الخميس، 31 يوليو 2008

إن كيدهن عظيم

قال القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: كنت يوماً في مجلس القضاء فوردت على عجوز ومعها جارية شابة، قال: فذهبت العجوز تتكلم قال: فقالت الشابة: أصلح الله القاضي، مرها فلتسكت حتى أتكلم بحجتي وحجتها، فإن لحَنَتُ بشيء فلترد علي، فإن أذِنتَ لي سَفَرتُ - أي كشفت عن وجهي - قال: فقلت: أسفري، قال: فقالت العجوز: إن سَفَرَتْ قضيتَ لها عليّ، قال: قلت: أسفري، فأسفرت والله عن وجه ما ظننت أن يكون مثله إلا في الجنة.

فقالت: أصلح الله القاضي، هذه عمتي، مات أبي وتركني يتيمة في حجرها فربتني فأحسنت التربية، حتى إذا بلغتُ مبلغ النساء قالت: يا بنية! هل لك في التزويج؟ قلت: ما أكره ذلك يا عمة، هكذا كان؟ قالت العجوز: نعم. قالت: فخطبني وجوه أهل الكوفة فلم ترض لي إلا رجلاً صيرفياً فزوجتني، فكنا كأننا ريحانتان ما يَظُنُ أن الله تعالى خلق غيري، ولا أظن أن الله عز وجل خلق غيره، يغدو إلى سوقه ويروح علي بما رزقه الله.


فلما رأت العمة موقعه مني وموقعي منه حسدتنا على ذلك، قالت: فكانت لها ابنة فشوّفتها - أي زينَتّها - وهيأتها لدخول زوجي عليّ فوقعت عينه عليها، فقال لها: يا عمة! هل لك أن تزوجيني ابنتك؟ قالت: نعم بشرط، قال لها: وما الشرط؟ قالت: تصّيرُ أمر ابنة أخي إلي، قال: قد صيرت أمرها إليك، قالت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتة! وزوَجَتْ ابنتها من زوجي، فكان يغدو عليها ويروح كما كان يغدو علي ويروح. فقلت لها: يا عمة! تأذنين لي أن أنتقل عنك، قالت: نعم، فانتقلت عنها.


قالت: وكان لعمتي زوج غائب فقدم فلما توسط منزله، قال: مالي لا أرى ربيبتنا؟ قالت: تزوجت وطلقها زوجها فانتقلت عنا، فقال لها: إن لها من الحق علينا أن نعزيها بمصيبتها. قالت: فلما بلغني مجيئه تهيأت له وتشوفت، قالت: فلما دخل علي سلم وعزاني بمصيبتي ثم قال لي: إن فيّ بقيةً من شباب فهل لك أن أتزوجك؟ قلت: ما أكره ذاك ولكن على شرط، قال لي: وايش الشرط؟ قلت: تصيّر أمر عمتي بيدي، قال: فإني قد صيرت أمرها بيدك، قلت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتة.


قالت: وقدم بثقله علي من الغد ومعه ستة آلاف درهم، فأقام عندي ما أقام ثم إنه اعتل فتوفي، فلما انقضت عدتي جاء زوجي الأول الصيرفي يعزيني بمصيبتي، فلما بلغني مجيئه تهيأت له وتشوفت، فلما دخل علي قال: يا فلانة، إنك لتعلمين أنك كنت أحبَ الناس إليّ وأعزَهم عليّ، وقد حلَّ لنا الرجعة فهل لك في ذلك؟ قلت: ما أكره ذلك ولكن تصيّر أمرَ ابنة عمتي بيدي، قال: فإني قد فعلت؛ صيّرتُ أمر ابنة عمتك بيدك، قلت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتة. فرجعتُ إلى زوجي، فما استعداؤها علي، أصلح الله القاضي؟


فقالت العجوز: أنا فعلتُ مرة، وفَعَلَتْ مرة بعد أخرى.


فقال ابن أبي ليلى: إن الله لم يوقّتُ في هذا وقتاً، وقد قال تعالى: ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بُغيَ عليه لينصرنه الله. فواحدة بواحدة والبادي أظلم، غير أن زوج العمة لم يكن له أن يتزوج ابنة أخيها وهي في عدته.


قال ابن أبي ليلى: فحدثت الهادي بذلك، فقال: ويحك يا محمد! ما سمعت حديثاً أحسن من هذا، أنا أحب أن أحدث به الخيزران، يعني أمه.

الأربعاء، 30 يوليو 2008

ما أعددت لهذا القبر؟

لما ماتت حمادة بنت عيسى ابنةُ عم أبي جعفر المنصور وزوجتُه حضر جنازتها وجلس لدفنها وهو متألم ‏لفقدها كئيب عليها، فأقبل أبو دلامة وجلس قريبا منه فقال له المنصور: ويحكَ ما أعددت لهذا المكان؟ ‏وأشار إلى القبر، فقال أبو دلامة: ابنةُ عم أمير المؤمنين! فضحك المنصور حتى استلقى ثم قال له: ويحك فضحتنا بين ‏الناس!

الثلاثاء، 29 يوليو 2008

من أراد الشهادة فليترحم على عثمان بدار البطيخ بالكوفة

قال عبد الله بن المبارك: من أراد الشهادة فليدخل دار البطيخ بالكوفة ويترحم على عثمان، قال خلف بن تميم: فدخلت دار البطيخ بالكوفة فرأيت الأرطال والكيالج – أي المكاييل - فكرهت أن أقول شيئاً.

الاثنين، 28 يوليو 2008

الناس أربعة في الورع

قال الإمام الزاهد إبراهيم بن أدهم المتوفى سنة 161: الناس أربعة في الورع:

فمنهم ورِعٌ عن القليل والكثير
ومنهم ورِعٌ عن القليل وإذا اشرْفَ على الكثير لم يتورع عنه
ومنهم ورِعٌ عن الكثير ويدنس ورعَه بالقليل
ومنهم من لا يتورع عن قليل ولا كثير.

الأحد، 27 يوليو 2008

لا يشتريني أحد بعد زلزل فينتفع بي

قال إبراهيم الموصلي: قال لي زلزل: عندي جارية من حالها من قصتها قد علّمتها الغناء. فكنت أشتهي أن أراها، وأستحي أن أسأله، فلما توفي زلزل بلغني أن ورثته يعرضون الجارية، فصرت إليهم، فأخرجوها فإذا هي جارية كاد الهلال يكونها، لولا ما تمّ منها ونقص منه، فقلت لها: غنّي، فغنَّت وعيناها تذرفان، ثم شهقت، ظننت أن نفسها قد خرجت.

فركبت من ساعتي، فدخلت على أمير المؤمنين هارون الرشيد، فأخبرته خبرها، فأمر بإحضارها، فلما دخلت عليه قال: غنّي. فغنَّت وجعلت تريد البكاء، فتمنعها هيبة أمير المؤمنين، فرحمها وأعجب بها، وقال: أتحبين أن أشتريك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، لقد عرضت علي ما يقصر عنه الأمل، أما إذ خيرتني فقد وجب نصحُك عليّ، والله لا يشتريني أحد بعد زلزل فينتفع بي. فزاد رقة عليها، وقال: غني صوتاً فغنت:
العينُ تظهر كتماني وتبديه ... والقلبُ يكتم ماضمَّنتُهُ فيه
وكيف ينكتم المكنون بينهما ... والعين تظهره والقلب يخفيه

فاشتراها وأعتقها، وأجرى عليها رزقاً إلى أن ماتت.

السبت، 26 يوليو 2008

هذا المال مزكى لايضيع منه شيء

منصور، مولى عيسى بن جعفر، ولقبه: زلزل فغلب عليه ونُسي اسمه، كان يضرب بالعود، فيُضرَب به المثل، وكان يحفظ القرآن، وعمل ببغداد بركة للسبيل كان يضرب بها المثل. وتوفي سنة 174 عن 84 سنة.

أنشد إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه لنفسه في بركة زلزل:

لو أن زهيراً وامرأ القيس أبصرا ... ملاحة ما تحويه بِرْكَةُ زَلْزَل
لما وصفا سَلْمَى ولا أم سالم ... ولا أكثرا ذِكْرَ الدخول فحومَل

حدثوا أنه غرق له مركب، فأحضر الغواصين، فلم يزالوا يصعدون ما فيه حتى قال: قد بقي طشت وإبريق، فإن هذا المال مزكى لايضيع منه شيء. فغاصوا فوجدوه.

الجمعة، 25 يوليو 2008

إن الله حيي كريم

روى الترمذي عن سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حَيِيٌّ كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صِفْرًا خائبتين.
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب.

الخميس، 24 يوليو 2008

شجون المحدثين: تنظر في كتاب أبي وتترحم على يحيى

قال الإمام المحدث علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: أوثقُ أصحاب الأعمشِ حفصُ بن غياث، فأنكرت ذلك، ثم قدمت الكوفة بأَخَرَةٍ فأخرج إليّ عمرُ بن حفص كتابَ أبيه عن الأعمش فجعلت أترحم على يحيى، فقال لي عمر: تنظر في كتاب أبي وتترحم على يحيى! فقلت: سمعته يقول: حفص بن غياث أوثق أصحاب الأعمش، ولم أعلم حتى رأيت كتابه.

الأربعاء، 23 يوليو 2008

شجون المحدثين: أيما أحبُ إليك

قال رجل لعبد الرحمن بن مهدي المتوفى سنة 198 وهو شيخ عبد الله بن المبارك وعلي بن المديني وأحمد ‏بن حنبل: أيما أحبُ إليك: يغفر الله لك ذنباً، أو تحفظ حديثاً؟ قال: أحفظ حديثاً.‏

الثلاثاء، 22 يوليو 2008

شجون المحدثين: أربعون لحافاً لمن يبيضون مسنده

أبو يوسف الدوسي يعقوب بن شيبة البصري المتوفى سنة 263 المحدث الثقة، وصنف مسنداً معللاً، إلا ‏أنه لم يتمه، وكان فقيهاً على مذهب مالك، كان في منزله أربعون لحافاً أعدها لمن كان يبيت عنده من ‏الوارقين لتبييض المسند ونقله، ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار. وقيل: إن نسخة مسند ‏أبي هريرة وحده شوهدت بمصر فكانت مائتي جزء.‏

الاثنين، 21 يوليو 2008

شجون المحدثين: إذا قعدت فاقعد مع الناس

قال أبو موسى البزاز هارون بن عبد الله الحمال شيخُ مسلم وإبراهيم الحربي والمتوفى سنة 243: جاءني ‏أحمد بن حنبل بالليل فدقّ البابَ علي، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، فبادرت إليه فمسّاني ومسّيته، ‏وقلت: حاجةٌ يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، شغلتَ اليومَ قلبي، قلت: بماذا يا أبا عبد الله؟ قال: جُزتُ عليك ‏اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء، والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تفعل ذلك مرة ‏أخرى؛ إذا قعدت فاقعد مع الناس.

الأحد، 20 يوليو 2008

شجون المحدثين: الزموا السوق

كان المحدث شُعْبة بن الحجاج المتوفى سنة 160 من كبار أئمة المحدثين، وكان له أخَوَان بشارٌ وحمادٌ وكانا يعالجان الصرف - أي الصرافة - وكان شعبة يقول لأصحاب الحديث: ويلَكم الزموا السوق، فإنما أنا عيال - أي عالةٌ - على إخوتي، قال: وما أكل شعبة من كسبه درهماً قط.

السبت، 19 يوليو 2008

شجون المحدثين: آخذُ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

أبو الغنائم القاضي محمد بن علي بن الحسن بن الدَجاجي المحدث المتوفى 463، كان له مالُ فافتقر في آخر عمره، فجمع له أهلُ الحديث شيئاّ من المال فلم يقبل، وقال: وافضيحتاه، آخذُ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم! لا والله!

الجمعة، 18 يوليو 2008

فمن وقي شرها فقد وقي

روى الإمام عبد الله بن المبارك في مسنده عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من وال ولا أمير إلا له بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف وتنهى عن المنكر، وبطانةٌ لا تألوه خَبَالاً، فمن وقي شرها فقد وقي.

الخميس، 17 يوليو 2008

إن لنا في وجهك حاجة

ولما حضرت الحسن بن الحسن الوفاة قال لفاطمة: إنك امرأة مرغوب فيك، وكأني بعبد الله بن عمرو ‏بن عثمان بن عفان إذا خُرِجَ بجنازتي قد جاء على فرسه مُرَجّلاً جُمّته، لابساً حُلته، يسير في جنب الناس ‏يتعرض لك، فانكحي من شئت سواه، فإني لا أدع من الدنيا ورائي همّـاً غيرك، فقالت له: أنت آمن ‏من ذلك، وأثلجته بالأَيمان من العتق والصدقة - أي حلفت له بعتق مماليكها والتصدق بمالها - أن لا ‏تتزوجه.‏

ومات الحسن، وخُرج بجنازته، فوافاها عبد الله بن عمرو بن عثمان في الحال التي وصف الحسن، وكان ‏يقال لعبد الله بن عمرو بن عثمان: المُطرِف - من حسنه - فنظر إلى فاطمة حاسرة تضرب وجهها، ‏فأرسل إليها إن لنا في وجهك حاجة فارفقي به، فاسترخت يداها، وعُرف ذلك فيها، وخمّرت وجهها، ‏فلما حلّت من عدتها أرسل من يخطبها، فقالت: كيف بيميني التي حلفت بها؟ فأرسل إليها: لك بكل ‏مملوك مملوكان، وعن كل شيء شيئان، فعوضها عن يمينها، فنكحته، وولدت له محمداً وكان يسمى الديباج لحسنه، والقاسم ورقية.‏

وكان ابنها عبد الله بن الحسن يقول: ما أبغضتُ بغض عبد الله بن عمرو أحداً، ولا أحببتُ حب ابنه ‏محمد – وهو أخوه من أمه - أحداً.‏

الأربعاء، 16 يوليو 2008

زواج الحسن بن الحسن (المثنى) بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم

فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، أمُها أمُ إسحاق بنتُ طلحة بن عبيد الله. ‏تزوجها الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فولدت له عبد الله، ثم مات عنها زوجها فتزوجها عبد ‏الله بن عمرو بن عثمان بن عفان. توفيت رضي الله عنها وأهلها سنة 117.

‏ولما خطب الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم إلى عمه الحسين بن علي، قال له ‏الحسين: يا ابن أخي، قد انتظرتُ منك هذا، فانطلق معي. فخرج حتى أدخله منزله، ثم أخرج إليه بنيتيه: ‏فاطمة، وسُكينة، فقال: اختر. فاختار فاطمة، فزوجه إياها، وكان يقال: إن أمر سكينة مردودٌ إليها، ‏وإنها لمنقطعة - أي متبتلة لا رغبة لها في الزوج.

الثلاثاء، 15 يوليو 2008

أقبل على شأنك

سُئل محمد بن عبد الباقي بن كعب بن مالك الأنصاري المتوفى سنة 535 عن مولده ، فقال: أقبلوا على شأنكم، فإني سألت القاضي أبا المظفر هناد بن ابراهيم النسفي عن سنه، فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا الفضل محمد بن أحمد الجارودي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا بكر محمد بن علي بن زحر المنقري عن سنه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا أيوب الهاشمي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا اسمعيل الترمذي عن سنه، فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت البويطي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعي عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال لي: أقبل على شأنك، ثم قال لي: ليس من المروءة أن يخبر الرجل عن سنه.

ثم قال الشيخ محمد بن عبد الباقي: لأنه إن كان صغيراً استحقروه، وإن كان كبيراً استهرموه. ثم قال: مولدي في يوم الثلائاء عاشر صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وذكر لنا أن منجمين حضرا حين ولدت فأجمعا أن العمر اثنتان وخمسون سنة، قال: وها أنا قد جاوزت التسعين، وأنشدني:


احفظ لسانك لا تَبُح بثلاثة *** سنٍ ومالٍ ما استطعت ومذهبِ
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة *** بمموه ومكفِّرٍ ومكذِّب

الاثنين، 14 يوليو 2008

وهو عن ‏الله راض، والله عنه راض

اجتمع الإمامان مالك بن دينار المتوفى سنة 131 ومحمد بن واسع المتوفى سنة 123 رحمهما الله فتذاكرا العيش، فقال مالك: ما شيء أفضل من أن يكون للرجل ‏غلة يعيش فيها، فقال محمد: طوبى لمن وجد غداءً ولم يجد عشاءً، ووجد عشاءً ولم يجد غداءً، وهو عن ‏الله راض، والله عنه راض.‏

الأحد، 13 يوليو 2008

أما قتل الرجل فما أطقتُه، وأما سفك دمي فما طبتُ به نفسا

كان رَوْحُ بن حاتم المهلبي واليا على البصرة فخرج على رأس جيش من العراق لحرب جيش من ‏متمردي خراسان، وكان معه نديم الخلفاء أبو دلامة زَنْـدُ بن الجَوْن المتوفى سنة 161، فخرج من ‏منصف العدو مبارز فخرج إليه جماعة فقتلهم، فتقدم روح إلى أبي دلامة بمبارزته فامتنع، فألزمه فاستعفاه ‏فلم يعفه، فأنشد أبو دلامة‏

إني أعوذ بروح أن يقدمني * إلى القتال فيخزى بي بنو أسد
إن المهلب حب الموت أورثكم * ولم أرث أنا حب الموت من أحد
إن الدنو إلى الأعداء أعلمه * مما يفرق بين الروح والجسد

فأقسم عليه ليخرجن وقال: لماذا تأخذ رزق السلطان؟ قال: لأقاتل عنه، قال: فمالك لا تبرز إلى عدو ‏الله؟ فقال: أيها الأمير إن خرجت إليه لحقتُ بمن مضى، وما الشرط أن أُقتل عن السلطان، بل أقاتلَ ‏عنه.‏

فحلف روح لتخرجن إليه فتقتله أو تأسره أو تقتل دون ذلك، فلما رأى أبو دلامة الجد منه قال: أيها ‏الأمير تعلم أن هذا أول يوم من أيام الآخرة، ولا بد فيه من الزوادة، فأمر له بذلك، فأخذ رغيفا مطويا ‏على دجاجة ولحم وسطيحة من شراب وشيئا من نَّقَل، وشهر سيفاً وحمل إلى الميدان.‏

وكان تحته فرس جواد فأقبل يجول ويلعب بالرمح، وكان مليحا في الميدان، والفارس يلاحظه ويطلب ‏منه غِرّة حتى إذا وجدها حمل عليه والغبار كالليل، فأغمد أبو دلامة سيفه وقال للرجل: لا تعجل، واسمع ‏مني عافاك الله كلمات ألقيهن إليك، فإنما أتيتك في مهم، فوقف مقابله وقال: ما المهم؟ قال: أتعرفني؟ ‏قال: لا، قال: أنا أبو دلامة، قال: قد سمعت بك حياك الله، فكيف برزتَ إليّ وطمعت فيّ بعد من قتلت ‏من أصحابك؟ فقال: ما خرجت لأقتلك ولا لأقاتلك، ولكني رأيت لباقتك وشهامتك، فاشتهيت أن ‏تكون لي صديقا، وإني لأدلك على ما هو أحسن من قتالنا، قال: قل على بركة الله تعالى، قال: أراك قد ‏تعبت وأنت بغير شك سغبان ظمآن، قال: كذلك هو، قال: فما علينا من خراسان والعراق، إن معي ‏خبزاً ولحماً وشراباً ونّقَلاً كما يتمنى المتمني، وهذا غدير ماء نمير بالقرب منا، فهلم بنا إليه نصطبح، ‏وأترنم لك بشيء من حداء الأعراب، فقال: هذا غاية أملي.‏

فقال: ها أنا أستطرد لك فاتبعني حتى نخرج من حِلَقِ الطِعان، ففعلا وروح يتطلب أبا دلامة فلا يجده، ‏والخراسانية تطلب فارسها فلا تجده، فلما طابت نفس الخراساني قال له أبو دلامة: إن روحا كما علمت ‏من أبناء الكرام، وحسبك بابن المهلب جوادا، وإنه يبذل لك خلعة فاخرة وفرساً جواداً ومركباً مفضضاً ‏وسيفاً محلى ورمحاً طويلا وجارية بربرية، وينزلك في أكثر العطاء وهذا خاتمه معي لك بذلك، قال: ‏ويحك وما أصنع بأهلي وعيالي؟ فقال: استخر الله وسر معي ودَعْ أهلك، فالكل يخلف عليك، فقال: ‏سر بنا على بركة الله.‏

فسارا حتى قدما من وراء العسكر فهجما على روح، فقال: يا أبا دلامة أين كنت؟ قال: في حاجتك؛ ‏أما قتل الرجل فما أطقتُه، وأما سفك دمي فما طبتُ به نفسا، وأما الرجوع خائبا فلم أُقدم عليه، وقد ‏تلطفتُ وأتيتك به أسيرَ كرمك، وقد بذلت له عنك كيت وكيت، فقال: ممضي إذا وثق لي قال: بماذا؟ ‏قال: بنقل أهله إلى جانبنا، قال الرجل: أهلي على بُعد، ولا يمكنني نقلهم الآن، ولكن امدُدْ يدك ‏أصافحك، وأحلف لك متبرعاً بطلاق الزوجة أني لا أخونك، فإن لم أفِ إذا حلفت بطلاقها لم ينفعك ‏نقلها، قال: صدقت، فحلف له وعاهده ووفى له بما ضمنه أبو دلامة وزاد عليه وانقلب معهم الخراساني ‏يقاتل الخراسانية وينكي فيهم أشد نكاية.‏

السبت، 12 يوليو 2008

تعلم العلم

قال العابد الجليل مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير المتوفى سنة 157: قال لي أبي: يا بنيَّ تعلم العلم، فإنك إن تكُ ذا مالٍ يكنِ ‏العلم كمالاً، وإن تكُ غيرَ ذي مالٍ يكنِ لك العلمُ مالاً.‏

الجمعة، 11 يوليو 2008

ناسبوا بهذا النسب العباس

قَدِمَ الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في وفد كندة من ستين راكباً وكان رئيسَهم، وروي أنهم قالوا له: يا رسول الله نحن بنو آكل الْمُرَارِ، وأنت ابن آكل المرار، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ناسبوا بهذا النسب العباسَ بن عبد المطلب وربيعةَ بن الحارث. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمَّنا - أي لا نشك فيها فنتعقبها - ولا ننتفي من أبينا.

وكان العباسُ بن عبد المطلب وربيعةُ بن الحارث تاجرين، إذا شاعا - أي سافرا - في العرب فسُئلا: ممن أنتما؟ قالا: نحن بنو آكل المرار. ينتسبان إلى كندة ليعِزّا في تلك البلاد، لأن كِندة كانوا ملوكا، فاعتقدت كندة أن قريشا منهم لقول عباس وربيعة "نحن بنو آكل المرار".

الخميس، 10 يوليو 2008

من ملك الهند إلى ملك العرب

كتب ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز: من ملك الهند الذي في مربِـطه ألف فيل، والذي تحته ألف ملك، والذي له نهران ينبتان العود والكافور، إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئاً، أما بعد.

فإني قد أهديت لك هدية وما هي بهدية ولكنها تحية، وأحببتُ أن تبعث إليّ رجلاً يعلمني ويفهمني الإسلام.

الأربعاء، 9 يوليو 2008

أمحو اسمك وأكتب اسمه

اشترى أبو القاسم بن العطار الحراني التاجر، نزيل بغداد مملوكاً تركياً بألف دينار، وأعطاه تجارةً بألف دينار، وجهزه إلى بلاد من بلاد الترك، فأدرجه أحد أصدقائه في كتاب جمع فيه "المغفلين" فكتب إليه فعاتبه، وقال: أنا من جملة المحبين لك، وأنت تلحقني بالمغفلين؟ فقال: بلغني كذا وكذا، وكيف يعود إليك وقد صار ببلاده ومعه ألف دينار؟ قال: فإنه عاد. قال المؤلفُ: أمحو اسمك وأكتب اسمه.

الثلاثاء، 8 يوليو 2008

أما واللهِ ما اللهَ أردتَ بهذا

ا‏لما قُرئ عهدُ عمر بن عبد العزيز بالخلافة بعد وفاة سليمان بن عبد الملك سنة 99، تثاقل عمر عن القيام ‏وقبول الحكم، فقام رجل من ثقيف يقال له سالم من أخوال عمر، فأخذ بضَبعيْهِ - أي بإبطيْهِ - ‏فأقامه، فقال عمر: أما واللـهِ ما اللـهَ أردتَ بهذا، ولن تُصيبَ بها مني دنيا.

الاثنين، 7 يوليو 2008

القلب إذا لم يكن فيه حُزنٌ

قال الإمام الزاهد المحدث مالك بن دينار المتوفى سنة 131: إن القلب إذا لم يكن فيه حُزنٌ خرِبَ كما أن البيت إذا لم يسكن خرب‏.

الأحد، 6 يوليو 2008

نعى إلي العيشَ ناعيه

لما مات المأمون في طرسوس سنة 218، وكان عمره سبعاً وأربعين سنة، وكانت خلافته عشرين سنة، ‏استأذنت المعتصم حظيةٌ كانت للمأمون اسمها تزيف أن تزور قبره، فأذن لها فضربت فسطاطاً وجعلت ‏تبكي وتنوح بشعر لها وهو:

‏يا ملكاً لستُ بناسيهِ ... نعى إلي العيشَ ناعيهِ
والله ما كنت أرى أنني ... أقوم في الباكينَ أبكيه
‏والله لو يُقبل فيه الفدا ... لكنت بالمهجة أفديه
عاذلتي في جَزَعي أقصِري ... قد عَـلِقَ الدهر بما فيه

‏فما بقي أحد في العسكر إلا بكى.



السبت، 5 يوليو 2008

أين خلفت الأدب؟

حدث أبو اسحق إسماعيل بن موسى بن بنت السدي الكوفي الفزاري، المتوفى سنة 245 قال: كنت في مجلس مالك أكتب عنه فسُئل عن فريضةٍ - أي ميراث - فيها اختلافٌ بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأجاب فيها بجواب زيد بن ثابت، فقلت: فما قال فيها عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود؟ فأومأ إلى الحَجَبة، فلما همّوا بي حاصرتهم وحاصروني، فأعجزتهم وبقيت محبرتي وكتبي بين يديّ مالك.

فلما أراد أن ينصرف قال له الحجبة: ما نعمل بكتب الرجل ومحبرته؟ قال: اطلبوه ولا تهيجوه بسوء حتى تأتوني به، فجاءوا إلي ورفِقوا بي حتى جئت معهم، فقال لي: من اين أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال لي: إن أهل الكوفة قومٌ معهم معرفة بأقدار العلماء، فأين خَلَفتَ الأدب؟ قال: قلت: إنما ذاكرتك لأستفيد، فقال: إن علياً وعبد الله لا يُنكر فضلهما، وأهلُ بلدنا على قول زيد، وإذا كنت بين ظَهراني قوم فلا تبدأهم بما لا يعرفون، فيبدأك منهم ما تكره.

قال: ثم حججت في سنتي، وقدمت الشام، فدخلت دمشق فجلست في حلقة الوليد بن مسلم - الإمام الحافظ المتوفى سنة 195 - فلم أصبر أن سألته عن مسألة فأصاب، فقلت له: أخطأت يا أبي العباس، فقال: تخطئني في الصواب وتلحَنُ في الإعراب؟! فقلت له: خفضتك كما خفضك ربك، وداخلته بالاحتجاج، فمال الناس إليّ وتركوه، وقالوا: أهلُ الكوفة؛ أهلُ الفقه والعلم. فخفت أن يبدأني منه ما بدأني من مالك بن أنس، فاذا رجلٌ له حلم ودين، وزِعةٌ عن الإقدام.

الجمعة، 4 يوليو 2008

ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلا

حدث الحارث بن الحارث الغامدي رضي الله عنه يصف رؤيته للرسول صلى الله عليه وسلم في مقتبل الدعوة بمكة المكرمة، قال قلت لأبي: يا أبه ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء قوم قد اجتمعوا على صابئ لهم، قال: فتشوفوا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل والإيمان به، يردون عليه ويؤذونه، حتى ارتفع النهار وانصدع عنه الناس، وأقبلت امرأةٌ قد بدا نحرُها تبكي تحمل قدحا ومنديلا، فتناوله منها فشرب فتوضأ، ثم رفع رأسه إليها فقال: يا بنيةُ خمّري - أي استري - عليك نحرَك، ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلا، قلنا: من هذه؟ قالوا: هذه زينب ابنته.

الخميس، 3 يوليو 2008

عاشر من الناس من تبقى مودته

عاشر من الناس من تبقى مودته * فأكثر الناس جمع غير مؤتلف
منهم صديق بلا قاف ومعرفة * بغير فاء وإخوان بلا ألف

وفلان صَدِئ إِذا لَزِمَه صَدَأ ولوم، والمَعَرَّةُ الإِثم ‏

الأربعاء، 2 يوليو 2008

من أراد الدنيا والآخرة فعليه بدار العباس

دخل أعرابي دار العباس بن عبد المطلب وفي جانبها عبد الله بن عباس - توفي سنة 68 - يفتي، لا يرجع في شيء يسأل عنه، وفي الجانب الآخر عبيد الله بن العباس – توفي سنة 58 - يطعم كل من دخل، فقال الأعرابي: من أراد الدنيا والآخرة فعليه بدار العباس، هذا الفتى يفتي ويفّقه الناس، وهذا يطعم الطعام. رضي الله عنهم أجمعين

الثلاثاء، 1 يوليو 2008

أحبُهما إليّ صاحبةُ الدينار

أبو مِحجَن نصيب بن رباح الشاعر، مولى عبد العزيز بن مروان، وكان أسود شديد السواد، جيد ‏الشعر، عفيف الفرج، كريماً يفضل بماله وطعامه، وتوفي سنة 108 للهجرة.‏

لما أصاب نصيب من المال ما أصاب، وكانت عنده أم محجن - وكانت سوداء - تزوج امرأة بيضاء ‏فغضبت أم محجن، وغارت، فقال: يا أم محجن، والله ما مثلي يُغار عليه، إني لشيخ كبير، وما مثلك من ‏يغار لأنك عجوز كبيرة، وما أجد أكرم عليّ منك ولا أوجب حقاً فجوزي هذا الأمر ولا تكدّريه ‏عليّ، فرضيت وقرت.‏

ثم قال لها بعد ذلك: هل لك أن أجمع إليك زوجتي الجديدة فهو أصلح لذات البين وألم للشعث وأبعد ‏للشماتة، فقالت: افعل. فأعطاها ديناراً وقال: أني أكره أن ترى بك خَصاصة وأن تَفضُل عليك، ‏فاعملي لها إذا أصبحت عندك غداً نزلاً بهذا الدينار.‏

ثم أتى زوجته الجديدة، فقال لها: أني قد أردت أن أجمعك إلى أم محجن غداً وهي مكرمتك، وأكره أن ‏تفضل عليك، فخذي هذا الدينار فأهدي لها به إذا أصبحت عندها غداً لئلا ترى بك خصاصة ولا ‏تذكري الدينار لها، ثم أتى صاحباً يستنصحه، فقال: أني أريد أن أجمع زوجتي الجديدة إلى أم محجن غداً ‏فأتِني مسلماً، فإني سأستجلسك للغداء، فإذا تغديت فسلني عن أحبهما إليّ، فإني سأنفر وأعظم ذلك ‏وآبى أن أخبرك، فإذا أبيت ذلك فاحلف علي.‏فلما كان الغد زارت زوجته الجديدة أم محجن، ومر به صديقه فاستجلسه، فلما تغديا أقبل الرجل عليه، ‏فقال: يا أبا محجن، أحب أن تخبرني عن أحب زوجتيك إليك، قال: سبحان الله، تسألني عن هذا وهما ‏يسمعان، ما سأل عن مثل هذا أحد، قال: فإني أقسم عليك لتخبرني فو الله إني لا أعذرك، ولا أقبل إلا ‏ذاك، قال: أما إذا فعلت فأحبُهما إليّ صاحبةُ الدينار، والله لا أزيدك شيئاً، فأعرضت كل واحدة منهما ‏تضحك ونفسها مسرورةً وهي تظن أنه عناها بذلك القول

 
log analyzer