الجمعة، 15 مارس 2013

حدث في الثاني من جمادى الأولى


في الثاني من جمادى الأولى من عام 1351 الموافق 16سبتمبر1931، قامت القوات الإيطالية المحتلة في ليبية بإعدام الشهيد عمر المختار، فصعدت روحه إلى بارئها عن عمر بلغ 75 عاماً، وجرى إعدامه شنقاً في مدينة سلوق جنوبي بنغازي في ليبية.

وقبل أن نتناول سيرة هذا المجاهد البطل ينبغي أن نبدأ باستعراض تاريخ الاستعمار في دول المغرب العربي، حيث كانت فرنسا قد غزت سواحل الجزائر سنة 1830، وقضت على مقاومة الأمير عبد الكريم الخطابي سنة 1847، واتجهت جنوباً لتحتل الصحراء الجزائرية، ثم بدأت بعد سنة 1870 في سياسة توطين الفرنسيين في الجزائر وأعلنتها جزءاً من فرنسا بعد أن كان تدعى الأراضي الفرنسية في أفريقية، ثم اتجهت فرنسا جنوباً في سنة 1899، بعد التفاهم مع بريطانيا، للسيطرة على تشاد التي كان جزء كبير منها يدين بالولاء الإسمي للسلطان العثماني، مثل واداي وتيبستي إلى بحيرة تشاد، وذلك امتداداً لوجود الخلافة الإسلامية في الولايات العثمانية في شمال أفريقية، ولقلة موارد الدولة العثمانية في مواجهة هذا التمدد الاستعماري أصدر السلطان عبد الحميد الثاني أوامره لقواته في ليبية بتعيم التدريب العسكري على الأهالي، وأنشأت منهم فرقاً من الفرسان الذين برز كثير منهم في فنون القتال والحرب، ولكن حكومة الاتحاد والترقي التي أطاحت بالسلطان عبد الحميد أهملت أمورهم وأمور طرابلس الغرب، فنزل عددهم إلى 5000 بعد أن وصلوا 40000 مقاتل، ولكن والي طرابلس المشير إبراهيم أدهم باشا كان مخلصاً واعياً أدرك الأطماع الإيطالية فوضع خططاً لحشد القوات وتخزين الذخائر للدفاع عن البلاد.

وتطلعت فرنسا للسيطرة على المغرب الأقصى كذلك، فأبرمت في سنة 1904 معاهدة سرية مع أسبانيا لتقاسم المغرب، واتفقت مع بريطانيا ألا تعارضها في احتلالها لمصر مقابل ألا تعارضها في احتلالها للمغرب، ولكن ألمانيا أصرت على أن يبقى المغرب منطقة مفتوحة أمام كافة الدول الأوربية، وقام الإمبراطور وليلم الثاني بزيارة طنجة في سنة 1905، وأعلن من على سفينته إصرار ألمانيا على بقاء المغرب موحداً ومستقلاً، وتلا ذلك عقد مؤتمر في أوائل سنة 1906 في أسبانيا اعترفت فيه القوى الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية باستقلال السلطان المغربي وتساويها في الامتيازات الاقتصادية، وإن كان المؤتمر منح فرنسا وأسبانية مهمة الحفاظ على الأمن في المغرب، ثم عقدت فرنسا وألمانيا اتفاقاً في عام 1908 أكدتا فيه استقلال المغرب مع الاعتراف بالمصالح السياسية المتميزة لفرنسا فيه مقابل الاعتراف بالمصالح الاقتصادية لألمانيا في شمال أفريقية، ثم عادت الأزمة لتنشب من جديد في منتصف عام 1911 فاتفقت الدولتان على أن تعطى فرنسا الحماية على المغرب مقابل إعطاء ألمانيا مناطق من الكونغو الفرنسي، واحتجت أسبانيا ثم وافقت بوساطة بريطانية مقابل تعديل الحدود الفرنسية الأسبانية في المغرب، وتقرر في هذا الاتفاق تدويل طنجة والمنطقة المحيطة بها.

ولم تكن إيطاليا بعيدة عن هذه الروح الاستعمارية التي سيطرت على سياسات الدول الأوربية حقبة طويلة من الزمن، وكانت في غنى عن ذلك لأن مصالحها التجارية في البلاد العربية والإسلامية كانت رائجة، وكانت لكونها لم تقم بأية أعمال عدوانية، تتمتع بصداقة كثير من الدول الإسلامية، وعلى رأسها الدولة العثمانية ومصر، واللتي منحتاها تسهيلات تجارية كبيرة، ولكن اللوثة الاستعمارية التي قادتها لتطمع في الاستيلاء على الحبشة واليمن، جعلتها تستسهل غزو ليبية لقربها، ولكون روما سبق وأن احتلتها أيام مجدها الغابر في ظل القياصرة، كما كان لدولة النورمان في صقلية غزوات وقواعد في الساحل الإفريقي بعد الفتح الإسلامي، ومهدت إيطاليا لسياستها بإنشاء المدارس الإيطالية في طرابلس وأنفقت عليها من خزينتها لتشيعَ اللغة الإيطالية بين عرب طرابلس، وتجذب إليها قلوبَ الأطفال والناشئة، كما أنشأ بنكو دي روما فروعاً في ليبية بل وأسس مطبعة وجريدتين للدفاع عن المصالح الإيطالية.

وفي سنة 1339 = 1911 انتهزت إيطاليا فرصة هذه المقايضات الاستعمارية، وقامت بغزو ليبية بحجة أوهى من خيط العنكبوت، وهي تضرر المصالح الإيطالية في طرابلس وبرقة، وفي 5 شوال 1329 الموافق 28 سبتمبر 1910 وجه رئيس الوزراء الإيطالي جيوفاني جيوليتّي (1842- 1928) إنذاراً للدولة العثمانية سلمه وزير الخارجية الماركيز أنتونيو سان جوليانو (1852- 1914)، ومما جاء في هذا الإنذار:

لبثت الحكومة الإيطالية منذ سنين تنبه الباب العالي لضرورة وضع حد لسوء النظام وإهمال الحكومة العثمانية في طرابلس وبنغازي، وهذا التغيير الذي يقتضيه التمدين، يجعل المصالح الحيوية بحسب ما تستلزمه مصلحة إيطالية في الدرجة الأولى؛ بالنظر لقصر المسافة الفاصلة بين تلك البلاد وشواطئ إيطالية... إن جميع مشروعات الطليان في تلك الأصقاع كانت تصادف دائمًا مقاومة لا تحتمل...

قد وردت الأخبار إلى الحكومة الملكية من قنصلها أن الحالة هناك خطرة جدا؛ بسبب التحريض العام ضد الرعية الطليان، التحريض الذي زاده الضباط وسائر موظفي الحكومة، فهذا النهج خطر شديد على الطليان وعلى سائر الأجانب على اختلاف جنسياتهم... ولهذا تضطر الحكومة الملكية أن تتخذ الاحتياطات اللازمة دفعاً للخطر الذي ينشأ عنه.

ولما وجدت الحكومة الإيطالية نفسها مضطرة إلى الحرص على شرفها ومصالحها، قررت أن تحتل طرابلس وبنغازي احتلالاً عسكرياً، وهذا هو الحل الوحيد الذي تعول عليه إيطالية، والحكومة الملكية تتوقع أن تصدر الحكومة السلطانية أوامرها بأن لا يصادف الاحتلال معارضة من رجال الحكومة العثمانية... وبعد ذلك تتفق الحكومتان على تقرير الحالة اللازمة التي تلي ذلك الاحتلال... ونرجو أن يبلغ جواب الباب العالي المنتظر في 24 ساعة لنا عن يد السفير العثماني في روما.

ويتحدث الإنذار عن الحكومة الملكية لأن إيطاليا كانت ملكية آنذاك يتربع على عرشها الإمبراطور فتوريو إيمانويل الثالث المولود سنة 1869 والمتوفى منفياً في الإسكندرية سنة 1947، حيث أقام له الملك فاروق جنازة رسمية ملكية.

وأجابت الدولة العثمانية على هذا الإنذار بجواب دبلوماسي عكس موقفها العسكري الضعيف قالت فيه: يصعب جدًّا على الباب العالي أن يجد ظرفاً واحداً ظهر فيه بمظهر العداء للمشروعات الطليانية في طرابلس وبنغازي ...وكانت تنقاد دائماً لإرادتها أن تحفظ صلات الصداقة والثقة مع حكومة إيطالية وفي أن تنميها، وهذه الإدارة الحسنة هي التي دفعتها مؤخراً إلى أن تقترح على السفارة الملكية اتفاقًا يكون أساسه الامتيازات الاقتصادية التي تفتح مجالاً واسعًا للنشاط الطلياني في تلك الأقاليم، على شرط أن يكون حد تلك الامتيازات كرامة السلطنة ومرافقها والمعاهدات النافذة.

أما ما يختص بالنظام والأمن في طرابلس وبنغازي؛ فإن الحكومة العثمانية تؤكد أنه لا يوجد أقل سبب داع للخوف على الطليان والأجانب النازلين هناك... ولا يوجد اضطراب ولا تهيج، ومهمة الضباط وغيرهم من موظفي الحكومة ضبط الأمن، وهم يقومون بمهمتهم خير قيام.

وبدأت إيطاليا هجومها في 6 شوال 1329 الموافق 29 سبتمبر 1911، وتكونت القوات الغازية من ثلاث فرق عددها 34000 جندي مزودين بأحدث الأسلحة الإيطالية من مدرعات ومدفعية ورشاشات، وبعض الطائرات، وأنزلتهم البحرية الإيطالية على شواطئ ليبية، ليواجههم على الطرف الآخر فيلق يتألف من 4000 جندي عثماني من المشاة والفرسان، قاوموهم بكل الإمكانيات المتواضعة لديهم ويساعدهم المجاهدون من السنوسيين، وقاد القوة العثمانية أنور باشا أحد زعماء جمعية الاتحاد والترقي والذي سيغدو فيما بعد وزير الحربية التركي، وألقت الطائرات الإيطالية في طرابلس الغرب  منشورا بالعربية من كارلو كانيفا قائد الحملة نورد بعضاً مما جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                والصلاة والسلام على كافة الأنبياء والمرسلين صلى الله عليهم وسلم أجمعين.                                                                                                                                                                                                                       

بأمر ملك إيطاليا المعظم فكتور عمنويل الثالث نصره الله وزاد مجده.

أنا الجنرال كارلوس كانيفا قائد العساكر الإيطالية الموكل إليها محو الحكومة التركية في طرابلس وبرقة والمقاطعات التابعة لها... إن العساكر الخاضعة لأمري، لم يرسلها جلالة ملك إيطاليا حماه الله لإضعاف واستعباد سكان طرابلس وبرقة والفزان... بل لتعيد إليهم حقوقهم وتقتص من المعتدين عليهم، وتجعلهم أحراراً يحكمون أنفسهم، وتحميهم من كل من يعتدي عليهم ... من الآن سيحكمكم رؤساء منكم، موكل إليهم أن يقضوا بينكم بالعدل والرأفة؛ عملاً بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾... ويجب أن يكون ذلك مطابقًا للشريعة الغراء والسنة المحمدية السمحاء... وإني واثق بأنكم تقبلون هذا المنشور بسرور قلبي؛ لأنه سيكون قانوناً يجب أن يحفظ بأمانة واستقامة ضمير وشهامة من كلا الطرفين.

وإذا وجد من لا يحترم الشرائع... أو يقاوم أو يثور على إرادة العناية الإلهية التي أرسلت إيطاليا إلى هذه البلاد، فسيكون الانتقام منه عظيماً... اذكروا أن الله قد قال في كتابه العزيز: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾... وجاء أيضًا ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾... فإرادة الله ومشيئته قضتا أن تحتل إيطاليا هذه البلاد؛ لأنه لا يجري في مُلْكِه إلا ما يريد... فإيطاليا تريد السلام وتريد أن تبقى بلادكم إسلامية تحت حماية إيطاليا وملكها المعظم، ويخفق فوقها العلم المثلث الألوان إشارة إلى المحبة والإيمان...

أثار الغزو الإيطالي مفكري وشعراء العالم الإسلامي، ونكتفي بقصيدة لشاعر العراق معروف الرصافي قال فيها:

ألا انهض وشمِّر أيها الشرق للحرب ... وقبِّل غِرار السيف واسلُ هوى  الكتب

ولا  تغترر  أن  قيل  عصر تمدُّن ... فإن الذي  قالوه  من  أكذب الكذب

ألست  تراهم  بين  مصر وتونس ... أباحُوا حِمى  الإسلام  بالقتل والنهب

وما  يُؤخذ  الطليان بالذنب وحدهم ... ولكن  جميع  الغَرب  يؤخذ بالذنب

فإني  أرى  الطليان  منهم بمنزل ... يُعدّ  وهم  يُغرونه  منزلَ الكلب

فلولاهم  لم  يَنقُضِ  العهد ناقض  ... ولا ضاع حقٌّ في  طرابُلُس الغرب

بلاد غدت في  الحرب  تندب أهلها ... فتبكي وتستبكي بني  الترك والعُرب

قد  اغتالها  الطليان  وهي بمضجع ... من الأمن لم يُقضِض برعب على  الجنب

فأمست وأفواه المدافع  دونها  ... تمُجّ  عليها  النار  كالوابل السكب

غدت  ترتمي  فيها  عشيّاً وبُكرة ... فلا يابساً أبقت ولم تُبق  من رطب

يعزّ علينا أهل برقة  أنكم ... تدور  عليكم  بالدمار  رَحى الحرب

ويا أهل  بنغازي  سلام  فقد قضت ... صوارمكم  حق  المَواطن  في الذَبِّ

فإن  حشا  الإسلام  أصبح دامياً ... إلى  الله  يَشكو  قلبُه  شدة الكرب

ويا  معشر  الطليان  قُبّحت معشراً ... ولا كنت يا شعب المخانيث من  شعب

سترجع  عنها بالفضيحة  ناكصاً ... وتَذكرك الأيام باللعن والسَبّ

وما  دعوة  البابا  لكم  مستجابة ... فقد  أغضبت  طغواكم  غَيرة الرَبّ

أجل  إنكم  أغضبتم الله  فاتقُوا ... وإن رضِيَت تلك الحكومات في  الغرب

أيا  زعماء  الغرب  هل  من دلالة ... لديكم  على  غير  الخديعة والكذب

تقولون  إن  العصر  عصر تمدُّن ... أمن  ذلكم  قتل  النفوس  بلا ذنب؟

ألم  تُبصروا  القَتْلى  تمجّ دماءها ... على الأرض والجرحى يئنون في الحرب

كذبتم  فإن  العصر  عصر مطامع ... تُقَدّ  لها  الأوداج  بالصارم  العضب

فلا  تُغضِبوا  الإسلامَ  إن سيوفه ... مواضٍ كما قد كُنّ في سالف الحُقب

وتعليقاً على الغزو كتب السيد محمد رشيد رضا في مجلة المنار: لو أن مثل هذا العدوان وقع من الدولة العثمانية على بعض البلقان لقامت قيامة أوربة كلها، وجهزت أساطيلها، وصاحت جرائدها على اختلاف لغاتها: يجب على دول المدنية أن تطهر الأرض من هذه الدولة الإسلامية الباغية العادية المتعصبة المتوحشة، حفظًا للعهود والقوانين التي يرعاها البشر، ولا يتعدى حدودَها إلا الهمجُ والمتوحشون.

لقد انهتك الستر، وانكشف القناع، وأظهرت أوربة ما كانت تخفيه بالتمويه من قصد إزالة سلطان المسلمين من الأرض، والقضاء عليهم بالذل والعبودية، وأن يكونوا خدمًا وعبيدًا لأوربة؛ بعد أن تقتسم ما بقي من ممالكهم، وتقطع عليهم جميع طرق العزة والقوة، وتحرمهم إلى الأبد من إنشاء حكومة ذاتية.

لا يغرنكم انتقاد بعض جرائد لغدر إيطالية وعداونها، سواء كان صادرًا عن مخادعة وخلابة، أو عن استقلال في الانتصار للمعاهدات والقوانين، أو لأجل أن لا يناقض إقرارهن لإيطالية ما كان من إنكارهن على النمسة عندما اغتالت البوسنة والهرسك.

كذلك أثار العدوان الإيطالي واحتلال ليبية غضبة عارمة في أنحاء العالم الإسلامي واحتجاجات صاخبة ومقاطعة للبضائع الإيطالية وصلت آثارها إلى أفغانستان والهند وأندونيسيا، ولشاعر الإسلام محمد إقبال قصيدة حول طرابلس الغرب في ديوانه  بالأوردية نداء الرحيل، وقام فضلاء المصريين وكبار الأسرة الخديوية بجمع التبرعات والمعونات وإمداد المجاهدين بالسلاح، كما قام بذلك نادر شاه ملك أفغانستان رحمه الله تعالى.

ونتوقف هنا للحديث عن الطريقة السنوسية لارتباط ذلك بموضوعنا، فنقول: أسس الطريقة السنوسية أبو عبد الله محمد بن علي السنوسي الخطابي الحسني الإدريسي، المولود بمستغانم في الجزائر سنة 1202=1787، والمتوفى في الجغبوب سنة 1276= 1859، وتعلم بفاس في المغرب الأقصى وتصوف على يد الشيخ عبد الوهاب التازي، وجال في الصحراء الكبرى يعظ الناس، ثم زار تونس وطرابلس وبرقة ومصر ومكة، وبنى زاوية في جبل أبي قبيس، ثم رحل إلى برقة شرقي ليبية سنة 1255، وأقام في الجبل الأخضر فبنى الزاوية البيضاء وكثر تلاميذه وانتشرت طريقته، وتوفي في واحة جغبوب، وله نحو 40 كتابا ورسالة، منها كتاب إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن، وكتاب الشموس الشارقة فيما لنا من أسانيد المغاربة والمشارقة.

وكان هدف السنوسي تطهير الدين من البدع والخرافات، وتوحيد الصفوف في العالم الإسلامي للنهوض بالدين الحنيف نهضة صحيحة قوية، وطريقته هي بناء مراكز أسماها الزاويا يرتبط بها أتباعه ويترددون إليها ويحضرون مجالس العلم بما أمكن، ويختمون القرآن الكريم كل شهر مرة في الزاوية، ويعظهم خلفاء السنوسي ويرشدونهم في أمور دينهم ودنياهم. وهذه الزوايا كذلك بمثابة فنادق مجانية للمسافرين على الطريق، يتلقى مشايخها كل من يفد عليهم بالترحاب، ويكرمونه على قدر استطاعتهم، ويقوم شيخ الزاوية بمصروفها مما يستغل من الأراضي التي حولها، ومما قد يقدمه المنتسبون للزاوية، أما زاوية الجغبوب، شرقي ليببة قرب الحدود المصرية، فهي مدرسة الشيخ السنوسي الكبرى للطلبة من جميع الأقطار، وليس ثمة شغل بغير العلم وإقامة السُّنة، ولا هناك بيع ولا تجارة ولا شيء يلهي عن ذكر الله.

واتسع نشاط الحركة السنوسية، وأسست الزوايا الممتدة على ساحل البحر الأبيض من الإسكندرية إلى الجزائر، وجنوباً من البحر المتوسط إلى تشاد وقلب أفريقية، وانضم إليها محمد شريف الذي كان سلطان واداي في وسط تشاد، وكان يشتري العبيد المسترقين ويعلمهم في الزوايا ثم يعتقهم ويبعث بهم إلى أهليهم لينشروا الإسلام في الزنوج والوثنيين.

ولما توفي السنوسي الكبير سنة 1276 = 1859 انتقلت الإمارة إلى ولده محمد المهدي المولود سنة 1260 = 1844، واشتُهِرَ بالصلاح والتقوى، وأخذ على عاتقه إتمام ما بدأه أبوه، فزاد عدد الزوايا، وقويت الطريقة في أيامه حتى انتشرت زواياها من المغرب الأقصى إلى الهند، ومن واداي إلى الآستانة، وأكثرها في الصحراء الكبرى وشمال إفريقية، وكان في كل زاوية خليفة يدير شؤونها ويعلم أولاد الناس ويقتنى الماشية ويشتغل بالزراعة، يساعده المريدون، وينفق على الزاوية، وما يفيض منه يرسله إلى الشيخ السنوسي، فأصبح أشبه بملك يُجبى إليه الخراج، وخاف السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عاقبة أمره، فشعر الشيخ بذلك فرحل سنة 1312 = 1894 إلى واحة الكفرة وانتقل منها إلى واداي في تشاد، وتوفى فيها سنة 1320 = 1902.

وكان العثمانيون من قبل يرون في السنوسية عامل خير واستقرار، واستعانوا بالسنوسي الكبير على بث روح الألفة بين الناس، ونشر السلام بين ربوع البلاد، وسار ولاتهم في ركابه كلما انتقل في البلاد.

وحيث كان ابنه محمد إدريس المولود سنة 1307حدثاً عمره 12 سنة، أوصى محمد المهدي أن يقوم بأمر السنوسية بعده ابن أخيه أحمد الشريف بن محمد بن محمد بن علي السنوسي المولود سنة 1284 = 1867، والمتوفى سنة 1351 = 1933، وفي سنة 1333 صار محمد إدريس بن المهدي زعيم الطائفة السنوسية، وصار فيما بعد ملك ليبية عند استقلالها سنة 1951 إلى انقلاب الفاتح من سبتمبر سنة 1969، وتوفي في المنفى بمصر سنة 1403 = 1983.

وكان عمر المختار زعيماً هاماً من قادة السنوسيين، يشارك المسلمين في تشاد مقاومة الاحتلال الفرنسي، فاكتسب خبرة جيدة في القتال وتكتيك حرب العصابات إزاء القوات الأوربية النظامية، وتجلت فيها خصائصه القيادية، فلما داهم الغزو الإيطالي أمره السنوسي بالعودة إلى ليبيا والتصدي للغزاة مع مجاهدي السنوسي والفيلق التركي.

ولد عمر بن مختار بن عمر الـمِنفِي، نسبة إلى قبائل المنفة من قبائل بادية برقة، في قرية جنزور الشرقية في بادية البطنان ببرقة سنة 1275 = 1858، ونشأ يتيماً برعاية الشيخ حسين الغرياني شيخ زاوية جنزور، ثم تعلم العلوم الشرعية في الزاوية السنوسية بالجغبوب، وكانت مركز قيادة الحركة السنوسية آنذاك، وكان حافظاً لكتاب الله مقرئاً له يختمه كل سبعة أيام، وأقامه محمد المهدي الإدريسي السنوسي شيخا على زاوية القصور بالجبل الأخضر بقرب المرج شمالي شرقي بنغازي، وهي ضمن منطقة قبيلة العبيد التي عرفت بالإباء وشدة الشكيمة وصعوبة المراس، فوفقه الله في قبولها له ورضاها بزعامته.

واستمرت القوات التركية في مقاومة الاحتلال قرابة سنتين إلى أن وقعت الدولتان اتفاقية لوزان في أكتوبر 1912 تتضمن إنهاء العمليات العسكرية، وتبادل أسرى الحرب، ومنح الحكم الذاتي للولايات الليبية مع بقاء ممثل ديني للخليفة في ليبية، وأن تدفع إيطاليا سنوياً للخزينة العثمانية مبلغاً يماثل ما كان يأتيها من قبل الحرب.

ولم يكن أمام حكومة الاتحاد والترقي خيار فقد كانت تواجه حرباً شنتها صربيا واليونان وبلغاريا، وما كان بإمكان أسطولها أن يمد قواتها المرابطة في ليبية، ولم تُجْدِ صرخاتها الاحتجاجية لدى الدول الأوروبية واستشهادها بالأعراف والمواثيق الدولية، فقد كانت روسيا وبريطانية تدعمان إيطاليا دعماً واضحاً، فيما لم ترتح فرنسا كثيراً لهذه الخطوة، في حين ساندت ألمانيا والنمسا الموقف التركي.

ولم يكن انسحاب القوات التركية نهاية المعارك، بل تابع السنوسيون الجهاد بقيادة أحمد الشريف بن محمد بن محمد بن علي السنوسي، الذي حقق نجاحات وانتصارات جعلت الوجود الإيطالي في برقة مقتصراً على بعض المواقع الساحلية، وكانت مصر أكبر مصدر يدعم السنوسيين بالمال والمواد والسلاح ما استطاع أهلها إلى ذلك سبيلا، فبقيت المقاومة مستمرة لا تمكن الإيطاليين من الاستقرار في ليبية التي ضموها إلى إيطاليا في سنة 1913، وطالت الحرب، وتتابعت المعارك، ومنطقة المختار ثابتة منيعة.

شارك عمر المختار في مقاومة الاحتلال من اليوم الأول للغزو، وكان قد بلغ من العمر 52 عاماً، مستفيداً من خبرته في مقاومة الفرنسيين في واداي، وتقدر المراجع الإيطالية عدد القوات السنوسية من 2000 إلى 3000 مجاهد، ولكن هذه الفئة القليلة استطاعت تقوم بهجمات ناجحة كثيرة أربكت الجيش الإيطالي وألحقت الخيبة به، وغنمت منهم السلاح والعتاد، حتى أن شاعر النيل حافظ إبراهيم قال هازئاً:

خبروا فكتور عنّا أنه ... أدهش العالم حرباً ونظاما

حاتم الطليان، قد قلّدتنا ... منَّة نذكرها عاماً فعاما

أنت أهديت إلينا عدّة ... ولباساً وشراباً وطعاما

وسلاحاً كان في أيديكم ... ذا كلال فغدا يفري العظاما

أكثروا النزهة في أحيائنا ... ورُبانا إنها تشفي السقاما

وفي سنة 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى، ووقفت الدولة العثمانية، أو بالأحرى حكومة الاتحاد والترقي، إلى جانب الألمان، ودعت المسلمين في العالم إلى محاربة البريطانيين، وأرسلت عدداً من الضباط الأتراك والألمان خلسة إلى ليبيا، فاستمالوا أحمد الشريف السنوسي وأعلن الحرب على بريطانيا، وهاجم القوات البريطانية في الصحراء الغربية المصرية، في أواخر سنة 1915 بجيش عدده 5000 يردفهم 1000 جندي تركي، واحتل بعض الواحات التي كانت في الأصل تتبع ليبيا.

وكان هذا من الأخطاء الرئيسة للشريف أحمد، ونصحه من حوله بألا يفعل، فما يمكن أن يقدمه للأتراك ضئيل جداً في ميزان الحرب، وهم أنفسهم قد تخلوا عن ليبيا قبل سنتين عندما وقعوا اتفاقية لوزان، ومن جهة أخرى كانت بريطانيا غير مرتاحة للاحتلال الإيطالي، ولذا غضت النظر عن تدفق المساعدات من مصر للمجاهدين في برقة، ولكنها بعد هذا الهجوم شعرت بخطر داهم، لأن أي نجاح يحققه السنوسيون قد يدفع البدو المقيمين على حدود مصر الغربية وفي داخل مصر نفسها إلى الثورة، ولذا قررت القضاء على المجاهدين في ليبيا من خلال قطع الإمدادات عنهم، وما أن أوقفت بريطانيا تقدم القوات الألمانية والتركية نحو قناة السويس، وأرغمتها على التراجع، حتى هاجمت المواقع التي احتلها المجاهدون الليبيون واسترجعتها في أوائل 1917، وشددت الرقابة على الإمدادات من مصر حتى كادت أن تقطعها تماماً.

وسلم الشريف أحمد الأمر إلى ابن عمه إدريس في سنة 1916، ورحل إلى إستانبول وتولى فيها تقليد السلطان محمد السادس السيف يوم ارتقائه العرش، ثم رحل إلى الحجاز في آخر الأمر ضيفا على الملك عبد العزيز آل سعود، إلى أن توفي بالمدينة سنة 1351=1933.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في سنة 1918، عقد الأمير إدريس السنوسي في سنة 1920 اتفاقاً مع إيطاليا بوساطة بريطانية اعترف فيه بالسيادة الإيطالية مقابل منحه لقب أمير وجعل ذلك وراثياً في ذريته، واستمرار سلطته على واحات الكفرة وجغبوب وجالو وأدجيلة وأجدايبة، ولكن الفاشيين لدى وصولهم للحكم في سنة 1923 نقضوا الاتفاق وغادر السنوسي ليبية إلى مصر، ودب الخلاف إثر الاتفاق الأول بين زعماء طرابلس وزعماء برقة، واستطاع الإيطاليون في بضع سنوات احتلال مقاطعة طرابلس الغرب ثم فزّان، وبقيت المعارك مستمرة بعد أن نفض الأدارسة يدهم منها، وسلموا أمرها لعمر المختار في الجبل الأخضر، وتلاحق به المجاهدون من أبناء القبائل، واتفق الرؤساء على أن يكون القائد العام والرئيس الاعلى للمجاهدين، واستقر عمر المختار بالجبل الأخضر في منطقة بنغازي لكونها المنطقة التي كان شيخ الزاوية فيها من قبل ولمناسبة تضاريسها لحرب العصابات، وفاجأ الإيطاليين بانتصاره في معارك متعددة وغنم منها آلات حربية ومؤنا غير قليلة، ومن أشهر هذه المعارك معركة الرحيبة.

ومع وصول الفاشيين إلى الحكم في إيطاليا بزعامة بنيتو موسوليني، تغيرت السياسة الإيطالية في ليبيا من الاحتلال إلى الاستيطان والتوطين، وشكل الحاكم العام الإيطالي أرنستو بومبللي قوة عسكرية متخصصة في حرب العصابات تتكون من جنود إيطاليين ومجندين أفارقة من مسيحي أرتيريا والصومال، وقام باحتلال الجغبوب في أوائل سنة 1926، وكانت أغلب الإمدادات المصرية تمر بها، وشن هجمات متكررة اعتمدت استهداف المدنيين غير المحاربين وإحراق المزروعات.

و في سنة 1927التي تكبد المجاهدون خسائر فادحة في معركة عقيرة الدم منها استشهاد والد زوجة عمر المختار، وأدرك المجاهد المخضرم المحنك مغزى هذه التغيرات، ونجح في تغيير تنظيم قواته وتكتيكاته تغييراً شاملا رغم المطاردة الإيطالية المستمرة، واعتمد عمر المختار على تشكيل قوات صغيرة العدد سريعة الحركة تقوم بهجمات خاطفة ثم تنسحب بسرعة إلى مكامنها في الصحراء، وتجنب عمر المختار الاشتباك مع القوات النظامية الكبيرة، وكانت أهدافه أهدافاً يسهل الانتصار عليها مثل المواقع المتقدمة للجيش الإيطالي أو قوافل الإمداد وخطوط الاتصالات.

وفي سنة 1930 أصدر موسوليني أوامره إلى الجنرال رودلفو غرازياني Graziani أن يجعل القضاء على المقاومة وزعيهما عمر المختار أول أهدافه، فقام غرازياني بوضع قرابة مئة ألف من سكان برقة في معسكرات اعتقال تحت أحوال سيئة في الغذاء والصحة، وأغلق آبار الواحات وسمم مياهها، وأنشأ حاجزاً طوله 270 كيلاً على امتداد الحدود المصرية الليبية، ثم استخدم الطيران بالقنابل الكيمائية الحارقة، وراقب الشواطئ بالمناطيد، وعن هذا يقول عمر المختار في رسالة بعثها في منتصف عام 1931 للأمير شكيب أرسلان الذي نافح عن ليبية ومجاهديها في محافل الغرب السياسية والشعبية:

من خادم المسلمين عمر المختار إلى أخينا في الله الأمير شكيب أرسلان -حفظه الله-:

قد قرأنا ما دبجه يراعكم السيال عن فضائح الطليان وما اقترفته الأيدي الأثيمة من الظلم والعدوان بهذه الديار، فإنني وعموم إخواني المجاهدين نقدم لمقامكم السامي خالص الشكر وعظيم الممنونية.

كل ما ذكرتموه مما اقترفته أيدي الإيطاليين هو قليل من كثير، وقد اقتصدتم وأحفظتم كثيراً، ولو يُذكر للعالم كل ما يقع من الإيطاليين لا توجد أذن تصغي لما يروى من استحالة وقوعه، والحقيقة - والله وملائكته شهود - أنه صحيح، وإننا في الدفاع عن ديننا ووطننا صامدون، وعلى الله في نصرنا متوكلون، وقد قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد سنة ونصف من هذه الحملة نزل عدد المجاهدين مع عمر المختار إلى 700 مقاتل مقابل حشد إيطالي ضخم بهدف الحسم وصل إلى مئة ألف جندي، وقد قال جرازياني عن هذه الوقائع التي خاضها المختار في هذه مرحلة: خاض عمر المختار 263 معركة في خلال عشرين شهرا وكان ذكياً يتمتع بحضور الذهن وعزيمة لا تلين، وعاش طيلة حياته متديناً وفقيراً رغم كونه أحد أكبر قادة السنوسية.

وفي 28 ربيع الآخر سنة 1350 الموافق 11 سبتمبر 1931، كان عمر المختار على رأس سرية من رجاله، نحو خمسين فارسا، بناحية سلُنطة بالجبل الاخضر، يستكشف مواقع العدو، فاكتشفتهم طائرة استطلاع إيطالية، فأمر المجموعة بالتفرق لئلا يحاط بها، وقاتل القوات المهاجمة، واستشهد أكثر من معه، وأصيب بجراح في ذراعه، وقتل جواده، فأسر وأخذ إلى سوسة على الساحل، وخشية من أن يخلصه المجاهدون، نقله الإيطاليون بحراً من سوسة إلى بنغازي على الطرّاد أورسيني.

وأجرى له الإيطاليون محاكمة شكلية، وسئل عن قيادته للمجاهدين ومحاربته للإيطاليين، فلم يتملص أو يتهرب بل أجاب بالايجاب، غير هياب، فحكموا عليه بالشنق أمام الناس، وقاموا بشنقه في مركز سلوق ببنغازي، في الثاني من جمادى الأولى من عام 1350 الموافق 16 سبتمبر 1931، وكانت آخر كلماته ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ قالها بيقين المؤمن الواثق الصامد لا بحسرة الجازع المتحسر.

وبمقتل عمر المختار انتهت المقاومة المسلحة للاحتلال الإيطالي في ليبية التي كلفت الإيطاليين قرابة 9000 قتيل، وتم توحيد طرابلس وبرقة وفزان تحت اسم ليبية، ومنحت إيطاليا جنسيتها لبعض سكان الساحل الليبي، وبدأت في تجنيدهم في فرقة ضمن جيشها الاستعماري، وتابعت سياستها في توطين الإيطاليين فبلغت نسبتهم 13% من السكان في عام 1939 تركزوا في طرابلس وبنغازي حيث بلغوا قرابة ثلث سكانهما.

ورثى أمير الشعراء أحمد شوقي عمر المختار في قصيدة تحمل معاني تستشف المستقبل ولا تزال ملموسة في بعض السياسات الغربية في الدول العربية والإسلامية، أشار فيها إلى التباين الكبير بين القوات الإيطالية ودباباتها وطيرانها، وبين المجاهدين على خيولهم، قال فيها:

رَكَزوا رُفاتَكَ في الرمال لواءَ ... يستنهِضُ الوادي صباح مساءَ

يا ويحهم نصبوا مناراً من دم ... يوحي إلى جيل الغد البَغضاءَ

ما ضَرَّ لو جعلوا العلاقة في غد ... بين الشُعوبِ مودة وإخاءَ

يا أيها السيفُ المجرَّد بالفَلا ... يكسو السيوفَ على الزمان مَضاءَ

خُيِّرتَ فاختَرتَ المبيت على الطَوى ... لم تَبنِ جاهاً أو تَلُمَّ ثراءَ

إنَّ البطولة أن تموتَ من الظَما ... ليس البطولةُ أَن تَعُبَّ الماءَ

في ذمة الله الكريم وحفظه ... جسدٌ ببُرقَةَ وُسِّدَ الصحراءَ

بَطَلُ البداوةِ لم يكن يغزو على ... تَنَكٍ ولم يكُ يركبُ الأجواءَ

لكن أخو خيلٍ حَمى صهواتها ... وأدارَ من أعرافِها الهيجاءَ

لَبّى قضاء الأرضِ أمسِ بمُهجة ... لم تخشَ إلا للسماء قضاءَ

إني رأيت يد الحضارة أولِعَت ... بالحقِّ هدماً تارة وبناء
شَرَعت حقوقَ الناس في أوطانهم ... إلا أُباة الضيم والضعفاءَ
يا أيها الشعب القريب أسامعٌ ... فأصوغُ في عمر الشهيد رِثاء

أم ألجمت فاكَ الخطوب وحرَّمت ... أُذنيكَ حين تخُاطبُ الإصغاء َ
ذهبَ الزعيمُ وأنت باق خالدٌ ... فانقُد رجالك واخترِ الزعماء
وأرِحْ شيوخَك من تكاليف الوغى ... واحمل على فتيانك الأعباء

 

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer