الجمعة، 3 مايو 2013

حدث في الثاني والعشرين من جمادى الأولى

في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من سنة 1079 أكمل الأديب المصنف البارع عبد القادر بن عمر البغدادي كتابه الجليل في النحو والأدب واللغة وعنوانه: خزانة الأدب ولُبُّ لباب لسان العرب، واستغرق إنجاز الكتاب منه قرابة 68 شهراً، ابتدأه في غرة شعبان من سنة 1073، وتخلله سفر له إلى القسطنطينية قرابة 4 أشهر لم يتمكن فيها أن يعمل في الكتاب شيئاً.
ولد عبد القادر بن عمر البغدادي في بغداد سنة 1030، ولا تفيدنا المراجع كثيراً عن أسرته ونشأته في بغداد، ولكن اسمه يدل على أنه من عائلة سُّنية، وأنه درس علوم اللغة العربية في بغداد، وصار بارعا مطلعا على أقسام كلام العرب النظم والنثر، راويا لوقائعها وحروبها وأيامها، وكان يحفظ مقامات الحريري وكثيرا من دواوين العرب على اختلاف طبقاتهم، وتعلم اللغتين الفارسية والتركية، وأتقنهما كل الإتقان، وحفظ الأشعار الحسنة منهما، وصار خبيراً بأخبار الفرس وتاريخهم، كما أنه كان يتبع المذهب الحنفي في الفقه.
وكانت بغداد عند ولادة عبد القادر البغدادي تتبع الدولة العثمانية التي كانت تمر بمرحلة شديدة من الاضطراب، وانتهز الشاه عباس ملك الدولة الصفوية في إيران ما تعانيه الدولة العثمانية من الاضطراب والفوضى، فبدأ في توسيع مملكته في أراضي السلطنة العثمانية، واحتل بغداد سنة 1033، وكان الشاه عباس في صراعه السياسي والعسكري مع الدولة العثمانية يدرك أهمية اللغة والثقافة في إرساء دعائم الحكم، ولذا أصبحت اللغة الفارسية، إلى جانب العربية، لغة العلم والأدب في بغداد.
وفي سنة 1044 قام السلطان العثماني مراد الرابع بتجريد جيش جرار لاستعادة ما خسرته الدولة العثمانية من أراض، واختتم ذلك بأن توجه بنفسه في سنة 1048 لحصار بغداد حتى استسلمت حاميتها وأرسل الشاه يطلب الصلح، فأجابه إلى ذلك، وحدَّد هذا الصلح حدود الدولة العثمانية الشرقية.
وفي ظل هذه الحروب رحل عبد القادر البغدادي في سنة 1049إلى دمشق، فأقام بها في مسجد ودرس بها على نقيب أشرافها آل حمزة، محمد بن محمد كمال الدين بن محمد الحسيني الحنفي، وكان نحوياً مجيداً وشاعرا فاضلا، له علم بالحديث والأدب والفقه الحنفي، وولد سنة 1024 وتوفي سنة 1085، أي أنه أخذ عنه وكلاهما في سن الشباب، وأخذ كذلك الفرائض على نجم الدين الفرضي، محمد بن يحيى بن تقي الدين بن عبادة بن هبة الله المتوفى سنة 1090، وتعرف كذلك على والد المحبي صاحب خلاصة الأثر، فضل الله بن محب الله، المولود سنة 1031 والمتوفى سنة 1082، وقد ذكر ذلك المحبي في ترجمته لعبد القادر البغدادي فقال: ولما حللت أدرنة زرته، وكان بينه وبين والدي حقوق ومودة قديمة فرحب بي وأقبل عليّ.
ثم رحل عبد القادر البغدادي إلى مصر سنة 1050، ودرس في الأزهر على كبار مشايخه علوم الشريعة واللغة والأدب، فدرس على الشيخ ياسين العليمي الحمصي، ياسين بن زين الدين، المولود بحمص والمتوفى بمصر سنة 1061، وكان شيخ عصره في علوم العربية، ودرس على ابن الصائغ، سري الدين محمد بن إبراهيم الدروري المصري، سري الدين، المعروف بابن الصائغ، المتوفى سنة 1066، والذي كان يجيد الفارسية والتركية، ويحمل رتبة قضاء القدس، وله كتب في الفقه الحنفي، ودرس على برهان الدين الميموني الشافعي، إبراهيم بن محمد بن عيسى، المولود سنة 991 والمتوفى سنة 1079، وهو من علماء التفسير والحديث، ولكنه كان مشهوراً بعلم المعاني والبيان، ودرس البغدادي كذلك على القارئ الفقيه الشافعي الكفيف الزاهد العابد، نور الدين الشبرامَلِّسي، علي بن علي المولود سنة 997 والمتوفى سنة 1087.
ولكن أكثر ملازمته ودراسته في مصر كانت على قاضي القضاة شهاب الدين الخفاجي، أحمد بن محمد بن عمر، المولود سنة 977 والمتوفى سنة 1069، وهو وإن كان قاضياً حنفي المذهب، إلا أنه كان أديب زمانه ومؤرخ أدباء عصره، ألف كتابين هما ريحانة الألِّباء، وكتاب خبايا الزوايا بما في الرجال من بقايا، وله كتب في اللغة والأدب والتفسير، وقرأ عليه البغدادي كثيراً من هذه العلوم وأجازه بذلك وبكل مؤلفاته، وكان الخفاجي مع جلالته وعظمته يراجع البغدادي في المسائل الغريبة لمعرفته مظانِّها وسعة اطلاعه وطول باعه.
صار عبد القادر البغدادي عالم عصره في اللغة والأدب، وقال عنه معاصروه: هو أحسن المتأخرين معرفة باللغة والأشعار والحكايات البديعية، مع التثبت في النقل وزيادة الفضل والانتقاد الحسن، ومناسبة إيراد كل شيء منها في موضعه، مع اللطافة وقوة المذاكرة وحسن المنادمة. وكان البغدادي رحمه الله يعترف بالفضل لشيخه الشهاب الخفاجي ويرى نفسه قطرة من بحره، وهذا تواضع العلماء الأصلاء، قال المؤرخ الأديب مصطفى بن فتح الله الحموي ثم المكي المتوفى سنة 1123بذمار في اليمن: قلت لعبد القادر البغدادي لما رأيته من سعة حفظه واستحضاره: ما أظن هذا العصر سمح برجل مثلك! فقال لي: جميع ما حفظته قطرة من غدير الشهاب الخفاجي، وما استفدت هذه العلوم الأدبية إلا منه.
ولما توفي شهاب الدين الخفاجي سنة 1069 تملك عبد القادر البغدادي، أكثر كتبه وجمع كتبا كثيرة غيرها، فصار عنده مكتبة من أكير مكاتب القاهرة، قيل إنها ضمت ألف ديوان من دواوين العرب العاربة، وتتبين سعة مكتبته والنسخ النفيسة التي حوتها  في ثنايا كتبه التي ألفها، ويبدو أن بعض كتبه قد وصل إلى العلامة المرتضى الزبيدي صاحب كتاب تاج العروس، المولود سنة 1145 والمتوفى سنة 1205، فقد قال بعد أن استشهد ببيت: كذا وجدته بخط العلامة عبد القادر بن عمر البغدادي رحمه الله تعالى.
وهناك من يصنف القرون التي تلت القرن الخامس أو السادس بقرون الانحطاط أو بالعصور الوسطى، وهي تسمية فيها كثير من التجني والتمثل للتاريخ الأوربي، والحق أن كل قرن كان فيه مؤرخون وأدباء ومفكرون، منهم من وصلتنا مصنفاتهم، ومنهم لم تصلنا، وفيهم المجدد المنشئ، وفيهم المكرِّر المقلِّد، وقد دحض هذه الفكرة الدكتور محمود محمد الطناحي في رسالته قيمة موجزة أسماها: الموجز في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات وتعريفات العلوم، فقال: وإن القرن العاشر قد شهد الحافظ المؤرخ الحجة شمس الدين السخاوي، والحافظ المفسر النحوي، الجامع للفنون والمعارف جلال الدين السيوطي، ولا تقل: إنه جمَّاع، فقد حفظ لنا في تصانيفه التي بلغت نحو 600 مصنف كثيراً مما عدت عليه عوادي الناس والأيام، من علوم الأوائل وفنونها، واستخرج من كل ذلك علماً عرف به ونسب إليه.
فإذا جئنا إلى القرن الحادي عشر، وهو عندهم مما لا يلتفت إليه، ولا يعاج به؛ لأن هذا العصر عصر انحطاط وانحدار، من حيث كانت الغلبة فيه للأتراك العثمانيين، وهم من كرام هذه الأمة الإسلامية، شئت أم أبيت، رأينا علماء كبارا، منهم شهاب الدين الخفاجي، صاحب المصنفات الكبيرة... والعلامة عبد القادر البغدادي، صاحب خزانة الأدب، وهي من مفاخر التأليف العربي.
والكتاب مبني على كتاب الكافية في النحو الذي ألفه جمال الدين ابن الحاجب، عثمان بن عمر، المولود سنة 570 والمتوفى سنة  646، وهو فقيه مالكي، من كبار العلماء بالعربية، وقد شرحه كثيرون منهم الرضي الأستراباذي، محمد بن الحسن، المتوفى سنة 688، وجاء عبد القادر البغدادي ليشرح الشواهد الشعرية التي استدل بها الأستراباذي في شرحه للكافية، قال الدكتور الطناحي: وهذا الكتاب شرح لشواهد الرضى على الكافية في النحو، ولكن البغدادي رحمه الله نفذ من خلال هذا الشرح إلى تراجم الشعراء والأدباء والعلماء، وأتى بكل غريبة وعجيبة من علوم العربية وفنونها.
ثم قال الدكتور الطناحي حول طبعات الكتاب: طبعت أول طبعة ببولاق بمصر عام 1299، ثم نشر منها الشيخ محب الدين الخطيب أجزاء تمثل ثلثها، وأخرج محمد محيى الدين عبد الحميد جزءاً وادخر الله نشرها كاملة لشيخنا عبد السلام هارون، وجاءت طبعته في أحد عشر جزءاً ولم يبق إلا فهارسها.
ونورد هنا بعضاً من مقدمة الكتاب:
نحمدك يا من شواهد آياته غنية عن الشرح والبيان، ودلائل توحيده متلوة بكل لسان.
صل وسلم على رسولك محمد المؤيد بقواطع الحجج والرهان، وعلى آله وصحبه الباذلين مهجهم في نصر دينه على سائر الأديان، صلاة وسلاماً دائمين على ممر الأزمان.
أما بعد فيقول المفتقر إلى معونة ربه الهادي، عبد القادر بن عمر البغدادي: هذا شرح شواهد الكافية لنجم الأئمة، وفاضل هذه الأمة، المحقق محمد بن الحسن، الشهير بالرضي الأستراباذي، عفا الله عنه ورحمه. وهو كتاب عكف عليه نحارير العلماء، ودقق النظر فيه أماثل الفضلاء؛ وكفاه من الشرف والمجد، ما اعترف به السيد والسعد؛ لما فيه من أبحاث أنيقة، وأنظار دقيقة؛ وتقريرات رائقة، وتوجيهات فائقة؛ حتى صارت بعده كتب النحو كالشريعة المنسوخة، أو كالأمة الممسوخة؛ إلا أن أبياته التي استشهد بها - وهي زهاء ألف بيت - كانت محلولة العقال ظاهرة الإشكال وقد انضم إليها التحريف، وبان عليها أثر التصحيف.
وكنت ممن مرن في علم الأدب، حتى صار يلبيه من كثب؛ وأفرغ في تحصيله جهده، وبذل فيه وكده وكدَّه؛ وجمع دواوينه، وعرف قوانينه، واجتمع عنده بفضل الله من الأسفار، ما لم يجتمع عند أحد في هذه الأعصار؛ فشمرت عن ساعد الجد والاجتهاد، وشرعت في شرحها على وفق المنى والمراد، فجاء بحمد الله حائز المفاخر والمحامد، فائقاً على جميع شروح الشواهد؛ فهو جدير بأن يسمى: خزانة الأدب، ولب لباب لسان العرب. وقد عرضت فيه بضاعتي للامتحان، وعنده يكرم المرء أو يهان:
على أنني راض بأن أحمل الهوى ... وأخلص منه لا علي ولا ليا
وقد أهدى البغدادي كتابه العظيم إلى: سلطان المشرقين، الغازي في سبيل الله، والمجاهد لإعلاء كلمة الله، ألا وهو السلطان ابن السلطان، السلطان الغازي محمد خان ابن السلطان إبراهيم خان. وكان عمر السلطان آنذاك حوالي 20 عاماً.
وخاتمة الكتاب تعبر عن تواضع جمّ، وتضرع صادق إلى الله، قال رحمه الله:
وهذا آخر الكلام على شرح الشواهد، الغزيرة الفوائد، والناظم للنكت الفرائد، والحاوي للطارف والتالد، والجامع بين الشوارد والأوابد، والحمد لله من البدء إلى الختام، على توفيق هذا النظام، والتيسير إلى الإتمام، والبلوغ إلى المرام.
وأفضل الصلاة والسلام، على محمدٍ خير الأنام، وأفضل الرسل الكرام، وآله السادة الأعلام، وصحبه قادة الإسلام على تعاقب الليالي والأيام، وترادف الشهور والأعوام.
فلله الحمد والمنة، وأسأله أن ينفع به، وأن يختم عملي بكل خير، ويدرأ عني كل ضير، وأن يفعل كذلك بجميع أحبائي، وسائر أودائي، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى، ونعم النصير.
قاله بفمه، وزَبَره بقلمه، مؤلفه الفقير إلى الله في جميع أحواله: عبد القادر بن عمر البغدادي، لطف الله به وبأسلافه، وأولاده وأحبائه، وجميع المسلمين. آمين.
والكتاب كما ذكر الدكتور الطناحي ثروة علمية وفيرة، لا نستطيع تناوله في هذا المقام المختصر، ولكنه يلقي الضوء على شخصية هذا العالم الجليل، وكذلك على نفائس الكتب التي حوتها مكتبته القيمة، ويكفي أن نقول إن العلامة عبد العزيز بن عبد الكريم الميمني الراجكوتي الهندي، المولود سنة 1306=1888 والمتوفى سنة 1399=1978 قد ألف كتاباً أسماه إقليد الخزانة، وهو فهرس لما تضمنه كتاب خزانة الأدب من الكتب المنسوبة. وقد أشار البغدادي في مقدمة الخزانة التي سلفت إلى مكتبته العامرة، وهو في الكتاب على سبيل المثال يورد أقوالا في تفسير كلمة الرُّقيات الواردة في بيت الشعر:
قل لابن قيسٍ أخي الرقيات ... ما أحسن العرف في المصيبات
ثم يقول: ورأيت بخط الحافظ مغلطاي على هامش الكامل للمبرد ما نصه: ونقلت من خط الشاطبي: وافق الأصمعيُّ ابنَ قتيبة على قوله.
ويقول في موضع آخر: ونقلته من نسخةٍ صحيحة بخط الخطيب البغدادي صاحب تاريخ بغداد.
وهو في الشاهد الثاني والعشرين بعد الخمسمئة يقول بعد أن يفصل في الآراء ومنها رأي سيبويه: انتهى كلام سيبويه، ونقلته من نسخة معتمدة مقروءة على مشايخ جلة، عليها خطوط إجازاتهم، منهم زيد بن الحسن بن زيد الكندي إمام عصره عربيةً وحديثاً، وتاريخ إجازته سنة 593، وهي نسخة ابن ولاد تلميذ ثعلب والمبرد، وتوفي بمصر في سنة 298.
ويقول عند شاهد آخر: ونقلته من نسخة بخط أبي الفتح عثمان بن جني، وعليها خط أبي علي الفارسي في أولها وآخرها بالإجازة له، ورواها عن ابن دريد عن الأشنانداني.
وهو يتعقب السيوطي رحمه الله في كتابه شرح أبيات المغني، حيث عزا نصَّاً إلى الإمام اللغوي ثعلب في أماليه، فيقول عبد القادر البغدادي: ولم أر شيئاً مما نقله في أمالي ثعلب مع أن نسختي منها كانت نسخته، وعليها خطه.
ويقول في مكان آخر: ورأيت في أمالي ابن الشجري في نسخة صحيحة قد صححها أبو اليمن الكندي وغيره، وعليها خطوط العلماء وإجازاتهم.
وقد ذكر البغدادي في خزانة الأدب بعد المقدمة المراجع التي اعتمد عليها، وبلغ تعدادها 5 صفحات، وأقتصر هنا على إيراد ما أورده من كتب النحو، مع ذكر أبواب العلوم التي أوردها، قال رحمه الله:
في ذكر المواد التي اعتمدنا عليها وانتقينا منها؛ ضروب وأجناس، فمنها ما يرجع إلى علم النحو كالأصول  لابن السراج، و معاني القرآن  للفراء، ومعاني القرآن  للزَّجاج، وتآليف أبي علي الفارسي كالتذكرة القصرية، والمسائل البغدادية، والمسائل العسكرية، والمسائل البصرية، والمسائل المنثورة، ونقض الهاذور على ابن خالويه، وكتاب الشعر، وتآليف تلميذه ابن جني كالخصائص ، والمحتسب، وشرح تصريف المازني، وسر الصناعة، و إعراب الحماسة، والمبهج في شرح أسماء شعرائها،  وشرح ديوان المتنبي، والإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري، وتذكرة  أبي حيان، وارتشاف الضرب  له أيضاً، والضرائر الشعرية لابن عصفور، والأمالي لابن الحاجب، والأمالي لابن الشجري، وشروح الكافية، وشروح التسهيل، ومغني اللبيب، وشروحه، وغير ذلك من المتداول.
ومنها ما يرجع إلى  شروح الشواهد وهو شرح أبيات الكتاب لأبي جعفر النحاس، وللأعلم الشنتمري، ولابن خلف، ولأبي محمد الأعرابي المسمى فرحة الأديب، وشرح أبيات الجمل لابن السيد البطليوسي، ولابن هشام اللخمي، ولغيرهما. وشرح أبيات المفصل لابن المستوفي الإربلي، ولبعض علماء العجم المسمى بالتخمير، وشرح أبيات شروح ألفية ابن مالك للعيني، وشرح أبيات ابن الناظم لابن هشام الأنصاري، ولم يكمل. وشرح أبيات الكشاف  للحموي، وشرح أبيات التفسيرين لخضر الموصلي، و شرح أبيات الإيضاح والمفتاح في علم المعاني، وشرح أبيات التخليص للعباسي، وشرح أبيات إصلاح المنطق ليوسف بن السيرافي، وشرح أبيات الغريب المصنف له أيضاً، وشرح أبيات أدب الكاتب للجواليقي، ولابن السيد البطليوسي، وغير ذلك.
ومنها ما يرجع إلى دفاتر أشعار العرب، وهو قسمان: دواوين ومجاميع، ومنها ما يرجع إلى  تفسير أبيات المعاني المشكلة، ومنها ما يرجع إلى فن الأدب، ومنها ما يرجع إلى كتب السير وكتب الصحابة وأنساب العرب، ومنها ما يرجع إلى طبقات الشعراء وغيرهم، ومنها ما يرجع إلى كتب اللغة، ومنها ما يتعلق بأغلاط اللغويين، ومنها كتب الأمثال، ومنها كتب الأماكن والبلاد.
وعبد القادر البغدادي رحمه الله دقيق لا يبخل بالوقت على مؤلفاته، فها هو يقول في الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائتين، وهو بيت الشعر:
رأيت الناس ما حاشا قريشاً ... فإنا نحن أفضلهم فعالا
وهذا البيت قال العييني، وتبعه السيوطي: إنه للأخطل من قصيدة. وقد راجعت ديوانه مرتين ولم أجده فيه، ورأيت فيه أبياتاً على هذا الوزن يهجو بها جريراً ويفتخر بقومه فيها، وليس فيها هذا البيت، والله أعلم بحقيقة الحال.
ولعبد القادر البغدادي تصانيف أخرى في النحو منها شرح شواهد الشافية، وشرح شواهد المُغْني، وتعريب تحفة الشاهدي الجامع بين الفارسي والتركي، وحاشية على شرح بانت سعاد، لابن هشام، وشرح شواهد شرح التحفة الوردية، ومقصد المرام في عجايب الأهرام. وفي كل هذه الكتب مباحث ونوادر كثيرة تجعلها ثرية ممتعة، بعيدة عن الجفاف المعهود في كتب النحو.
في سنة 1085 قام السلطان العثماني بتعيين والي مصر إبراهيم باشا المعروف بكتخدا في منصب وزير في إستانبول، فسافر عن طريق دمشق إلى أدرنة، التي كان السلطان محمد الرابع فيها يتابع الحروب مع النمسا وبولندا، ولذا فإن أوصافه التي سبقت في إهداء كتاب الخزانة لم تكن مبالغاً فيها، وكان يقود هذه الحروب الصدر الأعظم؛ الفاضل أحمد باشا كوبريلي، المولود سنة 1045 والمتوفى سنة 1087، وهو من أسرة عريقة في الوزارة، وكان والده في صغره قد درَّسه علوم اللغة والشريعة والأدب الفارسي، واتجه ليكون من العلماء، ثم عدل إلى طريق والده في السياسة، وصار والي دمشق سنة 1071، فتميز بجمعه بين السياسة والقيادة والعلم، وهو واقف المكتبة المشهورة في إستانبول.
وسافر عبد القادر البغدادي مع إبراهيم باشا إلى تركيا، ليدخله على الصدر الأعظم ويعرفه بفضله، على أمل أن ينال منصباً مرموقاً في الدولة يليق بمكانته، وفعلاً صار البغدادي من المقربين إلى الصدر الأعظم والمختصين به، وذلك لتضلعه في العلوم ولعلمه بآداب اللغتين التركية والفارسية، وأقبلت عليه الدنيا، وتقرب إليه أهل الدولة لمنزلته من الوزير الأعظم، ولكنه المنصب الذي كان ينتظره تأخر، إما لأنه لم يشغر شاغر مناسب، وقد يكون السبب كذلك أن القرار في الدولة العثمانية كان يسير سير الهوينى في بلاط مترهل وحاشية متضخمة متحاسدة متنافرة.
وفي هذه الأثناء دهم المرض عبد القادر البغدادي، وقاسى منه آلاما شديدة، وأعيا مرضه الأطباء فلم يعرفوا له علاجاً، فكره المقام والانتظار وسافر من أدرنة إلى الشام وأقام مدة وجيزة في معرة مصرين من أعمال حماة، ثم عاد ثانية إلى الأناضول، فابتلي برمد في عينيه وتضاءلت الرؤية بهما حتى كادت أن تختفي، فسافر بطريق البحر إلى مصر فوصلها ولم تطل مدته بها حتى توفي في أوائل سنة 1093 رحمه الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer