الاثنين، 15 يوليو 2013

حدث في السادس من رمضان

في السادس من رمضان من سنة 253 توفي في بغداد السَرَي السَّقَطي أبو الحسن سَريّ بن المُغَلِس السقطي، من كبار المتصوفة، وأول من تكلم في بغداد بلسان التوحيد وأحوال الصوفية، وكان إمام البغداديين وشيخهم في وقته. و السقطي هو ما تطلقه العامة على السقاط: بائع سَقَط المتاع، وهو أرذله.

 تتلمذ السري على يدي معروف الكرخي، يقال: إنه كان في دكانه، فجاءه معروف يوماً ومعه صبي يتيم، فقال له: اكس هذا اليتيم، قال سري: فكسوته، ففرح به معروف، وقال: أغنى الله قلبك، وبغّض إليك الدنيا، وأراحك مما أنت فيه. فقمت من الدكان وليس شيء أبغض إلي من الدنيا، وكلُّ ما أنا فيه من بركات معروف.

والسري خال الـجُنيد بن محمد البغدادي وأستاذه، وتوفي الجنيد سنة 297، قال الجنيد: ما رأيت أعبد من السري، أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤي مضطجعا إلا في علة الموت.

قال الجنيد دعا لي خالي فقال: جعلك اللّه صاحب حديث صوفياً، ولا جعلك صوفياً صاحب حديث. يعني أنك إذا ابتدأت بعلم الحديث والأثر ومعرفة الأصول والسنن، ثم تزهدت وتعبدت تقدمت في علم الصوفية، وكنت صوفياً عارفاً، وإذا ابتدأت بالتعبد والتقوى والحال شُغِلتَ به عن العلم والسنن، فخرجت إما شاطحاً أو غالطاً لجهلك بالأصول والسنن، فأحسنُ أحوالك أن ترجع إلى العلم الظاهر وكتب الحديث، لأنه هو الأصل الذي تفرع عليه العبادة والعلم، وأنت قد بدأت بالفرع قبل الأصل، وقد قيل: إنما حرموا الوصول بتضييع الأصول!

وخرج السري للرباط والجهاد بطرسوس فترة من الزمن كما كان شأن العلماء والعبّاد والزهاد في عصره، قال الجنيد: قال لي السري: اعتللت بطرسوس علة تمنعني القيام، فعادني ناس من الغرباء فأطالوا الجلوس، فقلت: ابسطوا أيديكم حتى ندعو، فبسطوا وبسطت فقلت: اللهم علمنا كيف نعود المرضى، ومسحت يدي على وجهي، قال: فعلموا أنهم قد أطالوا فقاموا.

وقال الجنيد: دخلت على السري وهو يجود بنفسه، فقلت: أوصني. قال: لا تصحب الأشرار، ولا تشتغلن عن الله بمجالسة الأخيار.

وكان الإمام أحمد بن حنبل يقول إذا ذكر السري: ذاك الشيخ الذي يعرف بطيب الريح ونظافة الثوب وشدة الورع.

وأهدى السري السقطي إلى الإمام أحمد ابن حنبل شيئاً فرده فقال له السري: يا أحمد، احذر آفة الردّ فإنها أشدّ من آفة الأخذ، فقال له أحمد: أَعِدْ عليّ ما قلت فأعاده، فقال أحمد: ما رددت عليك إلاّ لأن عندي قوت شهر فاحبسه لي عندك، فإذا كان بعد شهر فأنفذه إلىّ.

من أقوال السري رحمه الله:

رأيت طاعة الرحمن بأرخص الأثمان مع راحة الأبدان، ورأيت معصية الرحمن بأغلى الأثمان مع تعب الأبدان.

 عملٌ قليل في سُنّةٍ خيرٌ من كثير في بدعة، كيف يقل عملٌ مع التقوى؟

من لم يعلم قَدْرَ النِعَم سُلِبَها من حيث لا يعلم.

من مرض فلم يتب، فهو كمن عولج فلم يبرأ.

من عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز.

إن اغتممت لما ينقص من مالك، فابك على ما ينقص من عمرك.

احذر أن تكون ثناء منشوراً و عيباً مستوراً.

 وسئل عن التصوف فقال: الإعراض عن الخلق، وترك الاعتراض على الحق.

وقال السري السقطي: من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط.

وقال: لا تركن إلى الدنيا فينقطع من الله حبلك، ولا تمش في الأرض مرحاً فإنها عن قليل قبرك.

وقال السري السقطي: ثلاث من أخلاق الأبرار: القيام بالفرائض، واجتناب المحارم، وترك الغفلة. وثلاث من أخلاق الأبرار يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار، وخفض الجناح، وكثرة الصدقات. وثلاث من أبواب سخط الله: اللعب، والمزاح، والغيبة، والعاشر من هذه الثلاث عمود الدين وذروته وسنامه حسن الظن بالله.

وقال السري السقطي: لا يصبر على ترك الشبهات إلاّ من ترك الشهوات.
 

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer