الجمعة، 1 مارس 2013

حدث في الحادي والعشرين من ربيع الآخر

في الحادي والعشرين من ربيع الآخر من سنة 289 توفي في بغداد، عن 47 عاماً، الخليفة العباسي المعتضد بالله، أحمد بن طلحة بن جعفر،  أبو العباس المعتضد بالله ابن الموفق بالله ابن المتوكل. كان خليفة حازماً مدبراً أعاد للخلافة هيبتها وللدولة العباسية عزّها. وكان يقال: لبني عباس فاتحة وواسطة وخاتمة: الفاتحة السفاح، والواسطة المأمون، والخاتمة المعتضد.
ولد المعتضد في بغداد سنة 242 وكان والده  طلحة الملقب الموفق بالله أميراً من رجال السياسة والادارة والحزم، لم يل الخلافة اسماً، ولكنه تولاها فعلا، وذلك حين آلت الخلافة إلى أخيه المعتمد سنة 256، وظهر ضعفه عن القيام بأعباء الدولة، فنهض بها الموفق، وصد عنه غارات الطامعين بالملك، ثم حجر عليه، حتى كان المعتمد يتمنى الشئ اليسير فلا يحصل عليه، فقال البيت المشهور:
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً  وما من ذاك شيءٌ في يديه

وتوفي الموفق بالله في أيام أخيه المعتمد سنة 278 بعد إصابته بمرض الفيل. 
و أم المعتضد أم ولد يقال لها: ضرار، وكانت وصيفة لخديجة بنت القائد محمد بن إبراهيم بن مصعب، فاشتراها منها أخوها أحمد بن محمد، ثم اشتراها بعض القواد فأهداها إلى المتوكل، فوهبها لأم الموفق جاريته، فوهبتها للموفق. وأم الولد هي الجارية إذا ولدت من سيدها، فيحرم بيعها أو هبتها بل تبقى في ملكه فإذا مات فهي حرة.
ودرس المعتضد في حداثته على ابن أبي الدنيا القرشي الأموي، عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان المتوفى ببغداد سنة 282 عن 74 عاماً، ثم أدّب ابن أبي الدنيا المكتفي ولد المعتضد، وكان ابن أبي الدنيا حافظاً للحديث، مكثراً من التصانيف، بلغت مؤلفاته 164 كتابا، وكان من الوعاظ العارفين بأساليب الكلام وما يلائم طبائع الناس، إن شاء أضحك جليسه، وإن شاء أبكاه. كتب إلى المعتضد وابنه المكتفي:
إنَّ حق التأديب حقُّ الأُبوه ... عند أهل الحِجى وأهل المروة
وأحق الأنام أن يعرفوا ذا ... ك ويرعوه أهلُ بيت النبوة
كانت الدولة العباسية في تلك الحقبة تواجه تحديات كبيرة، فقد سقطت هيبة الدولة بعد أن أصبح الجند هم الذين يعزلون الخليفة ويولون غيره، وأطمع هذا الوضع المتمردين والثائرين من أمراء الأطراف ومن المغامرين ومن العلويين، فتوالت حركاتهم لا يكاد الخليفة يقمع واحدة إلا وتنبثق له أخرى، وكان ولي العهد الأمير الموفق والد المعتضد هو المهيمن على أمور الدولة، وليس لأخيه الخليفة المعتمد معه أمر ولا نهي، وكان ابنه المعتضد شاباً شجاعاً مقداماً، فاستعان به أبوه في قتال المتمردين من الزنج والأعراب، أرسله في سنة 266 وهو في الخامسة والعشرين على رأس جيش بري ونهري لمهاجمة الأعراب الذين كانوا يجلبون الميرة للمتمردين الزنج، ثم أرسله إلى طرسوس على حدود الدولة البيزنطية، فصارت للمعتضد دراية ومراس بالقتال وأفنانين الحرب.
وكانت الدولة الطولونية أكبر وأقوى هذه التحديات، فقد عين الخليفة العباسي المعتز بالله ابن أحد المماليك السامانية، وهو أحمد بن طولون والياً على مصر في سنة 254، وهو في الرابعة والثلاثين، وما لبث أن انتهز انشغال الدولة العباسية بقمع فتنة الزنج، فاستقل بمصر واستولى على دمشق والشام أجمع وأنطاكية والثغور، وتوفي ابن طولون في سنة 270 بعد أن حكم مصر قرابة 16 عاماً، فتولى مكانه ولده خُمارويه البالغ من العمر 20 عاماً.
واستصغر العباسيون خمارويه فأرسلوا جيشاً لاسترجاع بلاد الشام، فقاومهم ولاة المدن إلا والي دمشق الذي انضم للعباسيين، فجمع خمارويه على وجه السرعة جيشاً جاء به إلى دمشق فهرب واليها، واستمر في مسيره شمالاً لقتال العسكر العباسي، وعسكر في شيزر قرب حماة، وجاء المعتضد وهو أمير من بغداد على رأس جيش لإمداد الجيش العباسي وهاجمهم فور وصوله إلى شيزر، فكانت المفاجأة تامة ووقعت الهزيمة بجيش خمارويه فتراجع جنوباً والمعتضد في إثره، واستولى المعتضد على دمشق، وتابع مسيره وراء الجيش المصري حتى التقيا من جديد في سنة 271 في مكان يدعى الطواحين قرب الرملة في فلسطين، وكانت النتيجة أولاً على خمارويه الذي هرب فتابع قواده القتال، ثم دارت الدائرة على المعتضد، وهرب المعتضد إلى دمشق فمنعه أهلها من دخولها، فمضى منهزماً حتى بلغ طرسوس مدينة الرباط على حدود الدولة البيزنطية.
أما خمارويه فأكرم الأسرى، وقال لأصحابه: إن هؤلاء أضيافكم فأكرموهم؛ ثم أحضرهم بعد ذلك وقال لهم: من اختار المقام عندي فله الإكرام،  ومن أراد الرجوع جهزناه وسيرناه. وعادت عساكره إلى الشام واستقر ملكه.
ومن طرائف القصص أن أحمد بن طولون كان أمر بلعن الموفَّق - والد المعتضد - على المنابر بالشام ومصر، وكان القاضي أبو زُرْعة محمد بن عثمان ممَّن خلع الموفَّق ولعنه، وقف قائماً عند المنبر بدمشق يوم الجمعة، فلما خطب الإمام ولعن الموفّق، قال أبو زرعة: نحن أهل صِفِّين وأهل دمشق، ونحن القائمون على من عاند أهل الشام، وأنا أشهدُ الله وأشهدكم أني خلعتُ أبا أحمق - استهزاءً بالموفق وكان يلقب أبا أحمد - كما يُخلع الخاتم من الإِصبع، فالعنوه لَعَنَهُ الله.
ولما استولى المعتضد على دمشق قبض على من كان له دور في تأييد ابن طولون، وأوكل ذلك لكاتب انشق عن خمارويه هو أبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي، فقال له: انظر مَن انتهى إليك ممن كان يُبغضُ دولتنا من أهل دمشق فليُحمَل إلى الحضرة، فحمل يزيدَ ابن محمد بن عبد الصمد، وأبا زُرْعةَ عبد الرحمن بن عَمْرو، وأبا زرعة محمد بن عثمان القاضي، فبينما المعتضد يسير يوماً إذ بَصُر بمحامل الشاميين فقال لأبي عبد الله الواسطي: مَنْ هؤلاء؟ قال: هؤلاء أهل دمشق. قال: وفي الأحياء هم؟ إذا نزلت فأذكروني بهم.
قال أبو زُرْعَةَ عبد الرحمن بن عَمرو: فلما نزل وجلس فِي مجلسه أحضرنا الواسطي فأوقفنا بين يديه مذعورين، فقال: أيكم القائل: قد خلعت أبا أحمق من هذا الأمر كنزعي خاتمي هذا من إِصبعي؟ قال: فربطت ألسِنَتُنا فِي أفواهنا حتى خُيّل إلينا أننا نُقتل. فأما أنا فأُبلستُ، وأما يزيد بن عبد الصمد وكان تمتاماً فخرس.
وكان أبو زرعة محمد بن عثمان أَحدثَنا سِنّاً فتكلَّم، فقال له الواسِطيّ: أمسِكْ حتى يتكلَّم من هو أكبر سِنّاً منك. فقلنا: أصلحك الله، هو رجل متكلّم يتكلّم عنا. وكان هو المتكلم بالكلمة التي يطالبها القوم منَّا، فقال: والله ما هُنا هاشمي صريح ولا قرشي صحيح ولا عربيّ فصيح، ولكنَّا قوم مُلِكنا - يعني قُهِرْنا - وذكر أحاديث كثيرة فِي السمع والطاعة، ثم أحاديث فِي العفو والإِحسان ثم قال: أنا أشهدكم أن نسائي طوالق، وعبيدي أحرار، وَمَالي عليَّ حرام إن كان فِي هؤلاء من قال هذه الكلمة! ووراءنا حُرَمٌ وعِيال وضُعَفاء، وقد تسامع الناسُ بهلاكنا وقد قَدرْتَ وإنما العفو بعد القُدرة فقال المعتضد للواسطي: أطلقهم لا كثَّر الله أمثالهم. قال: فأَطلقنا.
وبقي المعتضد يطمح إلى ولاية كبيرة مثل الشام، حتى أنه كاد أن يتمرد على والده بسبب ذلك، ففي سنة 275 دخل الموفق إلى واسط ثم عاد إلى بغداد، وأمر ابنه المعتضد أن يسير إلى بعض الجهات، فقال: لا أخرج إلا إلى الشام، لأنها الولاية التي ولانيها أمير المؤمنين. فغضب الموفق وقبض عليه وجعله في حجرة ووكل به، فثار القواد من أصحابه ومن تبعهم وركبوا، واضطربت بغداد، فركب الموفق إلى الميدان، وقال لهم: ما شأنكم!! أترون أنكم أشفق على ولدي مني؟ وقد احتجت إلى تقويمه! فانصرفوا.
ثم اختلف مع أبيه مرة أخرى في سنة 278 فحبسه، وكان والده مريضاً بالنقرس يحمل في محفة، فلما اشتدت علة أبيه أخرجوه من السجن بلا إذن، فأدخلوه على والده ففرح به، وضمه إليه، وقال: لهذا اليوم خبأتك. وفوَّض الأمور إليه. ومات بعد أيام في سنة 278.
وظهرت قوة المعتضد ونفوذه في أنه بويع له بولاية عهد عمه المعتمد بعد وفاة والده ودون أبناء عمه، ثم تولى الخلافة بعد وفاة عمه المعتمد سنة 279، وهو في السابعة والثلاثين، قد قارب أشده، وكان أول ما فعله المعتضد هو النظر في الخزائن وتأمين المال لإدارة الدولة، فقد استلم الخلافة وخزائنها خاوية على عروشها، فقال لوزيره عبيد الله بن سليمان: قد دُفِعتُ إلى مُلْكٍ مختل وبلاد خراب ومال قليل، وأريد أن أعرف ارتفاع النواحي - أي جبايتها - لأجري النفقات والرواتب على موجب ذلك، فاعمل به عملاً مشروحاً، وقدِّمه إليَّ وعجل. فخاطب عبيد الله كتابه وأصحاب دواوينه على ذلك فوعدوه واستنظروه شهراً، وكان أبو العباس وأبو الحسن ابنا الفرات محبوسين مصادرين، وعرفا ما التمسه المعتضد بالله فتعهدا بالقيام به والفراغ منه في ثلاثة أيام، ووفيا بذاك وبلغا المراد منه.
وما مضت شهور خمسة حتى واجه المعتضد انقلاباً كاد أن يطيح به، فقد جاءته الأخبار في سنة 280 أن أحد أبناء الوزراء، وهو محمد بن الحسن بن سهل المعروف بشيلمة، يدعو لرجل من أولاد الخليفة الواثق بالله على أن يكون هو وزيره، وأنه قد بايعه أكثر أهل الدولة والحضرة من الهاشميين والقضاة والقواد والجيش وأهل بغداد، وقوي أمره وهم بالظهور في المدينة والاعتصام بها، ولم يبلغ المعتضدَ في الخبر اسم المستخلَف، فكبس دار شيلمة وأُخذ فوجد في داره قوائم بأسماء من بايعه، فأمر المعتضد بالقوائم فأحرقت ولم ينظر فيها، لئلا يُفسِدَ قلوب الجيش باطلاعه عليها، وأخذ يسائل شيلمة عن الخبر فصدقه عن جميع ما جرى إلا اسم الرجل المستحلف، فرفق به ليصدقه عنه فلم يفعل وقال: لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه! فأمر به المعتضد فعذب عذاباً شديداً ثم ضربت عنقه وصلب عند الجسر.
وبعدها بقليل سار المعتضد لتأديب قبائل بني شيبان بأرض الجزيرة،وكانوا قد تجمعوا مع الأكراد وتحالفوا أنهم يقتلون على دم واحد، فلما بلغهم أنه قصدهم  هربوا فأغار عليهم قرب نهر الزاب، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وكان من غرق أكثر ممن قُتِلْ، ثم سار إلى الموصل وبلد فلقيه بنو شيبان يسألون العفو، وبذلوا له رهائن فأجابهم إلى ما طلبوا، وعاد إلى بغداد.
وفي سنة 281 خرج المعتضد بالله لإخضاع المناطق الشمالية فهاجم حمدان بن حمدون في ماردين فهرب حمدان منها وخلف ابنه بها فنازله المعتضد، وقاتل من فيها يوماً، فلما كان الغد ركب المعتضد، وصعد إلى باب القلعة وصاح لابن حمدان فأجابه، فقال: افتح الباب، ويلك! ففتحه دَهِشاً، فجلس المعتضد في باب القلعة وأمر بنقل ما فيها وهدمها، ثم وجه خلف حمدان وطلبه أشد الطلب وأخذ أمواله، ثم ظفر به المعتضد بعد عوده من بغداد. ثم سار المعتضد إلى قلعة الحسنية، وبها شداد الكردي، في عشرة آلاف مقاتل، فحاصره حتى ظفر به، وهدمها.
وفي نفس السنة سار المعتضد شرقاً إلى فارس وقصد الدَيْنَور، وجعل ابنه علياً - وهو في المستقبل الخليفة المكتفي بالله - والي هذه المنطقة التي تقع اليوم في شمالي غربي إيران، ثم عاد إلى بغداد.
وفي أواخر سنة 287 واجه المعتضد تمرداً قاده محمد بن أبي الساج والي أذربيجان وأرمينية، وكان قد تغلب عليها في سنة 285 وأقره عليها المعتضد، فقد تآمر ابن أبي الساج مع خادم له يدعى وصيف ليقوم الأخير بالاستيلاء على ملطية في جنوبي تركيا، ثم يكتب إلى المعتضد يسأله أن يوليه الثغور، واتفقا أنه متى ولي وصيف الثغور سار إليه مولاه فجتمعا وقصدا ديار مصر وتغلبا عليها.
واكتشف المعتضد خبيئة هذا التمرد، وكان عليلاً فكتم علته، وخرج من فوره بقباء أصفر كان عليه، وحلف أن لا يغير هذا القباء أو يفرغ من أمر وصيف، فعسكر على باب بغداد أياماً حتى لحقه الجيش، ثم سار مجِدِّاً حتى أوقع بوصيف قبل أن يعلم بمسير الخليفة إليه، وظفر به ودخل به إلى بغداد بعد ستة وثلاثين يوماً في أول سنة 288.
أما الدول البعيدة فقد كان من المتعذر على الخليفة في بغداد أن يقوم بأعباء تجهيز الجيوش إليها ليسيطر عليها بعد لَأيٍ، ثم لا يلبث قائد الجيش أو الوالي الجديد أن يستقل بالأمر، فكانت الدولة العباسية تسلك معهم طريق تولية الغالب منهم ما دام يدين بالولاء لها ويقدم المبالغ المالية السنوية المتفق عليها، ومن هذه الدول الدولة الصَّفارية التي أسسها يعقوب بن الليث في الخمسينات قبل أن يتوفى سنة 265، وخلف يعقوب أخوه عمرو بن الليث، وولاه المعتضد خراسان سنة 279 وأضاف إليه الري سنة 284 ثم ولاية ما وراء النهر، وكان يؤدي للمعتضد أربعة آلاف ألف درهم.
وشهد عهد المعتضد نهاية هذه الدولة، فقد أراد يعقوب الصفار ضم مملكة ما وراء النهر إلى سلطانه، فأبى عليه واليها إسماعيل بن أحمد الساماني، فنشبت بينهما معارك انتصر فيها الساماني وأسر الصفار في سنة 287، فبعث المعتضد إلى الساماني بولاية خراسان، وأمر بالصفار فجئ به إلى بغداد، فسجن فيها إلى أن توفي سنة 289.
وسلك الخليفة مع الدولة الطولونية مبدأ المصالحة الموطدة بالمصاهرة، فقد صالح المعتضد خمارويه بن أحم بن طولون على أن تبقى له أعمال حمص ودمشق والأردن وفلسطين ومصر وبرقة وما والاها ما كان في يده، ويخلي عن ديار مضر قنسرين والعواصم، وطريق الفرات والثغور، واتفقا على ذلك، وتوج ذلك الاتفاق في سنة 281 بزواجه من ابنة خمارويه بن أحمد بن طولون، واسمها أسماء وتلقب بقطر الندى، فحظيت عند المعتضد، وأحبها حبا شديدا، وحملت منه، ثم توفيت فجأة في النفاس ببغداد سنة 287ودفنت في قصر الرصافة.
ومن المفيد أن نذكر قصة زواجها، فقد كان جاء من مصر تاجر المجوهرات البغدادي الحسين بن عبد الله المعروف بابن الحصاص، وحمله خمارويه بن أحمد بن طولون عشرين حملاً من الهدايا للمعتضد، وطلب أن يزوج ابنته لعلي بن المعتضد، فقال المعتضد: إنما أراد خمارويه أن يتشرف بنا، وأنا أزيد في تشريفه، أنا أتزوجها. فتزوجها، وكان صداقها ألف ألف درهم، ووهبت هي لابن الجصاص واسطة الزواج مئة ألف درهم.
وإذا عرفنا أن خمارويه كان في الحادية والثلاثين من عمره عندما تزوجت ابنته، عرفنا أن العروس كانت على أبعد تقدير في السابعة عشرة من عمرها، والمعتضد قد قارب الأربعين، فلا شك أنها زيجة سياسية أراد بها الطرفان توطيد الصلات بينهما وتقوية ملكهما، ذلك إن الدولة الطولونية اتسعت في أيام خمارويه فبلغت من الفرات إلى بلاد النوبة، ومات خمارويه في سنة 282، قتله غلمانه على فراشه في دمشق وحمل تابوته إلى مصر.
وجهز خمارويه ابنته قطر الندى بجهاز لم يعمل مثله، وقيل: إنه دخل معها مائة هاون ذهب فى جهازها، وإن المعتضد دخل خزانتها، وفيها من المنائر والأباريق، والطاسات، وغير ذلك من آنية الذهب، فقال: يا أهل مصر، ما أكثر صُفْركم - أي نحاسكم -  فقال له بعض القوم: يا أمير المؤمنين، إنما هو ذهب!
وكانت موصوفة بفرط الجمال والحكمة، قيل: إنه أول ما وقعت عين المعتضد عليها أماطت نقابها فقال لها: لأي شيء فعلت هذا؟ قالت: يا أمير المؤمنين، إن كان وجهي حسناً كنتَ أول من رآه، وإن كان قبيحاً كنت أولى من واراه. فأعجبه ذلك منها. وقال لها المعتضد يوماً: بم تشكرين الله إذ جعل زوجك أمير المؤمنين؟ قالت: بما يشكر به أمير المؤمنين ربه إذ جعل أحمد بن طولون من رعيته.
وحُكي أن المعتضد خلا بها يوماً للأنس في مجلس أفرده لها ما حضره سواها، فأخذت منه الكأس، فنام على فخذها، فلما استثقل وضعت رأسه على وسادة وخرجت وجلست في ساحة القصر، فاستيقظت فلم يجدها، فاستشاط غضباً ونادى بها، فأجابته عن قرب، فقال: ألم أُخْلِك إكراماً لك؟! ألم أدفع إليك مهجتي دون سائر حظاياي؟! فتضعين رأسي على وسادة وتذهبين؟! فقالت: يا أمير المؤمنين، ما جهلتُ قدر ما أنعمت به علي، ولكن فيما أدبني به أبي أن قال: لا تنامي مع الجلوس، ولا تجلسي مع النيام.
وبعد مقتل خمارويه في سنة 282 خلفه ابنه جيش بضعة أشهر ثم قتله أخوه هارون في سنة 283 ليؤول إليه ملك مصر،  وتعهد أن يحمل إلى خزانة المعتضد في كل سنة ألف ألف دينار، وخمسمئة ألف دينار.
وقيل إنه كان من عادة المعتضد إذا جاءت إليه زوجته قطر الندى إكرامها بأن يطرح لها مخدة، فجاءت إليه يوماً فلم يطرح لها مخدة على العادة، فقالت: أعظم الله أجر أمير المؤمنين، قال: فيمن؟ قالت: في عبده خُمارويه - تعني أباها - فقال لها: أو قد سمعت بموته؟ قالت: لا، ولكني لما رأيتك قد تركت إكرامي علمت أنه قد مات أبي. وكان خبره قد وصل إلى المعتضد، فكتمه عنها، فعاد إلى إكرامه لها بطرح المخدة في كل الأوقات.
وسلك المعتضد أسلوب الاستقطاب كذلك مع خصومه السابقين في ماردين، فقربهم منه وجعلهم من قواده في قتال الثائرين عليه، ففي سنة 282 قصد المعتضد الموصل لقتال الخارجي هارون بن عبد الله الشاري الصفري، فهزم جمعه واستسلم وجوه أصحابه، فأمنهم المعتضد وأرسل وراءه الحسين بن حمدان بن حمدون التغلبي فتعقبه وأسره، فارتفعت منزلة ابن حمدان عند المعتضد، وأطلق له أباه وكان مسجوناً، والحسين هو عم سيف الدولة الحمداني، وأول من ظهر أمره من ملوك بني حمدان.
وفي سنة 285 توفي صاحب آمد أحمد بن عيسى بن الشيخ، وآمد هي ديار بكر اليوم في جنوبي تركيا، وأعلن بعده ابنه محمد استقلاله عن الدولة، فسار المعتضد إلى آمد، وحصرها ونصب عليها المجانيق ثلاثة أشهر، حتى طلب محمد الأمان لنفسه ولمن معه فأمنهم المعتضد، فخرج إليه وسلم البلد فخلع عليه المعتضد وأكرمه وهدم سور البلد، ثم بلغه أن محمداً يريد الهرب فقبض عليه وعلى أهله.
وكانت أغلب هذه الحركات سياسية الطابع أقصى ما تتمناه أن تستقل بالبلاد التي خرجت فيها، وأن يحوز هذا الاستقلال الشرعية بموجب عهد يكتبه لها الخليفة في بغداد مقابل بقائها إسمياً على طاعته، وإرسالها له بعض ما تجبيه من الضرائب، ولكن حركة القرامطة شكلت خطراً دينياً وسياسياً على الدولة العباسية، فقد كانت دعوتها الإباحية تهديداً جذرياً للعقيدة الإسلامية التي قامت عليها الدولة العباسية، كما أنها أوشكت على اقتطاع جزء كبير من أراضي دولة الخلافة حين حققت انتصارات حاسمة وتوسعا سريعاً، فقد ابتدأت من البحرين - وهي القطيف اليوم في السعودية - ووصلت بسرعة إلى أبواب دمشق. 
ولما تهدد القرامطة البصرة في سنة 287 بقيادة أبي سعيد الجنابي، جهّز إليهم المعتضد جيشاً عليه العبَّاس بن عمرو الغنوي، فوقعت معركةً شديدةً وانهزم العبَّاس وأسر، ثم أطلق أبوسعيد العباس وأعطاه درجاً ملصقاً وقال له: أوصله إلى المعتضد فإن لي فيه أسراراً. فلما دخل العباس على المعتضد عاتبه المعتضد على هزيمته، فأوصل إليه العباس الكتاب، فقال: والله ليس فيه شيء، وإنما أراد أن يعلمني أني أنفذتك إليه في العدد الكثير، فردك فرداً! وفتح الكتاب وإذ ليس فيه شيء.
واستمر المعتضد في إنفاذ الجيوش لقمع القرامطة ونجح في الإيقاع بهم عدة مرات واحتواء تهديدهم، واختفى داعيتهم زكرويه أربع سنين خشية من المعتضد وعزيمته، وكان يقول: لا أخرج والمعتضد في الأحياء. وفي المقابل كان المعتضد يتحرق إلى أن يوقع بالقرامطة ويحسم داءهم، قال وزيره القاسم بن عبيد الله: ما زال أمير المؤمنين المعتضد بالله يذكر أمر القرمطي مرضه طيلة مرضه ويتلهف على قتاله،، فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: حسرة في نفسي كنت أحب أن أُبلَّغها قبل موتي، والله لقد كنت وضعت في نفسي أن أركب ثم أخرج إلى باب البصرة متوجهاً نحو البحرين، ثم لا ألقي أحداً أطول من سيفي إلا ضربت عنقه، وإني أخاف أن يكون من هناك حوادث عظيمة.
ونشطت حركة القرامطة بعد وفاة المعتضد فتصدى لهم ابنه وخليفته المكتفي، وبقيت أمورهم في زيادة ونقصان قرابة مئة سنة إلى أن قُضي عليهم سنة 378.
ومع ذلك كان نفوذ المعتضد سارياً على دولة الأغالبة في إفريقية - وهي اليوم ليبيا وتونس - إذ نجد الأمير ابراهيم بن أحمد بن محمد بن الاغلب يدين له بالولاء ويطيعه في أمره، وكان ابن الأغلب قد ولي إفريقية بعد وفاة أخيه سنة 261، وكان عاقلا محسنا حازما، قمع الفتن وأمن الناس في عهده، وغزا الفرنج فافتتح كثيرا من حصونهم وقلاعهم، ثم أصيب بانفصام الشخصية - ويسميها المؤرخون بالماليخوليا فقتل كثيرا من أصحابه وكتابه وحجابه ونسائه، وقتل اثنين من أبنائه وثمانية إخوة له وسائر بناته، فشكاه أهل تونس إلى المعتضد العباسي، فعزله سنة 289، فأعلن امتثاله لذلك ورحل إلى صقلية غازيا، فمات بها بعد قليل من تنحيه.
ومما يحسن إيراده هنا كيف كان المعتضد بالله يستعرض جنده في كل عام لا لاحتفال مراسمي بل للتأكد من لياقتهم ومحافظتهم على جاهزيتهم للقتال، فقد كان يجمع جمهور الجند في ميدان في قصر الخلافة، ولا يسمح لأحد بالدخول إلا من كان برسم الخدمة، ويقف الوزير والقواد والغلمان بين يديه في الميدان، ويجلس المعتضد على حجرة عالية، ويجلس كُتَّاب العطاء أسفل منها بحيث لا يراهم، ويتقدم القائد ومعه قائمة بأسماء أصحابه وأرزاقهم، فيأخذها خادم منه ويصعد بها إلى المعتضد بالله، ويدعو الوزير عبيد الله بن سليمان بواحد واحد ممن فيها، فيدخل الميدان ويمتحن على الهدف، فإن كان يرمي رمياً جيداً، وهو متمكن من نفسه، ومستقر في سرجه ومصيب أو مقارب في رميه، علَّم على اسمه ج وهي علامة الجيد، ومن كان دون ذلك علَّم على اسمه ط وهي علامة المتوسط، ومن كان متخلفاً لا يحسن أن يركب فرسه أو يرمي هدفه علَّم على اسمه د وهي علامة الدون، ثم يُحمَلُ بعد العرض والامتحان إلى كُتَّاب الجيش ليتأملوا شكله، ويقابلوا بها ما عندهم من صفته، لئلا يكون دخيلاً أو بديلاً.
فإذا تكامل عرض أصحاب القائد دُفِعت القائمة التي فيها العلامات بخط المعتضد بالله إلى عبيد الله بن سليمان ليدفعها من وقتها إلى الكاتب، ويميز ما فيها من أرباب العلامات، ويفرد لكل صنف منهم قائمة، وإذا عمل الكاتب من ذاك ما يعمله، قابل عليه بنفسه لئلا يتم على عبيد الله مغالطة فيه، ثم أخذ القوائم المبيضات المجردات وسلم إلى عبيد الله ذات العلامات، وكل هذا من غير أن يعلم القائد وأصحابه بما يجري منه، ثم يخرج كل قائمة إلى مجلس قد أفرد لذلك الصنف، وجعل شهر الذين ارتضاهم وأمضاهم تسعين يوماً، وسماهم عسكر الخاصة، وضم المتوسطين إلى القائد بدر ليكونوا في حراسة طريق خراسان والأنبار، ودعاهم عسكر الخدمة، وجعل أيام شهرهم مائةً وعشرين يوماً، وأمر عبيد الله بن سليمان بأن يرسم للطبقة الدون بالخروج إلى أعمال الخراج للاستحثاث على حمل الأموال، ولكل من هذه الفئات تفصيل فيما يصرف لها من  نفقات لا يتسع المقام لذكره.
وكان المعتضد في شخصه شجاعاً لا نظير له بين الخلفاء، يقدم على الأسد وحده لشجاعته، قال خادمه خفيف السمرقندي: كنت معه في الصيد وانقطع عنا العسكر فخرج علينا أسد، فقال: أفيك خير؟ قلت:لا، قال: ولا تمسك فرسي؟ قلت: بلى. فنزل المعتضد وتحزم وسل سيفه وقصد الأسد فقصده وتلقاه بسيفه فقطع عضده، فرجع على الأسد بها فضربه ضربة فلقت هامته، ومسح سيفه في صوفه، وركب وصحِبْتُهُ إلى أن مات ما سمعته يذكر ذلك، لقلة احتفاله به.
ولا تقل إنجازات المعتضد المالية والاقتصادية عن إنجازاته العسكرية، فقد رأينا إدراكه لأهميتها منذ ان تسنم الخلافة، ونجحت إصلاحاته المالية والاقتصادية في جلب الرخاء والازدهار للرعية، وفاضت الأموال في خزائن الدولة، وبلغ ما فيها في نهاية خلافته تسعة عشر ألف ألف دينار.
ومن إصلاحاته المالية أنه جعل موعد جباية الخراج مرتبطاً بالتقويم الشمسي بدلاً من الهجري، واختار له شهر حزيران حيث تتكامل جميع الغلات الشتوية والثمار، فيأخذ الخراج دون مضايقة للمزارعين لتوفر المال لديهم، وكان من سبقه من الخلفاء يأخذ مواريث من ليس له قريب مباشر في ديوان اسمه المواريث، فأمر هو بردها على ذوي الأرحام الأبعد فكثر شكر الناس له، واهتم المعتضد بتيسير أهم طريق تجاري في زمانه بين العراق وفارس وخراسان وما وراءهما، وهو الطريق الذي يتجه من بغداد شمالاً إلى حلوان - وتدعى اليوم قصر شيرين -  ثم تتجه شرقاً عبر إلى شمالي إيران، وكانت في حلوان عقبة صعبة المجاز فأمر بتسهيلها وقال: هذا طريق الـمُلك، فسهلت وأنفق عليها عشرون ألف دينار.
وبنى المعتضد قصراً كبيراً في بغداد، وزاد في مساحته بعد أن فرغ من تقدير جميع ما أراده للقصر، فسئل عن سبب ذلك، فذكر أنه يريد الزيادة ليبني فيها دوراً ومساكن ومقاصير، يرتب في كل موضع منها رؤساء كل صناعة ومذهب، من كل مذاهب العلوم النظرية والعملية، ويجري عليه الأرزاق السنية ليقصد كل من اختار علماً أو صناعة رئيسَ ما يختاره فيأخذ عنه، ولكن دنو أجله حال بينه وبين هذه الأمنية.
ولما تولى المعتضد الخلافة أبقى في الوزارة عبيد الله بن سليمان بن وهب الحارثي، وهو وزير ابن وزير ووالد وزير، واستمرت وزارته عشر سنين إلى وفاته سنة 288 عن 62 عاماً، وكان وزيراً مهيباً، ورثاه  عبد الله ابن المعتز عند دفنه:
قد استوى الناس ومات الكمال ... وصاح صرف الدهر: أين الرجال!
هذا أبو القاسم في نعشه ... قوموا انظروا كيف تسير الجبال
يا ناصر الـمُلكِ بآرائه ... بعدك للمُلك ليالٍ طوال
ومن حكمة عبيد الله بن سليمان في خدمة مولاه المعتضد أنه بدا للمعتضد في سنة 284 أن يأمر بلعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر، وهو ما بعض خلفاء بني العباس يفعله بين حين وآخر، وأمر المعتضد بإنشاء كتاب يقرأ على الناس في ذلك، واستدل فيه بأحاديث كثيرة واهية، وعملت به نسخ قرئت بجانبي بغداد، فقال له عبيد الله بن سليمان: إنا نخاف اضطراب العامة وإثارة الفتنة. فلم يسمع منه وقال: إن تحركت العامة وضعت فيهم السيف، فقال الوزير: يا أمير المؤمنين! فما نصنع بالطالبيين الذين يخرجون من كل ناحية، ويميل إليهم خلق كثير من الناس لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا سمع الناس ما في هذا الكتاب من إطرائهم كانوا إليهم أميل، وكانوا هم أبسط ألسنة وأظهر حجة فيهم اليوم. فامسك المعتضد، ولم يأمر في الكتاب بعد ذلك بشيء.
ومن دقيق نباهة هذا الوزير المخضرم أن المعتضد أراد أن يشهد الشهود على شأن خاص به، فكتب كاتب الديوان ما جرت به العادة في الصكوك: فأشهد على نفسه الشهود؛ شهدوا جميعاً أن أمير المؤمنين عبد الله أبا العباس المعتضد بالله أشهدهم على نفسه، في صحة من عقله، وجواز من أمره. وعرضت النسخة على عبيد الله بن سليمان فضرب عليها وقال: هذا لا يحسُن أن يُكتبَ للخليفة، وضرب عليه وكتب: في سلامة من جسمه، وأصالة من رأيه.
وبعد وفاة عبيد الله عيّن المعتضد ابنه القاسم بن عبيد الله، وظهرت كفاءته، وزاد تمكنه، ولقبه المعتضد وليَّ الدولة، وهو أول وزير جاء في لقبه الإضافة للدولة، فلما مات المعتضد قام القاسم بأعباء الخلافة، وعَقَدَ البيعة لابنه المكتفي وكان غائباً بالرقة، ووُزِّرَ له كذلك، وتزوج ابنه محمد بنتا للمكتفي، وكان القاسم على كفاءته - ظلوما عاتيا، سفاكا للدماء، أباد جماعة، ولما مات سنة 291، عن 33 عاماً، شمِتَ الناس بموته.
وكان من مستشاري المعتضد ابن الطيب السَرْخَسي، وهو فيلسوف غزير العلم بالتاريخ والسياسة والأدب والفنون، ولد في سَرْخَس من نواحي خراسان، واتصل بالخلفاء العباسيين، وعلَّم المعتضد بالله، ثم تولى الحسبة ببغداد في أيامه، ونادمه وخص به، فكان المعتضد يفضي إليه بأسراره ويستشيره في أمور مملكته ثم قتله.
ونادم المعتضدُ بعده عبدَ الله ابن حمدون، فسأله المعتضد يوماً: هل يعتب الناس عليه شيئا، وأقسم عليه أن يصدقه، فتكلم عبد الله فكان في كلامه: إنك قتلت أحمد بن الطيب وكان خادمك ولم تكن له جناية ظاهرة، فقال: ويحك إنه دعاني إلى الإلحاد، فقلت له: يا هذا أنا ابن عم صاحب هذه الشريعة، وأنا الآن منتصب منصبه فألحد حتى أكون مَنْ؟
أما قضاة المعتضد فكانوا من ذوي الكفاءة والتقوى، ومتانة الأحكام، وكان يحترم استقلالهم وأقضيتهم، وكان من قضاته إسماعيل بن إسحاق الأزدي المالكي المتوفى سن 282 عن 82 عاماً، كانت للمعتضد حظية يحبها، ولها ابن أخت حَجَرَ عليه إسماعيل القاضي بعد موت والده، فشكت أمه ذلك الى أختها، ورغبت سؤال المعتضد ليأمر القاضي بفكه من الحجر، فلما جاء المعتضد إلى حظيته، سألته في ذلك، فكتب رقعة بخطه إلى إسماعيل يأمره بفك الحجر عن الغلام، وختَمَهَا ووجهها مع وزيره إليه، فعَظُم على الوزير أن يكتم عنه الكتاب، فلما وصل به اسماعيل، فكَّه وكتب على ظهره، وختَمَهَ ورده مع الوزير، فكان ما فعله إسماعيل أشدَّ على الوزير، فلما وصل به المعتضد، وفتحه ونظر فيه، بكى وكان بعيد الدمعة، ثم رمى به إلي الوزير، وقال انظر بما كتب إلينا إسماعيل! فإذا هو قد كتب إليه الآية من سورة ص: بسم الله الرحمن الرحيم: { يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }. فقال المعتضد: قل لإسماعيل يعمل ما يرى، فلا أعترض عليه.
ومن أبرز قضاته أبو خازم عبد الحميد بن عبد العزيز السكوني الحنفي، المتوفى سنة 292، مات في أيامه الضبعي متعهد الطعام بالقصر، وله أطفال، وعليه للمعتضد دين قدره أربعة آلاف دينار. فقال المعتضد لوزيره عبيد الله بن سليمان: قل لعبد الحميد أن يدفع إلينا هذا المال من تركة الضبعي. فذكر له ذلك، فقال أبو خازم: إن المعتضد مثل باقي الغرماء في تركة الضبعي. فقال له عبيد الله: أتدري ما تقول؟ فقال أبو خازم: هو ما قلت لك. وكان المعتضد يلح على عبيد الله في اقتضاء المال، وعبيد الله يؤخر ما قال له أبو خازم، فلما ألح عليه أخبره بما قال أبو خازم، فأطرق المعتضد ثم قال: صدق عبد الحميد هو كما قال: نحن كسائر الغرماء.
وكان من قضاته يوسف بن يعقوب المتوفى سنة 297، جاءه في حكم يوماً خادم من وجوه خدماء المعتضد، فارتفع في المجلس، فأمره الحاجب بموازاة خصمه، فلم يفعل إدلالاً له بعِظَم محلِّه من الخليفة، فصاح القاضي عليه، وقال: قفاه! أتؤمر، بموازاة خصمك، فتمتنع؟ يا غلام عمرو النخاس الساعة، يقدَّم إليه يبيع هذا العبد، ويحمل ثمنه لأمير المؤمنين! وقال لحاجبه: خذ بيده، وسوِّ بينه وبين خصمه! فأُخذ كرهاً وأجلس مع خصمه، فلما انقضى الحكم حدّث الخادمُ المعتضد بالحديث، وبكى له،. فصاح عليه المعتضد وقال: لو باعك لأجزت بيعه، وما رددتك إلى ملكي أبداً، وليس خصوصيتك بي تزيل مرتبة الحكم فإنه عمود السلطان وقوام الأديان.
وتحفل بأخبار المعتضد كتب التاريخ العام وبخاصة ما يتحدث منها عن تاريخ الخلفاء أو الوزراء أو القضاة، وتحتل أخباره قدراً مهماً في كتاب الفرج بعد الشدة وكتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، المحسن بن علي المتوفى سنة 384 عن 57 عاماً رحمه الله تعالى، وأورد هنا نزراً منها تبياناً لجوانب مهمة من حياة المعتضد وشخصيته.
رفع إلى الخليفة المعتضد أن طائفةً من الناس يجتمعون بباب الطاق ويجلسون في دكان شيخ تَبَّان، ويخوضون في الفضول والأراجيف وفنونٍ من الأحاديث، وفيهم قومٌ سَراة وكُتّاب وأهل بيوتاتٍ سوى من يسترق السمع منهم من عامة الناس، وقد تفاقم فسادهم وإفسادهم.
فلما عرف الخليفة ذلك ضاق ذرعاً، وحرج صدراً، وامتلأ غيظاً، ودعا بعبيد الله بن سليمان، ورمى بالرقعة إليه، وقال: انظر فيها وتفهمها. ففعل، وشاهد من تربُّد وجه المعتضد ما أزعج ساكن صدره، وشرد آلف صبره، وقال: قد فهمت يا أمير المؤمنين. قال: فما الدواء؟ قال: تتقدم بأخذهم وصلب بعضهم وإحراق بعضهم وتغريق بعضهم، فإنَّ العقوبة إذا اختلفت كان الهول أشد، والهيبة أفشى، والزجر أنجع، والعامة أخوف.
فقال المعتضد - وكان أعقل من الوزير - : والله لقد بردت لهيب غضبي بفورتك هذه، ونقلتني إلى اللين بعد الغلظة، وحضضت علي الرفق من حيث أشرت بالخَرَق، وما علمت أنك تستجيز هذا في دينك وهديك ومروءتك، ولو أمرتُك ببعض ما رأيتَ بعقلك وحزمك لكان من حسن المؤازرة ومبذول النصيحة والنظر للرعية الضعيفة الجاهلة أن تسألني الكَفّ وتبعثني على الحلم، وتحبِّبَ إلىَّ الصفح وترغبني في فضلٍ الإغضاء على هذه الأشياء.
وقد ساءني جهلك بحدود العقاب وبما تقابل به هذه الجرائر، وبما يكون كفأً للذنوب، ولقد عصيتَ الله بهذا الرأي ودللت على قسوة القلب وقلة الرحمة ويبس الطينة ورقة الديانة، أما تعلم أن الرعية وديعة الله عند سلطانها؟ وأن الله يسائله عنها كيف سستها؟ ولعله لا يسألها عنه، وإن سألها فليؤكد الحجة عليه منها؛ ألا تدري أن أحداً من الرعية لا يقول ما يقول إلا لظُلمٍ لـحِقَهُ أو لحق جاره، أو داهيةٍ نالته أو نالت صاحباً له؟ وكيف نقول لهم: كونوا صالحين أتقياء مقبلين على معايشكم، غير خائضين في حديثنا، ولا سائلين عن أمرنا، والعرب تقول في كلامها: غلَبَنا السلطانُ فلبس فروتنا، وأكل خضرتنا! وحنق المملوك على المالك معروف، وإنما يُـحتَمَلُ السيد على ضروب تكاليفه ومكاره تصاريفه، إذا كان العيش في كنفه رافغاً، والأمل فيه قوياً، والصدر عليه بارداً، والقلب معه ساكناً، أتظن أن العمل بالجهل يدفع، والعذر به يسع؟!
لا والله ما الرأي ما رأيت، ولا الصواب ما ذكرت، وَجِّهْ صاحبك وليكن ذا خبرةٍ ورفق، ومعروفاً بتحرٍ وصدقٍ، حتى يعرف حال هذه الطائفة، ويقف على شأن كل واحدٍ منها في معاشه، وقدر ما هو متقلبٌ فيه ومنقلبٌ إليه، فمن كان منهم يصلح للعمل فعلِّقه به، ومن كان سيىء الحال فصِلْهُ من بيت المال بما يعيد نضرة حاله، ويفيده طمأنينة باله؛ ومن لم يكن من هذا الرهط، وهو غنيٌ مكفيٌ، وإنما يخرجه إلى دكان هذا التبان البطر والزهو، فادع به، وانصحه ولاطفه، وقل له: إن لفظك مسموع، وكلامك مرفوع؛ ومتى وقف أمير المؤمنين على كنه ذلك منك لم تجدك إلا في عُرضة المقابر، فاستأنف لنفسك سيرةً تسلم بها من سلطانك، وتحمد عليها عند إخوانك، وإياك أن تجعل نفسك عظةً لغيرك بعدما كان غيرك عظةً لك؛ ولولا أن الأخذ بالجريرة الأُولى مخالفٌ للسيرة المثلى، لكان هذا الذي تسمعه ما تراه، وما تراه تود أنك لو سمعته قبل أن تراه.
فإنك يا عبيد الله إذا فعلت ذلك فقد بالغت في العقوبة، وملكت طرفي المصلحة، وقمت على سواء السياسة، ونجوت من الحوب والمأثم في العاقبة.
رأى المعتضد ما جرى على الخلفاء من قبله، كيف تلاعب بهم العسكر وأخلوا بهيبتهم فتدهور حال البلاد وتضررت مصالح العباد، ولذا كان شديد الحرص على ضبط جنده ويتشدد في منعهم من التعدي، وله في ذلك قصص من أشهرها أنه كان خرج مرة إلى الصيد وهومع العسكر، فصاح ناطور في قَراح قِثَّاء، فاستدعاه، وسأله عن سبب صياحه، فقال: أخذ بعض الجيش من القثاء شيئاً. فقال: أطلبوهم، فجاءوا بثلاثة أنفس. فقال: هؤلاء الذين أخذوا القثاء؟ فقال الناطور: نعم. فقيَّدَهم في الحال، وأمر بحبسهم، فلما كان من الغد، أنفذهم إلى القراح، فضرب أعناقهم فيه، وتابع مسيره، فأنكر الناس ذلك، وتحدثوا به، ونفرت قلوبهم منه.
قال أبو محمد عبد الله بن حمدون: فجلست أحادثه ليلة بعد فترة طويلة من الحادثة، فقال لي: يا أبا عبد الله هل يعيب الناس علي شيئاً؟ عرفني حتى أزيله. قلت: كلا، يا أمير المؤمنين. فقال: أقسمت عليك إلا ما صدقتني. قلت: وأنا آمن؟ قال: نعم. قلت: إسراعك إلى سفك الدماء. قال: والله، ما هرقت دماً منذ وليت هذا الأمر، إلا بحقه.
قال: فأمسكت إمساك من يتبين عليه الكلام. فقال: بحياتي ما يقولون؟ قلت: يقولون إنك قتلت أحمد بن الطيب، وكان خادمك، ولم تكن له جناية ظاهرة. قال: دعاني إلى الإلحاد، فقلت له: يا هذا أنا ابن عم صاحب الشريعة، وأنا الآن منتصب منصبه، فألحد حتى أكون من؟
فسكت، سكوت من يريد الكلام، فقال لي: في وجهك كلام؟ فقلت: الناس ينقمون عليك أمر الثلاثة أنفس، الذين قتلتهم في قراح القثاء. فقال: والله، ما كان أولئك المقتولين هم الذين أخذوا القثاء، وإنما كانوا لصوصاً حملوا من موضع كذا وكذا، ووافق ذلك أمر أصحاب القثاء، فأردت أن أهول على الجيش، بأن من عاث من عسكري، وأفسد بهذا القدر، كانت هذه عقوبتي له: القتل، ليكفوا عما فوقه، ولو أردت قتلهم لقتلتهم في الحال، وإني حبستهم، وأمرت بإخراج اللصوص في غد مغطين الوجوه، ليقال إنهم أصحاب القثاء، ويقتلون بفعل ذلك.
فقلت: كيف تعلم العامة هذا؟ قال: بإخراجي القوم الذين أخذوا القثاء، أحياء، وإطلاقي لهم في هذه الساعة. ثم قال: هاتم القوم، فجاءوا بهم، وقد تغيرت حالهم من الحبس والضرب. فقال لهم: ما قصتكم؟ فاقتصوا عليه قصة القثاء. فقال لهم: أفتتوبون من مثل هذا الفعل، حتى أطلقكم؟ فقالوا: نعم. فأخذ عليهم التوبة، وخلع عليهم، ووصلهم، وأمر بإطلاقهم، ورد أرزاقهم عليهم.
فانتشرت الحكاية، وزالت عنه التهمة.
كان المعتضد شاعراً رقيقاً يقول الشعر في الأغراض الوجدانية، ومن شعره في الفراق:

لم يلق من حر الفراقِ ... أحدٌ كما أنا منه لاقِ
يا سائلي عن طعمه ... ألفيتُه مُرَّ المذاق
جسمي يذوب ومقلتي ... عبرى وقلبي ذو احتراق
ما لي أليفٌ بعدكم ... إلا اكتئابي واشتياقي
فالله يحفظكم جميعاً في مُقام وانطلاق

ومن شعره في جارية له توفيت وكان يحبها حباً شديداً:

يا حبيبا لم يكن يعدله عندي حبيبُ
أنت عن عيني بعيد ... ومن القلب قريب
ليس لي بعدك في شيء من اللهو نصيب
لك من قلبي على قلبي ... وإن غبت رقيب
وحياتي منك مُذ غبتَ حياة لا تطيب
لو تراني كيف لي بعدك عَول ونحيب
وفؤادي حشوه من ... حُرَقِ الحزن لهيب
ما أرى نفسي وإن طيبتُها عنك تطيب
لي دمع ليس يعصيني وصبرٌ لا يجيب

ولما حضرت المعتضد الوفاة، أنشد أبياتاً منها:

تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى ... وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا
ولا تأمننَّ الدهرَ إِني أمنتُه ... فلم يُبقِ لي خِلا ولم يرع لي حقا
قتلتُ صناديدَ الرجالِ ولم أدع ... عدواً ولم أمهل على ظُنـَّةٍ خلقا
وأخليتُ دار الملك من كل بازل ... فشردتهم غرباً ومزّقتهم شرقا
فلما بلغت النجمٍ عزاً ورفعة ... ودانت رقاب الخلق أجمع لي رقا
رماني الردى سهما فأَخمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى
فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى ... إلى نعمةٍ لله أم ناره ألقى
ورثاه عبد الله بن المعتز فقال:

يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحداً ... وأنت والد سوء تأكل الولدا
أستغفر الله بل ذا كله قدر ... رضيت بالله رباً واحداً صمدا
يا ساكن القبر في غبراء مظلمة ... بالظاهرية مُقصى الدار منفردا
أين الجيوش التي قد كنت تشحنها؟ ... أين الكنوز التي لم تحصها عددا
أين السرير الذي قد كنت تملؤه ... مهابة من رأته عينه ارتعدا
أين الأعادي الأُلى ذللت صعبهم ... أين الليوث التي صيرتها بددا
أين الجياد التي حجَّلتَها بدم ... وكن يحملن منك الضيغم الأسدا
أين الرماح التي غذيتها مهجا ... مُذْ مُتَ ما وردت قلباً ولا كبدا
أين السيوف وأين النَبلُ مرسلة  ...  يصبن من شئتَ من قُرْب وإن بَعُدا
أين المجانيق أمثال السيول إذا  ...  رمين حائط حصن قائم قعدا
أين الفعال التي قد كنت تبدعها  ...  ولا ترى أن عفوا نافعا أبدا
أين الوثوب إلى الأعداء مبتغيا ... صلاح ملك بني العباس إذ فسدا
ما زلت تقسر منهم كل قَسوَرة ... وتحطُم العاليَّ الجبار معتمدا
ثم انقضيت فلا عين ولا أثر ... حتى كأنك يوماً لم تكن أحدا
لا شئ يبقى سوى خير تقدمه  ...  ما دام ملك لانسان ولا خلدا
وعند وفاة المعتضد كان ابنه وولي عهده علي غائباً بالرقة، فنهض بأعباء البيعة له الوزير أبو الحسين القاسم بن عبيد الله، وكتب إليه فوصل، وبويع له وتلقب بالمكتفي، وكان شاباً في غاية الجمال في الخامسة والعشرين من عمره، وكان والده قد أرسله قبل أربع سنوات لقتال محمد بن زيد العلوي فنجح في قمع تمرده، ففرح بذلك أبوه المعتضد وقال: بعثناك ولداً فرجعت أخاً، فأجاب الولد: يا أمير المؤمنين أبقاني الله تعالى لخدمتك، ولا أبقاني بعدك. ثم أمره المعتضد أن يصلي بالناس يوم الأضحى ببغداد، وأن يركب كما يركب ولاة العهود.
قام المكتفي بشؤون الملك قياما حسناً، وتابع توطيد أركان الدولة وقمع الثائرين عليها، وظفر في أكثر ما كان من الوقائع بينه وبينهم، وفي أيامه فتحت أنطاكية وكان الروم قد استولوا عليها، وتوفي في سنة 295 عن 31 عاماً، وخلف في خزائنه مئة ألف ألف دينار عيناً، وأمتعة وعقاراً وأواني بمثلها.
ولما توفي المكتفى بويع لأخيه جعفر وتلقب بالمقتدر بالله، وعمره إذ ذاك 13 سنة، ولم يل الخلافة أحد قبله أصغر منه، ولما جلس في منصب الخلافة صلى أربع ركعات ثم سلم ورفع صوته بالدعاء والاستخارة، ثم بايعه الناس بيعة العامة، وكتب اسمه على الرُقوم وغيرها: المقتدر بالله، وكان في بيت مال الخاصة خمسة عشر ألف ألف دينار، وفي بيت مال العامة ستمئة ألف دينار ونيف، وكانت الجواهر الثمينة في الحواصل من لدن بني أمية وأيام بني العباس، قد تناهى جمعها، فما زال يفرقها في حظاياه وأصحابه حتى أنفدها، وعلَّق على ذلك ابن كثير في البداية والنهاية فقال: وهذا حال الصبيان وسفهاء الولاة!
وقد خُلِعَ المقتدر مرتين وأعيد، وكان جيّد العقل والرأي، لكنه كان مؤثراً للعب والشهوات، غير ناهضٍ بأعباء الخلافة، كانت أمه وخالته والقهرمانة، يدخلن في الأمور الكبار، والولايات والحلّ والعقد من أمور الخلافة، في سابقة لم يعهد لها مثيل، فثار عليه أهل الحكم وقتل في سنة 320، وقد بلغ 38 عاماً.
ولما قُتِلَ المقتدر بويع لأخيه محمد بن المعتضد وتلقب بالقاهر بالله، وهو لقب يناسب طبيعته، فقد كان بطّاشاً سريع الانتقام، قبض على أم المقتدر فطالبها بمال وتهددها وضربها بيده وعذبها وعلقها منكوسة، حتى ماتت، وأمل الحيلة حتى قبض على مؤنس الخادم وغيره من قواد الثورة على أخيه المقتدر، ثم أمر بذبحهم، وطيف برؤوسهم ببغداد، وخاف منه وزيره أبو علي بن مقلة فاستتر منه وحرّك عليه الجند الأتراك، فخلعوه وسملوا عينيه وأودع دار الخلافة برهة من الدهر، ثم أخرج في سنة 333، ونالته فاقة وحاجة شديدة حتى شوهد يستجدي الناس ويقول: تصدّقوا على من كان يتصدق عليكم، تصدّقوا على من كان خليفتكم! وتوفي القاهر بالله في سنة 339، وله 52 سنة.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer