الأربعاء، 23 أبريل 2008

أظننت أن البلاد تباع؟

كان السلطان صلاح الدين الأيوبي - المتوفى سنة 589 هجرية عن 57 سنة - يعظم أخاه الملك العادل – وهو أصغر منه بسنتين، وتوفي سنة 615 هجرية - ويعمل برأيه في جميع أموره ويتيمن بمشورته، ولا يُعلم بأنه أشار على السلطان بأمر فخالفه، وكان السلطان يجمع الأمراء للمشورة فإن كان العادل حاضراً سمع من رأيه، وإن لم يكن حاضراً لم يقطع أمراً في المهمات حتى يكاتبه بجلية الأحوال ثم يسمع رأيه فيها.

فلما حصل العادل بمصر وبَعُدَ عن السلطان، صار السلطان يتكلف في مكاتبته بالأخبار، ويؤخر الأمور إلى أن يرد عليه جوابه، فيفوته بذلك كثير من المنافع الحاصلة للدولة وللجهاد، فلما حاصر صلاح الدين الكرك كاتَبَه بالحضور إليه بعياله وأمواله وجميع أصحابه، وولى مصرَ ابنَ أخيه الملك المظفر تقي الدين.

ولما حَصَلَ الملكُ العادل عند أخيه صلاح الدين بأمواله وأثقاله، كانت الأموال قد قلت على السلطان، وقد حصلت عنده عساكر عظيمة، فأحضر العادل ليلا وقال: أريد أن تقرضني مئة وخمسين ألف دينار إلى الميسور، فقال: السمع والطاعة، ثم قام وخرج من عنده وكتب إليه يقول: أموالي جميعها بين يديك، وأنا مملوكك، وأشتهي أن أحمل هذا المال إلى خدمة السلطان، ويكون عوضاً عنه مدينة حلب وقلعتها. فأجابه السلطان: إنني والله ما أقدمتك إلا لأوليك حلب، وإذ قد اقترحت ذلك فقد وافق ما عندي، فلما أصبح العادل أنفذ المال وسأل السلطان أن يكتب له بمدينة حلب كتاباً ويجعله ككتاب البيع والشراء، فامتنع السلطان وقال: إنما تكون حلب إقطاعا والمال علي له! فاعتذر العادل إلى السلطان عن طلبه، ولما اجتمعا قال له السلطان: أظننت أن البلاد تباع؟! أوما علمت أن البلاد لأهلها المرابطين بها، ونحن خَزَنة للمسلمين ورعاة للدين وحراس لأموالهم، أو ما علمت أن السلطان ملكشاه السلجوقي لما وقف طبرية على جامع خراسان، لم يحكم به أحد من القضاة ولا من الفقهاء!

ثم قرر السلطان ولاية العادل بحلب وأعمالها إلى رعبان إلى الفرات إلى حماة، وكتب له التوقيع، وقرر عليه مالاً يحمله برسم الزردخاناه وخزانة الجهاد ورجالة من الحلبيين، ورحل السلطان إلى دمشق، واستدعى ولده الظاهر من حلب، فلما حضر أمره بالعود إلى حلب وتسليمها إلى عمه العادل، ففعل وعاد إلى دمشق وسار العادل إلى حلب، فالتقيا بالرستن وباتا فيه، فكانت مدة ولاية الظاهر بحلب في هذه النوبة نحو ستة أشهر، ولما وصل الظاهر إلى دمشق أقبل على خدمة والده والتقرب إليه إلا أن الانكسار لخروج حلب من يده ظاهر عليه، وهو مع ذلك لا يظهر شيئاً إلا الطاعة لوالده والانقياد لمرضاته.

قال الملك الظاهر ابن صلاح الدين: لما بلغني أن السلطان ولى حلب للملك العادل، جرى علي ما قَدِمَ وما حَدِثَ، وأصابني من الهم ما لم أقدر على النهوض به، ووددت أني لم أكن رأيتها ولا دخلت إليها، لأن قلبي أحبها وقبلها وطاب لي هواؤها، ولما فارقتها كنت أحن إليها واشتاقها.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer