الجمعة، 6 سبتمبر 2013

حدث في الثلاثين من شوال

 
في الثلاثين من شوال من سنة 491 توفي في بغداد، عن 93 عاماً، الشريف طِراد بن محمد بن علي الهاشمي العباسي الزينبي، الملقب بأبي الفوارس، نقيب النقباء، ومسند العراق في عصره.
والزينبي نسبة  إلى المعمرة زينب بنت سليمان بنت علي بن عبد الله بن عباس‏، ابنة عم المنصور العباسية، ورأت عدة خلفاء، أولهم ابن عمها السفاح، ثم المنصور، ثم المهدي، ثم الهادي، ثم الرشيد، ثم الأمين، ثم المأمون، وكان يكرمها ويجلها، وبقيت إلى سنة بضع عشرة ومئتين.
ونسبه هو: طراد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي.
ولد في بغداد سنة 398 لأسرة عريقة في بني هاشم تولت نقابة الأشراف كابراً عن كابر.
فوالده محمد بن علي ولي نقابة بني هاشم سنة 384 وبقي فيها حتى وفاته سنة 427 عن 61 عاماً، ورثاه الشريف الرضي، وله رواية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف والده ستة من الأولاد كلهم من كبار محدثي بغداد واتسموا جميعاً بالصلاح والتقوى، وتسنموا مكانة عالية بين فقهاء المذهب الحنفي في تلك الفترة، وكان أخوه الحسين الملقب بنور الهدى رئيس الحنفية في زمانه، وولي نقابة الطالبيين والعباسيين شهورا، ثم تنازل عنها إلى الشريف طراد.
سمع الشريف طراد الزينبي الحديث من كبار محدثي بغداد، وتولى نقابة العباسيين بالبصرة فترة ثم انتقل إلى بغداد، وطال عمره وانفرد بالرواية عن أكثر شيوخه وحدث بالكثير، وأملى الحديث سنين في جامع المنصور ببغداد، وكان يحضر مجلس إملائه جميع أهل العلم من أصحاب الحديث والفقهاء، ولم ير ببغداد منذ زمن مثل مجالسه، وأملى كذلك بمكة والمدينة مجالس حديثية سنة 489، ويقول المحدثون عن أمثاله من المعمرين: ألحق الصغار بالكبار في رواية الحديث، وحدث عنه خلق كثير من مشارق الأرض ومغاربها.
ساد الشريفُ طراد الزينبي أهلَ زمانه رتبة، وعلواً، وفضلا، ورأياً، وشهامة، وكان أعلى أهل بغداد منزلة عند الخليفة، ولي نقابة النقباء في بغداد سنة 453 ولُقِبَ بالكامل ذي الشرفين، وكان محل ثقة الخليفة الذي أرسله في مراسلات عديدة إلى السلاطين والملوك، ففي سنة 453 خطب السلطان السلجوقي طُغرلبك ابنة الخليفة القائم بأمر الله بعد موت زوجته، وكانت امرأة سديدة عاقلة، وأوصته بذلك قبل موتها، وامتنع الخليفة في البداية لأنه لم تجر العادة بمثل هذا الزواج لمكان الخلافة والنسب الشريف، وأرسل الخليفة النقيب طراد إلى السلطان لعله يستطيع التخلص من ذلك.
وفي سنة 554 بذل فخر الدولة أبو نصر بن جهير، وزير نصر الدولة بن مروان الكردي في ميافارقين، مالاً كثيراً ليتولى وزارة الخليفة ببغداد فأجيب إلى ذلك، وأرسل الخليفة طراد الزينبي إلى ميافارقين كأنه رسول، فلما عاد سار معه ابن جهير كالمودع له ثم انسل معه إلى بغداد.
وفي سنة 463 خطب محمود بن صالح بن مرداس بحلب لأمير المؤمنين القائم بأمر الله، وللسلطان ألب أرسلان، وتحولت الدولة من شيعية إلى سنية، فأرسل الخليفة إليه خلعاً مع نقيب النقباء طراد بن محمد الزينبي.
وفي سنة 465 أرسله الخليفة القائم رسولاً إلى السلطان السلجوقي ملكشاه إثر وفاة والده طغرل بك يستجلب رضاه لحاكم الموصل، وتوافق ذلك مع معركة خاضها السلطان ضد عمه في همذان، فشهدها النقيب وتعرضت فيها خيمه للنهب في طور من أطوار المعركة، ولكن ذلك لم يمنعه من أن يعقد مجلساً لرواية الحديث في أصفهان، ولما احتُضِر القائم سنة 467 كتب ولاية العهد للمقتدي، فلما توفي جلس المقتدي للبيعة، وكان من أول من بايعه النقيب طراد الزينبي، وفي سنة 482 حج وزير الخليفة، فاستناب ابنه ونقيب النقباء طراد بن محمد الزينبي.
ولد للشريف طراد ولدٌ وهو في الرابعة والستين أسماه علياً، تدرج في المناصب فولي نقابة النقباء ثم استوزره الخليفة المسترشد بالله سنة 523، وكان من العقلاء العارفين بسياسة الملك وتدبيره، ولم يوزر للخلفاء من بني العباس هاشمي غيره، ولما صارت الخلافة إلى المقتفي لأمر الله حدثت بينهما وحشة كان سببها اعتراضه على الخليفة في شؤون أمر بها، فاستقال سنة 534 ولزم بيته يتعبد الله ببغداد إلى أن توفي بعد أربع سنوات عن 76 عاماً.
وله ابن آخر هو محمد بن طراد كان كذلك من أهل الرواية وتولى نقابة الهاشميين وتوفي سنة 546.
كان طراد شيخاً وسيماً، حسن اليقظة، سريع الفطنة، جميل الطريقة في الرواية، فَقِهاً في جميع ما حدث به،  وكان أحضر الناس جواباً وأحسنهم نادرة وأكثرهم مروءة، مع سداد وكفاية وشهامة، وكانت له الحرمة التامة والمنزلة الرفيعة، ومُتِّع بسمعه وبصره وقوَّته إلى آخر أيامه.
وقال المحدث الرحالة أبو علي الصدفي الأندلسي، الحسين بن محمد: كان الشريف الزينبي أعلى أهل بغداد منزلة عند الخليفة، وكنا نبكر إليه، فيتعذر علينا السماع منه والوصول إليه، وعند بابه الحجاب، ولعل زيَّ بعضهم فوق زيه، وكنا نقرأ عليه وهو يسمع، إذ ليس مثله ما يُرَدُّ، وربما اتبعناه ونحن نقرأ عليه إلى أن يركب.
 

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer