الثلاثاء، 15 أبريل 2008

ما أريد غير ما وافقتني عليه

لما دخل الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى بغداد وكانت معه بضاعة يتقوت منها فسرقت، فأفضت به الحال إلى بيع ثيابه وكُمَي قميصه، فقال له بعض أصدقائه: تنشط لتأديب بعض ولد الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى ابن خاقان؟ قال له: نعم.

فمضى الرجل فأحكم له أمره، وعاد إليه فأوصله إلى الوزير بعد أن أعاره ما يلبسه، فلما رآه عبيد الله قربه ورفع مجلسه وأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر، فاشترط عليه أبو جعفرأوقات طلبه العلم والصلوات والأكل والشرب والراحة في حينها، وسأل إسلافه رزق شهر ليصلح به حاله ففعل ذلك به.

وأدخل أبو جعفر في حجرة التأديب – أي التدريس - فأُجلس فيها وكان قد فرشت بأثاث التدريس، وخرج إليه الصبي وهو أبو يحيى ومعه زملاؤه من أولاد القصر، فلما جلس بين يديه وكتب الولد على اللوح ما درسه الشيخ، أخذ الخادم اللوح، وذهب به في القصر مستبشراً، فلم تبق جارية إلا أهدت إلى أبي جعفر صينية فيها دراهم ودنانير فرد الجميع، وقال: قد شورطت على شيء، وما هذا لي بحق، وما آخذ غير ما شورطت عليه. فعرّفَ الجواري الوزيرَ ذلك فأدخله إليه وقال له: يا أبا جعفر سررتَ أمهات الأولاد في ولدهن فبررنك، فغممتهن بردك هداياهن. فقال له: ما أريد غير ما وافقتني عليه، وهؤلاء عبيد، والعبيد لا يملكون شيئا. فعظم ذلك في نفس الوزير.

وكان أبوجعفر ربما أهدى إليه بعض اصدقائه الشيء من المأكول، فيقبله اتباعا للسنة، ويكافئه لعظم مروءته أضعافا، وربما يجحف به، فكان أصدقاؤه يجتنبون مهاداته، ومما ينسب إليه:


إذا أعسرت لم يعلم شقيقي *** وأستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي *** ورفقي في مطالبتي رفيقي
ولو أني سمحت ببذل وجهي *** لكنت إلى الغنى سهل الطريق


وقد ولد الإمام ابن جرير الطبري سنة 224 بآمل طبرستان على ضفاف بحر قزوين الجنوبية، وتوفي في السادس والعشرين من شوال سنة 310 ببغداد، رحمه الله.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer