السبت، 23 أغسطس 2008

وإن كان موسى الذي سألتني عنه

محمد بن الهذيل أبو الهذيل شيخ المعتزلة ومصنف الكتب في مذاهبهم، ولد سنة 135 وتوفي سنة 235.

قال أبو الهذيل: أول ما تكلمت كان لي أقل من خمس عشرة سنة، وكنت أختلف إلى عثمان الطويل صاحب واصل بن عطاء، فبلغني أن رجلاً يهودياً قدم البصرة وقد قطع - أي أفحم - عامة متكلميهم، فقلت لعمي: يا عم، امض بي إلى هذا اليهودي أكلمه، فقال لي: يا بني، هذا اليهودي قد غلب جماعة متكلمي أهل البصرة، أفمن جدك أن تكلم من لا طاقة لك بكلامه. فقلت: لا بد من أن تمضي بي إليه، وما عليك مني غلبني أو غلبته.

فأخذ بيدي ودخلنا على اليهودي، فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه بنبوة موسى، ثم يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول: نحن على ما اتفقنا عليه من صحة نبوة موسى إلى أن نتفق على نبوة غيره فنقر.

قال: فدخلت عليه، فقلت له: أسألك أو تسألني؟ فقال لي: يا بني أو ما ترى ما أفعله بمشايخك؟ فقلت له: دع عنك هذا واختر، إما أن تسألني، أو أسألك. فقال: بل أسألُ. أخبرني، أليس موسى نبي من أنبياء الله تعالى قد صحت نبوته، وثبت دليله، تقر بهذا أو تجحده فتخالف صاحبك؟ فقلت له: إن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين، أحدهما: أني أقر بنبوة موسى الذي أَخبرَ بصحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمَرَ باتباعه، وبَشرَ به وبنبوته، فإن كان عن هذا تسألني فأنا مُقرٌّ بنبوته، وإن كان موسى الذي سألتني عنه لا يقرُّ بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرنا باتباعه، ولا بَشّرَ به، فلستُ أعرفه ولا أُقر بنبوته، بل هو عندي شيطان مخزى.

فتحير لما ورد عليه ما قلته له وقال لي: فما تقول في التوراة؟ قلت: أمر التوراة عندي أيضاً على وجهين، إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى النبي الذي أقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي التوراة الحق، وإن كانت أنزلت على الذي تدعيه فهي باطل غير حق، وأنا غير مصدق بها.

فقال لي: أحتاج أن أقول لك شيئاً بيني وبينك، فظننت أنه يقول شيئاً من الخير، فتقدمت إليه، فسّارني وقال: أمُك كذا وكذا، وأمُ من علّمك، لا يُكَني. وقَدّر أني أثب به فيقول: قد وثبوا بي وشغبوا علي، فأقبلتُ على من كان في المجلس فقلت: أليس قد عرفتم مسألته إياي، وجوابي له؟ فقالوا: نعم. فقلت: أليس عليه أن يردَ جوابي؟ قالوا: نعم. قلت: إنه لما سّارني شتمني الشتمَ الذي يوجب الحد، وشتم من علمني، وإنما قَدّرَ أني أقوم أثبُ عليه، فيدعي أنّا واثبناه وشغبنا عليه، وقد عرفتكم شأنه بعد انقطاعه. فأخذته الأيدي والأكف بالنعال، فخرج هارباً من البصرة وقد كان له بها دين كثير، فتركه وخرج لما لحقه من الانقطاع.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer