الجمعة، 16 يناير 2015

حدث في السادس والعشرين من ربيع الأول

في السادس والعشرين من ربيع الأول من عام 1348 الموافق 31 أغسطس 1929، أصدرت جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة، المنبثقة عن المؤتمر الإسلامي العام في فلسطين البيان التالي:
بيان إلى العالم الإسلامي
من جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة بالقدس
اليهود يثيرون الفتنة الدموية في فلسطين طمعًا في البراق الشريف والمسجد الأقصى المبارك.

إن جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة في القدس الشريف قيامًا بواجبها إزاء الفتنة الحالية التي سبَّبها اليهود بتوالي اعتداءاتهم على البراق الشريف، فَجَرُّوا البلاد إلى البلاء الشامل والخسارة العظيمة في النفوس والثمرات، تثابر على خطتها من الأخذ بكل الوسائل المشروعة الجائزة للدفاع عن البراق الشريف والمسجد الأقصى المبارك وسائر الأماكن الإسلامية المقدسة لصد كل طمع عنها يحاوله الطامعون، والجمعية تقوم بهذا من حيث تظل على صلة بالعالم الإسلامي وملوكه وأمرائه وأممه وصحفه وزعمائه وأهل الغيرة والحمية من المسلمين بمواصلة إرسال الأنباء عن الحالة، وعما يجدُّ من الأمور المهمة والحوادث الخطيرة؛ ليقف العالم الإسلامي على ذلك ويعمل وسعه لصيانة مقدسات المسلمين ودرء الأخطار عنها.
وهذا موجز ما حصل إلى اليوم في الأسابيع الأخيرة:
1- ضاعف اليهود في فلسطين جهودهم في الأسابيع الستة الأخيرة لامتلاك البراق، ثم ليتدرجوا منه إلى امتلاك المسجد الأقصى بحجة أن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين هو هيكل سليمان، وبحجة أن الوطن القومي اليهودي يظل ناقصًا حتى يملك اليهود مكان الهيكل، وبهذا يصرح كبار زعمائهم.
2- عقد يهود العالم المؤتمر الصهيوني العالمي السادس عشر في زوريخ في أواخر شهر تموز/يوليو وأوائل آب/أغسطس من هذه السنة، وقد كان من محور المناقشات الحادة والمقررات الإجماعية في هذا المؤتمر استئناف العمل وتحريض يهود العالم على بذل كل ما يستطعيون من قوة لاستعادة الهيكل ولو كلفهم ذلك كل عظيم.
3- أعلن اليهود بلسان مؤتمر زوريخ وبلسان زعمائهم السياسيين والدينيين وصحفهم وجمعياتهم أنهم لا يرضون بما حدده لهم الكتاب الأبيض الذي أصدرته منذ نحو 10 أشهر الحكومة البريطانية، من أن يظل القديم على قدمه بحيث لا يجاوز اليهود زيارة الحائط الزيارة المعتادة، والبراق واقع في ملك الوقف الإسلامي البحت، ثم أعلن اليهود سخطهم على الكتاب الأبيض وأخذوا يجاهدون بكل قواهم لحمل الحكومة البريطانية للعدول عن العمل بمقتضاه، وهي قد وضعته بعد درسها القضية درسًا مدققًا استغرق عدة أشهر فضلاً عما كان قد سبق لها ملاحظته ومشاهدته من عدوان اليهود على البراق أثناء السنوات الأخيرة.
4- أثناء انعقاد مؤتمر زوريخ وبعده ظهر اليهود في فلسطين بمظهر المتعنت الطامع المحاول الباطل، مما دل دلالة قاطعة وأيدته الوقائع أن هناك خطة مدبرة وصلة وثيقة محكمة بين مقررات مؤتمر زوريخ والحوادث التي اقتحمها اليهود على أثره.
5- في 10 ربيع الأول سنة 1348= 15 آب/أغسطس 1929 سمحت الحكومة لليهود بأن يقوموا بمظاهرة، فقاموا بها وكانت مظاهرة ظاهرها زيارة البراق ومرماها محاولة إظهار القوة لامتلاكه، فمشوا من الحي اليهودي الذي يبعد من الحرم عدة كيلو مترات إلى البراق الشريف، فاحتشدت المئات منهم عنده، ورفعوا العلم الصهيوني، وخطب فيهم خطباؤهم خطبًا هائجة عنيفة شتموا فيها المسلمين كثيرا، وحرَّضوا جماهيرهم على امتلاك البراق تدريجيًّا لاستعادة الهيكل.
6- وصدرت الصحف اليهودية ومناشير الجمعيات الصهيونية وكلها تحريض ونداء نحو هذه الغاية، وأصدرت حكومة فلسطين بعدئذ بلاغًا رسميًّا بينت فيه أن القصد من مظاهرة اليهود المذكورة لم يكن كله لزيارة المبكى، أي البراق، زيارة دينية مجردة.
7- في 11 ربيع الأول= 16 أغسطس قام المسلمون بمظاهرة كبيرة مقابلة لمظاهرة اليهود في اليوم السابق، فمشوا من المسجد الأقصى إلى البراق الشريف إعلانا لتصميمهم أنهم متمسكون بملكهم، مدافعون عن حقهم، وطيرت البرقيات إلى الحكومة البريطانية، وقدَّمت الاحتجاجات إلى حكومة فلسطين شجبًا لأعمال اليهود ومحاولاتهم المتكررة التي لا تنتهي إلا بسوء العاقبة إذا سُمح لهم بالمثابرة عليها.
8- في 12 ربيع الأول= 17 أغسطس يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، اعتدى اليهود على العرب المسلمين بالقرب من الحي اليهودي، فجرحوا 13 عربيًّا ودافع العرب عن أنفسهم، ثم انقلب اليهود يغدرون بالمارة من العرب في حيهم يترصدونهم للإيقاع بهم ليل نهار.
9- في 16 ربيع الأول= 21 أغسطس كان اليهود ذاهبين بموكب كبير لدفن أحد موتاهم الذي مات في مستشفى الحكومة متأثرًا من جراحه التي أصيب بها في حادثة اعتداء اليهود السابقة، فاجتمعوا مئات عديدة وخطبوا خطبًا مهيجة وشتموا المسلمين، ولما وصلوا بالميت إلى قرب دائرة البريد خارج المدينة القديمة عدلوا عن السير في الطريق العام المعتاد سلوكهم فيها إلى مقبرتهم، وحاولوا أن يحدثوا حدثا عظيما، فأرادوا أن يدخلوا بالميت الأحياء الإسلامية كلها ويأتوا إلى البراق قبل أن يدفنوه تحويلاً لجنازة الدفن إلى مظاهرة لم يسبق لها مثيل نوعًا وشكلاً، فصدَّهم البوليس البريطاني بالقوة، وجرح منهم 23 شخصا كما أفاد بلاغ الحكومة الرسمي.
وكان اليهود بعملهم هذا يرمون إلى الفتنة صراحة، إذ من تقاليدهم التي يراعونها بحسب دينهم مراعاة شديدة أنهم لن يؤخروا دفن ميتهم إلى الصباح إذا كان مات قبل نصف الليل، غير أنهم في هذه الحادثة أبطلوا العمل بتقاليدهم الدينية، فأخَّروا دفن الميت إلى قبيل ظهر اليوم التالي، وكان موته عصر اليوم السابق طلبًا لأسباب الشر والفتنة.
10- فهال أهالي فلسطين المسلمين ما أخذوا يرون في اليهود من التحكك بنار الفتنة، ومن الجرأة الغريبة في محاولتهم اقتحام البراق وامتلاكه والتصرف به تصرف المالك فاحتجت جمعية حراسة المسجد الأقصى وجمعية فرسان البراق وجمعيات الشبان المسلمين في فلسطين والهيئات الدينية على أعمال اليهود ومصارحتهم العرب العدوان مصارحة منافية للحق والقانون، ومعرضة الأمن العام في البلاد إلى خطر كبير.
11- في 18 ربيع الأول =23 آب/أغسطس خرج المسلمون من صلاة الجمعة من المسجد الأقصى حسب العادة، فلما وصلت زرافاتهم إلى باب الخليل ذاهبين في طريقهم إلى منازلهم وأعمالهم وجدوا اليهود هناك على حالة مريبة جدًّا، وكانت جماهير المسلمين التي خرجت إلى جهة باب العامود قد رأت مثل ذلك من اليهود الساكنين في حي ميشوريم القريب، فسبق أحد اليهود في باب الخليل إلى الاعتداء بإلقاء قنبلة، ثم أطلق اليهود الطلقات النارية على المسلمين فوقع المحذور، وحصل اصطدام قرب باب العامود في الوقت عينه، فاتقدت الفتنة ولم يكن بأيدي المسلمين إلا بعض العصي يحملها الواحد منهم على عادته، فأخذ الرصاص يدوي ولم تكن قوة البوليس كافية فاستعانت بإطلاق النار على المسلمين فقتلت وجرحت منهم، واحتشد اليهود في مبانيهم الكبيرة في حي ميشوريم، وأخذوا يطلقون النار من النوافذ على العرب واستمرت الفتنة على أشدها عدة ساعات، وأقفلت المدينة وتوالى إطلاق الرصاص في أماكن عديدة، وفي العصر حلَّقت الطيارات وجيء بقوات البوليس من الخارج وفي الساعة السادسة أعلنت الحكومة منع التجوال من السادسة ونصف مساء إلى السادسة صباحًا، وانقضى الليل والرصاص لم يهدأ حتى الصباح.
ولم تزل الحالة في القدس إلى هذا التاريخ غير اعتيادية رغم تكاثر القوة العسكرية وتحليق الطيارات يوميًّا، فحوادث القتل والاعتداء يوالي مزاولتها اليهود في أطراف الأحياء التي يسكنونها، ولم تنقض ليلة إلى الآن منذ 18 ربيع الأول دون أن يثابر على إطلاق النار الليل كله أو معظمه في ضواحي المدينة.
وبلغ عدد شهداء المسلمين في القدس العشرات، ولم يمكن إحصاء الإصابات إحصاء مضبوطًا إلى الآن وبلغ عدد الجرحى في القدس مبلغا كبيرا.
امتداد الفتنة إلى أنحاء فلسطين في الخليل:
وامتدت الفتنة إلى الخليل يوم السبت 29 ربيع الأول=25 آب/أغسطس، فقُتل من المسلمين ثمانية، وجُرح عدد لم نعرف صحته بعد.
في يافا:
وحصل اصطدام عنيف في يافا يوم الأحد 20 ربيع الأول=25 آب/أغسطس، فقتل وجرح من المسلمين برصاص الجنود البريطانية عدد لم يُعرف بعد.
في حيفا:
قام اليهود وباشروا مهاجمة العرب بالسلاح، فدافع العرب عن أنفسهم وعائلاتهم، وفي اليوم التالي وصلت البارجة البحرية (برهم) تحمل الجنود والطيارات والأعتاد الحربية، فكان العرب بقرب الرصيف يشاهدونها، وبينما هم على هذه الحال إذا بجنود الدراعة يطلقون عليهم النار بغتة بلا سبب ولا إنذار فقُتل 27 عربيًّا وجُرح 59.
في بيسان وضواحيها:
ووقع قتال في بيسان والأماكن المجاورة، ولم تُعرف تفاصيل الحوادث وعدد الإصابات بعد.
في صفد:
وحصل اصطدام شديد في صفد بين المسلمين واليهود مساء 24 ربيع الأول=29 آب/أغسطس لم تُعرف تفاصيله بعد.
في غزة والرملة:
اشتد الاضطراب في غزة وقامت المظاهرات، فنقلت الحكومة اليهود من هناك إلى تل أبيب المستعمرة اليهودية الكبيرة قرب يافا، وهاج مسلمو الرملة و اللد والسبع هياجًا كبيرًا.
في نابلس:
ووقع اصطدام كبير في نابلس بين الأهالي والبوليس فجُرح 9 من المسلمين.
في سائر أنحاء البلاد:
وعم الاضطراب جميع أنحاء البلاد من بئر السبع جنوبًا إلى الحولة شمالاً.
الشهداء والجرحى
أخذت حكومة فلسطين تصدر نشرات رسمية منذ نحو أسبوع في بيان الحالة العامة في البلاد، وجاء في النشرة المؤرخة في 29 أغسطس أن عدد الإصابات لغاية الساعة الثامنة من صباح 28 آب حسب أنباء المستشفيات ما يلي:
                                  مسلمون                مسيحيون              يهود                       المجموع
القتلى                              63                       4                    97                        164
الجرحى في المستشفيات        113                      9                     150                      272
الجرحى خارج المستشفيات              لم يرد نبأ عن عددهم بالضبط غير أن شهداء المسلمين وجرحاهم يفوق العدد الذي جاء في النشرة الرسمية المؤرخة في 29 أغسطس؛ لأنه لم يمكن إلى الآن القيام بإحصاء دقيق لإصابات المسلمين، وقد قالت النشرة المذكورة إن هذه الأرقام التي ذكرتها لا تشمل الإصابات التي أوقعتها القوات المسلحة في إخماد الاضطراب والتي لم تصل إلى المستشفيات.
13-ومع أن القوات العسكرية قد ازدادت بوصول النجدات من مصر ونزول قوات عسكرية من البارجتين اللتين رست إحدهما في يافا والأخرى في حيفا، فالحالة العامة في البلاد تسير باضطراب.
الفظائع تنزل بالمسلمين
ثبت أن كثيرا من اليهود مسلحون، وأن كثيرًا منهم في القدس كانوا يرتدون الألبسة العسكرية، ويتقلدون البنادق، ويتصيدون العرب في الطرق والأماكن المنعزلة، وقد راع العرب تسلح اليهود وتخطفهم للعرب تحت هذا الزي وبعد الاحتجاج للحكومة عثرت الحكومة على بعض المتسلحين منهم.
وتوزع الحكومة القوات العسكرية في البلاد بنشاط كبير، وقد كانت هائلة جدًّا الخطة التي باشرت القوات العسكرية العمل عليها من رمي المسلمين بالنار رميًا بلغ حد الفظائع الرائعة بلا سبب وبلا إنذار، بل بحجة التفتيش دون أن يعثروا على أي شيء مما تفتش القوات عليه، وقد سقط أكثر شهداء المسلمين وجرحاهم برصاص الجيش البريطاني والبوليس البريطاني، ففي قرية صور باهر الواقعة في الضاحية الجنوبية في القدس ذهبت حملة عسكرية باكرًا صباح 28 أغسطس مجهزة بالرشاشات والدبابات والطيارات فأحاطت بالقرية، وأخذت تطلق النار من جميع الجهات فقتلت ثمانية منهم النساء والأطفال وجرحت تسعة، وحصل شبه هذا في قرية قالونيا في الضاحية الشمالية.
ويجري من قبل المسلمين إحصاء مدقق للشهداء والجرحى الذين يذهبون ضحية رصاص الجند البريطاني، ويجري أيضًا إحصاء لإصابات العرب على العموم وستُرسل إليكم التفاصيل بوقت قريب.
13 طيارة فوق المسجد الأقصى
14- وقد حلقت البارحة، 30 آب/أغسطس، وقت صلاة الجمعة حين خروج المسلمين من المسجد الأقصى 13 طيارة، وقامت بحركات مختلفة فوق الحرم القدسي الشريف أكثر من ساعة.
المسلمون والمسيحيون يشتركون في الدفاع
15- وتشكر جمعية حراسة المسجد الأقصى لإخواننا المسيحين العرب وقوفهم وإخوانهم المسلمين موقف المؤازرة والاتحاد الوطني في هذه الفتنة، فالبلاد لأهلها مسلمين ومسيحيين على السواء.
إن جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة تدعو المسلمين بصفة عامة، وأرباب الحمية والغيرة منهم بصفة خاصة، والمهاجرين العرب الكرام في ديار المهجر إلى أن يسعفوا عائلات الشهداء والجرحى الذين ذهبوا في سبيل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والجرحى الذين سالت دماؤهم في هذا السبيل المقدس، في حين تستنجد الجمعية العرب والمسلمين عامة ليسارعوا إلى الاحتجاج المتوالي على جناية اليهود في هذه الفتنة على ما تنزله القوات العسكرية البريطانية بالمسلمين الأبرياء من الضربات العظيمة الذاهبة بالأرواح بلا حساب.
وسيظل المسلمون في فلسطين معتصمين بشرف السدانة الصادقة والحراسة الأمينة للمسجد الأقصى المبارك والبراق الشريف، وسائر الأماكن الإسلامية المقدسة ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ وهو ﴿نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
جمعية حراسة الأماكن الإسلامية المقدسة
بيت المقدس 26 ربيع الأول سنة 1348 - 31 أغسطس 1929

وكانت هذه القضية قد بدأت قبل سنة كما يفصل ذلك بيان أصدرته حكوم الانتداب البريطانية في أيلول/سبتمبر 1928، وهذا نصه:
بلاغ حكومة فلسطين

في مساء 23 أيلول الجاري أي ليلة عيد الغفران (يوم كيبور) رفع متولي وقف أبي مدين الذي يقع ضمن دائرته الرصيف ومنطقة البراق (المبكى) شكوى إلى جناب حاكم مقاطعة القدس بأن حاجزًا قد أنشئ على الرصيف الملاصق للبراق، وأدخل إليه أشياء أخرى تخالف العادة المتبعة كقناديل كاز وعدد من الحُصر وهيكل أكبر من الحجم الاعتيادي، فزار حاكم المقاطعة البراق في أثناء صلاة المساء، وقرَّر عملا بالعادة التي أقرتها الحكومة وجوب رفع الحاجز قبل إجراء الصلاة في اليوم التالي، وأعطى تعليمات بهذا المعنى إلى الشماس القائم بترتيبات الصلاة في البراق محتفظًا بقراره في مسألة القناديل بإزالته صباح اليوم التالي باكرا، وقبل تأكيداته بتنفيذ تعليماته، وبلغ في ذات الوقت ضابط البوليس البريطاني القائم بالوظيفة ضرورة رفع الحاجز من مكانه إذا لم يقم بتعهده.
فزار ضابط البوليس صباح اليوم التالي البراق، ورأى أن الحاجز لا يزال في مكانه، فسأل القائمين بالصلاة أن يرفعوه من ذلك المكان غير أنهم أجابوه بأنهم لا يستطيعون ذلك نظرًا لقداسة ذلك اليوم، فرفعه عندئذ رجال البوليس بنفسهم، ولم يكن المصلون عمومًا قد اطلعوا على ما جرى سابقًا، فعندما رأوا البوليس يرفعون الحاجز الذي استعمل لفصل النساء عن الرجال هاجوا وسعى بعضهم لمنع البوليس من رفعه بالقوة، وأخيرا رفع الحاجز.
ويعتبر جلب الحاجز ونصبه على الرصيف تعديًا على الحالة الراهنة مما لا يمكن الحكومة السماح به، غير أن الحكومة تأسف لما حصل من الخوف والانزعاج لجماعة كبيرة من المصلين في يوم مقدس كهذا لليهود، وقد علمت الحكومة أن المراجع اليهودية قد جازت الشماس المسئول عن الحادث بما يستحق على عمله، وقد شددت الحكومة عليهم في ضرورة مراجعة موظفي الحكومة المسئولين عن التدابير المسموح باتخاذها في أثناء الصلاة في البراق في أعياد اليهود الرسمية التي أبديت للمراجع اليهودية عند وقوع مثل هذه الحوادث في البراق في سنتي 1922 و1925 وهذه السنة أيضًا.
ولم يكن هنالك وقتئذ ضابط بوليس يهودي؛ لأن جميع البوليس اليهود كان قد أجيز لهم التغيب عن الخدمة يوم عيد الغفران، وستمعن الحكومة النظر في ضرورة وجود ضابط بوليس يهودي في المستقبل بين الذي يرسلون إلى البراق للمحافظة في أعياد اليهود الخطيرة، وفي الختام ترى الحكومة بأن رفع الحاجز كان ضروريًّا غير أنها تأسف لما وقع من جراء رفعه.
نعود إلى البيان الذي بدأنا به والذي صدر في 26 ربيع الأول سنة 1348= 1929، ونقول إن هذه الاضطرابات حدثت والمندوب السامي البريطاني، السير جون تشانسلور، في لندن، فقطع زيارته وعاد على عجل، وأصدر البيان التالي:
عدت من المملكة المتحدة فوجدت بمزيد الأسى أن البلاد في حالة اضطراب، فأصبحت فريسة لأعمال العنف غير المشروعة.
وقد راعني ما علمته من الأعمال الفظيعة التي اقترفتها جماعات من الأشرار، سفاكي الدماء، عديمي الرأفة، وأعمال القتل الوحشية التي ارتكبت في أفراد من الشعب اليهودي خلوا من وسائل الدفاع بقطع النظر عن عمرهم، وعما إذا كانوا ذكورا أو إناثا، والتي صحبتها - كما وقع في الخليل - أعمال همجية لا توصف، وحرق المزارع والمنازل في المدن وفي القرى ونهب وتدمير الأملاك.
إن هذه الجرائم قد أنزلت على فاعليها لعنات جميع الشعوب المتمدنة في أنحاء العالم قاطبة.
فواجبي الأول أن أعيد النظام إلى نصابه في البلاد، وأن أوقع القصاص الصارم بأولئك الذين سوف يثبت عليهم أنهم ارتكبوا أعمال العنف، وستُتخذ التدابير الضرورية لإنجاز هاتين الغايتين، وبناء عليه أطلب من جميع سكان فلسطين أن يساعدوني على القيام بهذا الواجب، ووفاقا لتعهد أعطيته للجنة التنفيذية العربية قبل مغادرتي فلسطين في شهر حزيران المنصرم، تباحثت في أثناء وجودي بإنكلترة مع وزير المستعمرات بشأن إجراء تغييرات دستورية في فلسطين، غير أني سأؤجل هذه المباحثات مع حكومة جلالته بسبب الحوادث الأخيرة.
ولكي أضع حدًّا للأخبار الملفقة التي ذاعت أخيرًا حول موضع حائط المبكى (البراق) أعلن لعموم الأهالي بأنني عازم - وحكومة جلالته موافقة - على تطبيق المبادئ التي ينطوي عليها الكتاب الأبيض الصادر في 19 تشرين سنة 1928 بعد تقرير الطرق لتطبيقها.
صدر هذا اليوم الأول من شهر أيلول سنة 1929،

المندوب السامي والقائد العام
ج. ر. تشانسلور
على إثر بيان المندوب السامي أبرقت إليه اللجنة التنفيذية العربية في فلسطين البيان التالي:
اطّلع عرب فلسطين بدهشة عظيمة على منشور فخامتكم الصادر في 1 أيلول 1929، ولم يكن أحد منهم يتوقع أن يرى (إغفال) الحقائق التي عرفها القاصي والداني، والتي اعترفت بها الحكومة وهي:
1.    أن أكثر اليهود كانوا مسلحين من أنفسهم.
2.    أن الحكومة قد سلَّحت عددًا منهم.
3.    أنه لا يوجد في قتلى اليهود تمثيل أو تشويه حتى في الخليل كما يؤيد هذا تصريح إدارة الصحة العامة البريطانية في فلسطين.
4.    أن بعض قتلى العرب قد مثَّل اليهود بهم.
5.    أن جموع اليهود قد قتلت نساء وأطفالاً من العرب على الانفراد.
6.    أن اليهود هم الذين بدأوا في قتل النساء والأطفال من العرب.
7.    أن الجنود البريطانية النظامية قتلت النساء والأطفال والرجال من العرب في بيوتهم وعلى فرشهم في قرية صور باهر وغيرها.
8.    أن اضطرابات فلسطين السابقة والحالية إنما هي ناشئة مباشرة عن السياسة البريطانية الصهيونية التي ترمي إلى إفناء القومية العربية في وطنها الطبيعي لكي تحل محلها قومية يهودية لا وجود لها.
كل هذه الحقائق لم يكن أحد من العرب يتوقع إغفالها في منشور صادر على عجل وسابق لأوانه، وتعلمون فخامتكم أن عرب فلسطين قد خسروا كل شيء من جراء هذه السياسة الصهيونية فلا يهمهم أي زيادة في الخسارة، وعليه فإن الجنود البريطانية ستجدهم عُزَّلاً من السلاح عند إنزال أي ضربة بهم، فإن كان لم يزل ثمة عدالة يحق للعرب أن يطلبوا نصيبهم منها، فهم يلحون بطلب إجراء تحقيق نزيه من قبل أشخاص من خارج فلسطين، لا يتأثرون أثناء قيامهم بواجبهم نحو العدالة بالنفوذ الصهيوني.
وإن التحقيقين اللذين أُجريا في فلسطين في ظروف مماثلة سابقة من قبل لجان بريطانية قد أظهرا للملأ مطالب العرب الحقة ومقاصدهم القومية النبيلة، كما أظهر مصائبهم السياسية.
إن العرب يعتقدون كل الاعتقاد أن تحقيقات نزيهة كتلك ستروي للعالم حكاية حالهم الآن في هذه الاضطرابات الحاضرة رواية أكثر صدقًا مما صورتموه للعالم في منشوركم الصادر قبل إعطاء العرب فرصة لاستماع صوتهم، وعندئذ يرى العالم أن اليهود الذين تجاوزوا التحرش السياسي إلى الديني، والذين أصبح تحرشهم في المدة الأخيرة مما لا يحتمل - كما صرَّحت بهذا الحكومة - والذين كانت أعمالهم الفظيعة في هذه الاضطرابات ينطبق عليها كلام فخامتكم في منشوركم بحق العرب، هم المسؤولون أولاً عن الاضطرابات الحالية السياسية...
وإن مثل هذا المنشور كان ينبغي إصداره بعد إجراء التحقيقات التي ينشدها العرب وليس قبل إجرائها، فلذلك نحن نتأكد أنكم لو أعدتم النظر في الحالة الحاضرة لوصلتم إلى حكم عادل.
في 28 ربيع الأول سنة 348 الموافق 2 أيلول 1929
رئيس اللجنة التنفيذية العربية
موسى كاظم الحسيني
الأمناء
مغنم إلياس مغنم      عوني عبد الهادي        جمال الحسيني

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer