الخميس، 31 يوليو 2008

إن كيدهن عظيم

قال القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: كنت يوماً في مجلس القضاء فوردت على عجوز ومعها جارية شابة، قال: فذهبت العجوز تتكلم قال: فقالت الشابة: أصلح الله القاضي، مرها فلتسكت حتى أتكلم بحجتي وحجتها، فإن لحَنَتُ بشيء فلترد علي، فإن أذِنتَ لي سَفَرتُ - أي كشفت عن وجهي - قال: فقلت: أسفري، قال: فقالت العجوز: إن سَفَرَتْ قضيتَ لها عليّ، قال: قلت: أسفري، فأسفرت والله عن وجه ما ظننت أن يكون مثله إلا في الجنة.

فقالت: أصلح الله القاضي، هذه عمتي، مات أبي وتركني يتيمة في حجرها فربتني فأحسنت التربية، حتى إذا بلغتُ مبلغ النساء قالت: يا بنية! هل لك في التزويج؟ قلت: ما أكره ذلك يا عمة، هكذا كان؟ قالت العجوز: نعم. قالت: فخطبني وجوه أهل الكوفة فلم ترض لي إلا رجلاً صيرفياً فزوجتني، فكنا كأننا ريحانتان ما يَظُنُ أن الله تعالى خلق غيري، ولا أظن أن الله عز وجل خلق غيره، يغدو إلى سوقه ويروح علي بما رزقه الله.


فلما رأت العمة موقعه مني وموقعي منه حسدتنا على ذلك، قالت: فكانت لها ابنة فشوّفتها - أي زينَتّها - وهيأتها لدخول زوجي عليّ فوقعت عينه عليها، فقال لها: يا عمة! هل لك أن تزوجيني ابنتك؟ قالت: نعم بشرط، قال لها: وما الشرط؟ قالت: تصّيرُ أمر ابنة أخي إلي، قال: قد صيرت أمرها إليك، قالت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتة! وزوَجَتْ ابنتها من زوجي، فكان يغدو عليها ويروح كما كان يغدو علي ويروح. فقلت لها: يا عمة! تأذنين لي أن أنتقل عنك، قالت: نعم، فانتقلت عنها.


قالت: وكان لعمتي زوج غائب فقدم فلما توسط منزله، قال: مالي لا أرى ربيبتنا؟ قالت: تزوجت وطلقها زوجها فانتقلت عنا، فقال لها: إن لها من الحق علينا أن نعزيها بمصيبتها. قالت: فلما بلغني مجيئه تهيأت له وتشوفت، قالت: فلما دخل علي سلم وعزاني بمصيبتي ثم قال لي: إن فيّ بقيةً من شباب فهل لك أن أتزوجك؟ قلت: ما أكره ذاك ولكن على شرط، قال لي: وايش الشرط؟ قلت: تصيّر أمر عمتي بيدي، قال: فإني قد صيرت أمرها بيدك، قلت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتة.


قالت: وقدم بثقله علي من الغد ومعه ستة آلاف درهم، فأقام عندي ما أقام ثم إنه اعتل فتوفي، فلما انقضت عدتي جاء زوجي الأول الصيرفي يعزيني بمصيبتي، فلما بلغني مجيئه تهيأت له وتشوفت، فلما دخل علي قال: يا فلانة، إنك لتعلمين أنك كنت أحبَ الناس إليّ وأعزَهم عليّ، وقد حلَّ لنا الرجعة فهل لك في ذلك؟ قلت: ما أكره ذلك ولكن تصيّر أمرَ ابنة عمتي بيدي، قال: فإني قد فعلت؛ صيّرتُ أمر ابنة عمتك بيدك، قلت: فإني قد طلقتها ثلاثاً بتة. فرجعتُ إلى زوجي، فما استعداؤها علي، أصلح الله القاضي؟


فقالت العجوز: أنا فعلتُ مرة، وفَعَلَتْ مرة بعد أخرى.


فقال ابن أبي ليلى: إن الله لم يوقّتُ في هذا وقتاً، وقد قال تعالى: ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بُغيَ عليه لينصرنه الله. فواحدة بواحدة والبادي أظلم، غير أن زوج العمة لم يكن له أن يتزوج ابنة أخيها وهي في عدته.


قال ابن أبي ليلى: فحدثت الهادي بذلك، فقال: ويحك يا محمد! ما سمعت حديثاً أحسن من هذا، أنا أحب أن أحدث به الخيزران، يعني أمه.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer