الخميس، 26 يونيو 2014

حدث في السابع والعشرين من شعبان

 
في السابع والعشرين من شعبان من عام 1383 الموافق 13 يناير 1964، قام اليساريون الزنوج المنتمون للحزب الأفرو شيرازي وحزب الأمة بتدبير ثورة على الحكم العربي في جزيرة زنجبار، وأدى نجاح الثورة إلى انتهاء حكم السلطان جمشيد بن عبد الله البوسعيدي، ومقتل الألوف من أهل زنجبار العرب والهنود، ثم اتحدت من بعدها زنجبار مع دولة تنجانيقا في شرقي أفريقية في دولة جديدة سميت تنزانيا.
وزنجبار اسم مشتق من الفارسية بمعنى ساحل الزنج، ويطلق على أرخبيل جزر في شرق أفريقية قوامه جزيرتان كبيرتان هما أونجوجا وبِمبا، ويقال للأولى زنجبار  وهي الجزيرة الأكبر، وعدد سكان زنجبار اليوم قرابة مليون وثلاثمئة شخص، وكان عددهم في سنة 1383 يبلغ 300.000 شخص تبلغ نسبة العرب فيهم 20% والهنود حوالي 10%.
استعمرت بريطانية زنجبار عام 1890، وفي الستينات من القرن الماضي بدأت بريطانية في تصفية مستعمراتها التي أضحت عبئاً عليها بعد انتقال زعامة المعسكر الرأسمالي منها إلى الولايات المتحدة، وتقلص مصالحها الاقتصادية في الهند وشرق إفريقية، وشمل ذلك زنجبار، وكانت سياسة بريطانية في كثير من مستعمراتها تسمح بتشكيل التجمعات السياسية أوالأحزاب، وكانت حكومة زنجبار ملكية دستورية يرأسها السلطان ويحكمها رئيس الوزراء، وكان في أحزاب زنجبار قائمة على أساس عرقي، فالعرب لهم حزب زنجبار الوطني، والأفارقة لهم الحزب الأفروشيرازي، وهي تسمية قد تبدو غريبة ولكنها قائمة على اعتقاد بعض الأفارقة أن أجدادهم المسلمين جاءوا من شيراز في فارس، وهو حزب قائم على خليط من الثورية الأفريقية مع المبادئ الماركسية اللينينية.
و في عام 1961 أجرت بريطانية انتخابات حرة في المستعمرة، نتج عنها أن فاز من التجمع العربي 13 نائباً، وفاز من التجمع الإفريقي 10 نواب، ولأن طريقة الانتخاب لا تقوم على انتخاب لائحة بأكملها بل تعتمد على الدائرة الانتخابية الواحدة، كما هو الحال في بريطانية، فقد جاءت النتيجة هكذا رغم أن عدد كل من صوتوا للتجمع الإفريقي كان أكثر من عدد كل الذين صوتوا للتجمع العربي، وهي ظاهرة معروفة وأحد عيوب هذا النظام الانتخابي في بعض الحالات.
وقامت على إثر هذه النتائج اضطرابات قام بها الأفارقة مدعين وجود تزوير في الانتخابات، وتسببت هذه الاضطرابات والقلاقل في مقتل حوالي 70 شخصاً، وعلى إثرها قامت حكومة التجمع العربي بحظر الجماعات الثورية المتشددة من المعارضة، وكان ذوي الميول الاشتراكية الماركسية قد انشقوا عن الحزب الأفروشيرازي وكونوا حزباً أسموه حزب الأمة، ويقصدون به حزب الشعب، فقامت الحكومة بحظره بعد نجاحها في الانتخابات، وذلك لأن زعيمه عبد الرحمن محمد، الملقب بابو، كان لا يخفي التزامه بشيوعية الزعيم الصيني ماو تسي تونج.
وفي سنة 1963 جرت انتخابات أخرى كانت نتيجتها قريبة من انتخابات 1961 في وجود خلل في تمثيل مجمل الأصوات، فقد صوت 54% من الناخبين لصالح الحزب الأفروشيرازي ولكنه نجح في 13 دائرة فقط، ونجح التجمع العربي في 18 دائرة، واستمرت الحكومة ذات القاعدة العربية في تقوية مراكزها داخل الحكومة، وسرحت كل رجال الشرطة ذوي الأصول الإفريقية، وإلى جانب كونه مبنياً على تخوين هؤلاء الأفراد، فقد كان هذا خطأ من ناحيتين حيث أضعف القوة الشُرْطية التي تحت تصرف الحكومة، وأوجد في نفس الوقت عدداً من الشرطة المسرحين الحاقدين على الحكومة، والمدربين تدريباً عسكرياً نظامياً، والخبيرين بالنظام الأمني في الجزيرة وما يضم من قوات ومخافر ومخازن للسلاح والذخيرة.
وأعلنت بريطانية استقلال الجزيرة في 10 كانون الثاني/ديسمبر 1963، وسلمت البلاد لحكومة التجمع العربي، وأرادت الحكومة توقيع اتفاقية دفاعية مع بريطانية يتم بموجبها وجود كتيبة من الجيش البريطاني على الجزيرة لحفظ الأمن فيها، ولكن بريطانية رفضت ذلك، لأن تقارير المخابرات البريطانية كانت تتوقع حدوث اضطرابات وتظاهرات مصحوبة بنشاط شيوعي متزايد، وكان السبب في الرفض أن وجود القوات البريطانية سيزيد من حدة الاضطرابات حيث سيبدو أن الاستقلال كان صورياً فقط.
واندلعت الثورة في الساعة الثالثة من صباح 27 شعبان 1383 الموافق 13 كانون الثاني/يناير 1964، أي بعد قرابة شهر من استقلال الجزيرة، وقام 600 إلى 800 ثائر إفريقي، يساعدهم عدد من رجال الشرطة المسرحين، بمهاجمة مخافر الجزيرة ومخزني السلاح فيها ومحطة الإذاعة، وحاولت قوات الشرطة المعينة حديثاً الدفاع عن هذه المواقع، وانتقلت من مكان إلى آخر، ولكنها هُزِمت في النهاية فقد كان ينقصها التدريب والخبرة لصد هجمات متعددة وشاملة على هذا النحو.
وتسلح الثوار بالبنادق والرشاشات المتوسطة والثقيلة التي استولوا عليها، وبلغت حماستهم عنان السماء بفضل النجاح غير المتوقع، وفي غضون 6 ساعات من بدء التمرد كانوا قد استولوا على مباني الحكومة الرئيسة ومكتب البرقيات، ثم استولوا بعدها على المطار، وما أمسى المساء حتى صارت البلد في يدهم، وخلفت المعارك وقتال الشوارع حوالي 80 قتيلاً معظمهم من العرب، وهرب السلطان جمشيد ورئيس الوزراء محمد حمادي وأعضاء الوزارة على اليخت السلطاني المسمى سيد خليفة، وكان السلطان جمشيد، المولود سنة 1929، قد تولى العرش قبل 6 أشهر بعد وفاة والده عبد الله بن خليفة، ولا يزال جمشيد يعيش في المنفى في بريطانية.
واستنجد رئيس الوزراء والسلطان بالحكومة البريطانية التي كان يترأسها السير أليك دوجلاس هيوم من حزب المحافظين، ورغم أن الثورة وقعت إبان الحرب الباردة وشدة الاستقطاب والمواجهة بين المعسكر الشيوعي وبين المعسكر الغربي، إلا أن وزير الكومُنولث دنكان ساندز رفض إرسال قوات بريطانية لقمع الثورة، وقال إن مصالح بريطانية الاقتصادية في الجزيرة ضئيلة، وكانت تقارير دبلوماسييه في زنجبار قد أفادته أن الحكومة لم تعد لها أية سيطرة على الجزيرة، وأرسلت الحكومة البريطانية سفينة إلى سواحل زنجبار لتلوح للثوار بالتهديد إن هم تعرضوا للبريطانيين، ثم قامت بإخلائهم بعد بضعة أيام من الثورة.
وأحرز النظام الثوري الجديد اعترافاً فورياً من عدد من الدول ذات التوجه اليساري، وعلى رأسها حكومة الرئيس جمال عبد الناصر في مصر، والتي كانت في أوج نزاعها مع الغرب والدول العربية المحافظة، وقد أرسلت قبل سنة قواتها لليمن دعماً لثورة أطاحت بالإمام البدر، واعترفت بريطانية بالحكومة الجديدة بعد حوالي أسبوعين من الثورة، وبقيت هي وأمريكة على توجس منها سنوات طويلة.
تزعم الثورة عبيد كرومي رئيس الحزب الأفروشيرازي، ولكنه في الواقع لم يكن في الجزيرة بل كان على البر الإفريقي، وكان القائد الفعلي للثوار غير زعيم الثورة الرسمي، فقد كان جون أوكِلّو  يقود الثوار الذين جاء معظهم من عصبة الشباب في الحزب الأفروشيرازي، وأوكلو شرطي سابق من أوغَندة جاء إلى الجزيرة قبل حوالي 4 سنوات، وادعى أنه كان في كينيا القائد الأعلى لقوات متمردي الماو ماو الذين حاربوا الاستعمار البريطاني، وكان يصر على مناداته بالمشير أركان حرب، ويقول إن هاتفاً جاءه وأمره أن يذهب كمسيحي ليحرر شعب زنجبار من العرب.
وأعلن الحزب الأفروشيرازي أن زنجبار أضحت: الجمهورية الشعبية لزنجبار وبمبا، وشكل مجلس ثورة يشرف على حكومة ترأسها عُبيد كرومي وتولى وزارة خارجيتها عبد الرحمن محمد بابو، وكان أول قرار للحكم الجديد خلع السلطان وحظر الحزب الوطني الزنجباري، وبدأ كرومي في توطيد الثورة، وكان أول ما عمله أن أزاح أوكلو من الواجهة السياسية، فقد كان فظاً عامياً متبجحاً، ولكنه بقي يناديه سيادة المشير.
واعتبر  أوكلو نفسه بمثابة رئيس للجيش الثوري فقاد أتباعه من الثوريين في هجمات انتقامية على العرب والهنود في زنجبار، وبأمر من أوكلو تجنب الثوار مهاجمة الأوربيين، وقاموا بضرب وتعذيب وقتل واغتصاب من وصلت إليه أيديهم، وبلغ عدد ضحاياهم الآلاف، وتتراوح التقديرات حول عددهم من 5.000 إلى 2.0000 قتيل، وتبجح أوكلو في مقابلة إذاعية أنه قتل وسجن عشرات آلاف من الأعداء والخونة، وصادف أن كان هناك مخرج سينمائي إيطالي يصور فيلماً عن الدول الإفريقية المقبلة على الاستقلال وعنوانه وداعاً إفريقية، فصور من طائرة عمودية جانباً من ضحايا المجازر التي وقعت، والقبور الجماعية التي دفنوا فيها، ولم تجر أية مجازر في الجزيرة الصغرى بمبا التي كان الحزب السياسي فيها حليف الحكومة العربية.
واستمر التنكيل والقتل والترويع والنهب قرابة 3 أسابيع، بدأت بعدها حكومة كرومي في نشر قوات شرطة استدعتهم من تنجانيقة، وجمعت السلاح غير المرخص، وبدأت الحياة تعود تدريجاً إلى الجزيرة، وأعلنت الحكومة عن تشكيل محاكم ثورية لمحاكمة 500 من أعداء الثورة المعتقلين، وهرب من زنجبار من استطاع من العرب والهنود، وأممت الحكومة الماركسية البنكين الموجودين في البلاد، والأراضي والمؤسسات الاقتصادية التي يملكها العرب والهنود.
ولكن أوكلو شكل فرقة أسماها قوات الحرية العسكرية، وانطلق بها يستمر في ترويع العرب ونهبهم  وقتلهم على نحو أثار استياء زملائه من الثوار الزنجباريين، وبخاصة لكونه مسيحياً أوغندياً ينادي بالنضال حتى سفك دم آخر عربي، وكذلك لكونه عنصراً غير منضبط بأوامر الحكومة الجديدة التي لولاه ما كانت على كرسي الحكم، فبدأت حكومة كرومي في نزع سلاح عناصر قواته، وبعد قرابة شهر نزعت منه رتبة مشير أركان حرب، ثم ما لبثت أن انتهزت فرصة سفر له إلى البر الإفريقي فمنعته عند عودته من دخول زنجبار ورحّلته إلى تنجانيقة ثم إلى كينية وعاد منها إلى أوغندة خاسئاً حسيرا.
وفي 26 أبريل 1964 أعلن كرومي عن اتفاق اتحاد مع حكومة جوليوس نيريري في تنجانيقة لتشكيل البلد الجديد المدعو: تنزانية، وبقي كرومي رئيساً لزنجبار، ونائباً للرئيس نيريري، الذي تبالغ بعض المصادر العربية فتزعم أنه كان قسيساً، وأن سياساته كان ذات طابع نصراني صليبي، وهو أمر لا يؤيده الواقع، فقد مارس هو، وكرومي في زنجبار، سياسات قمع وبطش وتصفية وقيود على الاقتصاد والتعليم والسفر تتسم بها الحكومات الماركسية، وطال أذاها كل الشعب بالعدل والسوية، فعاشت البلاد في خوف شديد وفقر مدقع، لا تزال تعاني منه حتى اليوم.
و في سنة 1392= 1972 حاول مقربون من عبيد كرومي الإطاحة بنظامه في زنجبار فلم يفلحوا، ولكنهم نجحوا في اغتياله، فخلفه  الحاج عبود جمُبي حتى سنة 1404=1984، فخفف كثيراً من القيود على المسلمين والتعليم الشرعي، وتابع ذلك من جاء بعده في مد وجزر حتى أصبحت تنزانية وزنجبار اليوم مثل بقية الدول الإفريقية تقوم على خليط متوازن من الديمقراطية والزعيم المتسلط، وتنزانية اليوم مقسمة إلى 25 محافظة، خمس منها في زنجبار وجزرها، وعشرون في تنزانية البر.
وصل الإسلام إلى زنجبار في نهاية القرن الأول الهجري عن طريق الهجرات العربية من عمان، فقد هرب إليها من بطش الحجاج سليمان بن عباد بن الجلندي الأزدي، ومن حينها صارت منتزحاً لأهل عمان، ولا توجد قبيلة عمانية إلا وقسم منها في زنجبار، وزار المسعودي، المتوفى سنة 346، جزيرة زنجبار ومعظم سواحل إفريقية الشرقية، وقال: إن حكامها كانوا مسلمين. وتحول الوجود الإسلامي إلى حكم عربي على يد أهل عُمان، فقد امتدت سلطنة عمان إلى سواحل شرق إفريقية ومنها زنجبار حوالي ألف عام، ولم تنقطع سيطرة عمان عن تلك المناطق إلا لفترات قصيرة بسبب الاستعمار البرتغالي الذي ابتدأ برسو فاسكو دي جاما فيها سنة 1499 ثم باستيلاء البرتغال عليها سنة 911=1505، وبقيت في أيدي البرتغاليين قرابة 200 سنة  إلى أن قام الإمام سلطان بن سيف بحملة لطرد البرتغاليين من ساحل شرق إفريقية وتابعها ابنه سيف من بعده واستولى على ممباسة سنة 1110=1698وقضى على الوجود البرتغالي فيها.
وبقي حكام وولاة الساحل الشرقي خاضعين للحكم العماني اسماً أو فعلاً، وانتقل الحكم في عمان من اليعاربة إلى البوسعيد سنة 1163=1750، حين تولى السلطنة سلطان بن أحمد بن سعيد والذي وضع نصب عينه توحيد المناطق التي تدين بالولاء لعمان، ولما انتقل الحكم ظن والي ممباسة الشيخ محمد بن عثمان المزروعي أن الفرصة قد واتته للاستقلال، وامتنع عن دفع الضريبة، فهاجمه السلطان الجديد وقضى عليه وخضع ساحل شرقي إفريقية ، ومعه زنجبار وبمبا، لحكم البوسعيد في عمان.
وخلفه في سنة 1219=1804 ابنه سعيد الذي بدأ حكمه بكثبر من المناوشات والقتال مع جيرانه في الجزيرة العربية، ثم اتجه للتنمية والتطوير وإشاعة الاستقرار، فأبرز أنه كان رجل دولة من الطراز الأول في عظم الهمة، وحنكة الإدارة، فبنى السفن، وقدم التسهيلات، وعقد المعاهدات التجارية، مع فرنسة سنة 1222 وسنة 1260، ومع أمريكة سنة 1249=1833، ومع بريطانية سنة 1255، وفي عهده أصبحت عمان أقوى دولة في المنطقة، وصار أسطولها من أكبر الأساطيل في العالم، وصلت سفنها التجارية حتى أمريكة، حين أرسل السفينة سلطانة سنة 1840 إلى نيويورك للتجارة وشراء الأسلحة التي كان يحتاجها في صراعه مع البرتغاليين في موزامبيق.
وزار سعيد زنجبار في سنة 1243= 1828، وقرر في سنة 1248=1832جعلها عاصمة الجناح الإفريقي من دولته، إلى جانب مسقط عاصمة الجناح الواقع في بحر عمان وخليح فارس، وهو قرار يدل على تفتح ذهني ومبادرة دائبة، ويدل كذلك على أهمية زنجبار والساحل الشرقي الذي نجح السلطان سعيد في تنميته وازدهاره، فالمسافة بين عمان وزنجبار تبلغ قرابة 4.000 كيل، وكان الوصول إليها يعتمد على الرياح الموسمية، وعظمت مكانة زنجبار في عهده وأصبحت عاصمة التجارة في شرق إفريقية، تنطلق منها وإليها البضائع، وهو الذي فكر في زراعة القرنفل ولم يكن معروفاً في شرق إفريقية، فأتى به من موريشوس وزرعه في زنجبار حتى صارت عاصمة القرنفل في العالم، وشجع تجار الهنود على استيطانها، وقصدها التجار الغربيون وأقامت بها مكاتب قنصلية الولايات المتحدة وبريطانية وفرنسة.
وإلى جانب تجارة التوابل كانت زنجبار مركز تجارة الرقيق الأول في إفريقية، وتقدر بعض المراجع أن الرقيق الذي كان يمر بها سنوياً يصل عدده إلى 50.000 شخص، وكانت حملة مكافحة الرق في بريطانية على أوجها في ذلك الوقت، وأدى هذا لتوتر مع السلاطين وضغوط عليهم نتج عنها عدة اتفاقيات كان أولها في سنة 1822 بالامتناع عن بيع الرقيق للرعايا الأوربيين، وانتهت في سنة 1876حين أصدر السلطان حمود بن محمد أمره بمنع تجارة الرقيق، وكافأته على ذلك الملكة فكتوريا بأن منحته لقب فارس.
وتوفي السيد سعيد سنة 1273= 1856، عن 65 عاماً، على متن سفينة كان قاصداً بها زنجبار، ودفن فيها، وكان منذ سنة 1249=1833 قد جعل ولده ثويني ينوب عنه في عمان ومسقط، وجعل ماجد، سادس أبنائه والمولود سنة 1250، ينوب عنه في زنجبار منذ سنة 1271=1854، واختلف الأخوان بعد وفاة والدهما وكادا يقتتلان، فتدخلت الحكومة البريطانية التي كان يهمهما بقاء طريق الهند دون نزاعات أو حروب، وقام المقيم السياسي في عدن بدراسة النزاع، وانتهى إلى أن سلاطين البوسعيد يتولون الحكم بانتخاب الأصلح لا وراثة الأكبر، وحيث أن أهل زنجبار انتخبوا السيد ماجد حاكما عليهم عقب وفاة والده، فإنه لا مبرر لمطالب السيد ثويني في السيطرة على ممتلكات أخيه، وينبغي أن يبقى كل منهما سلطانا في مكانه، وأصدر اللورد كانِنج الحاكمُ العام للهند قرار التحكيم في سنة 1278=1861القاضي أن يبقى ماجد حاكماً على زنجبار وشرق إفريقية، لكنه يدفع إلى إمام مسقط 40.000 ريال فضة، لأن دولته أغنى من عمان، وبذلك تتحقق المساواة بين الأخوين في ميراث والدهما.
وبعد هذا الاتفاق صارت سياسة ماجد أن يضعف صلاته مع عُمان، حتى لا يشوب استقلالَه شائبة، ولا يهدده أدنى خطر من أخيه، فمنع سفن مسقط من الملاحة في مياه زنجبار إلا إذا أبرزت أوراقا تثبت أنها تتجر في سلع شرعية، كما كتب إلى مشايخ الخليج بأن لا يرسلوا سفنهم بعد ذلك إلى زنجبار، كما حرم السيد ماجد على سكان زنجبار تأجير المساكن للتجار العرب الآتين من شبه الجزيرة العربية، وأخيراً أوقف السيد ماجد الهدايا التقليدية التي كان يقدمها السلاطين لقبائل عُمان، مما يدل على انصرافه نهائيا عن فكرة توحيد السلطنة التي أقامها والده السيد سعيد بن سلطان، ونتيجة هذه الإجراءات أخذ الطابع الأفريقي يغلب على سلطنة زنجبار، وإن بقيت عربية اللسان والهوى.
ومما ينبغي ذكره أن السلطان ماجد هو الذي اختط دار السلام، عاصمة تنزانية اليوم، واختار لها هذا الاسم الإسلامي الجميل، وصارت هي حاضرة الساحل الشرقي لإفريقية.
وتوفي ماجد سنة 1282=1870، وخلفه أخوه برغش بن سعيد الذي درس في الهند، والذي أدخل كثيراً من عناصر المدنية إلى الجزيرة، مثل خطوط المياه والكهرباء، كما عبَّد الطرق وبنى مستشفى ومقرات حكومية حديثة، وأصدر عملة محلية سميت الريال الزنجباري، وسعى لدى شركة الهند البريطانية للسفن البخارية لتقوم برحلات شهرية منتظمة بين زنجبار وبين عدن، وبعد افتتاح قناة السويس في سنة 1869 رتب مع شركة التلغراف الشرقية تمديد كابل تحت البحر يصل زنجبار بعدن، وصار الاتصال البرقي متاحاً من زنجبار إلى كافة أرجاء العالم.
وكان عهد برغش نهاية الاستقلال وبداية النفوذ الغربي في سلطنة زنجبار، فقد بدأت الدول الغربية الاستعمارية في تثبيت أقدامها في شرق إفريقية، وكانت ألمانية قد بدأت في استعمار تنجانيقة سنة 1884 عندما قام رحالة مغامر ألماني بإقناع رؤساء القبائل الإفريقي أن يوقعوا اتفاقيات تضع مناطقهم تحت الحماية الإلمانية، وفي سنة 1885 قامت الحكومة الألمانية بمنح موافقتها الرسمية وحمايتها العسكرية للاتفاقيات، وحاول برغش إرسال قوات لإعادة هؤلاء إلى سلطانه، ولكن سفن البحرية الألمانية جعلته يعدل عن ذلك ويقبل بالأمر الواقع.
وفي سنة 1304= 1886 قامت بريطانية وألمانية بالاتفاق على تقاسم الأراضي التابعة لزنجبار في البر الإفريقي، وتركتا لها شريطاً ساحلياً عرضه 10 أميال يمتد من موازمبيق إلى الصومال، ثم ما لبثت كلتاهما أن استأجرت من السلطان جزءاً كبيراً من هذه المناطق الساحلية، فقام سكان هذه المناطق بالثورة على الألمان الذين قمعوهم بالقوة بعد قليل من وفاة برغش في سنة 1305=1888.
كانت علاقات برغش مع الحكومة البريطانية جيدة إلى حد كبير، ومنحته لقب سير مكافأة على توقيعه اتفاقاً معها بمنع تجارة الرقيق في سلطنته وإغلاق سوق العبيد في زنجبار، ومما ينبغي ذكره أن عمان أصبحت في تلك الفترة تحت حكم الإمام تركي بن سعيد أخي برغش، وأن العلاقات بين الأخوين كانت ودية جداً إلى حد أن تركي أراد في في سنة 1297=1880، أن يتنازل عن حكم عُمان لأخيه  برغش، ولكن حكومة الهند البريطانية أزعجها أن يتحد البلدان وأصدرت تعليماتها إلى المقيم البريطاني في الخليج بأن يبلغ من يهمه الأمر أن بريطانية ستتدخل في حالة وقوع محاولة لإعادة الوحدة بين عُمان وزنجبار.
وتولى الحكم بعد برغش أخوه خليفة بن سعيد، المولود سنة 1269=1852، ووقع في سنة 1888معاهدة مع شركة شرق إفريقية الألمانية منحها لمدة 50 عاماً، مقابل 200.000 جنيه،  الحق في تحصيل الرسوم الجمركية والضرائب على طول ساحل تنجانيقة، كذلك تنازل لشركة شرق إفريقية البريطانية عن ممباسة والمناطق الساحلية شمالها مقابل 11.000 جنيه، وسلبت هذه الصفقات الخاسرة زنجبار مكانتها السياسية والتجارية والبحرية، ومنحت هاتين الدولتين الذريعة القانونية للتحكم بطرق التجارة في هذه المنطقة، وأفلت شمس زنجبار واضمحل بهاؤها وزال عنها سلطانها.
وتوفي خليفة في سنة 1307=1890 وتولى بعده أخوه السلطان علي بن سعيد الذي دام حكمه 3 سنوات، وفي أثنائه اتفقت بريطانية وألمانية على أن تتنازل الأولى للثانية عن جزيرة هليجولاند في بحر الشمال في أوروبة مقابل أن يتخلى الألمان عن نفوذهم في زنجبار وشرق إفريقية، وأصبحت بذلك زنجبار محمية بريطانية على غرار دول الخليج، وصارت بريطانية هي عملياً التي تعين السلطان وتدير زنجبار من خلال تعيين وزراء عرب يتلقون أوامرهم منها، ثم قررت في سنة 1913، مع الحرب العالمية الأولى، إدارتها مباشرة بواسطة المقيم البريطاني واستمر ذلك حتى استقلال زنجبار سنة 1963.
وكان خليفة بن حارب، المولود سنة 1296=1879، أطول سلاطين زنجبار حكماً، فقد تولى الحكم قرابة 50سنة؛ من سنة 1329=1911 حتى وفاته سنة 1380=1960، ليخلفه ابنه جمشيد الذي لم يمتع طويلاً بالحكم وجرت عليه الثورة.
كان سلاطين زنجبار يتبعون المذهب الإباضي، وكانوا محافظين على شعائر الدين ومتعلقين بأهدابه، أهدت الملكة فكتوريا السلطان سعيد بن سلطان آنية شاي من الفضة مطلية بالذهب، فقبلها شاكراً ولكنه لم يستعملها مراعاة للحكم الشرعي، وكان ابنه السلطان برغش يقسم يومه بين تلاوة القرآن ودراسة العلوم الدينية وبين النظر في أمور المملكة، ولذا كانت الحياة الأدبية العربية والعلمية الشرعية مزدهرة في زنجبار والساحل الشرقي، وقد أخرجت هذه البلاد عدداً من العلماء والقضاة والشعراء، فيهم الإباضي والسني، وكانت العربية لغة الدولة في زنجبار، وكان فيها مطبعتان عربيتان، وكان فيها صحيفة عربية اسمها الفلق ومجلة اسمها النجاح، وحيث كان أغلب الرعايا من السنة الذين يتبعون المذهب الشافعي، فقد كان السلاطين يراعون ذلك فيعينون لهم قضاة من فقهاء الشافعية، وإلى جانب هؤلاء كانت هناك قلة من الشيعة والإسماعيليين ذوي الأصل الهندي الذين يسيطرون على التجارة، عاشوا في ظلهم يمارسون أعمالهم آمنين على أموالهم وأنفسهم.
ولله الأمر من قبل ومن بعد
 

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer