الأحد، 13 يوليو 2008

أما قتل الرجل فما أطقتُه، وأما سفك دمي فما طبتُ به نفسا

كان رَوْحُ بن حاتم المهلبي واليا على البصرة فخرج على رأس جيش من العراق لحرب جيش من ‏متمردي خراسان، وكان معه نديم الخلفاء أبو دلامة زَنْـدُ بن الجَوْن المتوفى سنة 161، فخرج من ‏منصف العدو مبارز فخرج إليه جماعة فقتلهم، فتقدم روح إلى أبي دلامة بمبارزته فامتنع، فألزمه فاستعفاه ‏فلم يعفه، فأنشد أبو دلامة‏

إني أعوذ بروح أن يقدمني * إلى القتال فيخزى بي بنو أسد
إن المهلب حب الموت أورثكم * ولم أرث أنا حب الموت من أحد
إن الدنو إلى الأعداء أعلمه * مما يفرق بين الروح والجسد

فأقسم عليه ليخرجن وقال: لماذا تأخذ رزق السلطان؟ قال: لأقاتل عنه، قال: فمالك لا تبرز إلى عدو ‏الله؟ فقال: أيها الأمير إن خرجت إليه لحقتُ بمن مضى، وما الشرط أن أُقتل عن السلطان، بل أقاتلَ ‏عنه.‏

فحلف روح لتخرجن إليه فتقتله أو تأسره أو تقتل دون ذلك، فلما رأى أبو دلامة الجد منه قال: أيها ‏الأمير تعلم أن هذا أول يوم من أيام الآخرة، ولا بد فيه من الزوادة، فأمر له بذلك، فأخذ رغيفا مطويا ‏على دجاجة ولحم وسطيحة من شراب وشيئا من نَّقَل، وشهر سيفاً وحمل إلى الميدان.‏

وكان تحته فرس جواد فأقبل يجول ويلعب بالرمح، وكان مليحا في الميدان، والفارس يلاحظه ويطلب ‏منه غِرّة حتى إذا وجدها حمل عليه والغبار كالليل، فأغمد أبو دلامة سيفه وقال للرجل: لا تعجل، واسمع ‏مني عافاك الله كلمات ألقيهن إليك، فإنما أتيتك في مهم، فوقف مقابله وقال: ما المهم؟ قال: أتعرفني؟ ‏قال: لا، قال: أنا أبو دلامة، قال: قد سمعت بك حياك الله، فكيف برزتَ إليّ وطمعت فيّ بعد من قتلت ‏من أصحابك؟ فقال: ما خرجت لأقتلك ولا لأقاتلك، ولكني رأيت لباقتك وشهامتك، فاشتهيت أن ‏تكون لي صديقا، وإني لأدلك على ما هو أحسن من قتالنا، قال: قل على بركة الله تعالى، قال: أراك قد ‏تعبت وأنت بغير شك سغبان ظمآن، قال: كذلك هو، قال: فما علينا من خراسان والعراق، إن معي ‏خبزاً ولحماً وشراباً ونّقَلاً كما يتمنى المتمني، وهذا غدير ماء نمير بالقرب منا، فهلم بنا إليه نصطبح، ‏وأترنم لك بشيء من حداء الأعراب، فقال: هذا غاية أملي.‏

فقال: ها أنا أستطرد لك فاتبعني حتى نخرج من حِلَقِ الطِعان، ففعلا وروح يتطلب أبا دلامة فلا يجده، ‏والخراسانية تطلب فارسها فلا تجده، فلما طابت نفس الخراساني قال له أبو دلامة: إن روحا كما علمت ‏من أبناء الكرام، وحسبك بابن المهلب جوادا، وإنه يبذل لك خلعة فاخرة وفرساً جواداً ومركباً مفضضاً ‏وسيفاً محلى ورمحاً طويلا وجارية بربرية، وينزلك في أكثر العطاء وهذا خاتمه معي لك بذلك، قال: ‏ويحك وما أصنع بأهلي وعيالي؟ فقال: استخر الله وسر معي ودَعْ أهلك، فالكل يخلف عليك، فقال: ‏سر بنا على بركة الله.‏

فسارا حتى قدما من وراء العسكر فهجما على روح، فقال: يا أبا دلامة أين كنت؟ قال: في حاجتك؛ ‏أما قتل الرجل فما أطقتُه، وأما سفك دمي فما طبتُ به نفسا، وأما الرجوع خائبا فلم أُقدم عليه، وقد ‏تلطفتُ وأتيتك به أسيرَ كرمك، وقد بذلت له عنك كيت وكيت، فقال: ممضي إذا وثق لي قال: بماذا؟ ‏قال: بنقل أهله إلى جانبنا، قال الرجل: أهلي على بُعد، ولا يمكنني نقلهم الآن، ولكن امدُدْ يدك ‏أصافحك، وأحلف لك متبرعاً بطلاق الزوجة أني لا أخونك، فإن لم أفِ إذا حلفت بطلاقها لم ينفعك ‏نقلها، قال: صدقت، فحلف له وعاهده ووفى له بما ضمنه أبو دلامة وزاد عليه وانقلب معهم الخراساني ‏يقاتل الخراسانية وينكي فيهم أشد نكاية.‏

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer