعل عنوانه - ما غُلِطَ فيه على الشعراء، وذكر أبياتاً نسبوا اصحابها فيها إلى الغلط وهي صحيحة، وإنما وقع الغلط ممن استَدرَكَ عليهم لعدم إطلاعهم على حقيقة الأمر فيها، ومن جملة من ذكر المبرد فقال: ومثلُه قولُ محمد بن يزيد المبرد النحوي في كتاب الروضة وردَّ على الحسن بن هانئ يعني أبا نواس في قوله

وما لبكر بن وائل عِصَمٌ * إلا بحمقائها وكاذبـها

فزعم أنه أراد بحمقائها هَبَنَّقة القيسي، ولا يقال في الرجل حمقاء، وإنما اراد دُغَة العجلية وعِجْلٌ في بكر، وبها يضرب المثل في الحمق. هذا كله كلام صاحب العقد، وغرضه أن المبرد نسب أبا نواس إلى الغلط بكونه قال بحمقائها، واعتقد أنه أراد هبنقة، وهنبقة رجل، والرجل لايقال له حمقاء، بل يقال له أحمق، وأبو نواس إنما أراد دُغة وهي امرأة، فالغلط حينئذ من المبرد لا من أبي نواس.

فلما كان بعد ليال قلائل من وقوفي على هذه الفائدة، رأيت في المنام كأني بمدينة حلب في مدرسة القاضي بهاء الدين المعروف بابن شداد، وفيها كان اشتغالي بالعلم، وكأننا قد صلينا الظهر في الموضع الذي جرت العادة بالصلاة فيه جماعة، فلما فرغنا من الصلاة قمت لأخرج، فرأيت في آخريات الموضع شخصا واقفا يصلي، فقال لي بعض الحاضرين: هذا أبو العباس المبرد، فجئت إليه، وقعدت إلى جانبه أنتظر فراغه، فلما فرغ سلمت عليه، وقلت له: أنا في هذا الزمان أطالع في كتابك الكامل، فقال لي: رأيتَ كتابي الروضة؟ فقلت: لا، وما كنت رأيتُه قبل ذلك، فقال: قم حتى أريك إياه، فقمت معه وصعد بي إلى بيته فدخلنا فيه، ورأيت فيه كتبا كثيرة، فقعد قدامها يفتش عليه، وقعدت أنا ناحية عنه، فأخرج منه مجلدا ودفعه إلي ففتحتُه وتركته في حجري، ثم قلت له: قد أخذوا عليك فيه، فقال: أي شيء أخذوا؟ فقلت: أنك نسبت أبا نواس إلى الغلط في البيت الفلاني، وأنشدتُه إياه، فقال: نعم غلط في هذا، فقلت له: إنه لم يغلط بل هو على الصواب، ونسبوك أنت إلى الغلط في تغليطه، فقال: وكيف هذا؟ فعرفته ما قال صاحبُ العقد، فعضّ على رأس سبابته، وبقي ساهياً ينظر إليّ وهو في صورة خجلان، ولم ينطق، ثم تيقظتُ من منامي وهو على تلك الحال، ولم أذكر هذا المنام إلا لغرابته.

الأحد، 24 أغسطس 2008

فِقه بُرد أضرُ علينا

كان بشار بن بُرْد يقول الشعر وهو صغير، وكان لا يزال قوم يشكونه إلى أبيه فيضربه، حتى رقَّ عليه من كثرة ما يضربه، وكانت أمه تخاصم أباه، فكان يقول لها: قولي له يكف لسانه عن الناس.

فلما طال ذلك عليه قال له ذات ليلة: يا أبت لم تضربني كلما شكوني إليك؟ قال: فما أعمل؟ قال: احتج عليهم بقول الله تعالى: ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج.

فجاءوه يوماً يشكون بشاراً فقال لهم هذا القول، فقالوا: فِقه بُرد أضرُ علينا من شعر بشار.

السبت، 23 أغسطس 2008

وإن كان موسى الذي سألتني عنه

محمد بن الهذيل أبو الهذيل شيخ المعتزلة ومصنف الكتب في مذاهبهم، ولد سنة 135 وتوفي سنة 235.

قال أبو الهذيل: أول ما تكلمت كان لي أقل من خمس عشرة سنة، وكنت أختلف إلى عثمان الطويل صاحب واصل بن عطاء، فبلغني أن رجلاً يهودياً قدم البصرة وقد قطع - أي أفحم - عامة متكلميهم، فقلت لعمي: يا عم، امض بي إلى هذا اليهودي أكلمه، فقال لي: يا بني، هذا اليهودي قد غلب جماعة متكلمي أهل البصرة، أفمن جدك أن تكلم من لا طاقة لك بكلامه. فقلت: لا بد من أن تمضي بي إليه، وما عليك مني غلبني أو غلبته.

فأخذ بيدي ودخلنا على اليهودي، فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه بنبوة موسى، ثم يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول: نحن على ما اتفقنا عليه من صحة نبوة موسى إلى أن نتفق على نبوة غيره فنقر.

قال: فدخلت عليه، فقلت له: أسألك أو تسألني؟ فقال لي: يا بني أو ما ترى ما أفعله بمشايخك؟ فقلت له: دع عنك هذا واختر، إما أن تسألني، أو أسألك. فقال: بل أسألُ. أخبرني، أليس موسى نبي من أنبياء الله تعالى قد صحت نبوته، وثبت دليله، تقر بهذا أو تجحده فتخالف صاحبك؟ فقلت له: إن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين، أحدهما: أني أقر بنبوة موسى الذي أَخبرَ بصحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمَرَ باتباعه، وبَشرَ به وبنبوته، فإن كان عن هذا تسألني فأنا مُقرٌّ بنبوته، وإن كان موسى الذي سألتني عنه لا يقرُّ بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرنا باتباعه، ولا بَشّرَ به، فلستُ أعرفه ولا أُقر بنبوته، بل هو عندي شيطان مخزى.

فتحير لما ورد عليه ما قلته له وقال لي: فما تقول في التوراة؟ قلت: أمر التوراة عندي أيضاً على وجهين، إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى النبي الذي أقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي التوراة الحق، وإن كانت أنزلت على الذي تدعيه فهي باطل غير حق، وأنا غير مصدق بها.

فقال لي: أحتاج أن أقول لك شيئاً بيني وبينك، فظننت أنه يقول شيئاً من الخير، فتقدمت إليه، فسّارني وقال: أمُك كذا وكذا، وأمُ من علّمك، لا يُكَني. وقَدّر أني أثب به فيقول: قد وثبوا بي وشغبوا علي، فأقبلتُ على من كان في المجلس فقلت: أليس قد عرفتم مسألته إياي، وجوابي له؟ فقالوا: نعم. فقلت: أليس عليه أن يردَ جوابي؟ قالوا: نعم. قلت: إنه لما سّارني شتمني الشتمَ الذي يوجب الحد، وشتم من علمني، وإنما قَدّرَ أني أقوم أثبُ عليه، فيدعي أنّا واثبناه وشغبنا عليه، وقد عرفتكم شأنه بعد انقطاعه. فأخذته الأيدي والأكف بالنعال، فخرج هارباً من البصرة وقد كان له بها دين كثير، فتركه وخرج لما لحقه من الانقطاع.

الجمعة، 22 أغسطس 2008

واعقدن بالأنامل

روى الإمام أحمد والترمذي وابن أبي شيبة – ودخل من حديث بعضهم في بعض – عن هانئ بن عثمان الجُهَنِي عن أمه حُمَيْضَة بنت ياسر عن جدتها يُسَيْرَة، وكانت من المهاجرات، قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا نساء المؤمنات عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس، واعْقِدْنَ بالأنامل، فإنهن يأتين يوم القيامة مسؤولاتٍ مستتنطَقات، ولا تَغفُلْنَ فتُنْسَيْنَ من الرحمة.

الخميس، 21 أغسطس 2008

استبقني لحربك، وزوجني أختك

كان الأشعث بن قيس الكندي في الجاهلية رئيساً مطاعاً في قومه، وكان في الإسلام وجيهاً في قومه، إلا أنه ممن ارتد عن الإسلام بعد النبي عليه السلام في خلافة أبي بكر الصديق، وأُتي به أبو بكر أسيراً. قال أسلم مولى عمر بن الخطاب: كأني أنظر إلى الأشعث بن قيس وهو في الحديد يكلم أبا بكر، وأبو بكر يقول: فعلتَ وفعلتَ حتى كان آخرَ ذلك، سمعت الأشعث يقول: استبقني لحربك، وزوجني أختك، ففعل أبو بكر وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة، وهي أم محمد بن الأشعث، وكان قد خطبها قبل أن يرتد.

خرج الأشعث مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما إلى العراق، فشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاونداً، واختط بالكوفة داراً في كندة ونزلها، وشهد التحكيم بين علي ومعاوية وكان آخر شهود كتاب التحكيم. مات رضي الله عنه بالكوفة سنة 42، وصلى عليه الحسن بن علي، وروى الأشعث أحاديث عن النبي عليه السلام.


روى إسماعيل بن أبي خالد قال: شهِدتُ جنازةً فيها جرير بن عبد الله البجلي والأشعث، فقدّم الأشعثُ جريراً، وقال: إني ارتدت ولم ترتد.

الأربعاء، 20 أغسطس 2008

مكايد البلاط

لم يكن أبو أيوب المورياني كاتب أبي جعفر المنصور ومتولي ديوان خراجه يأمن ناحية خالد بن برمك -المتوفى سنة 175 عن 75 سنة - وأن يرده أبو جعفر إلى كتابته وديوان الخراج، فكان يحتال عليه، وكان مما احتال به أن دس إلى بعض الجهابذة مالاً عظيماً وقال له: إذا سألك أمير المؤمنين على هذا المال فقل له إنه استودعينه خالد بن برمك، ثم دس من رفع إلى أبي جعفر في ذلك، فدعا أبو جعفر بالنصراني فسأله فقال: نعم عندي مالٌ لخالد بن برمك استودعنيه.

فبعث أبو جعفر إلى خالد فأحضره وسأله عن ذلك المال، فحلف أنه لم يجمع مالاً قط ولا ادخره، ولا رأى النصراني قط ولا عرفه، ثم قال: يا أمير المؤمنين ترسل إلى الجهبذ، وأكون في موضعي حيث يراني، فإن عرفني فقد صدق علي، وإن لم يعرفني فقد أظهر الله براءتي.

فبعث أبو جعفر إلى النصراني فقال: أصْـدِق أميرَ المؤمنين عن هذا المال، قال: يا أمير المؤمنين المال لخالد، وما قلتُ إلا حقاً، قال: أفتعرفُ خالداً إن رأيـتَه؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين أعرُفه إن رأيتُه، فالتفت أبو جعفر إلى خالد فقال: قد أظهر الله براءتك، وهذا مالٌ أصبناه بسببك، ثم قال للنصراني: هذا الجالس خالد فكيف لم تعرفه؟ قال: الأمان يا أمير المؤمنين، فأمنه فأخبره بالقصة، فأمره أبو جعفر بحمل المال إلى بيت المال، وكان بعد ذلك لا يقبل في خالد قولاً من أحد وازداد به ثقة وتقديماً.

الثلاثاء، 19 أغسطس 2008

إلى بيتنا والله يذهبون به

قيل لعثمان بن دراج الطفيلي، وهو من مشاهير الطفيليين في زمن المأمون: كيف تصنع بالعرس إذا لم يدخلك أصحابه؟ فقال: أنوح على بابهم فيتطيرون من ذلك، فيدخلوني.

وقال يوماً: مررت بجنازة ومعي ابني، ومع الجنازة امرأة تبكي وتقول: يذهبون بك إلى بيت لا فراش فيه ولا وطاء، ولا ضياء ولا غطاء، ولا خبز ولا ماء، فقال ابني: يا أبت إلى بيتنا والله يذهبون به.

الاثنين، 18 أغسطس 2008

لو ترى الموت يشترى

لما أفضت الخلافة إلى المتوكل جعفر بن المعتصم بن الرشيد، أهدى إليه عبد الله بن طاهر من خراسان، هدية جليلة فيها جوارٍ، فيهن جارية يقال لها محبوبة، قد نشأت بالطائف، وبرعت في الأدب، وأجادت قول الشعر، وحذِقت الغناء، وقرُبت من قلب المتوكل وغلبت عليه، فكانت لا تفارق مجلسه، وزادت حظوة عنده، حتى كان من أمره ما كان وقُتِلَ سنة 247 وله 41 سنة ، فتفرق جواريه، وصارت محبوبة إلى وصيف الكبير، فما زالت حزينة باكية، فدعاها يوماً وأمرها أن تغني، فاستعفَتهُ فلم يقبل، وجيء بعود فوضع في حجرها، فغنت:


أي عيشٍ يَلَذُ لي * لا أرى فيه جعفرا
كلُ من كان في ضَنـّى * وسَقام فقد برا
غيرَ محبوبةَ التي * لو ترى الموت يُشترى
لاشترته بما حوته * يداها لتقبرا


ولبست السواد والصوف، وما زالت تبكيه وترثيه حتى ماتت رحمها اللّه تعالى.

الأحد، 17 أغسطس 2008

نور الدين الشهيد

ولد الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي في حلب عام 511، وانتقلت إليه إمارتها بعد وفاة أبيه عام 541، وامتدت سلطته في الممالك الإسلامية حتى شملت جميع سورية الشرقية وقسماً من سورية الغربية، والموصل وديار بكر والجزيرة، ومصر وبعض بلاد المغرب، وجانبا من اليمن، وخُطِبَ له بالحرمين.

كان معتنيا بمصالح رعيته، مداوما للجهاد، يباشر القتال بنفسه، وهو الذى حصّن قلاع الشام وبنى الأسوار على مدنها، وبنى مدارس كثيرة منها العادلية أتمها بعده العادل أخو صلاح الدين، ودار الحديث، وكلتاهما في دمشق، وهو أول من بنى دارا للحديث، وبنى الجامع النوري بالموصل، والخانات في الطرق.

كان متواضعا مهيبا وقورا، مكْرِما للعلماء، ينهض للقائهم، ويؤنسهم ولا يرد لهم قولا، عارفاً بالفقه على مذهب أبي حنيفة، ولا تعصب عنده. وسمع الحديث بحلب ودمشق ورواه، وكان يجلس في كل أسبوع أربعة أيام، يحضُرُ الفقهاء عنده، ويأمر بإزالة الحجاب حتى يصل إليه من يشاء، ويسأل الفقهاء عما يشكل عليه، ووقف كتبا كثيرة.

وكان يتمنى أن يموت شهيدا، فمات رحمه الله بعلة (الخوانيق) في قلعة دمشق سنة 569، فقيل له الشهيد وقبره في المدرسة النورية وكان قد بناها للأحناف بدمشق.

السبت، 16 أغسطس 2008

والله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الإسلام

وفي سنة 558 جمع نور الدين محمود بن زنكي الشهيد عساكره ودخل بلاد الفرنج ونزل في البقيعة تحت حصن الأكراد - المعروف اليوم بقلعة الحصن - محاصراً له عازما على قصد طرابلس ومحاصرتها، فبينما الناس يوماً في خيامهم، وسط النهار، لم يرعهم إلا ظهور صلبان الفرنج من وراء الجبل الذي عليه حصن الأكراد، وذلك أن الفرنج اجتمعوا واتفق رأيهم على كبسة المسلمين نهاراً، فإنهم يكونوا آمنين، فركبوا من وقتهم، ولم يتوقفوا حتى يجمعوا عساكرهم، وساروا مجدين، فلم يشعر بذلك المسلمين إلا وقد قربوا منهم، فأرادوا منعهم، فلم يطيقوا ذلك، فأرسلوا إلى نور الدين يعرفونه الحال، فرهقهم الفرنج بالحملة، فلم يثبت المسلمون، وعادوا يطلبون معسكر المسلمين، والفرنج في ظهورهم، فوصلوا معاً إلى العسكر النوري، فلم يتمكن المسلمون من ركوب الخيل، وأخذ السلاح، إلا وقد خالطوهم، فأكثروا القتل والأسر.


وكان أشدهم على المسلمين الدوقس الرومي، فإنه كان قد خرج من بلاده إلى الساحل في جمع كثير من الروم، فقاتلوا محتسبين في زعمهم، فلم يبقوا على أحد، وقصدوا خيمة نور الدين وقد ركب فيها فرسه ونجا بنفسه، ولسرعته ركب الفرس والشبحة في رجله، فنزل إنسان كردي قطعها، فنجا نور الدين، وقُتِلَ الكردي، فأحسن نور الدين إلى مخلَّفيه، ووقف عليهم الوقوف.

ونزل نور الدين على بحيرة قدس - وهي بحيرة قطينة اليوم - بالقرب من حمص، وبينه وبين المعركة أربعة فراسخ، وتلاحق به من سلم من العسكر، وقال له بعضهم: ليس من الرأي أن تقيم هاهنا، فإن الفرنج ربما حملهم الطمع على المجيء إلينا، فنؤخذ ونحن على هذه الحال. فوبخه وأسكته، وقال: إذا كان معي ألف فارس لقيتهم ولا أبالي بهم، ووالله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الإسلام!

ثم أرسل إلى حلب ودمشق، وأحضر الأموال والثياب والخيام والسلاح والخيل، فأعطى اللباس عوض ما أُخذ منهم جميعه بقولهم، فعاد العسكر كأن لم تصبه هزيمة، وكل من قُتِل أعطى إقطاعَه - أي راتبه - لأولاده.

وأما الفرنج فإنهم كانوا عازمين على قصد حمص بعد الهزيمة لأنها أقرب البلاد إليهم، فلما بلغهم نزول نور الدين بينها وبينهم قالوا: لم يفعل هذا إلا وعنده قوة يمنعنا بها.

ولما رأى أصحاب نور الدين كثرة خَرْجِه - أي نفقته - قال له بعضهم: إن لك في بلادك إدرارات وصدقات كثيرة على الفقهاء والفقراء والصوفية والقراء وغيرهم، فلو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح؛ فغضب من ذلك وقال: والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم؛ كيف أقطع صلات قوم يدافعون عني، وأنا نائم على فراشي، بسهام لا تخطئ، وأصرفها إلى من لا يقاتل عني إلا إذا رآني، بسهام قد تصيب وقد تخطئ، وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال، كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم؟ ثم إن الفرنج راسلوا نور الدين يطلبون منه الصلح، فلم يجبهم، وتركوا عند حصن الأكراد من يحميه وعادوا إلى بلادهم.

الجمعة، 15 أغسطس 2008

بِطانتان

روى النسائي وأحمد ، ودخل من حديثهما في بعض، عن ابن شهاب الزُهري عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من والٍ ولا أميرِ إلا له بِطانتان: بِطانةٌ تأمره بالمعروف وتنهى عن المنكر، وبطانةٌ لا تألوه خَبَالاً، تأمره بالشر وتحضه عليه، ومن وُقِيَ شر بطانة السوء فقد وُقِيَ - يقولها ثلاثاً - وهو مع الغالبة عليه منهما.

الخميس، 14 أغسطس 2008

كم من حمارٍ على حمارِ

قال علي بن موسى الكاتب اتفقت أنا وأبو العيناء الضرير - أي التقينا صدفة - بمربعة الخرسي، فسلمت عليه، فقال لي: أحب أن تساعدني إلى سوق الدواب، فتوجهنا نقصدها فزحمه حمار عليه راكب، فأنشأ يقول:

يا خالق الليل والنهار ... صبراً على الذل والصَغَارِ
كم من جوادٍ بلا حمار ... ومن حمارٍ على حمارِ

الأربعاء، 13 أغسطس 2008

مهما شئت كُنْ

الوزير أبو القاسم المغربي الحسين بن علي بن الحسين، المتوفى سنة 418 عن 48 سنة، عُرف جده بالمغربي لأنه كان يختلف على ديوان المغرب، وكان عارفاً فضيلاً وبليغاً مترسلاً، ومفتَنـّاً في كثير من العلوم الدينية والأدبية والنجومية، ومشاراً إليه في قوة الذكاء والفطنة، وسرعة الخاطر والبديهة، ولما استوزره مشرف الدولة البويهي ببغداد تعظم وتكبر، ورهبته الناس، ودامت وزارته عشرة أشهر وأياما.

ولما نزل الوزير المغربي بواسط في درب الواسطيين مكث أياماً لم يحضر مسجدهم، فدخل عليه أبو بكر أحمد بن العباس الدونباي، فقال: يا شيخ، يا أستاذ، يا وزير، مهما شئت كُنْ، إن كنت تحضر مسجدنا هذا في الصلوات الخمس وإلا فانتقل عنا، فقال: السمع والطاعة أيها الشيخ، ثم انتقل عنهم من يومه.

الثلاثاء، 12 أغسطس 2008

أُنفِذُ من كتبك ما رأيتُ، وأقِفُ عما لا أرى

حدث مصعب بن عبد الله عن والده عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، المتوفى سنة 184 عن 73 سنة، فقال:

كان أبي يكره الولاية، فعرض عليه أمير المؤمنين هارون الرشيد ولاية المدينة، فكرهها وأبى أن يليها، وألزمه ذلك أمير المؤمنين الرشيد، فأقام بذلك ثلاث ليال يلزمه ويأبى عليه قبولها، ثم قال له في الليلة الثالثة: اغْدُ عليّ بالغداة إن شاء الله، فغدا عليه، فدعا أمير المؤمنين بقناة - أي برمح - وعمامة فعقد اللواء بيده، ثم قال: عليك طاعة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فخذ هذا اللواء، فأخذه وقال له: أما إذا ابتليتني يا أمير المؤمنين بعد العافية، فلا بد لي من اشتراطٍ لنفسي، قال له: فاشترِطْ لنفسك. فاشترَطَ خِلالاً منها أن مالَ الصدقات مالٌ قسمه الله بنفسه، ولم يَكِلْه إلى أحدٍ من خلقه، فلستُ أستجيز أن أرتزقَ منه، ولا أن أرزق المرتزقة، فاحْمِل معي رزقيَ ورزق المرتزقة من مال الخراج، قال: قد أجبتك إلى ذلك، قال: فأُنفِذُ من كتبك ما رأيتُ، وأقِفُ عما لا أرى، قال: وذلك لك.

قال: فولي المدينة، وكان يأمر بمال الصدقات يصير إلى عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وإلى آخر معه وهو يحيى بن أبي غسان الشيخ الصالح من أهل الفضل، فكانا يقسمانه، ثم ولّاه أميرُ المؤمنين هارون الرشيد اليمنَ، وزاد معها ولاية عَك، وكانت عَك إلى والي مكة، ورَزَقَه ألفي دينار في كل شهر، فقال يحيى بن خالد البرمكي وزير الرشيد: يا أمير المؤمنين كان رزقُ والي اليمن ألفَ دينار، فجعلتَ رزق عبد الله بن مصعب ألفي دينار، فأخاف أن لا يرضى أحدٌ تولية اليمن من قومك من الرزق بأقل مما أعطيت عبد الله بن مصعب، فلو جعلت رزقه ألف دينار كما كان يكون، وأعطيته من الألف الآخر مالاً تجيزه به، لم يكن عليك حجة لأحد من قومك في الجائزة، فصيّر رزقه ألف دينار، وأجازه بعشرين ألف دينار، فاستخلف على اليمن الضحاك بن عثمان بن الضحاك، وكلم له أميرَ المؤمنين فأعانه على سفره بأربعين ألف درهم، فأقام الضحاكُ خليفتَه حتى قدِمَ عليه.

الاثنين، 11 أغسطس 2008

قد رضي بك المسلمون

كان عليُّ بن داود بن عبد الله أبو الحسن الداراني المقرئ القطان المتوفى سنة 402 يؤم أهل داريا، ثم مات إمام الجامع الأموي بدمشق فخرج أهل دمشق إلى دارَيّا ليأتوا به للصلاة بالناس في جامع دمشق، فمنعهم أهل داريا من ذلك، وجرى بينهم كلام فيه جفاء، وحملوا السلاح، وكان فيمن خرج من أهل دمشق القاضي أبو عبد الله بن النصيبي الحسيني، فقال: يا أهل داريّا أما ترضون أن يُسمع في البلاد أن أهل دمشق احتاجوا إلى إمام أهل داريا يصلي بهم؟ فقالوا: إنا رضينا، وألقوا السلاح، فقُدِمت له بغلةُ القاضي ليركبها فلم يفعل وركب حمارة كانت له، فلما ركب التفت إلى ابن النصيبي فقال: أيها القاضي الشريف، مثلي يصلحُ أن يكون إمام الجامع؟ وأنا علي بن داود كان أبي نصرانيا فأسلم وليس لي جَدٌ في الإسلام؟ فقال له القاضي: قد رضي بك المسلمون.

فدخل معهم وسكن في أحد بيوت المنارة الشرقية، وكان يصلي بالناس ويقرئهم في شرقي الرواق الأوسط من الجامع، ولا يأخذ على صلاته أجرا ولا يقبل ممن يقرأ عليه براً، ويقتات من غلة أرض له بداريا، ويحمل من الحنطة ما يكفيه من الجمعة إلى الجمعة، ويخرج بنفسه إلى طاحونة خارج باب السلامة فيطحنه ويعجنه ويخبزه ويقتاته طول الأسبوع.

وكان يقرأ عليه رجل مبخل له أولاد كانوا يشتهون عليه القطايف مدة وهو يمطلهم، فألقي في روع أبي الحسن بن داود أمرُهم، فسأله أن يتخذ له قطايف، فبادر الرجل إلى ذلك لأن أبا الحسن لم يكن له عادة بطلب شئ ممن يقرأ عليه ولا بقبوله، واشترى سكراً ولوزاً واتخذها في إناء واسع، ثم أكل منها فوجد لوزها مراً، فمنعه بخله من عمل غيرها، وحملها إلى ابن داود متغافلاً، فأكل منها واحدة ثم قال له: احملها إلى صبيانك، فجاء بها إلى بيته فوجدها حلوة فأطعمها أولاده.

الأحد، 10 أغسطس 2008

عبد الله بن المعتز

عبد الله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد العباسي، أبو العباس: الشاعر المبدع، خليفة يوم وليلة.

ولد سنة 247 في بغداد، وأولع بالادب، فكان يقصد فصحاء الأعراب ويأخذ عنهم، وصنف كتباً، منها "الزهر والرياض" و "البديع" و "الآداب" و "الجامع في الغناء" و"الجوارح والصيد" و"فصول التماثيل" و"حلي الأخبار" و"أشعار الملوك" و"طبقات الشعراء".

جاءته النكبة من حيث يسعد الناس: توفي المكتفي بالله سنة 296 واتفق رجال البلاط على تولية أخيه المقتدر العباسي وسنه 13 عاماً، ثم استصغروه فخلعوه بعد أربعة أشهر، وأقبلوا على ابن المعتز، فلقبوه "المرتضي بالله" وبايعوه بالخلافة، فأقام يوما وليلة، ووثب عليه غلمان المقتدر فخلعوه، وعاد المقتدر فقبض عليه وأمر بقتله، وطالت خلافة المقتدر حتى قتل سنة 320.

قال عبد الله بن المعتز:

ما عابني إلا الحسود *** وتلك من خير المعائب
والخير والحساد مقر *** ونان إن ذهبوا فذاهب
وإذا ملكتَ المجد لم *** تملك مذمات الأقارب
وإذا فقدتَ الحاسدين *** فقدتَ في الدنيا الأطايب

قال عبد الله بن المعتز:

فما تنفع الآداب والعلم والحجى *** وصاحبها عند الكمال يموت
كما مات لقمان الحكيم وغيره *** فكلهم تحت التراب صَمُوتُ

السبت، 9 أغسطس 2008

لكن هو الدهر فالقَيه على حذر

كان الوزير القاسم بن عبيد الله، المتوفى سنة 258 عن 33 سنة، وهو من الكتاب الشعراء، قد تقدم عند وفاة المعتضد بالله سنة 289 إلى صاحب الشرطة مؤنس الخادم أن يوجه إلى عبد الله بن المعتز، وقصي بن المؤيد بالله، وعبد العزيز بن المعتمد، فيحبسهم في دار، ففعل ذلك، وقد حبسهم لأنهم من أبناء الخلفاء المؤهلين للحكم، فكانوا محبّسين خائفين، وكان المكتفي بالله وليُّ عهد المعتضد في الرقة عند وفاة المعتضد، فقام له القاسم بأعباء الخلافة وعقد البيعة له، ولما قدم المكتفي بغداد عُرِّفَ خبرَهم، فأمر بإطلاقهم، ووصل كل واحد منهم بألف دينار.

قال عبد الله بن المعتز: سهرت ليلة دخل في صبيحتها المكتفي إلى بغداد، فلم أنم خوفاً على نفسي وقلقاً بوروده، فمرت بي في السَحَر طيرٌ فصاحت، فتمنيت أن أكون مخلّىً مثلها، لما يجرى عليّ من النكبات، ثم فكرت في نِعَم الله عليّ، وما خاره لي من الإسلام والقُربة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أؤمله من البقاء الدائم في الآخرة، فقلت في الحال:

يا نفس صبراً لعل الخير عقباك *** خانتك من بعد طول الأمن دنياك
مرت بنا سَحَراً طيرٌ فقلت لها *** طوباك يا ليتني إياك طوباك
لكن هو الدهر فالقَيه على حذر *** فرب مثلك تنزو بين أشراك

الخميس، 31 يوليو 2008

إن كيدهن عظيم

قال القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: كنت يوماً في مجلس القضاء فوردت على عجوز ومعها جارية شابة، قال: فذهبت العجوز تتكلم قال: فقالت الشابة: أصلح الله القاضي، مرها فلتسكت حتى أتكلم بحجتي وحجتها، فإن لحَنَتُ بشيء فلترد علي، فإن أذِنتَ لي سَفَرتُ - أي كشفت عن وجهي - قال: فقلت: أسفري، قال: فقالت العجوز: إن سَفَرَتْ قضيتَ لها عليّ، قال: قلت: أسفري، فأسفرت والله عن وجه ما ظننت أن يكون مثله إلا في الجنة.

فقالت: أصلح الله القاضي، هذه عمتي، مات أبي وتركني يتيمة في حجرها فربتني فأحسنت التربية، حتى إذا بلغتُ مبلغ النساء قالت: يا بنية! هل لك في التزويج؟ قلت: ما أكره ذلك يا عمة، هكذا كان؟ قالت العجوز: نعم. قالت: فخطبني وجوه أهل الكوفة فلم ترض لي إلا رجلاً صيرفياً فزوجتني، فكنا كأننا ريحانتان ما يَظُنُ أن الله تعالى خلق غيري، ولا أظن أن الله عز وجل خلق غيره، يغدو إلى سوقه ويروح علي بما رزقه الله.


فلما رأت العمة موقعه مني وموقعي منه حسدتنا على ذلك، قالت: فكانت لها ابنة فشوّفتها - أي زينَتّها - وهيأتها لدخول زوجي عليّ فوقعت عينه عليها، فقال لها: يا عمة! هل لك أن تزوجيني ابنتك؟ قالت: نعم بشرط، قال لها: وما الشرط؟ قالت: تصّيرُ أمر ابنة أخي إلي، قال: قد صيرت أمرها إليك، قالت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتة! وزوَجَتْ ابنتها من زوجي، فكان يغدو عليها ويروح كما كان يغدو علي ويروح. فقلت لها: يا عمة! تأذنين لي أن أنتقل عنك، قالت: نعم، فانتقلت عنها.


قالت: وكان لعمتي زوج غائب فقدم فلما توسط منزله، قال: مالي لا أرى ربيبتنا؟ قالت: تزوجت وطلقها زوجها فانتقلت عنا، فقال لها: إن لها من الحق علينا أن نعزيها بمصيبتها. قالت: فلما بلغني مجيئه تهيأت له وتشوفت، قالت: فلما دخل علي سلم وعزاني بمصيبتي ثم قال لي: إن فيّ بقيةً من شباب فهل لك أن أتزوجك؟ قلت: ما أكره ذاك ولكن على شرط، قال لي: وايش الشرط؟ قلت: تصيّر أمر عمتي بيدي، قال: فإني قد صيرت أمرها بيدك، قلت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتة.


قالت: وقدم بثقله علي من الغد ومعه ستة آلاف درهم، فأقام عندي ما أقام ثم إنه اعتل فتوفي، فلما انقضت عدتي جاء زوجي الأول الصيرفي يعزيني بمصيبتي، فلما بلغني مجيئه تهيأت له وتشوفت، فلما دخل علي قال: يا فلانة، إنك لتعلمين أنك كنت أحبَ الناس إليّ وأعزَهم عليّ، وقد حلَّ لنا الرجعة فهل لك في ذلك؟ قلت: ما أكره ذلك ولكن تصيّر أمرَ ابنة عمتي بيدي، قال: فإني قد فعلت؛ صيّرتُ أمر ابنة عمتك بيدك، قلت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتة. فرجعتُ إلى زوجي، فما استعداؤها علي، أصلح الله القاضي؟


فقالت العجوز: أنا فعلتُ مرة، وفَعَلَتْ مرة بعد أخرى.


فقال ابن أبي ليلى: إن الله لم يوقّتُ في هذا وقتاً، وقد قال تعالى: ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بُغيَ عليه لينصرنه الله. فواحدة بواحدة والبادي أظلم، غير أن زوج العمة لم يكن له أن يتزوج ابنة أخيها وهي في عدته.


قال ابن أبي ليلى: فحدثت الهادي بذلك، فقال: ويحك يا محمد! ما سمعت حديثاً أحسن من هذا، أنا أحب أن أحدث به الخيزران، يعني أمه.

الأربعاء، 30 يوليو 2008

ما أعددت لهذا القبر؟

لما ماتت حمادة بنت عيسى ابنةُ عم أبي جعفر المنصور وزوجتُه حضر جنازتها وجلس لدفنها وهو متألم ‏لفقدها كئيب عليها، فأقبل أبو دلامة وجلس قريبا منه فقال له المنصور: ويحكَ ما أعددت لهذا المكان؟ ‏وأشار إلى القبر، فقال أبو دلامة: ابنةُ عم أمير المؤمنين! فضحك المنصور حتى استلقى ثم قال له: ويحك فضحتنا بين ‏الناس!

الثلاثاء، 29 يوليو 2008

من أراد الشهادة فليترحم على عثمان بدار البطيخ بالكوفة

قال عبد الله بن المبارك: من أراد الشهادة فليدخل دار البطيخ بالكوفة ويترحم على عثمان، قال خلف بن تميم: فدخلت دار البطيخ بالكوفة فرأيت الأرطال والكيالج – أي المكاييل - فكرهت أن أقول شيئاً.

الاثنين، 28 يوليو 2008

الناس أربعة في الورع

قال الإمام الزاهد إبراهيم بن أدهم المتوفى سنة 161: الناس أربعة في الورع:

فمنهم ورِعٌ عن القليل والكثير
ومنهم ورِعٌ عن القليل وإذا اشرْفَ على الكثير لم يتورع عنه
ومنهم ورِعٌ عن الكثير ويدنس ورعَه بالقليل
ومنهم من لا يتورع عن قليل ولا كثير.

الأحد، 27 يوليو 2008

لا يشتريني أحد بعد زلزل فينتفع بي

قال إبراهيم الموصلي: قال لي زلزل: عندي جارية من حالها من قصتها قد علّمتها الغناء. فكنت أشتهي أن أراها، وأستحي أن أسأله، فلما توفي زلزل بلغني أن ورثته يعرضون الجارية، فصرت إليهم، فأخرجوها فإذا هي جارية كاد الهلال يكونها، لولا ما تمّ منها ونقص منه، فقلت لها: غنّي، فغنَّت وعيناها تذرفان، ثم شهقت، ظننت أن نفسها قد خرجت.

فركبت من ساعتي، فدخلت على أمير المؤمنين هارون الرشيد، فأخبرته خبرها، فأمر بإحضارها، فلما دخلت عليه قال: غنّي. فغنَّت وجعلت تريد البكاء، فتمنعها هيبة أمير المؤمنين، فرحمها وأعجب بها، وقال: أتحبين أن أشتريك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، لقد عرضت علي ما يقصر عنه الأمل، أما إذ خيرتني فقد وجب نصحُك عليّ، والله لا يشتريني أحد بعد زلزل فينتفع بي. فزاد رقة عليها، وقال: غني صوتاً فغنت:
العينُ تظهر كتماني وتبديه ... والقلبُ يكتم ماضمَّنتُهُ فيه
وكيف ينكتم المكنون بينهما ... والعين تظهره والقلب يخفيه

فاشتراها وأعتقها، وأجرى عليها رزقاً إلى أن ماتت.

السبت، 26 يوليو 2008

هذا المال مزكى لايضيع منه شيء

منصور، مولى عيسى بن جعفر، ولقبه: زلزل فغلب عليه ونُسي اسمه، كان يضرب بالعود، فيُضرَب به المثل، وكان يحفظ القرآن، وعمل ببغداد بركة للسبيل كان يضرب بها المثل. وتوفي سنة 174 عن 84 سنة.

أنشد إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه لنفسه في بركة زلزل:

لو أن زهيراً وامرأ القيس أبصرا ... ملاحة ما تحويه بِرْكَةُ زَلْزَل
لما وصفا سَلْمَى ولا أم سالم ... ولا أكثرا ذِكْرَ الدخول فحومَل

حدثوا أنه غرق له مركب، فأحضر الغواصين، فلم يزالوا يصعدون ما فيه حتى قال: قد بقي طشت وإبريق، فإن هذا المال مزكى لايضيع منه شيء. فغاصوا فوجدوه.

الجمعة، 25 يوليو 2008

إن الله حيي كريم

روى الترمذي عن سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حَيِيٌّ كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صِفْرًا خائبتين.
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب.

الخميس، 24 يوليو 2008

شجون المحدثين: تنظر في كتاب أبي وتترحم على يحيى

قال الإمام المحدث علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: أوثقُ أصحاب الأعمشِ حفصُ بن غياث، فأنكرت ذلك، ثم قدمت الكوفة بأَخَرَةٍ فأخرج إليّ عمرُ بن حفص كتابَ أبيه عن الأعمش فجعلت أترحم على يحيى، فقال لي عمر: تنظر في كتاب أبي وتترحم على يحيى! فقلت: سمعته يقول: حفص بن غياث أوثق أصحاب الأعمش، ولم أعلم حتى رأيت كتابه.

الأربعاء، 23 يوليو 2008

شجون المحدثين: أيما أحبُ إليك

قال رجل لعبد الرحمن بن مهدي المتوفى سنة 198 وهو شيخ عبد الله بن المبارك وعلي بن المديني وأحمد ‏بن حنبل: أيما أحبُ إليك: يغفر الله لك ذنباً، أو تحفظ حديثاً؟ قال: أحفظ حديثاً.‏

الثلاثاء، 22 يوليو 2008

شجون المحدثين: أربعون لحافاً لمن يبيضون مسنده

أبو يوسف الدوسي يعقوب بن شيبة البصري المتوفى سنة 263 المحدث الثقة، وصنف مسنداً معللاً، إلا ‏أنه لم يتمه، وكان فقيهاً على مذهب مالك، كان في منزله أربعون لحافاً أعدها لمن كان يبيت عنده من ‏الوارقين لتبييض المسند ونقله، ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار. وقيل: إن نسخة مسند ‏أبي هريرة وحده شوهدت بمصر فكانت مائتي جزء.‏

الاثنين، 21 يوليو 2008

شجون المحدثين: إذا قعدت فاقعد مع الناس

قال أبو موسى البزاز هارون بن عبد الله الحمال شيخُ مسلم وإبراهيم الحربي والمتوفى سنة 243: جاءني ‏أحمد بن حنبل بالليل فدقّ البابَ علي، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، فبادرت إليه فمسّاني ومسّيته، ‏وقلت: حاجةٌ يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، شغلتَ اليومَ قلبي، قلت: بماذا يا أبا عبد الله؟ قال: جُزتُ عليك ‏اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء، والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تفعل ذلك مرة ‏أخرى؛ إذا قعدت فاقعد مع الناس.

الأحد، 20 يوليو 2008

شجون المحدثين: الزموا السوق

كان المحدث شُعْبة بن الحجاج المتوفى سنة 160 من كبار أئمة المحدثين، وكان له أخَوَان بشارٌ وحمادٌ وكانا يعالجان الصرف - أي الصرافة - وكان شعبة يقول لأصحاب الحديث: ويلَكم الزموا السوق، فإنما أنا عيال - أي عالةٌ - على إخوتي، قال: وما أكل شعبة من كسبه درهماً قط.

السبت، 19 يوليو 2008

شجون المحدثين: آخذُ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

أبو الغنائم القاضي محمد بن علي بن الحسن بن الدَجاجي المحدث المتوفى 463، كان له مالُ فافتقر في آخر عمره، فجمع له أهلُ الحديث شيئاّ من المال فلم يقبل، وقال: وافضيحتاه، آخذُ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم! لا والله!

الجمعة، 18 يوليو 2008

فمن وقي شرها فقد وقي

روى الإمام عبد الله بن المبارك في مسنده عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من وال ولا أمير إلا له بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف وتنهى عن المنكر، وبطانةٌ لا تألوه خَبَالاً، فمن وقي شرها فقد وقي.

الخميس، 17 يوليو 2008

إن لنا في وجهك حاجة

ولما حضرت الحسن بن الحسن الوفاة قال لفاطمة: إنك امرأة مرغوب فيك، وكأني بعبد الله بن عمرو ‏بن عثمان بن عفان إذا خُرِجَ بجنازتي قد جاء على فرسه مُرَجّلاً جُمّته، لابساً حُلته، يسير في جنب الناس ‏يتعرض لك، فانكحي من شئت سواه، فإني لا أدع من الدنيا ورائي همّـاً غيرك، فقالت له: أنت آمن ‏من ذلك، وأثلجته بالأَيمان من العتق والصدقة - أي حلفت له بعتق مماليكها والتصدق بمالها - أن لا ‏تتزوجه.‏

ومات الحسن، وخُرج بجنازته، فوافاها عبد الله بن عمرو بن عثمان في الحال التي وصف الحسن، وكان ‏يقال لعبد الله بن عمرو بن عثمان: المُطرِف - من حسنه - فنظر إلى فاطمة حاسرة تضرب وجهها، ‏فأرسل إليها إن لنا في وجهك حاجة فارفقي به، فاسترخت يداها، وعُرف ذلك فيها، وخمّرت وجهها، ‏فلما حلّت من عدتها أرسل من يخطبها، فقالت: كيف بيميني التي حلفت بها؟ فأرسل إليها: لك بكل ‏مملوك مملوكان، وعن كل شيء شيئان، فعوضها عن يمينها، فنكحته، وولدت له محمداً وكان يسمى الديباج لحسنه، والقاسم ورقية.‏

وكان ابنها عبد الله بن الحسن يقول: ما أبغضتُ بغض عبد الله بن عمرو أحداً، ولا أحببتُ حب ابنه ‏محمد – وهو أخوه من أمه - أحداً.‏

الأربعاء، 16 يوليو 2008

زواج الحسن بن الحسن (المثنى) بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم

فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، أمُها أمُ إسحاق بنتُ طلحة بن عبيد الله. ‏تزوجها الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فولدت له عبد الله، ثم مات عنها زوجها فتزوجها عبد ‏الله بن عمرو بن عثمان بن عفان. توفيت رضي الله عنها وأهلها سنة 117.

‏ولما خطب الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم إلى عمه الحسين بن علي، قال له ‏الحسين: يا ابن أخي، قد انتظرتُ منك هذا، فانطلق معي. فخرج حتى أدخله منزله، ثم أخرج إليه بنيتيه: ‏فاطمة، وسُكينة، فقال: اختر. فاختار فاطمة، فزوجه إياها، وكان يقال: إن أمر سكينة مردودٌ إليها، ‏وإنها لمنقطعة - أي متبتلة لا رغبة لها في الزوج.

الثلاثاء، 15 يوليو 2008

أقبل على شأنك

سُئل محمد بن عبد الباقي بن كعب بن مالك الأنصاري المتوفى سنة 535 عن مولده ، فقال: أقبلوا على شأنكم، فإني سألت القاضي أبا المظفر هناد بن ابراهيم النسفي عن سنه، فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا الفضل محمد بن أحمد الجارودي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا بكر محمد بن علي بن زحر المنقري عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا أيوب الهاشمي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا اسمعيل الترمذي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت البويطي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، ثم قال لي: ليس من المروءة أن يخبر الرجل عن سنه.

ثم قال الشيخ محمد بن عبد الباقي: لأنه إن كان صغيراً استحقروه، وإن كان كبيراً استهرموه. ثم قال: مولدي في يوم الثلائاء عاشر صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وذكر لنا أن منجمين حضرا حين ولدت فأجمعا أن العمر اثنتان وخمسون سنة، قال: وها أنا قد جاوزت التسعين، وأنشدني:


احفظ لسانك لا تَبُح بثلاثة *** سنٍ ومالٍ ما استطعت ومذهبِ
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة *** بمموه ومكفِّرٍ ومكذِّب

الاثنين، 14 يوليو 2008

وهو عن ‏الله راض، والله عنه راض

اجتمع الإمامان مالك بن دينار المتوفى سنة 131 ومحمد بن واسع المتوفى سنة 123 رحمهما الله فتذاكرا العيش، فقال مالك: ما شيء أفضل من أن يكون للرجل ‏غلة يعيش فيها، فقال محمد: طوبى لمن وجد غداءً ولم يجد عشاءً، ووجد عشاءً ولم يجد غداءً، وهو عن ‏الله راض، والله عنه راض.‏

الأحد، 13 يوليو 2008

أما قتل الرجل فما أطقتُه، وأما سفك دمي فما طبتُ به نفسا

كان رَوْحُ بن حاتم المهلبي واليا على البصرة فخرج على رأس جيش من العراق لحرب جيش من ‏متمردي خراسان، وكان معه نديم الخلفاء أبو دلامة زَنْـدُ بن الجَوْن المتوفى سنة 161، فخرج من ‏منصف العدو مبارز فخرج إليه جماعة فقتلهم، فتقدم روح إلى أبي دلامة بمبارزته فامتنع، فألزمه فاستعفاه ‏فلم يعفه، فأنشد أبو دلامة‏

إني أعوذ بروح أن يقدمني * إلى القتال فيخزى بي بنو أسد
إن المهلب حب الموت أورثكم * ولم أرث أنا حب الموت من أحد
إن الدنو إلى الأعداء أعلمه * مما يفرق بين الروح والجسد

فأقسم عليه ليخرجن وقال: لماذا تأخذ رزق السلطان؟ قال: لأقاتل عنه، قال: فمالك لا تبرز إلى عدو ‏الله؟ فقال: أيها الأمير إن خرجت إليه لحقتُ بمن مضى، وما الشرط أن أُقتل عن السلطان، بل أقاتلَ ‏عنه.‏

فحلف روح لتخرجن إليه فتقتله أو تأسره أو تقتل دون ذلك، فلما رأى أبو دلامة الجد منه قال: أيها ‏الأمير تعلم أن هذا أول يوم من أيام الآخرة، ولا بد فيه من الزوادة، فأمر له بذلك، فأخذ رغيفا مطويا ‏على دجاجة ولحم وسطيحة من شراب وشيئا من نَّقَل، وشهر سيفاً وحمل إلى الميدان.‏

وكان تحته فرس جواد فأقبل يجول ويلعب بالرمح، وكان مليحا في الميدان، والفارس يلاحظه ويطلب ‏منه غِرّة حتى إذا وجدها حمل عليه والغبار كالليل، فأغمد أبو دلامة سيفه وقال للرجل: لا تعجل، واسمع ‏مني عافاك الله كلمات ألقيهن إليك، فإنما أتيتك في مهم، فوقف مقابله وقال: ما المهم؟ قال: أتعرفني؟ ‏قال: لا، قال: أنا أبو دلامة، قال: قد سمعت بك حياك الله، فكيف برزتَ إليّ وطمعت فيّ بعد من قتلت ‏من أصحابك؟ فقال: ما خرجت لأقتلك ولا لأقاتلك، ولكني رأيت لباقتك وشهامتك، فاشتهيت أن ‏تكون لي صديقا، وإني لأدلك على ما هو أحسن من قتالنا، قال: قل على بركة الله تعالى، قال: أراك قد ‏تعبت وأنت بغير شك سغبان ظمآن، قال: كذلك هو، قال: فما علينا من خراسان والعراق، إن معي ‏خبزاً ولحماً وشراباً ونّقَلاً كما يتمنى المتمني، وهذا غدير ماء نمير بالقرب منا، فهلم بنا إليه نصطبح، ‏وأترنم لك بشيء من حداء الأعراب، فقال: هذا غاية أملي.‏

فقال: ها أنا أستطرد لك فاتبعني حتى نخرج من حِلَقِ الطِعان، ففعلا وروح يتطلب أبا دلامة فلا يجده، ‏والخراسانية تطلب فارسها فلا تجده، فلما طابت نفس الخراساني قال له أبو دلامة: إن روحا كما علمت ‏من أبناء الكرام، وحسبك بابن المهلب جوادا، وإنه يبذل لك خلعة فاخرة وفرساً جواداً ومركباً مفضضاً ‏وسيفاً محلى ورمحاً طويلا وجارية بربرية، وينزلك في أكثر العطاء وهذا خاتمه معي لك بذلك، قال: ‏ويحك وما أصنع بأهلي وعيالي؟ فقال: استخر الله وسر معي ودَعْ أهلك، فالكل يخلف عليك، فقال: ‏سر بنا على بركة الله.‏

فسارا حتى قدما من وراء العسكر فهجما على روح، فقال: يا أبا دلامة أين كنت؟ قال: في حاجتك؛ ‏أما قتل الرجل فما أطقتُه، وأما سفك دمي فما طبتُ به نفسا، وأما الرجوع خائبا فلم أُقدم عليه، وقد ‏تلطفتُ وأتيتك به أسيرَ كرمك، وقد بذلت له عنك كيت وكيت، فقال: ممضي إذا وثق لي قال: بماذا؟ ‏قال: بنقل أهله إلى جانبنا، قال الرجل: أهلي على بُعد، ولا يمكنني نقلهم الآن، ولكن امدُدْ يدك ‏أصافحك، وأحلف لك متبرعاً بطلاق الزوجة أني لا أخونك، فإن لم أفِ إذا حلفت بطلاقها لم ينفعك ‏نقلها، قال: صدقت، فحلف له وعاهده ووفى له بما ضمنه أبو دلامة وزاد عليه وانقلب معهم الخراساني ‏يقاتل الخراسانية وينكي فيهم أشد نكاية.‏

السبت، 12 يوليو 2008

تعلم العلم

قال العابد الجليل مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير المتوفى سنة 157: قال لي أبي: يا بنيَّ تعلم العلم، فإنك إن تكُ ذا مالٍ يكنِ ‏العلم كمالاً، وإن تكُ غيرَ ذي مالٍ يكنِ لك العلمُ مالاً.‏

الجمعة، 11 يوليو 2008

ناسبوا بهذا النسب العباس

قَدِمَ الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في وفد كندة من ستين راكباً وكان رئيسَهم، وروي أنهم قالوا له: يا رسول الله نحن بنو آكل الْمُرَارِ، وأنت ابن آكل المرار، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ناسبوا بهذا النسب العباسَ بن عبد المطلب وربيعةَ بن الحارث. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمَّنا - أي لا نشك فيها فنتعقبها - ولا ننتفي من أبينا.

وكان العباسُ بن عبد المطلب وربيعةُ بن الحارث تاجرين، إذا شاعا - أي سافرا - في العرب فسُئلا: ممن أنتما؟ قالا: نحن بنو آكل المرار. ينتسبان إلى كندة ليعِزّا في تلك البلاد، لأن كِندة كانوا ملوكا، فاعتقدت كندة أن قريشا منهم لقول عباس وربيعة "نحن بنو آكل المرار".

الخميس، 10 يوليو 2008

من ملك الهند إلى ملك العرب

كتب ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز: من ملك الهند الذي في مربِـطه ألف فيل، والذي تحته ألف ملك، والذي له نهران ينبتان العود والكافور، إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئاً، أما بعد.

فإني قد أهديت لك هدية وما هي بهدية ولكنها تحية، وأحببتُ أن تبعث إليّ رجلاً يعلمني ويفهمني الإسلام.

الأربعاء، 9 يوليو 2008

أمحو اسمك وأكتب اسمه

اشترى أبو القاسم بن العطار الحراني التاجر، نزيل بغداد مملوكاً تركياً بألف دينار، وأعطاه تجارةً بألف دينار، وجهزه إلى بلاد من بلاد الترك، فأدرجه أحد أصدقائه في كتاب جمع فيه "المغفلين" فكتب إليه فعاتبه، وقال: أنا من جملة المحبين لك، وأنت تلحقني بالمغفلين؟ فقال: بلغني كذا وكذا، وكيف يعود إليك وقد صار ببلاده ومعه ألف دينار؟ قال: فإنه عاد. قال المؤلفُ: أمحو اسمك وأكتب اسمه.

الثلاثاء، 8 يوليو 2008

أما واللهِ ما اللهَ أردتَ بهذا

ا‏لما قُرئ عهدُ عمر بن عبد العزيز بالخلافة بعد وفاة سليمان بن عبد الملك سنة 99، تثاقل عمر عن القيام ‏وقبول الحكم، فقام رجل من ثقيف يقال له سالم من أخوال عمر، فأخذ بضَبعيْهِ - أي بإبطيْهِ - ‏فأقامه، فقال عمر: أما واللـهِ ما اللـهَ أردتَ بهذا، ولن تُصيبَ بها مني دنيا.

الاثنين، 7 يوليو 2008

القلب إذا لم يكن فيه حُزنٌ

قال الإمام الزاهد المحدث مالك بن دينار المتوفى سنة 131: إن القلب إذا لم يكن فيه حُزنٌ خرِبَ كما أن البيت إذا لم يسكن خرب‏.

الأحد، 6 يوليو 2008

نعى إلي العيشَ ناعيه

لما مات المأمون في طرسوس سنة 218، وكان عمره سبعاً وأربعين سنة، وكانت خلافته عشرين سنة، ‏استأذنت المعتصم حظيةٌ كانت للمأمون اسمها تزيف أن تزور قبره، فأذن لها فضربت فسطاطاً وجعلت ‏تبكي وتنوح بشعر لها وهو:

‏يا ملكاً لستُ بناسيهِ ... نعى إلي العيشَ ناعيهِ
والله ما كنت أرى أنني ... أقوم في الباكينَ أبكيه
‏والله لو يُقبل فيه الفدا ... لكنت بالمهجة أفديه
عاذلتي في جَزَعي أقصِري ... قد عَـلِقَ الدهر بما فيه

‏فما بقي أحد في العسكر إلا بكى.



السبت، 5 يوليو 2008

أين خلفت الأدب؟

حدث أبو اسحق إسماعيل بن موسى بن بنت السدي الكوفي الفزاري، المتوفى سنة 245 قال: كنت في مجلس مالك أكتب عنه فسُئل عن فريضةٍ - أي ميراث - فيها اختلافٌ بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأجاب فيها بجواب زيد بن ثابت، فقلت: فما قال فيها عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود؟ فأومأ إلى الحَجَبة، فلما همّوا بي حاصرتهم وحاصروني، فأعجزتهم وبقيت محبرتي وكتبي بين يديّ مالك.

فلما أراد أن ينصرف قال له الحجبة: ما نعمل بكتب الرجل ومحبرته؟ قال: اطلبوه ولا تهيجوه بسوء حتى تأتوني به، فجاءوا إلي ورفِقوا بي حتى جئت معهم، فقال لي: من اين أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال لي: إن أهل الكوفة قومٌ معهم معرفة بأقدار العلماء، فأين خَلَفتَ الأدب؟ قال: قلت: إنما ذاكرتك لأستفيد، فقال: إن علياً وعبد الله لا يُنكر فضلهما، وأهلُ بلدنا على قول زيد، وإذا كنت بين ظَهراني قوم فلا تبدأهم بما لا يعرفون، فيبدأك منهم ما تكره.

قال: ثم حججت في سنتي، وقدمت الشام، فدخلت دمشق فجلست في حلقة الوليد بن مسلم - الإمام الحافظ المتوفى سنة 195 - فلم أصبر أن سألته عن مسألة فأصاب، فقلت له: أخطأت يا أبي العباس، فقال: تخطئني في الصواب وتلحَنُ في الإعراب؟! فقلت له: خفضتك كما خفضك ربك، وداخلته بالاحتجاج، فمال الناس إليّ وتركوه، وقالوا: أهلُ الكوفة؛ أهلُ الفقه والعلم. فخفت أن يبدأني منه ما بدأني من مالك بن أنس، فاذا رجلٌ له حلم ودين، وزِعةٌ عن الإقدام.

الجمعة، 4 يوليو 2008

ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلا

حدث الحارث بن الحارث الغامدي رضي الله عنه يصف رؤيته للرسول صلى الله عليه وسلم في مقتبل الدعوة بمكة المكرمة، قال قلت لأبي: يا أبه ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء قوم قد اجتمعوا على صابئ لهم، قال: فتشوفوا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل والإيمان به، يردون عليه ويؤذونه، حتى ارتفع النهار وانصدع عنه الناس، وأقبلت امرأةٌ قد بدا نحرُها تبكي تحمل قدحا ومنديلا، فتناوله منها فشرب فتوضأ، ثم رفع رأسه إليها فقال: يا بنيةُ خمّري - أي استري - عليك نحرَك، ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلا، قلنا: من هذه؟ قالوا: هذه زينب ابنته.

الخميس، 3 يوليو 2008

عاشر من الناس من تبقى مودته

عاشر من الناس من تبقى مودته * فأكثر الناس جمع غير مؤتلف
منهم صديق بلا قاف ومعرفة * بغير فاء وإخوان بلا ألف

وفلان صَدِئ إِذا لَزِمَه صَدَأ ولوم، والمَعَرَّةُ الإِثم ‏

الأربعاء، 2 يوليو 2008

من أراد الدنيا والآخرة فعليه بدار العباس

دخل أعرابي دار العباس بن عبد المطلب وفي جانبها عبد الله بن عباس - توفي سنة 68 - يفتي، لا يرجع في شيء يسأل عنه، وفي الجانب الآخر عبيد الله بن العباس – توفي سنة 58 - يطعم كل من دخل، فقال الأعرابي: من أراد الدنيا والآخرة فعليه بدار العباس، هذا الفتى يفتي ويفّقه الناس، وهذا يطعم الطعام. رضي الله عنهم أجمعين

الثلاثاء، 1 يوليو 2008

أحبُهما إليّ صاحبةُ الدينار

أبو مِحجَن نصيب بن رباح الشاعر، مولى عبد العزيز بن مروان، وكان أسود شديد السواد، جيد ‏الشعر، عفيف الفرج، كريماً يفضل بماله وطعامه، وتوفي سنة 108 للهجرة.‏

لما أصاب نصيب من المال ما أصاب، وكانت عنده أم محجن - وكانت سوداء - تزوج امرأة بيضاء ‏فغضبت أم محجن، وغارت، فقال: يا أم محجن، والله ما مثلي يُغار عليه، إني لشيخ كبير، وما مثلك من ‏يغار لأنك عجوز كبيرة، وما أجد أكرم عليّ منك ولا أوجب حقاً فجوزي هذا الأمر ولا تكدّريه ‏عليّ، فرضيت وقرت.‏

ثم قال لها بعد ذلك: هل لك أن أجمع إليك زوجتي الجديدة فهو أصلح لذات البين وألم للشعث وأبعد ‏للشماتة، فقالت: افعل. فأعطاها ديناراً وقال: أني أكره أن ترى بك خَصاصة وأن تَفضُل عليك، ‏فاعملي لها إذا أصبحت عندك غداً نزلاً بهذا الدينار.‏

ثم أتى زوجته الجديدة، فقال لها: أني قد أردت أن أجمعك إلى أم محجن غداً وهي مكرمتك، وأكره أن ‏تفضل عليك، فخذي هذا الدينار فأهدي لها به إذا أصبحت عندها غداً لئلا ترى بك خصاصة ولا ‏تذكري الدينار لها، ثم أتى صاحباً يستنصحه، فقال: أني أريد أن أجمع زوجتي الجديدة إلى أم محجن غداً ‏فأتِني مسلماً، فإني سأستجلسك للغداء، فإذا تغديت فسلني عن أحبهما إليّ، فإني سأنفر وأعظم ذلك ‏وآبى أن أخبرك، فإذا أبيت ذلك فاحلف علي.‏فلما كان الغد زارت زوجته الجديدة أم محجن، ومر به صديقه فاستجلسه، فلما تغديا أقبل الرجل عليه، ‏فقال: يا أبا محجن، أحب أن تخبرني عن أحب زوجتيك إليك، قال: سبحان الله، تسألني عن هذا وهما ‏يسمعان، ما سأل عن مثل هذا أحد، قال: فإني أقسم عليك لتخبرني فو الله إني لا أعذرك، ولا أقبل إلا ‏ذاك، قال: أما إذا فعلت فأحبُهما إليّ صاحبةُ الدينار، والله لا أزيدك شيئاً، فأعرضت كل واحدة منهما ‏تضحك ونفسها مسرورةً وهي تظن أنه عناها بذلك القول

الاثنين، 30 يونيو 2008

ما أنت والاعتراض على الشيخ؟

لما دخل الأمير أحمد بن طولون – المتوفى سنة 270 عن خمسين سنة - دمشق وقع فيها حريق عند كنيسة مريم، فركب إليه أحمد بن طولون ومعه أبو زرعة الدمشقي عبد الرحمن بن عمرو المتوفى سنة 280، وأبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي كاتب ابن طولون ينظرون إلى الحريق، فالتفت أحمد بن طولون إلى أبي زرعة، فقال: ما يسمى هذا الموضع؟ فقال له أبو زرعة: يقال له كنيسة مريم. فقال أبو عبد الله: وكان لمريم كنيسة؟ فقال أبو زرعة: إنها ليست مريم بنت عمران أم عيسى وإنما بنى النصارى هذه الكنيسة فسموها باسمها.

فقال أحمد بن طولون لأبي عبد الله الواسطي: ما أنت والاعتراض على الشيخ؟ ثم أمر بسبعين ألف دينار تخرج من ماله وتعطى كل من احترق له شيء، ويُقبل قوله ولا يُستحلف عليه. فأُعطوا وفَضَلَ من المال أربعةُ عشر ألف دينار، وكان يجري ذلك على يد أبي عبد الله الواسطي، فراجع أبو عبد الله الأمير ابن طولون فيما بقي من المال، فأمر أن يُفرق على أصحاب الحريق على قدر شهامتهم، ولا يرد إلى بيت المال منه شيء.

الأحد، 29 يونيو 2008

ثلاث خصال

أبو قلابة الجرمي عبد الله بن زيد من أهل البصرة، كان فقيهاً عالماً بالفقه، بصيراً بالقضاء، فلما طُلِبَ للقضاء هرب إلى الشام، ومرض فدخل عليه عمر بن عبد العزيز يعوده، فقال له: يا أبا قلابة، تشدد ولا تشمت بنا المنافقين. ومات بالشام سنة 104.

قال أيوب السختياني المتوفى سنة 131: قال لي أبو قلابة: احفظ عني ثلاث خصال: إياك وأبواب السلطان، ومجالسة أهل الأهواء، والزم سوقك فإن الغِـنى من العافية.

السبت، 28 يونيو 2008

قصة الرغيف

قال الوزير أبو الحسن ابن الفرات المتوفى 312 - وكان شديد الدهاء كثير المصادرة - لأبي جعفر بن بسطام: ويحك يا أبا جعفر، لك قصة في رغيف، فقال: إن أمي كانت عجوزاً صالحة عودتني منذ ولدتني أن تجعل تحت مخدتي التي أنام عليها في كل ليلة رغيفاً فيه رطل، فإذا كان من غد تصدقت به عني، فأنا أفعل ذلك إلى الآن.

فقال ابن الفرات: ما سمعتُ بأعجب من هذا، إعلم أني من أسوأ الناس رأياً فيك لأمور أوجبت ذلك، وأنا مفكرٌ منذ أيام في القبض عليك وفي مطالبتك بمال، فأرى منذ ثلاث ليال في منامي كأنني أتدعيك لأقبض عليك فتحاربني وتمتنع مني، فأتقدم لمحاربتك فتخرُجَ إلى من يحاربك وبيدك رغيف كالترس فتتقي به السهام ولا يصل إليك منها شيء، وأُشْهِد الله أني قد وهبت لله عز وجل ما في نفسي عليك، وأن رأيي لك أجملَ رأي من الآن فانبسِطْ.

الجمعة، 27 يونيو 2008

فإن الله عز وجل سوف يوفيه

روى الأمام أحمد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، المولود سنة 16 قبل الهجرة والمتوفى سنة 78، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى المشركين ليقاتلهم، وقال لي أبي عبد الله: يا جابر لا عليك أن تكون في نَظَّارِي أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا، فإني والله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تُقتَل بين يديّ، قال: فبينما أنا في النظّـارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتُهما على ناضحٍ، فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا، إذ لحق رجل ينادي ألا إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى، فتدفنوها في مصارعها حيث قُتِلت، فرجعنا بهما فدفناهما حيث قتلا.

فبينما أنا في خلافة معاوية بن أبي سفيان إذ جاءني رجل فقال: يا جابر بن عبد الله، والله لقد أثار أباك عملُ معاوية فبدا فخرج طائفة منه، فأتيته فوجدته على النحو الذي دفنتُه لم يتغير إلا ما لم يدع القتل أو القتيل فواريته.

قال: وترك أبي عليه دَينا من التمر فاشتدَّ عليّ بعض غرمائه في التقاضي، فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله إن أبي أُصيبَ يومَ كذا وكذا، وترك عليّ دَينا من التمر، واشتدّ عليّ بعضُ غرمائه في التقاضي، فأحبُ أن تعينني عليه لعله أن يُنظِرُني طائفةً من تمره إلى هذا الصِرام المقبل، فقال: نعم آتيك إن شاء الله قريبا من وسط النهار.

وجاء معه حَوَارِيُّهُ، ثم استأذن ودخل، فقلت لامرأتي: إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءني اليوم وسط النهار، فلا أرَيتُكِ ولا تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي بشيء، ولا تكلميه، فدخل ففرشتُ له فراشاً ووسادة فوضع رأسه فنام، وقلتُ لمولى لي اذبح هذه العَناق - وهي داجن سمينة - والوَحَا والعَجَل، افرَغْ منها قبل أن يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معك، فلم نَزَل فيها حتى فرَغْنا منها وهو نائم، فقلت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ يدعو بالطَهُور، وإني أخاف إذا فرغ أن يقوم، فلا يفرغن من وضوئه حتى تَضَعَ العَناقَ بين يديه، فلما قام قال: يا جابر ائتني بطهور، فلم يفرغ من طهوره حتى وضعتُ العناق عنده، فنظر إلي فقال: كأنك قد علمت حبنا للحم، ادع لي أبا بكر، قال: ثم دعا حوارييه اللذين معه فدخلوا فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقال بسم الله كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، وفَضَلَ لحمٌ منها كثير.

قال: والله إن مجلس بني سلمة لينظرون إليه، وهو أحب إليهم من أعينهم، ما يقربه رجل منهم مخافة أن يؤذوه، فلما فرغ قام وقام أصحابه فخرجوا بين يديه، وكان يقول: خلوا ظهري للملائكة، واتَّبعتُهُمْ حتى بلغوا أُسْكُفَّةَ الباب، قال: وأخرجت امرأتي صدرها وكانت مستترة بسقيف في البيت، قالت: يا رسول الله صل عليّ وعلى زوجي صلى الله عليك، فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك، ثم قال: ادعُ لي فلاناً لغريمي الذي اشتدّ عليّ في الطلب، قال: فجاء فقال: أَيْسِرْ جابرَ بن عبد الله يعني إلى الميسرة طائفةً من دَيْنك الذي على أبيه إلى هذا الصِرامِ المقبل، قال: ما أنا بفاعل، واعْتَلَّ وقال: إنما هو مال يتامى، فقال: أين جابر؟ فقلت: أنا ذا يا رسول الله، قال: كُلْ له فإن الله عز وجل سوف يوفيه، فنظرت إلى السماء فإذا الشمس قد دَلَكَتْ، قال: الصلاةُ يا أبا بكر، فاندفعوا إلى المسجد، فقلتُ: قرب أوعيتك فكُلتُ له من العجوة، فوفاه الله عز وجل وفضل لنا من التمر كذا وكذا.

فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده كأني شرارة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى، فقلت: يا رسول الله ألم ترَ أني كِلتُ لغريمي تمرَه فوفّاه الله، وفَضَلَ لنا من التمر كذا وكذا، فقال: أين عمر بن الخطاب؟ فجاء يهرول فقال: سَلْ جابرَ بن عبد الله عن غريمه وتمره، فقال: ما أنا بسائله، قد علمتُ أن الله عز وجل سوف يُوَفِّيهِ، إذ أخبرتَ أن الله عز وجل سوف يوفيه، فكرر عليه هذه الكلمة ثلاث مرات، كلُّ ذلك يقول ما أنا بسائله، وكان لا يراجِع بعد المرة الثالثة، فقال: يا جابر ما فعل غريمك وتمرك؟ قال: قلت: وفاه الله عز وجل وفضل لنا من التمر كذا وكذا، فرجع جابر إلى امرأته فقال: ألم أكن نهيتك أن تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أكنتَ تظُنُ أن الله عز وجل يورِدُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيتي ثم يخرجُ ولا أسأله الصلاةَ عليّ وعلى زوجي قبل أن يخرج!

الخميس، 26 يونيو 2008

أرجو أن يكون لك خِيَرَة

كان رجل بالبصرة من بني سعيد، وكان قائداً من قواد عبيد الله بن زياد، فسقط من السطح، فانكسرت رجلاه، فدخل عليه أبو قلابة يعوده فقال له: أرجو أن يكون لك خِيَرَة، فقال: يا أبا قلابة، وأي خيرة في كسر رجلي جميعاً! قال: ما الله عنك أكثر، فلما كان بعد ثلاث ورد عليه كتاب عبيد الله بن زياد أن يخرج فيقاتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، فقال للرسول: قد أصابني ما ترى، فما كان سبعاً حتى وافى الخبر بقتل الحسين، فقال الرجل: رحم الله أبا قلابة، لقد صدق أنه كان خِيَرَة لي.

الأربعاء، 25 يونيو 2008

شهود عبيد الله عند مخطوبته

التابعي الجليل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، روى عن أبي هريرة، وابن عباس، وأبي طلحة، وسهل بن حنيف، وزيد بن خالد، وأبي سعد الخدري، وعائشة، وكان ثقة فقيهاً، وهو أحد الفقهاء السبعة ومن أكابرهم، وهو مع ذلك شاعر فصيح، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: من بليلة من ليالي عبيد الله بن عبد الله بألف دينار. توفي عبيد الله رحمه الله بالمدينة في سنة 98.

قدمت المدينة امرأة من هذيل، وكانت جميلة جداً، فرغب الناس فيها فخطبوها وكادت تذهب بعقول أكثرهم، فقال عبيد الله:

أحبك حباً لا يحبك مثله ... قريب ولا في العاشقين بعيدُ
أحبك حباً لو شعرت ببعضه ... لجِـدتِ ولم يصعب عليك شديد
وحبك يا أم الصبي مدلّـهي ... شهيدي أبو بكر فنعم شهيد
ويعرف وجدي القاسم بن محمد ... وعروةُ ما ألقى بكم وسعيدُ
ويعلم ما أخفي سليمانُ علمه ... وخارجةٌ يبدي بنا ويعيد
متى تسألي عما أقول وتخبري ... فلله عندي طارف وتليد

فقال سعيد بن المسيب: أما أنت والله! قد أمنِتَ أن تسألَـنا وما طمعتَ إن سألَـتنا أن نشهد لك بالزور. وهؤلاء الذين استشهدهم عبيد الله وهو معهم فقهاء المدينة السبعة الذين أُخِـذ عنهم الرأي رحمهم الله جميعاً.

الثلاثاء، 24 يونيو 2008

مقيم على سفر

قال الأديب أبو علي محمد بن وشاح بن عبد الله البغدادي المتوفى سنة 463 عن أربع وثمانين سنة:

حملتُ العصا لا الضَعْفُ أوجب حملَها ... عليّ ولا أني انحنيت من الكِبَرْ
ولكنني ألزمتُ نفسي بحمـلِها ... لأعلمَها أنـي المقيمُ على سفر

الاثنين، 23 يونيو 2008

أم المقتدر بالله العباسي

السيدة أم المقتدر بالله العباسي: اسمها شغب، كانت من جواري المعتضد بالله أبي جعفر، واعتقها وتزوجها. ولما آلت الخلافة إلى ابنها المقتدر سنة 295 ه‍، وعمره ثلاث عشرة سنة، قامت بتوجيهه، وكانت مدبرة حازمة، واستولت على أمور الخلافة. وأمرت سنة 306 ه‍ قهرمانة لها اسمها (ثمل) أن تجلس للنظر في عرائض الناس، يوما في كل جمعة، فكانت تجلس ويحضر الفقهاء والقضاة والاعيان وتبرز التواقيع، وعليها خطها. ولما ثار عبد الله بن حمدان على المقتدر، وناصره بعض رجال المقتدر، وخلعوه سنة 317 استتر عند أمه، وكان لها ستمائة ألف دينار في الرصافة، فأُخذت. ثم لم تلبث أن عادت إلى تدبير الشؤون بعد قمع الثورة في السنة نفسها، وقويت القرامطة وقتلوا الخلق العظيم بالعراق والجزيرة والشام، وأم المقتدر تطوي عن ابنها الاخبار من الرزايا والفجائع، وتقول: إظهارها يؤلم قلبه! فأدى ذلك إلى غاية الفساد. وظلت متنفذة إلى أن قتل ابنها المقتدر سنة 320.

وولي بعده القاهر فضربها وعذبها، ثم نقلها الحاجب علي بن بليق، إلى داره وجعلها عند والدته، وأكرمها ورفهها، إلا أن عِلتها من ضرب القاهر اشتدت عليها، فتوفيت، ودفنت بتربتها بالرصافة. قال ابن تغري بردي: كان لها الأمر والنهي في دولة ابنها، وكانت صالحة، وكان متحصلها في السنة ألف ألف دينار، فتتصدق بها وتخرج من عندها مثلها. من آثارها بيمارستان (مستشفى) أنشأته ببغداد، كان طبيبه سنان بن ثابت، وكان مبلغ النفقة فيه في العام سبعة آلاف دينار.

الأحد، 22 يونيو 2008

مثلك يا أحمد من قُلِدَ القضاء

حدث القاضي أبو الحسين علي بن محمد بن أبي جعفر بن البهلول، قال: طلبت السيدة أم الخليفة المقتدر بالله من جدي محمد بن أبي جعفر بن البهلول المتوفى 318 كتابَ وَقْفٍ بضيعة كانت ابتاعتها، وكان كتاب الوقف مخزوناً في ديوان القضاء، وأرادت أخذه لتخرقه وتتملك الوقف، ولم يعلم الجدُّ بذلك، فحمله إلى الدار، وقال للقهرمانة: قد أحضرت الكتاب فأيش ترسم؟ فقالوا: نريد أن يكون عندنا، فأحس بالأمر، فقال لأم موسى القهرمانة: تقولين لأم المقتدر السيدة: اتقي الله، هذا والله ما لا طريق إليه أبداً، أنا خازن المسلمين على ديوان الحكم، فإن مكنتموني من خزنه كما يجب، وإلا فاصرفوني وتسلموا الديوان دفعة واحدة، فاعملوا فيه ما شئتم، وأما أن يُفعل شيء من هذا على يدي، فوالله لا كان ذلك أبداً ولو عُرِضتُ على السيف.

ونهض والكتاب معه، وجاء إلى طيارِهِ – وهو زورق صغير سريع - وهو لا يشك في الصرف، فصعد إلى الوزير ابن الفرات وحدثه بالحديث، فقال له: ألا دافعت عن الجواب وعرفتني حتى أكتب وأُملي في ذلك، والآن أنت مصروف فلا حيلة لي مع السيدة في أمرك.

قال: وأدت القهرمانة الرسالة إلى السيدة، فشكت إلى المقتدر، فلما كان يوم الموكب خاطبه المقتدر شفاهاً في ذلك فكشف له الصورة، وقال له مثل ذلك القول والاستعفاء، فقال له المقتدر: مثلك يا أحمد من قُلِدَ القضاء، أقِم على ما أنت عليه بارك الله فيك، ولا تخف أن ينثلم محلك عندنا.

فلما عاودت السيدة قال لها المقتدر: الأحكام ما لا طريق إلى اللعب به، وابن البهلول مأمون علينا محب لدولتنا، ولو كان هذا شيئاً يجوز لما منعتك إياه، فقالت السيدة: كأن هذا لا يجوز؟ فقال لها: لا، هذه حيلة من أرباب الوقف على بيعه. وأعلمها كاتبُها ابن عبد الحميد شرحَ الأمر وأن الشراء لا يصح بتخريق كتاب الوقف، وأن هذا لا يحل، فارتجعت المال، وفسخت الشراء، وعادت تشكر جدي وانقلب ذلك أمراً جميلاً عندهم، فقال جدي بعد ذلك: من قدّم أمر الله على أمر المخلوقين كفاه الله شرهم.

السبت، 21 يونيو 2008

وإلى أن ينوي ويتم النية

قال أبو الحسن بن عبد الملك بن إبراهيم أبي الفضل الهمذاني: كان والدي - المتوفى سنة 489 - إذا أراد أن يؤدبني يأخذ العصا بيده ويقول: نويت أن أضرب ابني تأديباً كما أمر الله، ثم يضربني. قال أبو الحسن: وإلى أن ينوي ويتم النية كنت أهرب.

الجمعة، 20 يونيو 2008

أنا خيرُ من يُبايَع

روى الترمذي وأحمد والنسائي رحمهم الله، ودخل من حديث بعضهم في بعض، عن عَائِشَةَ وأنس بن مالك رضي الله عنهما، قالت عائشة: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان قِطْرِيَّان غليظان فكان إذا قعد فعَرِقَ ثَقُلا عليه فقدِمَ بَزٌّ من الشام لفلانٍ اليهودي فقلت: لو بعثتَ إليه فاشتريتَ منه ثوبين إلى الميسَرَة.

قال أنس: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته، فقلت: بعثني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبعث إليه بأثواب إلى الميسَرَة فقال: وما الميسرة! ومتى الميسرة! والله ما لمحمدٍ سَائِقَةٌ ولا رَاعِيَةٌ، قد علمتُ ما يريد محمد، إنما يريد أن يأخذ ثوبيَّ ولا يعطيني الدراهم، فرجعتُ فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: كذبَ قد علم أني من أتقاهُم لله وآداهُمْ للأمانة، أنا خيرُ من يُبايَعُ، لأن يَلْبَسَ أحدُكم ثوباً من رقاعٍ شَتَّى خيرٌ له من أن يأخذ بأمانتهِ ما ليسَ عنده.

الخميس، 19 يونيو 2008

شجون المحدثين: أعز شيء لدى الخطيب البغدادي

أهدى الخطيبُ البغدادي - المولود سنة 392 والمتوفى 463 – كتابَـهُ تاريخَ بغداد بخطه إلى عبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد، أبي منصور الشيحي التاجر المتوفى سنة 489 وقال: لوكان عندي أعز منه لأهديته له. لأن الشيحي حَمَلَ الخطيبَ من الشام إلى العراق.

الأربعاء، 18 يونيو 2008

شجون المحدثين: الحديث فتنة

قال الإمام يحيى بن معين المتوفى سنة 233 عن 75 سنة رحمه الله: أول ما كتبنا عن أبي النضر هاشم بن القاسم المتوفى 207 قال: إن عندي كتاباً لشعبة نحواً من ثمانمائة حديث سألتُ عنها شعبة. فحدَثَنا بها، وقال: عندي غيرُ هذه لَستُ اجترئ عليها، ثم حضرّناه من بعدُ تلكَ الأحاديث الباقية، فكان يقول فيها: حدثنا شعبة، والحديثُ فتنة. وكانت نحواً من أربعة آلاف.

الثلاثاء، 17 يونيو 2008

شجون المحدثين: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي

كان السّري بن عاصم المتوفى 258 في مجلسه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فسمع كلاماً في ناحية المجلس فقال: ما هذا؟ كنا عند حمّاد بن زيد وهو يحدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم فسمع كلاماً في ناحية المجلس فقال: ما هذا؟ كانوا يعدون الكلام عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم كرفع الصوت فوق صوته.

الاثنين، 16 يونيو 2008

شجون المحدثين: أخزى الله سلعة لا تنفق إلا بعد الكبر

قال الإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى سنة 211 شيخ الإمام أحمد رحمهما الله: أخزى الله سلعة لا تنفق إلا بعد الكِبَرِ والضَعْف: حتى إذا بلغ أحدهم مائة سنة كُتبَ عنه، وإما أن يقال كذاب فيبطلون عمله، وإما أن يقال مبتدع فيبطلون عمله، فما أقل من ينجو من ذلك.

قال الإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني: قال لي وكيع بن الجراح، المولود سنة 129 والمتوفى سنة 197: أنت رجل عندك حديث، وحفظك ليس بذاك، فإذا سئلت عن حديث فلا تقل ليس هو عندي، ولكن قل لا أحفظه.

الأحد، 15 يونيو 2008

شجون المحدثين: أشدُّ من شرط البخاري

قال ابن طاهر المقدسي: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه، فقلت: قد ضعّفه النسائي! فقال: يا بنيّ إن لأبي عبد الرحمان شرطاً في الرجال أشدُّ من شرط البخاري.

السبت، 14 يونيو 2008

شجون المحدثين: ما هذا الحديث الذي تكثرون

بعث عمر إلى ابن مسعود وإلى أبي الدرداء وإلى أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهم، فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وحبسهم بالمدينة حتى استشهد.

الجمعة، 13 يونيو 2008

وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر

روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه، ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً.

الخميس، 12 يونيو 2008

ما دمتَ حياً فدارِ الناس كـلهم

قال الإمام أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب أبو سليمان الخطابي المتوفى سنة 249 شارح سنن أبي داود والبخاري:

ما دمـتَ حياً فـدارِ النـاس كـلهـم ... فإنمـا أنت في دار المـُداراة
من يدرِ دارى ومن لم يدر سوف يُرى ... عمـا قليلٍ نديماً للندامات

الأربعاء، 11 يونيو 2008

وأرى هذا ما يبالي

حدث مفضل بن مهلهل قال: خرجت حاجاً مع سفيان فلما صرنا إلى مكة وافقنا الأوزاعي بها فاجتمعنا في دارنا والأوزاعي - ولد سنة 88 وتوفي سنة 147 - وسفيان الثوري – ولد سنة 97 وتوفي سنة 161 - قال: وكان على الموسم - أي إمارة الحج - عبد الصمد بن علي الهاشمي - عم الخليفة المنصور وعامله على الحجاز، ولد سنة 104 وتوفي سنة 185 - فدق داقٌّ الباب، قلنا: من هذا؟ قال: الأمير، فقام الثوري فدخل المخرج وقام الأوزاعي فتلقاه فقال له عبد الصمد بن علي: من أنت أيها الشيخ؟ قال: أنا أبو عمرو الأوزاعي، قال: حياك الله بالسلام أما أن كتبك كانت تأتينا فكنا نقضي حوائجك، ما فعل سفيان الثوري؟ قال: دخل المخرج، فدخل الأوزاعي في أثره فقال: إن هذا الرجل ما قصد إلا قصدك قال: فخرج سفيان مقطباً فقال: سلام عليكم كيف أنتم؟ فقال له عبد الصمد بن علي: يا أبا عبد الله أتيتك أكتب هذه المناسك عنك، قال له سفيان: ألا أدلك على ما هو أنفع لك قال: وما هو؟ قال: تدع ما أنت فيه، قال: كيف أصنع بأمير المؤمنين أبي جعفر قال: إن أردت الله كفاك الله أبا جعفر.

فقال الأوزاعي لسفيان الثوري بعد أن انصرف عبد الصمد: يا أبا عبد الله إن هؤلاء قريش وليس يرضون منا إلا بالإعظام لهم، فقال: له يا أبا عمرو إنا ليس نقدر نضربهم فإنما نؤدبهم بمثل هذا الذي ترى. قال المفضل: فالتفت إليّ الأوزاعي فقال: لي قم بنا من ههنا فإني لا آمن أن يبعث هذا من يضع في رقابنا حبالاً، وأرى هذا ما يبالي.

الثلاثاء، 10 يونيو 2008

كل محبوب سوى الله سرف

قال الزاهد يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي، الذي ولد في الري – وهي اليوم طهران - وأقام ببلخ، وتوفي في نيسابور عام 258:

كلُ محبوبٍ سوى الله سَرَفْ *** وهـمومٌ وغـمومٌ وأسفْ
كـلُ محبوبٍ فمنه خَلَفٌ *** ما خلا الرحمن ما منه خَلَفْ
إن للـحب دلالات إذا *** ظهرت من صاحب الحب عُرِفْ
همّـهُ فـي الله لا في غيره *** ذاهبُ العـقل وبالله كَـلِفْ
باشَرَ المحرابَ يشـكو بثّهُ *** وأمام الله مولاه وقـف

وقال يحيى بن معاذ رحمه الله:

وليُّ الله في الدنيا وحيدُ *** وبين الخلق مكتئب طريدُ
له في جنة الرحمن دارٌ *** وعيشٌ ناعم غض جديدُ

الاثنين، 9 يونيو 2008

تعلم يا فتى والعود رطب

كان أبو بكر الشاشي الفقيه محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر المتوفى سنة 507 عن ثمانين سنة، ينشد:

تعلم يا فتى والعود رطب ... وطينك لين والطبع قابل
فحسبك يا فتى شرفاً وفخراً ... سكوت الحاضرين وأنت قائل

الأحد، 8 يونيو 2008

أحب إليّ من أُنس الصديق

قال المحدث محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي الحافظ الرحالة المتوفى سنة 353 عن سبعٍ وثمانين سنة

لمحبرة تجالسني نهاري *** أحب إليّ من أُنس الصديق
ورزمة كاغدٍ في البيت عندي *** أحب إلي من عِدل الدقيق
ولطمة عالم في الخدّ مني ألذّ *** لديّ من شرب الرحيق
والكاغد: الورق.

السبت، 7 يونيو 2008

تأخذ معانيَّ التي قد عنيت بها

غضب الشاعر بشار بن برد المتوفى سنة 167 على الشاعر سَلَم الخاسر المتوفى سنة 186، وكان سلم من تلامذته ورواته فاستشفع عليه بجماعة من إخوانه فأتوه فقالوا: جئناك في حاجة فقال: كل حاجة لكم مقضية إلا سلماً، قالوا: ما جئناك إلا في سلم، ولا بد من أن ترضى عنه، قال: فأين هو؟ قالوا: ها هو ذا. فقام سلم يقبل رأسه ويديه وقال: يا أبا معاذ خريجك وأديبك، فقال بشار: فمن الذي يقول؟

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

قال: أنت يا أبا معاذ جعلني الله فداك، قال: فمن الذي يقول؟

من راقب الناس مات هماً ... وفاز باللذة الجسور

قال: خريجك يقول ذلك قال: فتأخذ معانيَّ التي قد عنيت بها وتعبت فيها وفي استنباطها فتكسوها ألفاظاً أخف من ألفاظي حتى يروى ما تقول ويذهب شعري لا أرضى عنك أبداً! فما زال يتضرع إليه ويشفّع له القوم حتى رضي عنه.

الجمعة، 6 يونيو 2008

أسلمتَ على ما سَلَفَ لك من خير

حكيم بن حزام بن خويلد القرشي الأسدي، هو ابن أخي خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولد في الكعبة وذلك أن أمه دخلت الكعبة في نسوة من قريش وهي حامل، فضربها المخاض، فأتيت بنطع - أي بقطعة جلد - فولد حكيم بن حزام عليه.

أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير، وتأخر إسلامه إلى عام الفتح، فلما أسلم حمل على مائة بعير وأعتق مائة رقبة.

قال: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أشياء كنت أصنعها في الجاهلية أتحنث بها - يعني أتبرر بها - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلمتَ على ما سَلَفَ لك من خير.

عاش حكيم بن حزام في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وتوفي بالمدينة سنة 54، وكان عاقلاً سوياً فاضلاً تقياً سخياً بماله.

الخميس، 5 يونيو 2008

لم أجد جزءاً يصلح لأبي زرعة

عبد اللّه بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث، أبو محمد السمرقندي، ولد بدمشق سنة 444، ونشأ ببغداد، وسمع الحديث ببيت المقدس، وبنيسابور، بلخ، وبسرخس، وبمرو، وبإسفرائين، وبالكوفة، وبالبصرة، وغير ذلك من البلاد، صحب أباه والخطيب وجمع وألف، وكان صحيح النقل كثير الضبط، ذا فهم ومعرفة، توفي رحمه الله سنة 516 هجرية.

دخل أبو محمد السمرقندي بيتَ المقدس وقصد الشيخ أبا عثمان محمد بن أحمد بن ورقاءَ الأصبهاني الصوفي نزيل بيت المقدس والمتوفى بعد 465، فطلب منه جزءاً حديثياً فوعده به ونسي أن يخرجه فتقاضاه فوعده مراراً، فقال له: أيها الشيخ لا تنظر إلى بعين الصَبوَة – أي تستصغرني لشبابي - فإن اللّه قد رزقني من هذا الشأن مالم يَرْزق أبا زُرْعة الرازي، فقال الشيخ: الحمد لله! ثم رجع أبو محمد السمرقندي إليه يطلب الجزء، فقال الشيخ: أيها الشاب إني طلبت البارحة الأجزاء فلم أجد فيها جزءاً يصلح لأبي زرعة الرازي، فخجل السمرقندي وقام.


و كان أبو زرعة الرازي المولود سنة 200 والمتوفى بالري – أي طهران - سنة 264 من الأئمة حفاظ الحديث، كان يحفظ مئة ألف حديث، ويقال: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل.

الأربعاء، 4 يونيو 2008

لي دمعٌ ليس يعصيني

كانت دريرة جارية الخليفة العباسي المعتضد بالله - المتوفى سنة 289 عن 45 سنة - مكينةً عنده، لها موضع من قلبه، فتوفيت فجزع عليها جزعاً شديداً، وقال فيها:

يا حبيباً لم يكن يعدله عندي حبيبُ
أنت عن عيني بعيدٌ ومن القلب قريب
ليس لي بعدك في شيء من اللهو نصيب
لك من قلبي على قلبي وإن بِنْتَ رقيب
وخيالي منك مُذ غِبت خيالٌ ما يغيب
لو تراني كيف لي بعدك عَولٌ ونحيب
وفؤادي حشوه من حُرَقِ الحزن لهيب
لتيقنت بأني فيك محزون كئيب
ما أرى نفسي وإن سلليتُها عنك تطيب
لي دمعٌ ليس يعصيني وصبرٌ ما يجيب

الثلاثاء، 3 يونيو 2008

بيت شعر بأربعة آلاف درهم

حضرت امرأةً من بني نمير الوفاةُ فقيل لها: أوصي، فقالت: نعم، خبروني من القائل؟

لَعمرُكَ ما رماح بني نمير *** بطائشة الصدور ولا قِصارُ

فقيل لها زياد الأعجم، فقالت: أُشهدُكم أن له ثُلَثَ مالي، قال: فحُمِلَ له من ثُلُثِها أربعةُ آلاف درهم.

وزياد بن سليمان الأعجم مولى بني عبد القيس، من شعراء الدولة الاموية، ولد ونشأ في أصفهان، وانتقل إلى خراسان، فسكنها وطال عمره، ومات نحو 100 هجرية

الاثنين، 2 يونيو 2008

الناس عبيد الدنيا

حدث الفرزدق قال: حججتُ فلما كنت بذات عِرق لقيني الحسين بن علي رضي الله عنه يريد الكوفة، فقصدته فسلمت عليه، فقال لي: ما خلّفتَ لنا وراءك بالبصرة؟ فقلت: قلوبُ القوم معك وسيوفُهم مع بني أمية، فقال: ما أشك في أنك صادق؛ الناس عبيد الدنيا، والدين لغوٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّت به معائشهم، فإذا استنبطوا - أي استخرجوا معايشهم - قلّ الديّانون.

ويجدر الذكر هنا أن المراجع الشيعية صحفت كلمة "لغو" إلى كلمة "لعِقٌ" وهي أبعد ما تكون عن اللغة والمعنى.

الأحد، 1 يونيو 2008

لا تبكي على هالك

ساروا بها كالبدر في هودج * يميس محفوفا بأترابه
فاستعبرتْ تبكي فعاتبـتُها * خوفا من الواشي وأصحابه
وقلت لا تبكي على هالكٍ * بعدك ما يبقى على ما به
للموت أبواب وكل الورى * لابد أن يدخل من بابه
وأحسنُ الموت بأهل الهوى * من مات من فُـرقة أحبابه

السبت، 31 مايو 2008

حتى يطيب شرابه وطعامه

المال يذهب حـلـه وحـرامه * طراً وتبقى فـي غـد آثـامه
ليس التـقي بمتقٍ لإلهه * حتـى يطيب شرابـه وطعامـه
ويطيب ما يحوي وتكسِب كفه * ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربه * فعلى النبي صلاته وسلامه

الجمعة، 30 مايو 2008

مِنْ خَير ذي يَمَن

قدم جرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه المدينة في رمضان سنة عشر فأسلم، فقال: لما أن دنوت من المدينة أنختُ راحلتي ثم حللت عيبتي ولبست حلتي، فدخلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فسلمت عليه فرماني الناس بالحَدَق، فقلت لجليس لي: يا عبد الله! هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمري شيئاً؟ قال: نعم، ذكرك بأحسن الذكر، قال: إنه سيدخل عليكم من هذا الفَجِ أو من هذا الباب مِنْ خَير ذي يَمَن، ألا وإن على وجهه مسحة مَلَك، قال جرير: فحمدت الله على ما أبلاني.ولما جاء جرير يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط له رسول الله ثوباً ليجلس عليه، وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. وكان جرير سيداً في قومه.

توفي رضي الله عنه سنة 56.

الخميس، 29 مايو 2008

ودعت قلبي

ودعت قلبي ساعة التوديع * وأطعت قلبي وهو غير مطيع
إن لم أشيعهم فقد شيعتهم * بمشيعَين: تلهفي ودموعي

الأربعاء، 28 مايو 2008

إن أبي لم يكن له منبر

حدّثَ الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: أتيتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر، فقلت: انزل عن منبر أبي فاذهب الى منبر أبيك، فقال: مَنْ علّمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد، فقال عمر رضوان الله عليه: إن أبي لم يكن له منبر، ثم أخذني فأجلسني معه، فلما نزل نزل بي معه الى منزله فقال يا بني اجعل تغشانا، اجعل تأتينا.

فجئت يوماً وهو خالٍ بمعاوية، فجاء عبد الله بن عمر فلم يؤذن له فرجع، فرجعت فلقيني فقال: ما لي لم أرك؟ فقلت: قد جئتُ وكنتَ خالياً بمعاوية وابنُ عمر على الباب فرجع ورجعت، فقال: أنت أحق بالاذن من ابن عمر، إنما أنبت ما ترى في رأسي من الشعر اللهُ ثم أنتم.

ولد الحسين بن علي رضوان الله عليهما في السنة الرابعة للهجرة واستشهد في السنة السادسة والستين، وتولى عمر رضوان الله عليه الخلافة سنة ثلاث عشر واستشهد سنة ثلاث وعشرين للهجرة.

الثلاثاء، 27 مايو 2008

وببغداد فؤادي

كتب الخليفة العباسي المعتضد بالله - المتوفى سنة 289 عن 45 سنة - إلى بعض أحبابه ببغداد وكان في الغزو:

هاهنا جسمي مقيم *** وببغداد فؤادي
وكذا كلّ محبٍّ *** باع قُرباً ببعاد
أملك الأرض ولكن *** تملك الخُودُ قيادي
غلب الشوق اصطباري *** مثل غلبي للأعادي
فأنا أحتال أن يخفى *** بجهدي وهو باد
ليس وادٍ لا أرى في *** ه حبيبي لي بواد

الاثنين، 26 مايو 2008

إن الهوى جامع الفساد

إن كنت تبغي الرشاد محضاً * لأمر دنياك والمعاد
فخالف النفس في هواها * إن الهوى جامع الفساد

الأحد، 25 مايو 2008

جمعت من الأموال...

توفي علي أبو الحسن، الملقب فخر الدولة بن أبي علي ركن الدولة بن بويه في شعبان من سنة 387 وكانت إمارته ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوماً، وكان عمره ستاً وأربعين سنة وخمسة أيام، وكان حين اشتد مرضه قد أصعد به إلى قلعة فبقي فيها أياماً يعلل ثم مات، وكانت الخزائن مغلقة مختومة، وقد جُعِلت مفاتيحها في كيس من حديد وسمره، وحَصَلتْ عند ولده رستم فلم يوجد له في ليلة وفاته ما يُكفَنُ فيه، وتعذر النزول إلى البلد لشدة شغْب وقع بين الجند، فابتيع من قَيّمِ الجامع الذي تحت القلعة ثوبٌ ولُفَّ فيه، وكان قد أراح - أي أنتن جثمانه - لتشاغل الناس باختلاف الجند، فلم يمكنهم لذلك القرب منه ولا مباشرة دفنه، فشُدَّ بالحبال وجُرَّ على درج القلعة من بُعد حتى تَقَطَع.

وكان يقول في حياته قد جمعت من الأموال لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم خمس عشرة سنة، إذا لم يكن لهم إلا من الحاصل – أي المخزون - وكان قد ترك ألفي ألف دينار وثمانمائة ألف وخمسة وسبعين ألفاً ومائتين وأربعة وثمانين ديناراً، وكان في خزانته من الجوهر واليواقيت واللؤلؤ والبلخش - حجر يشبه الياقوت - أربع عشرة ألف ألف دينار، ومن أواني الذهب ما وزنه ألف ألف دينار، ومن أواني الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف، ومن الثياب ثلاثة آلاف حمل، وخزانة السلاح ألفا حمل، وخزانة الفرش ألف وخمسمائة.

السبت، 24 مايو 2008

رحم الله مسلماً زار قبري وحفرتي

القاضي شمس الدين عبد الله بن شرف الدين يوسف بن عبد الله بن يوسف بن أبي السفاح الحلبي توفي بالقاهرة سنة 764 عن نيف وخمسين سنة، رحمه الله. كان جليلاً، باشر كتابة الإنشاء بحلب وعدة من الوظائف الديوانية، وقال في مرض موته:


إن قضى الله موتتي *** وفراقي أحبتي
فعليهم تأسفي *** وإليهم تَلَفُتي
أو يكن حان مصرعي *** وتدانت منيتي
رحم الله مسلماً *** زار قبري وحفرتي

الجمعة، 23 مايو 2008

اللهم اهد أم أبي هريرة

حدث أبو هريرة قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة.

فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، لما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مُجافٌ - أي مردود - فسمعَتْ أمي خَشْفَ قدمَيّ فقالت: مكانك يا أبا هريرة. وسمعت خَضْخَضَة الماء قال: ولبستْ دِرعها، وعَجلَت عن خِمارها ففتحت الباب، وقالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن مُحَمَّداً رسول الله.

قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فحمد الله وقال خيراً.

الخميس، 22 مايو 2008

أنت ما تعرف ترتيب الصحابة

أدّب محتسبُ دمشق أبو إسحاق الغافقي إبراهيمُ بن عبد الله بن حصن - المتوفى سنة 404 - رجلاً، فلما ضربه درة، قال المضروب: هذه في قفا أبي بكر، فلما ضربه أخرى قال: هذه في قفا عمر، فضربه أخرى فقال: هذه في قفا عثمان، ثم ضربه أخرى فسكت. فقال له الغافقي: أنت ما تعرف ترتيب الصحابة، أنا أعرّفك، وأفضلُهم أهل بدر، لأصفعنك على عددهم فصفعه ثلاثمائة وست عشرة درة. وبلغ الحاكم ذلك، فأرسل يشكره ويقول: هذا جزاء من ينتقص السلف الصالح.

الأربعاء، 21 مايو 2008

كرم وأمانة

ذكر ابن سمعون الواعظ أبو الحسين محمد بن أحمد بن إسماعيل - المتوفى سنة 387 - الحلواء من على كرسيه في درس ليلة النصف من شعبان، وكانت مُزنة جارية أبي سعيد الصائغ حاضرة، وهو تاجر مشهور بكثرة المال ومنزله بدرب رياح ببغداد، فلما أمسى أتاه غلام ومعه خمسمائة خُشكُنانة – وهي فطائر رقيقة تحشى باللوز والجوز والفستق والسكر ثم توضع في الفرن- فكسر واحدة فوجد فيها ديناراً، فكسر الأخرى فوجد فيها ديناراً، فكسر الجميع وأخرج الدنانير، وحملها بنفسه إلى أبي سعيد الصائغ، وقال: قد جئتك في سبب وأريد أن يكون جوابك قبولَ قولي، وأن لا تنكر على أهل الدار، وأخبره بالدنانير، فقال له أبو سعيد: أعيذك بالله أن يحضُر مجلسَكَ من فيه ريبة، والله ما تركتِ المرأةُ الدنانير إلا بحضرتي، وتَساعَدنا جميعاً على هذا الفعل.

الثلاثاء، 20 مايو 2008

أين ترى محط رِحَالهِ

ومن شعرالأرجاني أيضا:

شاور سواك إذا نابتك نائبة *** يوماً وإن كنتَ من أهل المشوراتِ

فالعين تلقى كفاحاً ما دنا ونأى *** ولا تـرى نفسها إلا بمـرآة


ومن شعره أيضا ما كتبه إلى بعض الرؤساء يعتب عليه لعدم سؤاله عنه وقد انقطع عنه مدة:

نفسي فداؤك أيهذا الصاحب *** يا من هواه علي فرضٌ واجبُ
لِم طال تقصيري وما عاتبتني؟ *** فأنا الغداةَ مقصرٌ ومعاتِب
ومن الدليل علي مِلالِكَ أنني *** قد غبتُ أياما وما ليَّ طالبُ
وإذا رأيت العبد يهربُ ثم لم *** يُطلَبْ فمولى العبد منه هارب

وله أيضا

سأل الفضا عنه وأصغى للصدى *** كيما يجيب فقال مثل مقاله
ناداه أين تُرى مَحَطُ رِحَالهِ *** فأجاب: أين ترى محط رِحَالهِ

الاثنين، 19 مايو 2008

ومن العجائب أن لي صبراً على هذي العجائب

ناصح الدين الأُرّجاني أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الإرجاني، نسبة إلى أرجان من كور الأهواز من بلاد خوزستان، كان قاضي تُستَر وعسكر مكرم – وهما اليوم شوشتر وبندقير - في إقليم خوزستان – أي الأهواز - وهو إقليم متسع بين البصرة وفارس، وَليَ القضاء من آخر عهد نظام الملك منذ سنة نيف وثمانين وأربعمائة إلى آخر عهده وهو سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وهو وإن كان في العجم مولده، فمن العرب محتده.

وفي توليه القضاء يقول:

ومن النوائب أنني *** في مثل هذا الشغل نائب
ومن العجائب أن لي *** صبراً على هذي العجائب

وكان فقيها شاعرا وفي ذلك يقول:

أنا أشعر الفقهاء غير مدافع *** في العصر أو أنا أفقه الشعراء
شعري إذا ما قُلتُ دوّنَه الورى *** بالطبع لا بتكلف الإلقاء
كالصوت في قُلَلِ الجبال إذا علا *** للسمع هاج تجاوبَ الأصداء

الأحد، 18 مايو 2008

هذه قواعد الإسلام

اجتمع قوم من أصحاب الحديث إلى الإمام المحدث سعيد بن السكن، المولود ببغداد سنة 294 والمتوفى سنة 353، فقالوا له: إن الكتب في الحديث قد كثرت علينا، فليدلنا الشيخ على شئ نقتصر عليه منها.

فسكت، ودخل إلى بيته فأخرج أربع رزم، ووضع بعضها على بعض وقال: هذه قواعد الإسلام: كتاب مسلم، وكتاب البخاري، وكتاب أبي داود، وكتاب النسائي.

السبت، 17 مايو 2008

حتى متى أنا في حط وترحال

حتى متى أنا في حط وترحال * وطول سعي وإدبار وإقبالِ
ونازح الدار لا أنفك مغتربا * عن الأحبة ما يدرون ما حالي
بمشرق الأرض طوراً ثم مغربها * لا يخطر الموت من حرص على بال
ولو قعدت أتاني الرزق في دعة * إن القُنوع الغنى لا كثرة المال

الجمعة، 16 مايو 2008

لقد استحييت من حارثة بن ‏النعمان

لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل على أبي أيوب رضي الله عنه سنةً أو نحوها، ثم انتقل إلى منازل حارثة بن النعمان رضي الله عنه، ‏فلما تزوج عليٌ فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي أطلب منزلاً، فطلب علي منزلاً فأصابه مستأخرا عن النبي صلى الله ‏عليه وسلم قليلا، فبنى بها - أي تزوجها - فيه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها فقال: إني أريد أن أحوُلك إليّ، ‏فقالت لرسول الله: فكلِمْ حارثة بن النعمان أن يتحول عني، وكانت لحارثة بن النعمان منازل قرب ‏منازل النبي عليه السلام بالمدينة، وكان كلما أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلاً تحول له ‏حارثة بن النعمان عن منزلٍ بعد منزل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد استحييت من حارثة بن ‏النعمان مما يتحول لنا عن منازله.‏

فبلغ ذلك حارثة فتحول وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تحول ‏فاطمة إليك، وهذه منازلي وهي أسقب بيوت بنـي النجار بك، وإنما أنا ومالي لله ولرسوله، والله يا ‏رسول الله المالُ الذي تأخذ مني أحبُ إليّ من الذي تَدَع، فقال رسول الله: صدقت، بارك الله عليك. ‏فحوّلها رسول الله إلى بيت حارثة.‏

وخرج عبد الله بن أبي بكر مهاجراً بعيال أبي بكر من مكة إلى المدينة فيهم عائشة وأختها أسماء زوج الزبير وأم رومان - أم عائشة - فلما قدموا المدينة أنزلوا في بيت حارثة بن النعمان رضي الله عنهم أجمعين.

الخميس، 15 مايو 2008

توأم سيامي وحوار طبي

في سنة 340 ونيف جاء إلى الموصل رجلان أنفذهما صاحب أرمينية إلى ناصر الدولة ابن حمدان التغلبي حاكم الموصل آنذاك للأعجوبة منهما، وكان لهما نحو من ثلاثين سنة، وهما ملتزقان من جانب واحد ومن حد فويق الحقو – أي الخصر - إلى دوين الأبط، وكان معهما أبوهما، فذكر أنهما ولدا كذلك توأماً، وتراهما يلبسان قميصين وسراويلين كل واحد منهما، لباسهما مفرد إلا أنهما لم يكن يمكنهما لالتزاق كتفيهما وأيديهما في المشي لضيق ذلك عليهما، فيجعل كل واحد منهما يده التي تلي أخاه من جانب الالتزاق خلف ظهر أخيه ويمشيان كذلك، وإنما كانا يركبان دابة واحدة ولا يمكن أحدهما التصرف إلا بتصرف الآخر معه، وإذا أراد أحدهما الغائط قام الآخر معه وإن لم يكن محتاجاً.

وحدث ابوهم أنه لما ولدا أراد أن يفرق بينهما، فقيل له: أنهما يتلفان لأن التزاقهما من جنب الخاصرة، وأنه لا يجوز أن يَسْلما، فتركهما، وكانا مسلمين، فأجازهما ناصر الدولة وخلع عليهما، وكان الناس بالموصل يصيرون إليهما فيتعجبون منهما ويهِبون لهما.

ثم إنهما خرجا إلى بلدهما، فاعتلَّ أحدُهما ومات وبقي الآخرُ أياماً حتى أنتن أخاه وأخوه حي لا يمكنه التصرف، ولا يمكن الأب دفن الميت إلى أن لحقت الحي علة من الغم والرائحة، فمات أيضاً فدفنا جميعاً.

وكان ناصر الدولة قد جمع لهما الأطباء وقال: هل من حيلة في الفصل بينهما؟ فسألهما الأطباء عن الجوع: هل تجوعان في وقت واحد؟ فقال: إذا جاع الواحد منا تبعه جوع الآخر بشيء يسير من الزمان، وإن شرب أحدنا دواء مسهلاً انحل طبع الآخر بعد ساعة، وقد يلحق أحدنا الغائط ولا يلحق الآخر، ثم يلحقه بعد ساعة.

فنظروا فإذا لهما جوف واحد وسرة واحدة ومعدة واحدة وكبد واحد وطحال واحد، وليس من الالتصاق أضلاع، فعلموا أنهما إن فصلا تلفا، ووجدوا لهما ذكران، وأربع بيضات، وكان ربما وقع بينهما خلاف وتشاجر فتخاصما أعظم خصومة، حتى ربما حلف أحدهما لا كلم الآخر أياماً، ثم يصطلحان.

الأربعاء، 14 مايو 2008

دار العلم

ابتاع أبو النصر سابور بن أردشير في سنة 383 داراً في الكرخ بين السورين وعمّرها وبيّضها وسماها: دار العلم، ووقفها على أهله، ونقل إليها كتباً كثيرة ابتاعها وجمعها وعمل لها فهرستاً وردّ النظر في أمورها ومراعاتها والاحتياط عليها إلى الشريفين أبي الحسين محمد بن الحسين بن أبي شيبة، وأبي عبد الله محمد بن أحمد الحسني، والقاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون الضبي، وكلف الشيخ أبا بكر محمد بن موسى الخوارزمي فضل عناية بها.

الثلاثاء، 13 مايو 2008

لا بد في الدنيا من الهمِ

كن موسراً إن شئت أو معسراً * لا بد في الدنيا من الهمِ
وكـلـما زادك مـن نعـمة * زاد الذي زادك من غـمِ

الاثنين، 12 مايو 2008

ما تقول في السلف؟

كان بالدينور - وهي بلد مندثر شمال كرمانشاه في إيران اليوم - شيخ يتشيع ويميل إلى مذهب أهل الإمامة، وكان له أصحاب يجتمعون إليه يأخذون عنه ويدرسون عنده، يقال له بشر الجعاب، فرفع صاحب الخبر بالدينور إلى الخليفة العباسي المتوكل المتوفى سنة 247 هجرية أن بالدينور رجلا رافضيا، يحضره جماعة من الرافضة، ويتدارسون الرفض، ويسبون الصحابة، ويشتمون السلف، فلما وقف المتوكل على كتابه أمر وزيره عبيد اللّه بن يحيى بالكتاب إلى عامله على الدينور بإشخاص بشر هذا والفرقة التي تجالسه، فكتب عبيد الله بن يحيى بذلك.

فلما وصل إلى العامل كتابه وكان صديقا لبشر الجعاب، حسن المصافاة له، شديد الإشفاق عليه، همه ذلك وشقَّ عليه، فاستدعى بشراً وأقرأه ما كوتب به في أمره وأمر أصحابه، فقال له بشر: عندي في هذا رأي، إن استعملته كنت غير مستبطءٍ فيما أُمرتَ به، وكنت بمنجاة مما أنت خائف عليّ منه، قال: وما هو؟ قال: بالدينور شيخ خفّاف اسمه بشر، ومن الممكن المتيسر أن تجعل مكان الجعاب الخفاف، وليس بمحفوظ عنده ما نسبت إليه من الحرفة والصناعة.

فسُرَ العامل بقوله، وعمد إلى العين من الجعاب فغير عينها وغير استواء خطها وانبساطه، ووصل الباء بما صارت به فاء، فكان أخبره عن بشر الخفّاف أنه أبله في غاية البله والغفلة، وأنه هُزأةٌ عند أهل بلده وضُحكة، وذلك أن أهل سواد البلد يأخذون منه الخِفاف – أي النعال - التامة والمقطوعة بنسيئة، ويعدونه بأثمانها عند حصول الغلة، فإذا حصلت وحازوا ما لهم منها، ماطلوه بدينه ولووه بحقه، واعتلوا بأنواع الباطل عليه، فإذا انقضى وقت السادر ودنا الشتاء واحتاجوا إلى الخفاف وما جرى مجراها، وافوا بشراً هذا واعتذروا إليه وخدعوه، وابتدروا يعدونه الوفاء ويؤكدون مواعيدهم بالأيمان الكاذبة والمعاهدة الباطلة، ويضمنون له أداء الديون الماضية والمستأنفة فيحسن ظنه بهم وسكونه ويستسلم اليهم، ويستأنف إعطاءهم من الخفاف وغيرها، فإذا حضرت الغلة أجروه على العادة، وحملوه على ما تقدم من السنة، ثم لا يزالون على هذه الوتيرة، مِن أخذِ سِلَعه في وقت حاجتهم، ودفعه عن حقه في إبان غلاتهم، فلا يتنبه من رقدته ولا يفيق من سكرته.

فأنفذ العامل الكتاب وأشار بتقديم الخفاف أمام القوم، والإقبال عليه بالمخاطبة، وتخصيصه بالمسألة، ساكنا إلى أنه من ركاكته وفهاهته، بما يضحك الحاضرين ويحسم الاشتغال بالبحث عن هذه القصة، ويتخلص من هذه الثلاثة، فلما ورد كتاب صاحب الخبر أعلم عبيد اللّه بن يحيى المتوكل به وبحضور القوم، فأمر أن يجلس ويستحضرهم ويخاطبهم فيما حكي عنهم، وأمر فعلق بينه وبينهم سيبية - أي ستارة من قماش مستطيلة - ليقف على ما يجري ويسمعه ويشاهده.

ففعل ذلك وجلس عبيد اللّه واستدعى المحضرين فقدموا إليه يقدمهم بشر الخفاف، فلما جلسوا أقبل عبيد اللّه على بشر فقال له: أنت بشر الخفاف؟ فقال: نعم، فسكنت نفوس الحاضرين معه إلى تمام هذه الحيلة، وإتمام هذه المدالسة، وجواز هذه المغالطة، فقال له: إنه رفع إلى أمير المؤمنين من أمركم شيء أنكره، فأمر بالكشف عنه، وسؤالكم بعد إحضاركم عن حقيقته، فقال له بشر: نحن حاضرون فما الذي تأمرنا به؟ قال: بلغ أمير المؤمنين أنه يجتمع اليك قوم فيخوضون معك في الترفض وشتم الصحابة، فقال بشر: ما أعرف من هذا شيئا! قال: قد أمرت بامتحانكم والفحص عن مذاهبكم، فقال: ما تقول في السلف؟ فقال: لعن الله السلف، فقال له عبيد اللّه: ويلك أتدري ما تقول؟ قال: نعم! لعن اللّه السلف!

فخرج خادم من بين يدي المتوكل فقال لعبيد اللّه: يقول لك أمير المؤمنين: سله الثالثة فإن أقام على هذا فاضرب عنقه. فقال له: إني سائلك هذه المرة فإن لم تتب وترجع عما قلت أمرت بقتلك، فما تقول الآن في السلف؟ فقال: لعن الله السلف، قد خرب بيتي، وأبطل معيشتي، وأتلف مالي، وأفقرني وأهلك عيالي! قال: وكيف؟ قال: أنا رجل أسلف الأَكَرَةَ – أي عمال الزراعة - والمزارعين الخفافَ على أن يوفوني الثمن مما يحصل من غلاتهم، فأصير اليهم عند حصول الغلة في بيادرهم، فإذا أحرزوا الغلات دفعوني عن حقي، وامتنعوا من توفيتي مالي، ثم يعودون عند دخول الشتاء فيعتذرون إلي، ويحلفون باللّه لا يعاودون مطلي وظلمي، فإنهم يؤدون إلي المتقدم والمتأخر من مالي، فأجيبهم إلى ما يلتمسونه وأعطيهم ما يطلبونه، فإذا جاء وقت الغلة عادوا إلى مثل ما كانوا عليه من ظلمي وكسر مالي، فقد اختلت حالي وافتقرت عيالي.

فسمع ضحك عال من وراء السبيبة وخرج الخادم فقال: استحلل هؤلاء القوم وخل سبيلهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين في حل وسعة. فصرفهم فلما توسطوا صحن الدار قال بعض الحاضرين هؤلاء قوم مُجّانٌ محتالون، وصاحب الخبر مسقط لا يكتب إلا بما يعلمه ويثق بصحته، وينبغي أن يستقصى الفحص عن هذا والنظر فيه، فأمر بردهم فلما أُمروا بالرجوع قال بعض الجماعة التابعة لبعض: ليس هذا من ذلك الذي تقدم، فينبغي أن نتولى الكلام نحن، ونسلك طريق الجد والديانة، فرجعوا فأمروا بالجلوس، ثم أقبل عبيد اللّه على القوم فقال: إن الذي كتب في أمركم، ليس ممن تقدم على الكتب بما لا يقبله علما ويحيط به خبرا، وقد أمر أمير المؤمنين باستئناف امتحانكم واتمام التفتيش عن أمركم، فقالوا: افعل ما أمرت به، فقال: من خير الناس بعد رسول اللّه؟ قلنا: علي بن أبي طالب، فقال لخادم بين يديه: قد سمعت ما قالوا فأخبر أمير المؤمنين به، فمضى ثم عاد فقال: يقول لكم أمير المؤمنين هذا مذهبي، فقلنا: الحمد للّه الذي وفق أمير المؤمنين في دينه، ووفقنا لاتباعه وموافقته على مذهبه، ثم قال لهم: ما تقولون في أبي بكر رضي اللّه عنه؟ فقالوا: رحمة اللّه على أبي بكر، نقول فيه خيرا، قال: فما تقولون في عمر؟ قلنا: رحمة اللّه عليه ولا نحبه؟ قال: ولم؟ قلنا: لأنه أخرج مولانا العباس من الشورى، قال: فسمعنا من وراء السيبية ضحكاً أعلى من الضحك الأول، ثم أتى الخادم فقال لعبيد اللّه عن المتوكل: أتبعهم صلة فقد لزمتهم في طريقهم مؤونة، واصرفهم. فقالوا: نحن في غنى، وفي المسلمين من هو أحق بهذه الصلة وإليها أحوج، وانصرفوا.

 
log analyzer