الأربعاء، 20 أغسطس 2014

حدث في الرابع والعشرين من شوال

في الرابع عشر من شوال من سنة 254 توفي، عن 88 عاماً، الإمام المحدث الحافظ العابد الزاهد أبو جعفر الطوسي، محمد بن منصور الطوسي ثم البغدادي.
ولد في طوس سنة 166، وهو الاسم القديم لمدينة مشهد في شمالي شرق إيران، وسميت بعد طوس بمشهد لوجود قبر الإمام علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، أبو الحسن، الملقب بالرضى: ثامن الأئمة الإثني عشر عند الإمامية، ومن أجلاء السادة أهل البيت وفضلائهم، والمتوفى سنة 203 عن 50 عاماً، وقد خرج من طوس من أئمة أهل العلم والفقه ما لا يحصى، وفيها قبر هارون الرشيد.
رحل أبو جعفر الطوسي إلى العراق والحجاز وروى عن محدث الحرم المكي سفيان بن عيينة المتوفى سنة 198 عن 91 عاماً، والمحدث الثبت معاذ بن معاذ العنبري البصري المتوفى سنة 196 عن 87 عاماً، والحافظ الكبير إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية والمتوفى في بغداد سنة 193 عن 83 عاماً، والإمام الحافظ يعقوب بن إبراهيم الزهري المتوفى في بغداد سنة 208، وأمير المؤمنين في الحديث يحيى بن سعيد القطان البصري المتوفى سنة 198 عن 78 عاماً، وغيرهم من هذه الطبقة. رحمهم الله جميعاً
وروى له الإمامان أبو داود والنَسائي رحمهما الله في سننهما، وقال عنه النسائي: ثقة، وصحب محمد بن منصور الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله والمتوفى سنة 241، وأثنى عليه الإمام أحمد حين سئل عنه فقال: لا أعلم إلا خيراً، صاحب صلاة. وتكرر ثناء الإمام أحمد على محمد بن منصور كما ذكر ذلك عبد الله بن محمد المعروف بفوزان وكان من أصحاب الإمام أحمد الذين يقدمهم ويأنس بهم ويخلو معهم ويستقرض منهم، قال أبو محمد فوزان: جاء رجلٌ إلى أحمد بن حنبل فقال له: نكتب عن محمد بن منصور الطوسي؟ فقال: إذا لم تكتب عن محمد بن منصور فعمن يكون ذلك! قال له مراراً، فقال له الرجل: إنه يتكلم فيك، فقال أحمد: رجل صالح ابتلي فينا فما نعمل؟
وروى محمد بن منصور عن الإمام أحمد بن حنبل أشياء لم يروها غيره في فضائل الصحابة رضوان الله عليهم، قال محمد بن منصور الطوسي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله، كل ما روى عنك أبو هريرة حق؟ قال: نعم.
وقال محمد بن منصور: سمعت أحمد بن حنبل يقول: من زعم أنه كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خيرٌ من أبي بكر، فولاَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد افترى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وكفر بأن زَعَمَ أن الله يقر المنكر بين أنبيائه في الناس فيكون ذلك إضلالا لهم.
وقال محمد بن منصور لأحمد بن حنبل: بلغني أن قوماً يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان. ثم يسكت، فقال: هذا كلام سوء.
وقال محمد بن منصور: كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يُروى أن علياً قال: أنا قسيم النار، فقال: وما تنكرون من ذا؟ أليس رُوينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق! قلنا: بلى، قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنة، قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار، قال: فعليٌ قسيم النار.
وقال محمد بن منصور: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رُويَ لأحد من الفضائل أكثرُ مما روي لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد فسر هذا القول الإمام البيهقي، أحمد بن الحسين المتوفى سنة 458 عن 74 عاماً، فقال: وهذا لأن أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه عاش بعد سائر الخلفاء، حتى ظهر له مخالفون، وخرج عليه خارجون، فاحتاج من بقيَ من الصحابة إلى رواية ما سمعوه في فضائله ومراتبه ومناقبه ومحاسنه ليردوا بذلك عنه ما لا يليق به من القول والفعل.
كان محمد بن منصور الطوسي من المتصوفة، جلس إلى أئمة المتصوفة من الصالحين الأتقياء مثل معروف الكرخي المتوفى سنة 200، وكان يشبهه في سمته وصلاحه، وجلس إلى بشر الحافي، بشر بن الحارث المتوفى سنة 227 عن 77 عاماً، ونقل من وعظه فقال: سمعت بشر بن الحارث يقول: انظر لا يأخذُك وأنت ذاهب في حاجة! قال: يعني الموت.
وكان الصراع بين الشيعة والسنة قد تفاقم حتى نال بعض الشيعة من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقل محمد بن منصور عن أستاذه بشر الحافي قال:  سمعت بشر بن الحارث يقول: لو أن الروم بأسرهم جاءوا إلى باب الأنبار ببغداد، فخرج إليهم رجل بسيف حتى ردهم إلى الموضع الذي جاءوا منهم، ثم نَقَصَ أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدار ثقب إبرة ما نفعه ذلك.
وتتلمذ على يديه من صاروا بعد من كبار المتصوفة مثل أبي سعيد الخراز البغدادي المتوفى سنة 286، وأبي العباس بن مسروق، أحمد بن محمد البغدادي المتوفى سنة 298 عن 84 عاماً.
قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة محمد بن منصور الطوسي: متى رأيتَ الصوفيَّ مُكِباً على الحديث فثق به، ومتى رأيته نائياً عن الحديث، فلا تفرح به، لاسيما إذا انضاف إلى جهله بالحديث عكوف على تُرهات الصوفية، ورموز الباطنية، نسأل الله السلامة.
قال أبو سعيد الخراز: سألت محمد بن منصور عن حقيقة الفقر إلى الله، فقال: السكون عند كل عدم، والبذل عند كل وجود.
وسئل محمد بن منصور: إذا أكلتُ وشبعتُ فما شكر تلك النعمة؟ قال: أن تصلي حتى لا يبقى في جوفك منه شئ.
وقال: يعرف الجاهل بالغضب في كل شئ، وإفشاء السر، والثقة بكل واحد، والعظة في غير موضعها.
وقال محمد بن منصور: نازلت قوماً من أصحاب الفُضيل بن عياض فيما يذكرونه من كرامة المؤمن على الله فقلت: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. فمُطِرنا في تلك الساعة. وهذه الكلمة تنسب إلى الإمام سفيان بن عيينة. رحم الله الجميع ونفعنا بذكرهم.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer