السبت، 19 أبريل 2008

ذهبت بحديثي إلى بني مروان!

ضاقت حال الإمام ابن شهاب الزهري ورهقه دين، فخرج إلى الشام في زمان عبد الملك بن مروان فجالس قبيصة بن ذؤيب، فبينا هو مع قبيصة ذات ليلة يسمر معه إذ جاءه رسول عبد الملك، فقال: أجب أمير المؤمنين.

فذهب إليه ثم رجع إلينا فقال: إن أمير المؤمنين أتاه شيء من أمهات الأولاد من ناحية المدينة - وكان عبد الملك قد سمع من سعيد بن المسيب فيه حديثاً، فلم يحفظه - من منكم يحفظ قضاء عمر في أمهات الأولاد؟ قال الزهري: قلت: أنا، فقال لي: قم.

فقمت معه فأدخلني على عبد الملك بن مروان فإذا هو جالس على نمرقة – أي وسادة - بيده مخصرة – أي عصا صغيرة - عليه غلالة ملتحف بسَّبَنِيَّة – ثوب غليظ من الكتان - بين يديه شمعة، فسلمت عليه فلما فرغت من سلامي قال: من أنت؟ فانتسبت له، قال: إن كان أبوك لنعاراً في الفتن -لأنه ممن خرج مع علي رضي الله عنه - قلت: يا أمير المؤمنين عفا الله عما سلف، قال: اجلس، فجلست قال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: اقرأ من سورة كذا ومن سورة كذا، قال: فقرأت، قال فقال لي: أتفرض – أي تعلم تقسيم الفرائض والمواريث – قلت: نعم، قال: فما تقول في امرأة تركت زوجها وأبويها؟ قلت: لزوجها النصف، ولأمها السدس، ولأبيها ما بقي، قال: أصبت الفرض وأخطأت اللفظ، إنما لزوجها النصف، ولأمها ثلث ما بقي، وهو السدس من رأس المال، ولأبيها ما بقي، قال: فإن الفريضة على حالها، وهو رجل ترك زوجته وأبويه، فقلت: لزوجته الربع، ولأمه الربع، ولأبيه ما بقي، فقال لي: أصبت الفرض وأخطأت اللفظ، أليس هكذا الفرض؟ لزوجته الربع، ولأمه ثلث ما بقي، وهو الربع من رأس المال، وللأب ما بقي.

ثم قال: هات حديثك، قلت: حدثني سعيد بن المسيب – وكان عبد الملك قد جالسه ثماني سنين - أن فتى من الأنصار كان لزم عمر بن الخطاب وكان به معجبا وأنه فقده، فقال: ما لي لا أرى فلانا؟ فأرسل إليه فجاءه، فإذا هو بذ الهيئة، فقال: ما لي أراك هكذا؟ قال: يا أمير المؤمنين،خرجت من ميراثي من أبي بأمي، إن إخوتي خيروني بين أمي وبين ميراثي من أبي، فاخترت أمي ولم أكن لأخرجها على رؤوس الناس، فأخذتها بجميع ميراثي من أبي. قال: فخرج عمر مغضبا حتى رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: أما بعد أيها الناس، فمن كانت له أمة يطؤها فولدت له، فله أن يستمتع منها ما عاش، فإذا مات فهي حرة، فقال عبد الملك: هكذا حدثني سعيد بن المسيب، ما مات رجل ترك مثلك!

فقلت: يا أمير المؤمنين اقض ديني، قال: قضى الله دينك – كناية عن إجابة طلبه – قلت: ويفرض لي أمير المؤمنين –أي يعطيني راتباً – قال: لا والله ما نجمعهما لأحد. اذهب فاطلب العلم، ولا تشاغل عنه بشيء فإني أرى لك عينا حافظة وقلبا ذكيا، وائت الأنصار في منازلهم.

فخرجت فتجهزت حتى قدمت المدينة، فجئت سعيد ابن المسيب في مجلسه في المسجد، فدنوت لأسلم عليه فدفع في صدري وقال: انصرف! وأبى أن يسلم علي، قال: فخشيت أن يتكلم بشئ يعيبني به فيرويه من حضره، فتنحيت ناحية واتبعته ليخلو، فلما خلا وبقي وحده مشيت إلى جنبه، فقلت: يا أبا محمد ما ذنبي؟ أنا ابن أخيك ومن موديك – أي من له يد سبقت عندك - فما زلت أعتذر إليه وأتنصل إليه وما يكلمني بحرف، وما يرد على كلمة، حتى إذا بلغ منزله واستفتح ففتح له، فأدخل رجله، ثم التفت إلي فقال: أنت الذي ذهبت بحديثي إلى بني مروان!

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer