السبت، 2 أغسطس 2014

حدث في السادس من شوال

في السادس من شوال سنة 367 توفي، عن 53 عاماً، الوزير ابن بقية، أبو طاهر محمد بن محمد بن بقية، وجاءت وفاته عندما أصدر عضد الدولة أمره بإلقائه تحت أرجل الفيلة، ثم صلبه.
يعود أصل الوزير إلى قرية اسمها أوانا شمالي بغداد، وعمل لدى السلطان البويهي معز الدولة، أحمد  بن بويه، مسؤولاً عن المطبخ، ثم انتقل إلى غيرها من الولايات، ولما مات معز الدولة سنة 356 وخلفه ابنه عز الدولة بختيار استوزر أبا الفضل العباس بن الحسين الشيرازي فكثُرَ ظلمُه وعسفه، واستاء الناس منه، فعزله بختيار وولى مكانه محمد بن بقية في سنة  362 ولقبه نصير الدولة.
ولما كان أبو الوزير فلاحاً، وكان هو طباخاً يتولى الطبخ والطعام بين يدي معز الدولة ومنديل الخوان على كتفه استهجن الناس هذا التعيين فقالوا: من الغضارة إلى الوزارة! ولكنه كان غاية في الكرم فستر عيوبَه كرمُه، خلع في عشرين يوماً عشرين ألف خلعة، وكان راتبه من الثلج في اليوم ألفَ رطل وتعادل 400 كيلوغرام، ومن الشمع في ‏الشهر ألف مَنّ تعادل 815 كيلوغرام.
وفي سنة 363 جرت فتن داخلية في مملكة عز الدولة استغلها ابن عمه عضد الدولة ليخلعه ويستولي على بغداد، وكاد ذلك أن يتم له لولا أن والده ركنَ الدولة أنذره بإعادة عز الدولة إلى عرشه، وكان للوزير ابن بقية دور في مقاومة عضد الدولة، وفي سنة 366 توفي ركن الدولة بعد أن عهد بخلافته إلى عضد الدولة، وشجع الوزير ابن بقية عزَّ الدولة على بناء تحالفات لدحر عضد الدولة، الذي لم تغب عنه هذه المكايد، فاشتبك في الأهواز مع جيوش عز الدولة وضعضع سلطانه، وأدى ذلك إلى أن يعتبر عزُّ الدولة ابن بقية مسؤولاً عن هذا التدهور فقبض عليه سنة 366 بواسط، وسَمَلَ عينيه، فلزم بيته.
وفي ذلك يقول أبو عنان الطبيب بالبصرة مستهزئاً
أقام على الأهواز خمسين ليلةً ... يدبِّر أمرَ الُملك حتى تدمرا
فدبر أمراً كان أوله عمىً ... وأوسطه بلوى وآخره خرا
ثم ما لبث عز الدولة أن قُتل، وملك عضد الدولة بغداد فطلبه، فلما حضر ألقاه تحت أرجل الفيلة، فلما قتلته، صلبه أمام المارستان العضدي ببغداد.
ورثاه أبو الحسن محمد بن عمر بن يعقوب الأنباري أحد العدول ببغداد، وكان صديقاً له، بقصيدة لم يسمع في مصلوب أحسن منها، وجعله من فئة الإمام زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم:
عُلوٌ في الحياة وفي الممات ... لحقٌ أنت إحدى المعجزاتِ
كأن الناس حولك حين قاموا ... وفود نَداك أيام الصِلات
كأنك قائم فيهم خطيباً ... وكلهم قيام للصلاة
مددت يديك نحوهم احتفاءً ... كمدكها إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضم علاك من بعد الممات
أصاروا الجو قبرك واستنابوا ... عن الأكفان ثوب السافيات
لعظمك في النفوس تبيت تُرعى ... بحُفَّاظ وحراس ثقات
وتُشعل عندك النيران ليلاً ... كذلك كنت أيام الحياة
ركبتَ مطيةً من قبل زيدٌ ... علاها في السنين الذاهبات
ولم أر قبل جذعك قط جذعاً ... تمكن من عناق المكرمات
أسأت إلى النوائب فاستثارت ... فأنت قتيل ثار النائبات
وكنت تجير من صرف الليالي ... فعاد مطالباً لك بالتِرات
وصير دهرُك الإحسان فيه ... إلينا من عظيم السيئات
وكنت لمعشر سعداً فلما ... مضيت تفرقوا بالمنحسات
غليلٌ باطن لك في فؤادي ... يخفف بالدموع الجاريات
ولو أني قدرت على قيامي ... بفرضك والحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي ... ونحت بها خلاف النائحات
ومالك تربةٌ فأقول تُسقى ... لأنك نصب هطل الهاطلات
عليك تحية الرحمن تترى ... برحمات غواد رائحات
وتداول الأدباء هذه القصيدة إلى أن وصل خبرها إلى عضد الدولة وأُنشِدت بين يديه، فتمنى أن يكون هو المصلوب دونه.
ولم يزل ابن بقية مصلوباً مدة سنوات أربع إلى أن توفي عضد الدولة سنة 372 فأنزل في أيام ابنه بهاء الدولة.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer