الأحد، 22 يونيو 2008

مثلك يا أحمد من قُلِدَ القضاء

حدث القاضي أبو الحسين علي بن محمد بن أبي جعفر بن البهلول، قال: طلبت السيدة أم الخليفة المقتدر بالله من جدي محمد بن أبي جعفر بن البهلول المتوفى 318 كتابَ وَقْفٍ بضيعة كانت ابتاعتها، وكان كتاب الوقف مخزوناً في ديوان القضاء، وأرادت أخذه لتخرقه وتتملك الوقف، ولم يعلم الجدُّ بذلك، فحمله إلى الدار، وقال للقهرمانة: قد أحضرت الكتاب فأيش ترسم؟ فقالوا: نريد أن يكون عندنا، فأحس بالأمر، فقال لأم موسى القهرمانة: تقولين لأم المقتدر السيدة: اتقي الله، هذا والله ما لا طريق إليه أبداً، أنا خازن المسلمين على ديوان الحكم، فإن مكنتموني من خزنه كما يجب، وإلا فاصرفوني وتسلموا الديوان دفعة واحدة، فاعملوا فيه ما شئتم، وأما أن يُفعل شيء من هذا على يدي، فوالله لا كان ذلك أبداً ولو عُرِضتُ على السيف.

ونهض والكتاب معه، وجاء إلى طيارِهِ – وهو زورق صغير سريع - وهو لا يشك في الصرف، فصعد إلى الوزير ابن الفرات وحدثه بالحديث، فقال له: ألا دافعت عن الجواب وعرفتني حتى أكتب وأُملي في ذلك، والآن أنت مصروف فلا حيلة لي مع السيدة في أمرك.

قال: وأدت القهرمانة الرسالة إلى السيدة، فشكت إلى المقتدر، فلما كان يوم الموكب خاطبه المقتدر شفاهاً في ذلك فكشف له الصورة، وقال له مثل ذلك القول والاستعفاء، فقال له المقتدر: مثلك يا أحمد من قُلِدَ القضاء، أقِم على ما أنت عليه بارك الله فيك، ولا تخف أن ينثلم محلك عندنا.

فلما عاودت السيدة قال لها المقتدر: الأحكام ما لا طريق إلى اللعب به، وابن البهلول مأمون علينا محب لدولتنا، ولو كان هذا شيئاً يجوز لما منعتك إياه، فقالت السيدة: كأن هذا لا يجوز؟ فقال لها: لا، هذه حيلة من أرباب الوقف على بيعه. وأعلمها كاتبُها ابن عبد الحميد شرحَ الأمر وأن الشراء لا يصح بتخريق كتاب الوقف، وأن هذا لا يحل، فارتجعت المال، وفسخت الشراء، وعادت تشكر جدي وانقلب ذلك أمراً جميلاً عندهم، فقال جدي بعد ذلك: من قدّم أمر الله على أمر المخلوقين كفاه الله شرهم.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer