الثلاثاء، 12 أغسطس 2008

أُنفِذُ من كتبك ما رأيتُ، وأقِفُ عما لا أرى

حدث مصعب بن عبد الله عن والده عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، المتوفى سنة 184 عن 73 سنة، فقال:

كان أبي يكره الولاية، فعرض عليه أمير المؤمنين هارون الرشيد ولاية المدينة، فكرهها وأبى أن يليها، وألزمه ذلك أمير المؤمنين الرشيد، فأقام بذلك ثلاث ليال يلزمه ويأبى عليه قبولها، ثم قال له في الليلة الثالثة: اغْدُ عليّ بالغداة إن شاء الله، فغدا عليه، فدعا أمير المؤمنين بقناة - أي برمح - وعمامة فعقد اللواء بيده، ثم قال: عليك طاعة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فخذ هذا اللواء، فأخذه وقال له: أما إذا ابتليتني يا أمير المؤمنين بعد العافية، فلا بد لي من اشتراطٍ لنفسي، قال له: فاشترِطْ لنفسك. فاشترَطَ خِلالاً منها أن مالَ الصدقات مالٌ قسمه الله بنفسه، ولم يَكِلْه إلى أحدٍ من خلقه، فلستُ أستجيز أن أرتزقَ منه، ولا أن أرزق المرتزقة، فاحْمِل معي رزقيَ ورزق المرتزقة من مال الخراج، قال: قد أجبتك إلى ذلك، قال: فأُنفِذُ من كتبك ما رأيتُ، وأقِفُ عما لا أرى، قال: وذلك لك.

قال: فولي المدينة، وكان يأمر بمال الصدقات يصير إلى عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وإلى آخر معه وهو يحيى بن أبي غسان الشيخ الصالح من أهل الفضل، فكانا يقسمانه، ثم ولّاه أميرُ المؤمنين هارون الرشيد اليمنَ، وزاد معها ولاية عَك، وكانت عَك إلى والي مكة، ورَزَقَه ألفي دينار في كل شهر، فقال يحيى بن خالد البرمكي وزير الرشيد: يا أمير المؤمنين كان رزقُ والي اليمن ألفَ دينار، فجعلتَ رزق عبد الله بن مصعب ألفي دينار، فأخاف أن لا يرضى أحدٌ تولية اليمن من قومك من الرزق بأقل مما أعطيت عبد الله بن مصعب، فلو جعلت رزقه ألف دينار كما كان يكون، وأعطيته من الألف الآخر مالاً تجيزه به، لم يكن عليك حجة لأحد من قومك في الجائزة، فصيّر رزقه ألف دينار، وأجازه بعشرين ألف دينار، فاستخلف على اليمن الضحاك بن عثمان بن الضحاك، وكلم له أميرَ المؤمنين فأعانه على سفره بأربعين ألف درهم، فأقام الضحاكُ خليفتَه حتى قدِمَ عليه.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer