الخميس، 21 أغسطس 2014

حدث في الخامس والعشرين من شوال

في الخامس والعشرين من شوال من سنة 658 مات قتيلاً، عن 32 عاماً، آخر ملوك الدولة الأيوبية، الملكُ الناصر يوسف بن محمد بن غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، قتله الملك المغولي هولاكو انتقاماً من الخسارات المتتالية لجيوشه في بلاد الشام، بعد أن أسره واستأمنه.
ولد الملك الناصر سنة 627 بحلب، وتوفي والده الملك العزيز محمد سنة 634، ونودي بالصبي ملكاً وعمره نحو سبع سنين، على أن يقوم وزراء أبيه بتدبير مملكته، وعلى رأسهم الأمير شمس الدين لؤلؤ، لا يمضون أمرا قبل الرجوع إلى جدته الصاحبة ضيفة خاتون، وكان الملك الكامل الأيوبي محمد ملك مصر في أوج سلطانه آذناك، وله السلطنة في الديار الشامية باستثناء حلب، ورضي بذلك الملك الكامل على مضض، فقد كان يواجه الصليبين في مصر، ومن ناحية أخرى لأن مدبرة المملكة ضيفة خاتون هي أخته، وما لبث الملك الكامل أن توفي سنة 635 تاركاً مصر لابنه الشاب الملك العادل الذي سرعان دخل في صراع مع أخيه الملك الصالح الذي أطاح به سنة 637.
وفي سنة 640 توفيت جدته الصاحبة ضيفة خاتون سنة 640، عن 59 عاماً، فجلس الملك الناصر يوسف في دار العدل، وأمر ونهى، وعمره 13 سنة.
وانتهز الملك الناصر وقواده التقلبات التي كانت عنصراً ملازماً لممالك الدولة الأيوبية فأضاف إلى دولته بلاد الجزيرة وحران والرها والرقة ورأس عين وحمص، ثم دمشق سنة 648 وأطاعه صاحب الموصل وماردين.
وهاجم مصر في سنة 648-  وهي تواجه حملة لويس التاسع - فدخلها عنوة، بعد قتال، وكاد يملكها وخُطِبَ له بمصر وقلعة الجبل، ثم ظهرت عليه طائفة من عسكرها، وقُتِلَ الأمير شمس الدين لؤلؤ، فانهزم الملك الناصر إلى الشام، واستقر في دمشق.
ووطد الملك الناصر مكله كذلك من خلال زواجه في سنة 652 بابنة السلطان علاء الدين السلجوقي صاحب قونية وملطية  وآقساراي، وهي كذلك بنت ابنة الملك العادل أخي صلاح الدين الأيوبي وأكبر كبار ملوك الدولة الأيوبية بعد صلاح الدين.
وفي سنة 654 اجتاح المغول بقيادة هولاكو وسط الأناضول، ثم هاجموا في سنة 656 بغداد فقتلوا ونهبوا، وجرى في بغداد ما لم يسمع بمثله في الآفاق، وقيل إن هولاكو أمر بإحصاء القتلى فبلغوا أكثر من  1.800.000 قتيل، ثم تقدم التتار إلى بلاد الجزيرة واستولوا على حران والرها وديار بكر في سنة 657، ثم جاوزوا الفرات ونزلوا على حلب في سنة 658 واستولوا عليها، وأحرقوا المساجد وجرت الدماء في الأزقة وفعلوا من الفظائع ما لا مثيل له.
ثم وصلوا إلى دمشق وفيها الملك الناصر يوسف بن أيوب فخرج إلى برزة استعداداً للمناجزة، ثم خذله من حوله وخذلوه، فهرب ومعه أمراؤه، ودخل المغول إلى دمشق وتسلموها بالأمان، ثم غدروا بأهلها، واستمروا في هجومهم حتى وصلوا إلى نابلس ثم إلى الكرك وبيت المقدس.
وسار الملك الناصر يوسف في هربه حتى دخل سيناء، ثم طلب الأمان من كتبغا نائب هولاكو وقائد الجيش المغولى، فأرسل به إلى هولاكو، ولما مرَّ الملكُ الناصر على حلب ورأى ما قد حل بها وبأهلها تضاعف تألمه وأنشد
يعز علينا أن نرى ربعَكم يبلى ... وكانت به آياتُ حسنكمُ تتلى
فلما قدم الملك الناصر على هولاكو وكان في تبريز بإيران أحسن إليه وأكرمه، قيل: إنه سأله عن أحوال الديار المصرية وعساكرها، فهون أمرها عنده، والتزم له بفتحها، وحمل أموالها وأموال الشام إليه، فكتب له هولاكو فرماناً وقلده مملكتي الشام ومصر، وخلع عليه وأعطاه خيولاً كثيرة وأموالاً.
وكانت الدولة الأيوبية في مصر قد انتهت سنة 648 علي يد عز الدين أيبك التركماني الصالحي أول سلاطين المماليك في مصر، ثم دبرت زوجته شجرة الدر قتله في سنة 656، فولوا ابنه علي وعمره 15 عاماً، وتلقب بالملك المنصور، وقام الأمير سيف الدين قطز بتدبير دولته، وكان ذا بأس وشهامة، وحزم وصرامة، فلما اجتاح المغول المشرق اتفق الأمراء على خلع المظفر لصغره وتولية سيف الدين قطز، وقالوا: لا بد للناس من سلطان قاهر يقاتل عن المسلمين عدوهم، وهذا صبي صغير لا يعرف تدبير المملكة! وتلقب قطز بالملك المظفر سنة 657 وحشد الجيوش وصدق العزم في محاربة المغول، فظهر عليهم وهزمهم في عين جالوت في 27 من رمضان سنة 658، وقتل كتبغا قائد الجيش المغولي، فانكسرت شوكتهم وتوقف مَدُّهم وتوسعهم.
ولما بلغ خبر الهزيمة إلى هولاكو غضب غضباً شديداً، وأحضر الملك الناصر وقال: أنت قلت: ما في البلاد أحد، وأن من فيها في طاعتك، حتى غررت بالمغول؟ فقال: أنا في تبريز في قبضتك، كيف يكون لي حكم على من هناك؟ فرماه بسهم فصاح: الصنيعة ياخوند، فقال أخوه الملك الظاهر غازي: اسكت، تقول لهذا الكلب هذا القول، وقد حضرت الشهادة! فرماه هولاكو بسهم آخر قضى عليه، وضربت عنق الظاهر وأصحابهما.
من ناحية أخرى، يصفه المؤرخون بأنه كان ملكاً جواداً كريماً كثير المعروف غزير الإحسان، حليماً صفوحاً، جميل العشرة طيب المحادثة والمفاكهة قريباً من الرعية يؤثر العدل ويكره الظلم، فأحبته الرعية.
وكان له من التجمل ما لم يكن لأحد من الملوك قبله من كثرة الطعام وغيره، فإنه كان يذبح في مطبخه كل يوم أربعمئة رأس من الغنم، وأما غير ذلك من الدجاج وفراخ الحمام والخراف الرضع فلا يحصى، وكانت نفقة مطابخه وما يتعلق بها في كل يوم تزيد على 20.000 درهم، وكان ما يفضل من هذه الأطعمة يبيعه الفراشون والطباخون وأرباب الجرايات عند باب قلعة دمشق بأبخس الأثمان، فكانت تعم أهل دمشق وكان أكثر الناس بدمشق يغنيهم ما يشترونه منها عن الطبخ في بيوتهم
وقال علاء الدين علي بن نصر الله جاء السلطان الملك الناصر رحمه الله إلى داري بغتة ومعه جماعة كثيرة من أصحابه، فمددت له في الوقت سماطاً فيه من الأطعمة الفاخرة ومن أنواع الدجاج المحشو بالسكر والمقلوبات شيء كثير، فبقي متعجباً وقال: في أي وقت تهيأ لك عمل هذا كله؟ فقلت: والله هذا كله من نعمتك ومن سماطك، ما صنعت لك شيئاً منه، وإنما اشتريته من عند باب القلعة.
كان الملك الناصر يقول الشعر ويجيز عليه، وله ديوان شعر، وبنى دار الحديث الناصرية بسفح قاسيون بدمشق وتسمى البرانية، والناصرية التي في داخل دمشق تسمى الجوانية.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer