الجمعة، 27 يونيو 2008

فإن الله عز وجل سوف يوفيه

روى الأمام أحمد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، المولود سنة 16 قبل الهجرة والمتوفى سنة 78، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى المشركين ليقاتلهم، وقال لي أبي عبد الله: يا جابر لا عليك أن تكون في نَظَّارِي أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا، فإني والله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تُقتَل بين يديّ، قال: فبينما أنا في النظّـارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتُهما على ناضحٍ، فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا، إذ لحق رجل ينادي ألا إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى، فتدفنوها في مصارعها حيث قُتِلت، فرجعنا بهما فدفناهما حيث قتلا.

فبينما أنا في خلافة معاوية بن أبي سفيان إذ جاءني رجل فقال: يا جابر بن عبد الله، والله لقد أثار أباك عملُ معاوية فبدا فخرج طائفة منه، فأتيته فوجدته على النحو الذي دفنتُه لم يتغير إلا ما لم يدع القتل أو القتيل فواريته.

قال: وترك أبي عليه دَينا من التمر فاشتدَّ عليّ بعض غرمائه في التقاضي، فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله إن أبي أُصيبَ يومَ كذا وكذا، وترك عليّ دَينا من التمر، واشتدّ عليّ بعضُ غرمائه في التقاضي، فأحبُ أن تعينني عليه لعله أن يُنظِرُني طائفةً من تمره إلى هذا الصِرام المقبل، فقال: نعم آتيك إن شاء الله قريبا من وسط النهار.

وجاء معه حَوَارِيُّهُ، ثم استأذن ودخل، فقلت لامرأتي: إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءني اليوم وسط النهار، فلا أرَيتُكِ ولا تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي بشيء، ولا تكلميه، فدخل ففرشتُ له فراشاً ووسادة فوضع رأسه فنام، وقلتُ لمولى لي اذبح هذه العَناق - وهي داجن سمينة - والوَحَا والعَجَل، افرَغْ منها قبل أن يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معك، فلم نَزَل فيها حتى فرَغْنا منها وهو نائم، فقلت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ يدعو بالطَهُور، وإني أخاف إذا فرغ أن يقوم، فلا يفرغن من وضوئه حتى تَضَعَ العَناقَ بين يديه، فلما قام قال: يا جابر ائتني بطهور، فلم يفرغ من طهوره حتى وضعتُ العناق عنده، فنظر إلي فقال: كأنك قد علمت حبنا للحم، ادع لي أبا بكر، قال: ثم دعا حوارييه اللذين معه فدخلوا فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقال بسم الله كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، وفَضَلَ لحمٌ منها كثير.

قال: والله إن مجلس بني سلمة لينظرون إليه، وهو أحب إليهم من أعينهم، ما يقربه رجل منهم مخافة أن يؤذوه، فلما فرغ قام وقام أصحابه فخرجوا بين يديه، وكان يقول: خلوا ظهري للملائكة، واتَّبعتُهُمْ حتى بلغوا أُسْكُفَّةَ الباب، قال: وأخرجت امرأتي صدرها وكانت مستترة بسقيف في البيت، قالت: يا رسول الله صل عليّ وعلى زوجي صلى الله عليك، فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك، ثم قال: ادعُ لي فلاناً لغريمي الذي اشتدّ عليّ في الطلب، قال: فجاء فقال: أَيْسِرْ جابرَ بن عبد الله يعني إلى الميسرة طائفةً من دَيْنك الذي على أبيه إلى هذا الصِرامِ المقبل، قال: ما أنا بفاعل، واعْتَلَّ وقال: إنما هو مال يتامى، فقال: أين جابر؟ فقلت: أنا ذا يا رسول الله، قال: كُلْ له فإن الله عز وجل سوف يوفيه، فنظرت إلى السماء فإذا الشمس قد دَلَكَتْ، قال: الصلاةُ يا أبا بكر، فاندفعوا إلى المسجد، فقلتُ: قرب أوعيتك فكُلتُ له من العجوة، فوفاه الله عز وجل وفضل لنا من التمر كذا وكذا.

فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده كأني شرارة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى، فقلت: يا رسول الله ألم ترَ أني كِلتُ لغريمي تمرَه فوفّاه الله، وفَضَلَ لنا من التمر كذا وكذا، فقال: أين عمر بن الخطاب؟ فجاء يهرول فقال: سَلْ جابرَ بن عبد الله عن غريمه وتمره، فقال: ما أنا بسائله، قد علمتُ أن الله عز وجل سوف يُوَفِّيهِ، إذ أخبرتَ أن الله عز وجل سوف يوفيه، فكرر عليه هذه الكلمة ثلاث مرات، كلُّ ذلك يقول ما أنا بسائله، وكان لا يراجِع بعد المرة الثالثة، فقال: يا جابر ما فعل غريمك وتمرك؟ قال: قلت: وفاه الله عز وجل وفضل لنا من التمر كذا وكذا، فرجع جابر إلى امرأته فقال: ألم أكن نهيتك أن تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أكنتَ تظُنُ أن الله عز وجل يورِدُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيتي ثم يخرجُ ولا أسأله الصلاةَ عليّ وعلى زوجي قبل أن يخرج!

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer