الجمعة، 12 يوليو 2013

حدث في الثالث من رمضان

في الثالث من رمضان من سنة 371 توفي في شيراز، عن 95 عاماً، أبو عبد الله الضبي، محمد بن خفيف الشيرازي الصوفي الشافعي شيخ إقليم فارس. كان من أولاد الأمراء ثم تزهد وتصوف وسافر في سياحات كثيرة، وصنف كتباً.

حدث عن حماد بن مدرك وهو آخر أصحابه، وعن محمد بن جعفر التمار، والحسين المحاملي، وجماعة. وتفقه على أبي العباس بن سريج.

وحدث عنه: أبو الفضل الخزاعي، والحسن بن حفص الاندلسي، وإبراهيم بن الخضر الشياح، والقاضي أبو بكر بن الباقلاني، ومحمد بن عبد الله بن باكويه.

جمع بين العلم والعمل، وعلو السند، والتمسك بالسنن، ومتع بطول العمر في الطاعة، وصار شيخ المشايخ في وقته، مقصوداً من الآفاق، مباركاً على كل من يقصده، بلغ في العلم والجاه عند الخاص والعام ما لم يبلغه أحد، وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد، وانتفع به جماعة حتى صاروا أئمة يقتدى بهم، وعُمِّر حتى عم نفعه البلدان

قال: أولُ من لقيت من المشايخ أبو العباس أحمد بن يحيى، وعلى يده تُبتُ.

وأولُ ما أمرني به كَتابةُ الحديث، وقال لي: اختلف إلى أحمد بن أبان الراوي وإلى عبد الله بن جعفر الأزركاني، وكان من كبار مشايخ شيراز  في الديانة والرواية، ثم دعاهما بعد ذلك وأوصاهما، فربما كنت أدخل إلى أبي عبد الله الأزركاني فيقول لي: يا أبا عبد الله هل لك ان تجعل يومنا للصلاة؟ فأقول: ما يأمرُ الشيخ، وكان يقوم في ناحية من البيت، وأقوم في ناحية نصلي العصر، ثم أقرأ عليه شيئاً من الحديث، وأخرج من عنده فيسألني أحمد بن يحيى عن معاملته معي ويقول لي: لا تحب أن يكون لك في ليلك ونهارك وقت ضائع، فقبلت ما قال لي.

ثم أخذ بعد ذلك في رياضتي، فأولها أنه حملني إلى السوق، وجلس على باب مسجد، حتى عبر قصاب، فاشترى قطعة لحم، وقال: احملها بيدك إلى المنزل وارجع، فأخذتها واستحييت من الناس، فدخلت مسجداً، وتركتها بين يدي، أفكر بين حملها، وأن أعطيها إلى الحمال، فاستخرت الله، وقلت: لا أخالف الشيخ. فحملتها، والناس يقولون: أيشُ هذا؟! وأنا أخجل وأسكت، حتى صرت بها إلى منزله. ورجعت إليه، وأنا عَرِقٌ مستحٍ، فقال: يا بني، كيف كانت نفسك في حمل هذا اللحم، بعد أن كان الناس ينظرون إليك بعين التعظيم، وأنك من أولاد الملوك؟ فحدثته فتبسم وقال: يا بني قد حمدتُ فعلك، وسترى بركته!

نظر يوماً إلى جماعة يكتبون شيئا، فقال: ما هذا؟ قالوا: نكتب كذا وكذا، قال: اشتغلوا بتعلم شيء، ولا يغرنكم كلام الصوفية، فإني كنت أخبئ محبرتي في جيب مُرَّقعتي، والورق في حُجزة سراويلي، وأذهب في الخِفية إلى أهل العلم، فإذا علموا بي خاصموني، وقالوا: لا يفلح، ثم احتاجوا إلي.

قال: ما سمعت شيئاً من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا واستعملته حتى الصلاة على أطراف الأصابع، وإنها لصعبة.

وقال أحد معاصريه: ما رأيت الشيخ قط فاتته تكبيرة الإحرام في جميع صلواته منذ رأيته.

وكان به قديماً وجع الخاصرة، فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة، فكان إذا أقيمت الصلاة يُحمَل على الظَهر إلى المسجد ليصلي، فقيل له: لو خففت على نفسك؛ كان لك سعة! فقال: إذا سمعتم: حيّ على الصلاة، ولم تروني في الصف، فاطلبوني في المقابر.

ومات لأبي عبد الله بن خفيف ابن يقال له عبد السلام، فما بقي بشيراز من الخاص والعام والجند والأمراء أحد إلا حضروا جنازته، فلم يجسر أحد أن يعزيه لما كان في نفوسهم أن مثله لا يعزى.

وسُئل عن القُرب من الله فقال: قربك منه بملازمة الموافقات، وقربه منه بدوام التوفيق.

وقال: حقيقة القناعة: ترك التطلع إلى المفقود، والاستغناء بالموجود.

وقال: ليس شيء أضر بالمريد من مسامحة النفس في ركوب الرخص، وقبول التأويلات.

وقيل لأبي عبد الله بن خفيف: إن فلاناً يتكلم في التصوف بكلام عالي، فقال: إنه قام عليه التصوف رخيصاً فهو يبيعه رخيصاً.

وقال: الأكل مع الفقراء قُرْبةٌ إلى الله.

وسئل عن إقبال الحق على العبد، فقال: علامته إدبار الدنيا عن العبد.

دخل عليه يوماً متصوفٌ فقال: بي وسوسة! فقال له: عهدي بالصوفية يسخرون بالشيطان، فالآن الشيطان يسخر بهم.

وكان يقول: عليك بمن يعظك بلسان فعله، ولا يعظك بلسان قوله.
 

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer