الاثنين، 7 يوليو 2014

حدث في التاسع من رمضان

في التاسع من رمضان في السنة السادسة للهجرة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد مكة في عشرة آلاف، بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية،  واستخلف على المدينة أبا رُهْم كلثوم بن حصين الغفاري، ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العَرْج، وهو واد يبعد 110 كيلاً جنوبي المدينة، نظر إلى كلبةٍ تهِرِّ عن أولادها، وهُنَّ حولها يرضعنها، فأمر جميل بن سراقة رضي الله عنه أن يقوم حذاءها، لا يَعرِض لها أحدٌ من الجيش، ولا لأولادها.
فلما كانوا بين العرج والطُّلوب أُتوا بعين - جاسوس - من هوازن، فاستخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أن هوازن أرسلت يستطلع خبر الرسول إن كان يغزوها، وأنها تجمع له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبنا الله ونعم الوكيل، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد أن يحبسه لئلا يذهب فيشيع الخبر في الناس.
وخرج رسول الله صائماً، حتى بلغ الكَديدَ بين عُسفان وأَمَج، وبلغه أن الناس شق عليهم الصيام، وقيل له: إنما ينظرون فيما فعلت، فلما استوى على راحلته بعد العصر دعا بإناء من لبن، أو ماء، فوضعه على راحلته ليراه الناس، فشرب فأفطر، فناوله رجلا إلى جنبه فشرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس صام، فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة. فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر.
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن صيام، فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفِطرُ أقوى لكم. وكانت رخصةً، فمنّا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: إنكم مصبّحو عدوكم، والفِطر أقوى لكم، فأفطِروا. فكانت عزيمة، فأفطرنا.
فلما نزل مَرّ الظَّهْران، ومعه من بني سليم ألف رجل، ومن مُزَيْنة ألف رجل، ومن غِفار أربعمئة، ومن أسلم أربعمئة، وطوائف من قيس وأسد وتميم وغيرهم، ومن سائر القبائل أيضاً جموع.
وقد أخفى الله تعالى عن قريش الخبر لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم وجسون خائفون؛ وقد خرج أبو سفيان بن حرب، وبُديل بن ورقاء، وحكم بن حزام، يتجسسون الأخبار.
وكان العباس بن عبد المطلب هاجر في تلك الأيام، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحُليفة، فبعث ثِقْلَه إلى المدينة، وانصرف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا، فالعباس من المهاجرين من قبل الفتح، ورُويَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: هجرتك يا عم آخر هجرة، كما أن نبوتي آخر نبوة.
وذُكر أيضاً أن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، أخا أم سلمة أم المؤمنين، لقياه بنِيق العُقاب مهاجرَين؛ فاستأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأذن لهما، فكلمته أم سلمة فأذن لهما، فأسلما.
فلما نزلوا بمر الظهران أسفِت نفس العباس على ذهاب قريش، إن فجئهم الجيش قبل أن يأخذوا لأنفسهم فيستأمنوا، فركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم ونهض، فلما أتى الأراك وهو يطمع أن يرى حطّاباً أو صاحب لبن يأتي مكة فينذرهم؛ فبينما هو يمشي كذلك، إذ سمع صوت أبي سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتساءلان وقد رأيا نيران عسكر النبي صلى الله عليه وسلم، وبُديل يقول لأبي سفيان: هذه والله نيران خُزاعة. فيقول له أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون لها هذه النيران. فلما سمع العباس كلامه ناداه: يا أبا حنظلة. فميز أبو سفيان صوته، فقال: أبو الفضل؟ قال: نعم. فقال له أبو سفيان: ما الشأن فداك أبي وأمي؟ فقال له العباس: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش! فقال له أبو سفيان: وما الحيلة؟ فقال له العباس: والله إن ظفر بك ليقتلنك، فارتدِفْ خلفي وانهض معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأردفه العباس، فأتى به العسكر، فلما مر على نار عمر، نظر عمر إلى أبي سفيان فميزه، فقال: أبو سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد. ثم خرج يشتد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسابقه العباس، فسبقه العباس على البغلة، وكان عمر بطيئاً في الجري، فدخل العباس ودخل عمر على أثره، فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عقد، فأذن لي أضرب عنقه. فقال العباس: يا رسول الله، قد أجرتُه. فرادّه عمرُ الكلام، فقال العباس: مهلاً يا عمر، فلو كان من بني عَدي بن كعب ما قلتَ هذا، ولكنه من بني عبد مَناف. فقال عمر: مهلاً، فوالله لإسلامُك يوم أسلمتَ  كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفتُ أن إسلامَك كان أحبَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب.
وقال الزهري: فحادثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة الليل، ثم دعاهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فشهدوا، وأن محمدا رسول الله، فشهد حكيم وبديل وقال أبو سفيان: ما أعلم ذلك.
فلما جاء الصبح قام المسلمون إلى طُهورهم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل! ما للناس؟ أُمِروا فيَّ بشيء؟ قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة.، وأسلم أبو سفيان، فأمره العباس فتوضأ، وذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة كبّر وكبّر الناس، ثم ركع، فركعوا، ثم رفع، فرفعوا، ثم سجد فسجدوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعة! قومٌ جَمَعَهم من ههنا وههنا، ولا فارس الأكارم، ولا الروم ذات القرون بأطوع منهم له، يا أبا الفضل أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك، فقال العباس: إنه ليس بملك، ولكنها النبوة، قال: أوَ ذاك.
وقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئاً. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار حَكيم بن حِزام فهو آمن - وهى بأسفل مكة - ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن - وهى بأعلى مكة - ومن أغلق بابه فهو آمن.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer