الثلاثاء، 29 أبريل 2008

رحمة شاملة لجنس الإنس

وكان قد شاع الخبر بأن ملوك الفرنج واصلون، وهم حاشدون حافلون، فوصل ملك إفرنسيس فيليب في ثاني عشر ربيع الأول 587 في ست بطس – أي سفن تجارية - عظام، مملوءة بفوارس ذوي إقدام، فقلنا: ما أحمل الماء لأهل النار، وما أجلبه للدوائر إلى الديار، وكان عظيما عندهم من كبار ملوكهم، ينقادون له بحيث إذا حضر حكم على الجميع، وما زالوا يتواعدونا به حتى قدم.

وصحبه من بلاده باز عظيم عنده، هائل الخلق، أبيض اللون، نادر الجنس، وكان يعزه ويحبه حبا عظيما، فطار من يده حتى سقط على سور عكا، فاصطاده أصحابنا، وأنفذوه إلى السلطان، وبذل الفرنج فيه ألف دينار فلم يجابوا. ولقد رأيته وهو يضرب إلى البياض مشرق اللون ما رأيت بازيا أحسن منه.

وكان للمسلمين لصوص يدخلون إلى خيام العدو، فيسرقون منهم حتى الرجال ويخرجون، فأخذوا ذات ليلة طفلا رضيعا له ثلاثة أشهر، فلما فقدته أمه باتت مستغيثة بالويل والثبور في طول تلك الليلة حتى وصل خبرها إلى ملوكهم، فقالوا لها إن السلطان صلاح الدين رحيم القلب، وقد أذِنا لك في الخروج إليه، فاخرجي واطلبيه منه فانه يرده عليك.

فخرجت تستغيث لليزك – أي طليعة الجيش - الإسلامي وأخبرتهم بواقعتها، فأطلقوها وأنفذوها إلى السلطان، فأتته وهو راكب على تل الخروبة، وأنا في خدمته وفي خدمته خلق عظيم، فبكت بكاءً شديداً ومرغت وجهها في التراب، فسأل عن قصتها فأخبروه، فَرَقَ لها ودمعت عينه، وأمر باحضار الرضيع، فمضوا فوجدوه قد بيع في السوق، فأمر بدفع ثمنه إلى المشتري وأخذه منه، ولم يزل واقفا رحمه الله حتى أُحضر الطفلُ وسلم إليها، فأخذته وبكت بكاء شديداً، وضمته إلى صدرها، والناس ينظرون إليها ويبكون، وأنا واقف في جملتهم فأرضعته ساعة، ثم أمر بها فحملت على فرس وألحقت بمعسكرهم مع طفلها. فانظر إلى هذه الرحمة الشاملة لجنس الإنس، اللهم إنك خلقته رحيماً فارحمه رحمة واسعة آمين.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer