الأحد، 20 أبريل 2008

ترويض البغال

كان أبو الحسين بن أبي البغل عاملاً على أصبهان، فدخل إليه يوماً شيخ قدم من بغداد بكتب من وزير الوقت، ومن جماعة رؤساء الحضرة، وإخوان أبي الحسين بها، يخاطبونه بتصريفه – أي بتوظيفه – ونفعه، فسلم الرجل وجلس وأوصل الكتب، وصادف منه ضجراً وضيق صدر، وكانت إضبارة عظيمة فاستكثرها ابن أبي البغل ولم يقرأها جميعها.

فقال له الرجل: إن رأيت أن تقرأها، وتقف على جميعها. فصخب وتغيظ وقال: أليس كلها في معنى واحد؟ قد والله بُلينا بكم يا بطالين! كل يوم يصير إلينا منكم واحد يريد تصرفاً، لو كانت خزائن الأرض إليّ لكانت قد نفذت!

ثم قال للرجل: يا هذا مالك عندي تصرف، ولا لي عمل شاغر أرده إليك، ولا فضل في مالي أَبُـرُكَ منه، فدبر أمرك بحسب هذا.

قال: والرجل ساكت جالس، إلى أن أمسك ابن أبي البغل، فلما سكت ومضت على ذلك ساعة قام الرجل قائماً، وقال: أحسن الله جزاءك، وتولى مكافأتك عني بالحسنى، وفعل بك وصنع. قال: وأسرف الرجل في شكره، والدعاء له، والثناء عليه، بأحسن لفظ، وأجود كلام، وولى منصرفاً.

فقال ابن أبي البغل: ردوا من خرج. وقال له: يا هذا، هو ذا تسخر مني! على أي شيء تشكرني؟ على إياسي لك من التصرف؟ أو على قطع رجائك من الصلة؟ أو على قبيح ردي لك عن الأمرين؟ أوَ تريد خداعي بهذا الفعل؟

قال: لا، ما أردت خداعك، وما كان منك من قبيح الرد غير منكر، فإنك سلطان، ولَحِقَكَ ضجرٌ، ولعل الأمر على ما ذكرتَه من كثرة الواردين عليك، وقد مللت بمن حضر، ونحوسى أن صار هذا الرد القبيح والأياس الفظيع في بابي.

ولم أشكرك إلا في موضع الشكر، لأنك صدقتني عما لي عندك في أول مجلس، فعتقت عنقي من ذل الطمع، وأرحتني من التعب بالغدو والرواح إليك، وخدمة من أستشفع بهم عليك، وكشفت لي ما أدبر به أمري، وبقية نفقتي معي، ولعلها تقوم بتجملي الذي أتجمل به إلى بلد آخر، فإنما شكرتك على هذا، وعذرتك فيما عاملتني به، لما ذكرته أولاً.

قال: فأطرق ابن أبي البغل خجلاً، ومضى الرجل.

فرفع رأسه بعد ساعة، وقال: ردوا الرجل، فردوه. فاعتذر إليه، وأمر له بصلة، وقال: تأخذها إلى أن أقلدك ما يصلح لك، فإني أرى فيك مصطنعاً. فلما كان بعد أيام قلده عملاً جليلاً، وصلحت حال الرجل.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer