الثلاثاء، 27 مايو 2014

حدث في الثاني والعشرين من رجب



في الثاني والعشرين من رجب من سنة 1239، الموافق 23 آذار/مارس 1824، وقعت بريطانية مع هولندة اتفاقاً عرف بالمعاهدة الإنجليزية الهولندية لعام 1824، عالجتا فيها الخلافات الناجمة من تنفيذ المعاهدة الإنجليزية الهولندية التي وقعها البلدان سابقاً في عام 1814، ووقع الاتفاق وزير الخارجية البريطاني اللورد جورج كانينغ George Canning، والذي سيصبح فيما بعد رئيس الوزراء، والسفير الهولندي أنطون فالك Anton Falck.

ونتج عن المعاهدة أن اقتسم البلدان قسمة رسمية ومحددة مناطق النفوذ في الملايو وجاوة، وبشكل عام صارت الملايو تحت النفوذ البريطاني، وجاوة وسومطرة تحت النفوذ الهولندي، ورسمت الاتفاقية حدود دولتي ماليزية وأندونيسية في المستقبل.

ويعود الوجود الأوربي في الملايو وجاوة إلى سنة917=1511، حين جاء البرتغاليون وأسسوا مستعمرتهم في مالقة، وتحكموا بتجارة التوابل منها إلى أوربا، وكان البرتغاليون يوزعون توابلهم في شمالي أوربة عبر ميناء أنتورب، في بلجيكة اليوم، وكان يقع آنذاك ضمن هولندة التي كانت شبه مستعمرة أسبانية.

وثارت هولندة على الوجود الأسباني، وانجلى عام 1591 عن نجاح الثورة الهولندية وإعلان استقلال الجمهورية الهولندية، ودخولها الحرب مع أسبانية، وكانت إحدى العقوبات التي أوقعتها بها البرتغال، حليفة أسبانية، أن جعلت توزيع التوابل عبر التجار الألمان والأسبان والإيطاليين الذين كانوا يستخدمون ميناء هامبورج الألماني، فخسر التجار الهولنديون مصدر رزقهم من أربح التجارات في ذلك العصر.

ونتج عن إخراج التجار الهولنديين تقصير في توريد التوابل فارتفعت أسعارها، وصارت التجارة فيها مجزية ومغرية أكثر من ذي قبل، فقرر التجار الهولنديون أن يجلبوا التوابل من مصادرها الأصلية بأنفسهم وعلى سفنهم، وأرسلوا في سنة 1595 أربع سفن إلى جاوة لاستكشاف الوضع وشراء التوابل، وعادت السفن بعد سنة وقد خسرت بعض ملاحيها في اشتباكات مع البرتغاليين والسكان الأندونيسيين، ولكن حمولتها من التوابل كانت وفيرة الربح.

وتتابع إرسال السفن بين إخفاق ونجاح، وفي سنة 1599 قام أسطول صغير من ثمانية سفن بشراء التوابل مباشرة من الجزر متجاوزين الوسطاء الجاويين وحققت الواردات  أرباحاً بلغت أربعة أضعاف التكاليف.

وكان السكان المسلمون لا يفتؤون في مقاومة الوجود البرتغالي الكافر، فاتفقوا مع الهولنديين في سنة 1600 على أن يجتمعوا على طرد البرتغاليين من جزيرة أمبون الأندونيسية مقابل أن يحصروا مبيعاتهم من التوابل في الهولنديين فقط.

وفي تلك الأثناء تكونت في هولندة شركة الهند الشرقية الهولندية في سنة 1602 كشركة احتكارية تزاول التجارة في جنوبي شرقي آسيا، وذلك لأن شركة احتكارية أخرى، وهي شركة الهند الشرقية الإنجليزية، كانت قد تأسست في بريطانية سنة 1600، وأوشكت بقوتها وإمكانياتها أن تودي بالتجارة الهولندية التي كانت قائمة على عديد من الشركات الصغيرة، فسعت الحكومة الهولندية وجمعت التجار في شركة الهند الشرقية المتحدة، وأعطتها حق احتكار التجارة الآسيوية، وصدر مرسوم بتأسيس الشركة يخولها ببناء الحصون وتكوين الجيوش وعقد الاتفاقيات مع الحكام الآسيويين.

وأسست الشركة أول موقع تجاري دائم لها في أندونيسيا سنة 1603 في باتافيا، وفي سنة 1610 استحدثت منصب الحاكم العام ليدير شؤونها في آسية، وأنشأت مجلس إدارة ليراقب ويشرف على الحاكم العام، وفي سنة 1611 اشتبك أسطول الشركة المتحالف مع سلطان جوهور في جنوب الملايو مع البرتغاليين في مالقة في معركة عنيفة انجلت عن خسارة الهولنديين، ولكنها رفعت مكانتهم لدى سلطان جوهور ووطدت تحالفهم معه، فاستطاعوا تقليص الوجود البرتغالي شيئاً فشيئاً حتى أنهوه في سنة 1641.

وفي سنة 1611 أنشأت شركة الهند الشرقية الهولندية موقعا تجارياً آخر في جاكارتة، وهذه المواقع هي مستودعات ضخمة يتم فيها تخزين التوابل وفرزها وتنقيتها وتعليبها تمهيداً لشحنها، وكان للشركة مواقع أخرى على سواحل إيران والهند وسيلان والبنغال وجزر موريشوس.

ولم يكن الإنجليز بعيدين عن هذه التجارة المربحة، فقاموا بإنشاء مواقع تجارية لهم في جزر جاوة وسومطرة في سنوات 1611-1617، وهددوا بذلك احتكار الهولنديين الذين لم يخفوا عداءهم للمنافس العتيد، وفي سنة 1620 اتفقت الحكومتان في أوروبة على التعاون، إلا أن تنفيذ ذلك لم يستمر طويلاً في الجزر البعيدة، وقام الهولنديون في سنة 1623 بتدمير المعسكر البريطاني في أمبوينة وقتلوا عدداً من الإنجليز، ونتج عن ذلك في أوروبة فيض من رسائل الاحتجاج والاتهامات والردود عليها بين الخارجية البريطانية وبين الحكومة الهولندية، ولكن الإنجليز على أرض الواقع في أندونيسية انسحبوا بهدوء من كل مواقعهم خلا موقعاً في بانتام.

وتوسعت شركة الهند الشرقية الهولندية فشملت تجارتها الصين واليابان، وبحلول عام 1669 أصبحت أغنى شركة خاصة في العالم، فقد كانت تملك 150 سفينة تجارية، ولديها 50.000 موظف، و40 سفينة حربية يدعمها جيش من 10.000 جندي، ووزعت أرباحاً بلغت 40% من المبلغ المستثمر، وبلغت الشركة أوجها في سنة 1720 عندما أصبح أسطولها يضم 642 سفينة.

ولكل شيء إذا ما تم نقصان، وقد أدرك النقصان شركة الهند كذلك، لأسباب عدة منها ما يتعلق بالشركة وسياساتها التجارية والمالية، ومنها ما يتعلق بالأحوال السياسية والبلدانية من حولها، فأصبحت في حالة ضعف واضحة بحلول سنة 1780، ثم أصبحت على شفا الإفلاس فتدخلت الحكومة الهولندية وأممتها في سنة 1796، وكان نابوليون قد غزا هولندة في سنة 1795 وجعلها دولة تابعة لفرنسة، فقامت بريطانية التي كانت على حرب مع فرنسة باحتلال معظم مواقع هولندة التجارية في العالم، ومنها تلك التي في الملايو وجاوة، وقامت الحكومة الهولندية بتصفية شركة الهند الشرقية الهولندية في سنة 1800، وجعلت أملاكها في البلدان الشرقية جزءاً من أراضي الدولة الهولندية.

وفي سنة 1811 احتل البريطانيون جزيرة جاوة، ولما تحررت هولندة في سنة 1813 من الربقة الفرنسية، تفاوضت مع بريطانية  على إعادة هذه المناطق، وتوصلت الدولتان لاتفاق في سنة 1814، عرف بالمعاهدة الإنجليزية الهولندية لعام 1814، التي قضت أن تعيد بريطانية لهولندة ما احتلته من مناطق ومستعمرات باستثناء مستعمرة رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقية ومستعمرة جايانا في أمريكة الجنوبية، وتنازلت هولندة لبريطانية عن بعض مستعمراتها في الهند مقابل تعويض مالي، ومقابل تنازل بريطانية لها عن جزيرة بانكا في سومطرة.

وتابعت بريطانية توسعها في الملايو بواسطة شركة الهند الشرقية الإنجليزية، رغم المضايقات الهولندية لها، وكانت تعليمات إدارة الشركة لمندوبيها تقضي ألا يدخلوا في خصومة مع الهولنديين، ولكن مندوبها ستامفورد رافلز قام في سنة 1819 بتأسيس مرفأ في جزيرة سنغافورة التابعة للسلطان عبد الرحمن سلطان جوهور، وجرى ذلك بطريقة ينبغي ذكرها، فقد كان والي سنغافورة مستعداً لبيع الأراضي للشركة لتقيم عليها مرفأها ومستودعاتها، ولكنه لم يكن مخولاً بذلك من السلطان عبد الرحمن، وحيث إن السلطان كان خاضعاً للنفوذ الهولندي، فقد قرر رافلز أن ينصب سلطاناً آخر يتعاون معه، فجاء بأخ للسلطان يدعى حسين، وقع معه على اتفاق بيع الأراضي، واحتج الهولنديون على ذلك إلى إدارة الشركة في لندن، وأقرت الشركة أن رافلز قد خالف تعليماتها، ولكنها لم تنسحب من سنغافورة وبقيت الأمور كذلك حتى معاهدة لندن لعام 1824.

ونعود إلى معاهدة 1824، ونورد أهم ما اتفقت عليه بموجبها بريطانية وهولندة:

·        السماح لمواطني الدولتين بالاتجار في الهند وسيلان وجاوة وسومطرة والملايو، مع منحهم حق المعاملة الأفضل، وحددت المعاهدة الرسوم التي يمكن تقاضيها من تجار وسفن الدولتين.

·        اتفقت الدولتان على ألا تستخدما الوسائل العسكرية أو المدنية لإعاقة التجارة الحرة، وألا تقوم إحداها بعقد اتفاقات مع دول الهند الشرقية تتضمن استبعاد التجارة مع الدولة الأخرى، وأن تتعاونا على مكافحة القراصنة، وألا تقدما أية تسهيلات رسو أو حماية لهم، وألا تسمحا ببيع البضائع المسلوبة في المناطق الخاضعة لهما.

·        تنازلت هولندة لبريطانية عن كل مستعمراتها وموانئها في شبه القارة الهندية وسيلان وكل ما يتعلق بها من حقوق.

·        تنازلت بريطانية لهولندة عن كل مواقعها في جزر سومطرة وجاوة وبورنيو باستثناء شمال سارواك، وتعهدت ألا تقوم بتأسيس أية مواقع في الجزر الصغيرة التابعة لهذه الجزر.

·        تنازلت هولندة لبريطانية عن شبه جزيرة الملايو بما في ذلك مدينة وحصن مالقة، وتعهدت ألا تقوم بعقد أية اتفاقات مع حكام الملايو.

·        سحبت هولندة معارضتها لاحتلال بريطانية لجزيرة سنغافورة، كما سحبت بريطانية معارضتها لاحتلال هولندة لجزيرة بيليتون.

وهكذا نرى أن المعاهدة رسمت حدود 3 دول مسلمة هي أندونيسيا وماليزيا وبروناي، وفتحت الطريق أمام بروز سنغافورة كأقوى ميناء في المنطقة، لأن البريطانيين فتحوه أمام كل التجار والسفن دون تمييز أو تفضيل، بما في ذلك سفن شركة الهند الشرقية الإنجليزية.

وإضافة إلى سنغافورة قسَّم البريطانيون الملايو إلى قسمين من الناحية الإدارية: ولايات يتمتع السكان فيها بقدر من الحكم الذاتي، ومستعمرات تتبع حكومة الهند وتشمل سنغافورة ومالقة وبينانغ وديندينغ، وفي سنة 1867 جعلتها بريطانية من مستعمرات التاج البريطاني التي تديرها وزراة المستعمرات في لندن، وكانت هذه المستعمرات منافي لكثير من المجرمين والمنفيين من الهند.

وبعد اتفاقية 1824 خلا الجو للدولتين لمتابعة هيمنتهما على المناطق المقتسمة، فتابع الهولنديون توسعهم في سومطرة وجاوة، وفي سنة 1825 شن الأمير ديبونيغورو حرباً لإجلائهم من جاوة حققت انتصارات جيدة في البداية، ولما طال أمد القتال مدة 5 سنوات بدأ أنصاره ينفضون من حوله، وسقطت معاقله بأيدي الهولنديين، فلجأ إلى شن حرب عصابات استمر فيها حتى استسلامه  سنة 1830، وسقط في هذه المعارك 15000 جندي هولندي و200000 قتيل جاوي.

أما بريطانية في الملايو فقد تركت إماراتها أو دويلاتها على حالها دون تدخل في شؤونها، ولكن اكتشاف معدن القصدير في الملايو جلب الاستثمارات البريطانية في استخراجه وتعدينه، وتنازع الزعماء المحليون على الثروة الجديدة، وتطور نزاعهم إلى معارك هددت استخراجه وأطاحت بالاستثمارات البريطانية، فوقعت بريطانية مع أغلب هذه الدويلات اتفاقاً يقضي بتعيين مقيم بريطاني يكون مستشاراً لحكوماتها، وانتهى الأمر بأن وقع البريطانيون معاهدة بانكور في عام 1874 مع عدد من زعماء الملايو وافقوا فيها على أن يكون للمقيم البريطاني القرار في إدارة شؤون مناطقهم إلا ما يتعلق بأمور الدين والتقاليد، وبالتدريج انضوت تحت هذا الترتيب كل الإمارات طوعاً أو كرها، لتشكيل الولايات الملاوية المتحدة، والتي ضمت إليها بريطانية بعض المناطق المسلمة من مملكة سيام، وهي تايلند اليوم.

واتجهت بريطانية كذلك للسيطرة على جزيرة بورنيو وإمارة بروناي الواقعة فيها، وبحلول 1910 كانت قد بسطت سلطانها على كل الملايو، وكانت الإدارة البريطانية معنية بالناحية الاقتصادية أساساً وبخاصة سلامة الاستثمارات والاحتكارات البريطانية، وهي التي أدخلت إلى ماليزيا زراعة شجر المطاط من البرازيل سنة 1877، ومن بعده شجر زيت النخيل، ولذا تركت بريطانية للولاة أو الأمراء المحليين كثيراً من السلطات ولم تتدخل في أمورهم، ولكنها أدخلت عنصراً أدى إلى ظهور النزعة الوطنية ذات الصبغة الإسلامية في الملايو.

ذلك إن مزارع المطاط والنخيل كانت تتطلب أيد عاملة كثيرة ودؤوبة، ولم يعتقد البريطانيون أن ذلك متوفر في أهل الملايو، فجلبوا العمال من الصين بأعداد كبيرة استقرت في البلاد، وما لبثت هذه الجالية أن توطنت وأنشأت المدارس والمعابد، وبسبب تعاونهم وتعاضدهم وخبرة بعضهم في الصين قبل قدومه، أصبحت مقاليد الاقتصاد في الملايو بيد الصينين، فقد كانوا من أوائل العاملين في مجالات البنوك والتأمين.

وفي سنة 1939 نشبت الحرب العالمية الثانية بين دول المحور؛ ألمانية وإيطالية واليابان، وبين الدول الحليفة؛ فرنسة وبريطانية وأمريكة وروسية، فغزت اليابان الهند الشرقية واحتلت كل جزر أرخبيل الملايو، وشهدت مناطق الملايو مقاومة للاحتلال الياباني تمثلت في حرب عصابات دربتها ومولتها بريطانية، وشارك فيها الملاويون دفاعاً عن أرضهم، والسكان الصينيون وذلك رداً على احتلال اليابان للصين، وكذلك الحزب الشيوعي في الملايو تضامناً مع روسية الشيوعية، واستمرت المقاومة طيلة الحرب ورد عليها اليابانيون بأعمال انتقامية كانت عشوائية في غالبها.

وفي سنة 1944 خططت بريطانية لتجمع ولايات الملايو في كيان واحد على صورة مستعمرة تتبع التاج البريطاني، وأيد الخطة سلاطين الملايو، ثم عارضوها لما تبين أنها تتضمن منح الصينين جنسية الكيان الجديد، وكان ذلك مكافأة لهم إذ اعتبر البريطانيون أن الصينين كانوا أكثر ولاء من الملاويين أثناء الحرب، وإزاء هذه المعارضة عدلت بريطانية مخططها، فأنشأت في عام 1948 اتحاد الملايو الذي منح الحكم الذاتي لولايات الملايو مع الحماية البريطانية.

وفي هذه الأثناء ظهر خطر جديد هو حزب الملايو الشيوعي الذي كان على علاقة وثيقة بالصين الشيوعية، والذي نادى بحرب التحرير الشعبية لإنشاء دولة شيوعية في الملايو، وشكل جيشاً كله من الصينين قوامه 13000 مقاتل، انسحبوا إلى الأدغال وشنوا منهاحرب عصابات ضد البريطانيين ثم حكومة ماليزيا لم تنته إلا في سنة 1960، وكانت إحدى حلقات الحرب الباردة بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي.

وفي ظل هذه الأجواء جرى الاتفاق على استقلال اتحاد الملايو، وأعلنت دولة مستقلة في 31 آب/أغسطس 1957، وتسنم تنكو عبد الرحمن رئاسة أول وزارة لها، وسعى حثيثاً لتشكيل دولة ماليزيا  التي ستتكون من الملايو وسارواك وبورنيو الشمالية وسنغافورة، وتكللت مساعيه بالنجاح بعد عقبات عديدة، وذلك حين أعلن عن تشكيل دولة ماليزيا الاتحادية في 16 أيلول/سبتمبر سنة 1963، على هيئة نظام ملكي دستوري، ينتخب ملكها كل 5 سنوات من بين حكام ولاياتها التسع، بيد أن سنغافورة ما لبثت أن انفصلت عن ماليزيا بعد سنتين لتصبح دولة مستقلة يغلب عليها العنصر الصيني.

نعود إلى أندونيسيا، ففي سنة 1873 شن الهولنديون حرباً على إمارة آشِه الإسلامية في شمال أندونيسيا، وذلك إن سلطانها بدأ محادثات في سنغافورة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فاعتبرت هولندة ذلك اعتداءً على مصالحها وشنت حملة باءت بالفشل وقتل قائدها، وطور السلطان جيشه مقلداً الهولنديين في التنظيم والتكتيك، فنجح واستمر في المقاومة، فقررت السلطات الهولندية سنة 1880  أن تكف عن تسيير الحملات مكتفية بالدفاع عن مواقعها المحدودة في آشه، وحاولت سياسة فرق تسد فجندت زعيماً محلياً اسمه توكو عمر وأمدته بالمال والسلاح لينظم جيشاً تحارب به سلطان آشه، ولكن ما أن اشتد ساعد عمر بعد سنتين حتى انقلب وهاجم القوات الهولندية.

واستعانت هولندة بالمستشرق سنوك هرخرونيه من جامعة لايدن، المولود سنة 1857 والمتوفى سنة 1936، والذي دخل آشه بصفة باحث مسلم وحاز على ثقة زعمائها، وكتب توصياته السرية لحكومة هولندة باستمالة الزعماء ممن هم تحت السلطان وإغراءهم ومساعدتهم على الاستقلال عنه، وقال إن طبقة العلماء المسلمين لن تقبل أبداً بالحكم الهولندي، ولذا فلا ينبغي الثقة بها أبداً بل يجب القضاء عليها، واتبعت هولندة توصياته، وتبنت كذلك سياسة الأرض المحروقة فدمرت القرى وقتلت أهلها، واستطاعت في عام 1903 إخضاع آشه بعد أن أوقعت بأهلها ما بين 50000 إلى 100000 قتيل وأكثر من مليون جريح.

واتجهت هولندة بعدها في سنة 1906 لاحتلال شبه جزيرة بالي في جنوب أندونيسيا، وقاومها أهلها، وأغلبهم من غير المسلمين، في حرب ضارية غير متكافئة قدموا فيها كثيراً من التضحيات، وقاتل آخر حاكم لبالي حتى قتل في سنة 1908.

وفي سنة 1912قامت حركة وطنية أندونيسية مقرها سورابايا في جاوة تهدف لإنهاء الاستعمار الهولندي، وهي الجمعية الإسلامية المعروفة باسم شركة إسلام، وهو تعبير عن مصطلح الاتحاد الإسلامي، وتلتها في نفس السنة حركة منافسة اسمها الحركة المحمدية أسسها أحمد دحلان، كانت تميل إلى تعديل التعاليم الإسلامية مسايرة للغرب في التقدم والتمدن، وفي سنة 1926 أسس هاشم أشعري حركة ندوة العلماء التي هدفت أن تعود بأندونيسيا للإسلام الصحيح من منابعه الأصلية.

وفي سنة 1941 أعلنت هولندا الحرب على اليابان، فغزت اليابان الهند الشرقية الهولندية، واستسلمت القوات الهولندية، ورحب الأندونيسيون باليابانيين واعتبروهم محرريهم من ربقة الاحتلال الهولندي، وقام اليابانيون بتغيير كل ما أنشأته هولندة من الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية واستبدلوا بها الأنظمة اليابانية، وشجعت اليابان النزعة الوطنية الأندونيسية منادية بشعار آسية للآسيويين، وفي ظلها نشأ كثير من المؤسسات الأندونيسية الأصيلة، وحيث وضعت اليابان كل الهولنديين في معسكرات الاعتقال، فإنها استبدلت بهم الأندونيسيين ليملؤوا الفراغ الناجم في الوظائف والأعمال، فأتاحت الفرصة لكثير منهم لاكتساب المهارات اللازمة للقيادة والإدارة التي تعلموها في ظل القادة اليابانيين.

وما أن أعلنت اليابان استسلامها في سنة 1945 حتى أعلن الزعيمان سوكارنو ومحمد حتّا استقلال أندونيسيا من جانب واحد، وأعادت هولندة احتلال البلاد فقاومها الأندونيسيون في حرب عصابات من أبرز عناصرها حركة دار الإسلام في جاوة الغربية، واستمرت المطالبة بالاستقلال حتى أواخر 1949 حين اعترفت هولندة باستقلال أندونيسيا، واستغرق توحيد الجزر بعض الوقت وفي أواخر 1950 تشكلت أول وزارة لأندونيسيا المتحدة رأسها الزعيم المسلم والعالم الديني محمد ناصر، المولود سنة 1908 والمتوفى سنة 1993، وتلتها منذ أواخر سنة 1951وزارات أخرى لم تدم بسبب التدخل المستمر للعسكر في السياسة، وفي سنة 1957 أعلن سوكارنو الأحكام العرفية وبقي يحكم البلاد التي لم تتوقف فيها الاضطرابات إلى سنة 1967 حين استقال لصالح الرئيس سوهارتو، الذي حكم أندونيسيا حتى استقالته هو سنة 1997بضغط من حكومته، بعد تزايد النقمة الشعبية على الفساد الذي أنهك البلاد.
 

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer