الجمعة، 13 مارس 2015

حدث في الثاني والعشرين من جمادى الأولى

في الثاني والعشرين من جمادى الأولى من عام 1298 الموافق 21 أبريل 1881 انسحبت القوات البريطانية من مدينة قندهار في أفغانستان بعد احتلال لها دام قرابة 8 أشهر، ويعد الانسحاب نهاية الحرب الأفغانية البريطانية الثانية، التي بدأتها بريطانيا في سنة 1878 على أمير أفغانستان شير علي خان بسبب ميوله لروسيا، والذي وافته المنية في أثناء الحرب، وانجلت الحرب عن عزل خليفته وابنه يعقوب خان وتنصيب ابن عمه عبد الرحمن خان أميراً  على أفغانستان.
وهنا نتوقف قليلاً ونعود القهقرى من أجل رؤية أشمل ولنستعرض تسلسل الأحداث في هذا البلد وكيف نال استقلاله في الحقبة التي تلت القرون الوسطى.
كان شاه إيران نادر شاه قد استولى في سنة 1151= 1738  على كابل ومن قبلها هراة ثم قندهار وأخضع بذلك أفغانستان كلها لنفوذه بعد أن كانت تابعة للدولة المغولية في الهند، وكانت هذه المناطق أراضي قبيلة الأبدال الكبيرة والتي اتبع معها نادر شاه سياسة الاستعياب والتعاون، فجند أعداداً كبيرة من أبنائها في جيشه، وكانوا من أعوانه المقربين وأمرائه المخلصين، وسبب هذا أنه كان قد اجتث نفوذ رجال الدين الشيعة في إيران، وكانت له تطلعات لتعديل المذهب الشيعي بما يمهد لانخراطه في جسم الأمة الإسلامية الكبير، وكان لذلك يتوجس من الفرس خشية أن يكونوا تحت تأثير هؤلاء الشيوخ، وقد قضى نادر شاه حياته محارباً، ومات غيلة في سنة 1160=1747 في خراسان وهو يقمع تمرداً لقواته هناك.
وانتهز فرصة مقتل نادر شاه أحدُ أبناء قبيلة الأبدال الأفغانية الذي كان من كبار قواد نادر شاه وهو أحمد خان، وكان في فرقة قوامها أبناء قبيلته من الأبدالية، فسار إلى قندهار ونادى بنفسه أميراً على البلاد واتخذ لقب دُرّ دُرِّاني أي درة الدرر، ومنذ ذلك اليوم غلب لقب دراني على قبيلته وعلى تلك الحقبة من تاريخ أفغانستان.
ومن عاصمته قندهار تحرك أحمد شاه شرقاً فانتزع من مملكة نادر شاه على كل الأراضي الواقعة شرقاً حتى نهر السند، ثم استولى بعدها على هراة، ثم توالت فتوحاته في الهند ضد الممالك السيخية والإمبراطورية المغولية فضم إلى مملكته لاهور وملتان وكشمير، واحتل دلهي، وكان رجلاً يتسم بالحلم والسياسة فوطد سلطانه بين القبائل بالمحبة ولم يرهقهم بالضرائب بل اعتمد على غنائم الحروب ووزع كثيراً منها على مقاتليه وزعماء القبائل، فأحبته العامة واعتقدوا أنه مؤيد بنصر الله ومنحوه اللقب المحبب: بابا، وتوفى سنة 1187=1773 وخلفه ابنه الأمير تيمور شاه.
وحكم تيمور شاه أفغانستان 20 سنة، ونقل عاصمته من قندهار إلى كابل، لأن القندهاريين استصغروه في بداية حكمه، وواجه تيمور محاولات من أمراء السند وبخارى للاستيلاء على بعض أراضي مملكته أفشلها جميعاً، وتوفي سنة 1207=1793 وقد اضمحل عنفوان المملكة وأصبح السيخ في إقليم ملتان في الهند لا يخفون أطماعهم فيها، وفي نفس الوقت بدأت عشيرة الباركزائي الأبدالية تقوى ويشتد نفوذها.
ولم يعين تيمور شاه في حياته ولياً لعهده من بين أبنائه الأربع والعشرين، ولم يترك وصية بالملك لأحد منهم، فدخل أولاده في صراعات متتالية للاستيلاء على الحكم، وعصفت بالبلاد من بعده قلاقل وفتن انتهت بتمكن ابنه زمان شاه من الاستيلاء على الحكم بعد أن هزم منافسَيه وأخويه همايون أمير قندهار ومحمود أمير هراة الذي فر إلى فارس.
وأراد زمان شاه توسعة مملكته فاتجه شرقاً لغزو الممالك السيخية، ولكن فاته مراعاة التطورات التي طرأت في المنطقة، فقد صارت الهند أهم موقع تجاري للمصالح البريطانية التي كانت متمثلة في شركة الهند الشرقية، واعتبرت الشركة غزوات شاه زمان تهديداً لنفوذها وللاستقرار الذي تنشده في الهند، فحفزَّت عليه فتحَ علي شاه في إيران على أمل أن يثنيه التهديد الإيراني عن غزو البنجاب، ومضى فتح شاه لأكثر مما أرادته بريطانيا فقد أراد إقامة حكومة تابعة له في أفغانستان، ولذا جهز جيشاً لأمير هراة الهارب محمود، وتقدم هذا الجيش فاحتل قندهار ثم تقدم إلى كابل، فعاد زمان شاه من غزواته في الهند إلى أفغانستان، ولكنه هزم ووقع أسيراً في يد أخيه محمود شاه في سنة 1215=1800 الذي أمر بسمل عينيه وسجنه في كابل، وأعلن نفسه أميراً على أفغانستان.
والحقيقة أن أفغانستان منذ الاحتلال البريطاني للهند وقعت ضحية التجاذب بين الهند البريطانية من الشرق وبين روسيا من الشمال، وصارت أراضيها وقبائلها محور التدافع بين دولتين استعماريتين قويتين تتنازعان السيادة والنفوذ في أواسط آسيا، وقد حاول حكام أفغانستان بنجاح متفاوت أن يجعلوا من هذا التجاذب أداة لتدعيم استقلال البلاد وإقامة التوازن بين السياستين المتنافستين، ولكن حماية حدود الهند من الغزو الروسي كانت لدى بريطانيا أهم مما هي المطامع لدى روسيا، ولذا كانت بريطانيا تحرص دائماً على أن تكون راجحة النفوذ والكلمة في أفغانستان ولم تتردد في استخدام القوة لإبقاء أفغانستان خارج التفوذ الروسي.
واستولى القائد السيخي رانجيت سينغ على لاهور في سنة 1799فأقره عليها زمان شاه، ولكن سينغ ما لبث أن أعلن نفسه مهراجا على البنجاب، ولما أراد التوسع شرقاً اصطدم بالإنكليز فوقع معهم اتفاقية أمريتسار  سنة 1809، وبدأ في التوسع شمالاً وغرباً على حساب الأفغان، فاستولى في سنة 1818 على ملتان ثم لاهور ، وبحلول سنة 1820 كان قد قضى تماماً على النفوذ الأفغاني في وادي كشمير وأقام دولة متكاملة الأركان تضم في حكومتها وجيشها السيخ والهندوس والمسلمين.
لم يكن محمود ملكاً حازماً مدبراً، فقد التفت إلى الترف والملذات، وترك مقاليد البلاد بيد وزيره فتح خان الباركزائي، وبسبب ميله للمذهب الشيعي نفرت منه قلوب العلماء، وكان ذلك فرصة لأخيه شجاع أن يستولي على بشاور ويعلن نفسه أميراً على البلاد، وقامت ثورة شعبية ضد محمود شاه ألقته في السجن، وفي سنة 1218=1803 دانت البلاد لشاه شجاع باستثناء قندهار التي بقيت فترة من الزمن في يد قمران بن محمود يؤيده الوزير فتح خان، ثم ما لبث أن استولى عليها وسجن الوزير فتح خان.
ولم يستطع شاه شجاع أن يعيد الاستقرار والأمن إلى البلاد، فلم يخضع له زعماء المناطق وبدأ بعضهم في النزوع للاستقلال، وفي نفس الوقت تعاظمت قوة الزعيم السيخي رانجيت سينغ، وصار التهديد السيخي من الشرق أخطر من أي فترة مضت، وفي تلك الفترة شاع أن الإمبراطور الفرنسي نابليون الأول والإمبراطور الروسي إسكندر الأول قد تحالفا على غزو الهند وتقاسمها، فبادرت بريطانيا إلى إنفاذ سفير إلى شاه شجاع في كابل وعقدت معه في سنة 1224=1809 تحالفاً لمواجهة الغزو المحتمل تعهد فيه ألا يسمح للقوات الأجنبية بعبور بلاده، وبعد ذلك بقليل تمكن أخوه محمود شاه من الفرار من سجنه في كابل، وانضم إليه الوزير فتح خان الذي هرب كذلك من سجنه في قندهار، وتمكنوا من جمع قوات كافية أنفقوا عليها من أسلاب قافلتين تجاريتين استولوا عليها، وتقدم محمود إلى قندهار واستولى عليها بعد معركة ضارية، ثم حشد جيشاً أكبر وسار نحو شاه شجاع في كابل، وفر شاه شجاع إلى الهند ودخل محمود كابل في سنة 1225=1810 وأصبح أمير البلاد من جديد.
ولجأ شاه شجاع إلى الإمبراطور السيخي رانجيت سينغ ومعه الألماسة الضخمة كوهينور التي قدمها لسينغ مقابل أن يساعده لاسترجاع عرشه، ولكن سينغ ماطله في ذلك ليقوم بتقوية سلطانه، فما لبث أن تركه ولجأ إلى البريطانيين في سنة 1816.
وحكم محمود البلاد مدة 21 سنة، كانت فيها مقاليد الحكم بيد الوزير فتح خان، فاستعان بإخوته وعشيرته، وجعلهم في عليا المناصب، وجعل أخاه محمد أعظم والياً على كشمير، وجعل أخاه دوست محمد قائد الجيش، وأثار هذا غيرة كامران الإبن الأكبر للملك محمود فسمل عيني الوزير وأودعه السجن، فخاف أخوه دوست محمد وهرب إلى أخيه أعظم خان الوالي على كشمير، وطلب محمود شاه من الوزير السجين أن يأمر أخوته بالطاعة للملك محمود فرفض متذرعاً أنه لا سلطان له عليهم، فأمر محمود شاه بقتله وتقطيعه أشلاء.
وجمع دوست محمد قواته من كشمير واستولى على بشاور فكابل في سنة 1235=1818، وخضعت له مدن أفغانستان ولم يبق في يد محمد سوى هراة وإن كان لبضع سنوات، وانتهز فرصة الاضطراب جيران أفغانستان فاستولى أمير بخارى على بلخ، وهي اليوم مزار شريف، واستولى السيخ على مناطق ما وراء نهر الهندوس، وأعلنت مقاطعات السند وبلوشستان استقلالها.
وهنا انتهت الحقبة الدُرَّانية وبدأت الحقبة الباركزائية، أو المحمدزائية نسبة لمحمد الجد الأكبر للقبيلة، فقد أعلن دوست محمد نفسه أميراً على أفغانستان في سنة 1826، وحاول أن ينتزع بشاور من رانجيت سينغ، فأعلن الجهاد وحشد الجيوش، ولكن قواده خانوه وانفضوا من حوله لأن سينغ استطاع بث الفرقة في صفوف الأفغان.
وفي سنة 1253=1838 حاصر شاه إيران محمد القاجاري هراة بتأييد من روسيا، وكان البريطانيون يعتبرون هراة مفتاح الهند، فاعتبروا حصارها تمهيداً لوقوع أفغانستان تحت النفوذ الروسي، فقاموا بعقد التحالفات مع أمراء هراة وقندهار، وجاءت إلى كابل بعثة بريطانية يرأسها الكابتن الكساندر بيرنز لعقد اتفاق مماثل مع دوست محمد، ورحب به دوست محمد طامعاً في أن يساعده البريطانيون في استرجاع بشاور التي كانت قضيته الأولى، ولكن بيرنز لم يعده بذلك فامتنع دوست محمد عن توقيع أي اتفاق ما لم يكن ثمنه معادلاً لما يتعرض له من الضغوط الإيرانية والروسية التي ستزداد إن هو وقع الإتفاق مع بريطانيا، فما كان من الكابتن بيرنز إلا أن عاد أدراجه إلى الهند تحت ذريعة أن دوست محمد استقبل مبعوثاً روسياً ليتباحث معه في تحالف بديل ولذا فإن الاتفاقية المقترحة صارت غير ذات مغزى.
وهكذا بدأت الحرب الأفغانية البريطانية الأولى، فقد قرر اللورد اوكلاند الحاكم العام للهند أن ميول دوست محمد لروسيا لا يمكن غض النظر عنها، وقرر غزو أفغانستان وإعادة شاه شجاع للحكم، فأعد حملة عسكرية جنودها من الهنود وضباطها من الإنكليز تكبدت خسائر باهظة جداً قبل أن تتمكن من احتلال قندهار في أول سنة 1255= 1839، ثم تلتها غزنة فكابل حيث توج شاه شجاع من جديد أميراً على أفغانستان، وهرب دوست محمد إلى بلخ ثم إلى بخارى حيث ألقى به أميرها في غيابة السجن.
ولكن ذلك لم يوفر الأمان للمحتل البريطاني، فما كان الأفغان ليقبلوا باحتلال الأجنبي الكافر لبلادهم، وماكانوا ليقبلوا أن يفرض عليهم المحتل أميرهم، ولذا لم تتوقف الهجمات على الجيش البريطاني المحتل، واستطاع دوست محمد أن يهرب من سجنه ويعود إلى أفغانستان ليقود المقاومة، ويحقق الانتصار تلو الانتصار، ولكنه سلم نفسه للبريطانيين في رمضان 1256= 1840 عندما أخذوا أفراد أسرته كرهائن، فنفوه وأسرته إلى الهند.
ولكن الجهاد الأفغاني لم يتوقف وأدرك البريطانيون أن تكاليف بقائهم في أفغانستان غير مجزية، فقد هددت ماليةَ الهند بالاستنزاف المبالغُ التي كانوا يدفعوها لرؤساء القبائل ليأمنوا جانبهم، فأوقفوا دفعها ناقضين وعودهم ومفاقمين في استياء الأفغان منهم واحتقارهم لهم، وقرر البريطانيون أن ينسحبوا وتباحثوا في ذلك مع أكبر خان ابن دوست محمد، ولكن المبعوث البريطاني السير وليام ماكنغتن قُتِل أثناء خلاف شجر في المفاوضات، وانسحب البريطانيون من كابل في 23 ذي القعدة من سنة 1257 الموافق 6 كانون الثاني/يناير 1842، فانقض عليهم الأفغان المتربصين يلاحقونهم وقتلوا أغلب جنود الحملة الذين بلغ عددهم حوالي 4.500 جندي و12.000 معاون وخادم، وقتل الأفغان كذلك شاه شجاع الذي أتى به البريطانيون ليحكم البلاد.
وما كانت بريطانيا لتترك هذا التحدي يمر دون استعراض لقوتها، فعادت واحتلت كابل بعد 6 أشهر، ولكن الكارثة أطاحت باللورد اوكلاند فعُزل من منصب الحاكم العام في الهند، وجاء مكانه اللورد ألنبوروه ومن ضمن مهامه أن يقوم بالانسحاب من أفغانستان، وهكذا رجع دوست محمد إلى كابل في سنة 1258=1842 وحكم أفغانستان مدة 20 سنة بسط فيها سلطانه بالتدريج ففتح قندهار سنة 1855 ثم بلخ والشمال في سنة 1859 ثم هراة قبل شهر من وفاته في سنة 1279=1863، وأعاد دوست محمد العلاقات مع بريطانيا ووقع معها معاهدتي صداقة في سنتي 1855 و1857 وتضمنت أن تدفع له بريطانيا مليون روبية سنوياً وأن يسمح لها بوجود سفارة في كابل، ويقال إن جمال الدين الأفغاني كان مقرباً من دوست محمد بل العقل المدبر لحكومته.
وخلف دوست محمد ابنه الثالث شير علي خان الذي دخل في نزاع مع أخويه الأكبر فانتزعوا الحكم منه في سنة 1282=1866، ولكنه استعاده بعد سنتين ونيف في سنة 1285=1868 واستقرت له الأمور على الصعيد الداخلي، ولكنه واجه مشاكل كبيرة على الصعيد الخارجي، ذلك إن بريطانيا تعاونت معه في البداية وأمدته بالسلاح، واتبع شير علي سياسة الحياد بين الدولتين الكبيرتين المتنافستين اللتين أطبقتا على بلاده؛ روسيا من الشمال وبريطانيا جنوباً في الهند، ولكن بريطانيا لم ترض عنه واعتبرته واقعاً تحت النفوذ الروسي ولا يمكن الوثوق به، واحتلت كويتا في سنة 1876، فكان من الطبيعي أن تسوء علاقاته مع بريطانيا ويميل إلى روسيا التي استقبل منها بعثة في كابل في حين رفض بعض الشروط التي اشترطتها بريطانيا لإرسال بعثة مماثلة، وبسبب ذلك قررت شن الحرب عليه واحتلال أفغانستان بادئة الحرب الأفغانية البريطانية الثانية.
وقامت بريطانيا في سنة 1878بشن هجوم من ثلاث شعب أعدت له إعداداً جيداً مستفيدة من إخفاقاتها وهزائمها السابقة، ولما حل الشتاء خيمت في جلال آباد، أما شير علي فترك ابنه يعقوب خان نائباً عنه في كابل وذهب إلى تركستان ليطلب من الروس مساعدته، فنصحوه بالتفاهم مع البريطانيين ومصالحتهم، وتوفي شير علي في أثناء الرحلة في مزار شريف في 28 من صفر سنة 1296= فبراير 1879، وقد بلغ من العمر 55 سنة، وخلفه ابنه يعقوب خان.
وأجرى يعقوب خان مفاوضات مع المندوب البريطاني بيير لويس نابليون كافانياري، الإيطالي الأصل، تكللت بمعاهدة  گندُمك في أيار/مايو سنة 1879، واعترفت فيها بريطانيا بيعقوب خان أميراً على أفغانستان، ووافق هو على أن يكون لبريطانيا سفارة دائمة في كابل وأن يبني علاقاته الخارجية مع الدول الأخرى وفقاً لرغبات ونصائح الحكومة البريطانية، وانسحبت بناء على ذلك القوات البريطانية من كابل ولكنها ما لبثت أن عادت فقد وقع حادث قلب الموازين كلها، وعادت معه الحرب الأفغانية البريطانية.
ذلك أن الحكومة البريطانية كافأت كافنياري بأن جعلته المندوب البريطاني المقيم في كابل، وكان متغطرساً يميل للمجازفة، وحدث تمرد لبعض الجنود الأفغان هاجموا على إثره دار كافنياري وقتلوه مع مرافقيه في في 16 رمضان سنة 1296= 3 أيلول/سبتمبر 1879، وقامت بريطانيا على إثر ذلك بإرسال جيش من الهند يقوده الجنرال روبرتس تمكن في غضون شهرين من احتلال كابل في تشرين الأول/أكتوبر 1879، وأجبر يعقوب خان على التخلي عن عرش أفغانستان ونفاه إلى الهند حيث مات فيها سنة 1923.
وفي غياب الملك قامت حركة جهادية شعبية ضد الغزاة تزعمها الغازي محمد جان ورد وضمت 10.000 مجاهد واستطاعت أن تحاصر قوة بريطانية في شيربور، ولكنها افتقدت التخطيط الطويل المدى فاستطاع البريطانيون إضعافها وشل فاعليتها.
وتغيرت الحكومة البريطانية إلى حزب الأحرار فعزلت اللورد ليتّون من منصب نائب الملك في الهند وأرسلت مكانه اللورد ريبون مع تعليماتها له بالانسحاب من أفغانستان، وفي تلك الأثناء جاء من بخارى حيث كان لاجئاً الأمير عبد الرحمن خان، وهو حفيد الملك السابق دوست محمد وابن عم الملك السابق شير علي، وكان قد لجأ إليها سنة 1869 عقيب عودة شير خان للحكم، فانتهز فرصة الحرب وخلو كرسي المُلك ورجع إلى كابل في سنة 1880، فرحب به الناس وانتخبه أمراء القبائل أميراً على أفغانستان، واتصلت به بريطانيا واتفقت معه على الانسحاب من أفغانستان.
ولكن أيوب خان أخا الملك المعزول يعقوب خان وأمير هراة أعد جيشاً من 10.000 مجاهد لقتال البريطانيين، فأرسل البريطانيون لاعتراضه قوة من 1.500 جندي بريطاني وهندي ومعهم رديف من الأفغان، ووقعت المعركة في ميوند قرب قندهار ودارت الدوائر على البريطانيين فقد انضم جنودهم الأفغان إلى أيوب خان، وقاتل الهنود قتال الخائف المتوجس، فانسحب البريطانيون إلى قندهار والأفغان في إثرهم فلم يصل منهم إلى القوات البريطانية في قندهار سوى أقل من 500، وسار وراءهم أيوب خان وحصر الجميع في قلعة قندهار، ولم تجد محاولات البريطانيين المحصورين في فك الحصار.
وأرسلت القيادة البريطانية قوتين لفك الحصار واحدة من كابل والثانية من كويتا، وفي نفس الوقت تابعت مخططاتها للانسحاب من أفغانستان، واشتبك البريطانيون مع أيوب خان وكسروه، وفر أيوب خان إلى فارس، وانسحبت القوات البريطانية من قندهار في الثاني والعشرين من جمادى الأولى من عام 1298، كما أسلفنا في بداية المقال.
وأمضى الأمير عبد الرحمن بضع سنين حتى استتبت له الأمور في داخل البلاد، وكانت بريطانيا قد انشغلت في حرب البوير في جنوب أفريقيا، وبدرت من روسيا بوادر أطماع في أفغانستان وبخاصة هراة، فاتجه عبد الرحمن لتنظيم جيش حديث أمدته بريطانيا بكثير من أسلحته وذخائره، وأنشأ بعض المصانع العسكرية، وكان يطمح في أن يجعل من أفغانستان قوة عسكرية مخيفة تستطيع تجنيد مليون جندي عند النفير، ونظَّم الإدارة الحكومية في أفغانستان وأدخل إليها كثيراً من الوسائل المستحدثة، وحدَّث الجباية الضريبية ورشّد الإنفاق الحكومي، وأنشأ أول مستشفى حديث في تاريخ أفغانستان.
ومن ناحية أخرى عُرف عبد الرحمن بالأمير الحديدي لاستعماله القوة المفرطة في فرض سلطة وسطوة الحكومة المركزية على القبائل وبخاصة الهزارة الشيعة، إلا أنه كان من الحكمة بحيث ترك القبائل وشأنها فيما يتعلق بتقاليدها القبلية في معاملة الجناة واللصوص وفك الخصومات، ولكنه أجبر سكان مقاطعة كافرستان، بلد الكفار، على اعتناق الإسلام وغير اسمها إلى نورستان أي بلد الزهر، وفي سنة 1319=1901 توفي عبد الرحمن عن 57 سنة بعد أن حكم أفغانستان 21 سنة اتسمت بالاستقرار في ظل إدارة ساهرة حازمة، ولذا يعده كثير من المؤرخين مؤسس أفغانستان الحديثة.
وفي عهد عبد الرحمن تحددت حدود أفغانستان كما هي اليوم، فقد تفاوض مع الروس واتفق معهم على معالم الحدود الأفغانية الروسية وتحديدها، واتفق كذلك مع بريطانيا على خط الحدود بين أفغانستان وبين الهند في سنة 1893 مع بعثة جاءته إلى كابل ترأسها السير مورتيمر دوراند، ولذا عُرفت الحدود باسم خط دوراند، وقد تنازل عبد الرحمن في هذه الاتفاقية عن مناطق قطنتها منذ مئات السنين القبائل الأفغانية التي دانت بالولاء لكابل، وقسم خط الحدود الذي رسمته بريطانيا قبائل البشتون الأفغانية على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية التي لم تقبل بها ولم تحترمها إلى هذا اليوم هذه القبائل الشديدة المراس.
وتجلية لشخصية الأمير عبد الرحمن وأسلوبه في الحكم، نورد جانباً من وصية قيمة أوصى بها ابنه وولي عهده حبيب الله خان: يجب عليك يا بني أن تتمسك بمبادئ دينك الشريف، فتجعل له المقام الأول، وتنظر للواجبات الخاصة به قبل نظرك إلى أشغالك وسياستك، لتكون قدوة حسنة في التقى والدين لكافة أفراد رعيتك، واعلم أن نجاح البلاد وفلاحها متوقفان على الثروة، وأن الثروة والنفوذ لا يدرَكان بغير وسائط الزراعة والتجارة والصناعة، وأن هذه الوسائل تحتاج في ترقيتها وتنجيحها إلى التعليم والتربية، ويلزمك أن تعتقد أن من أقدس الواجبات عليك هو أن تبعث في نفوس رعيتك ميلاً إلى التربية والتعليم، عامِلْ رعيتك باللطف والمحبة الأبوية إذ هذا العمل يزيد في محبتهم لك ويجعلك أسمى مكانة في أعينهم، ولكن لا يجب أن تعامل الأجانب بمثل هذه المعاملة الأبوية لأنها تزيد في جسارتهم ووقاحتهم، ولا تمكِّن الأجانب من فرصة ينالون بها حقًّا من الحقوق أو نفوذًا كيف كان، لأنك لو ملكتهم قليلاً من الفرصة فإنك تمهد لهم الطريق إلى خراب مملكتك وضياع بلادك.
وليكن من أول الواجبات التي تكلف نفسك بها: حماية مصالح رعاياك في كل حال من الأحوال، واعلم أنه يلزمك أن تكون قواتك الحربية على قدم الاستعداد كأنما تريد أن تزحف بها في الغد إلى ساحة القتال لمحاربة دولة أقوى منك جأشًا وأكثر عددًا وعِدَدًا، واعلم أن من أول الضروريات أن يكون الجيش دائما على أهبة الاستعداد التام مع زيادة الذخائر في زمن السلم لأنه من الصعب أن تزود جيشك بما يكفيه في زمن الحرب، واعلم أن بيت المال ملك الأمة، وليس الأمير إلا الحارس الأمين على ما فيه، فإذا ابتدأ الحاكم يصرف المال المودع عنده على مصالحه ومطالبه الخصوصية؛ فإنه يكون خائنًا لمن ولوه الأمانة، وسلموه القيادة، والخائن لا قيمة له في أعين الأمة مطلقًا، ويبغضه الله والناس أجمعون، ويجب أن يكون بيت المال دائمًا ممتلئًا لأن ضعف الحكومة يظهر في قلة مالها أكثر من ظهوره في شيء آخر، ويلزمك أن تدقق في المصروفات والإيرادات، وكل ما يزيد يضم إلى بيت المال بالتوالي.
وقد رثى مصطفى صادق الرافعي الأمير عبد الرحمن بقصيدة منها:
   يافاجعَ الموت ماذا ينفع الحذر... وقد عهدناك لا تبقي ولا تذر
يا لهف كابل إذ فاجأتَ كافلَها... وقد تركتَ قلوب القوم تنفطر
وجئتَ ضيغمها الضاري بمخلبه... فلم يواثبك ذاك الضيغم الهصر
كم كان يزجي المنايا للعدا زمرًا... حتى بُعثن له من ربه الزمر
وكان يأتيه ريب الدهر معتذرًا... فاليوم عنه صروف الدهر تعتذر
سلوا المآثر عنه فهي خالدة... في كل قلب له من حبه أثر
طارت بنعيك للإسلام بارقة... فانهل دمع بني الإسلام ينهمر
وجاء بعد عبد الرحمن ابنه حبيب الله خان في سنة 1901، وكان في الثامنة والعشرين من عمره، واتسم حكمه الذي دام 18 عاماً بتوطد النفوذ البريطاني في أفغانستان وتضاؤل النفوذ الروسي إلى أعظم حد، وكانت بريطانيا تمده سنوياً بمبلغ 160.000 جنيه، ولما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 حافَظَ حبيبُ الله على صداقته مع بريطانيا، وقاوم كل مسعى بذلته العناصر المعادية لبريطانيا لتحريضه على دخول أفغانستان الحرب مع ألمانيا وتركيا وضد بريطانيا وحلفائها، وكان من بين هذه العناصر ابنه الثالث: أمان الله خان، ومن وراءه أبو زوجته ثريا المولودة في دمشق لأم سورية؛ محمود بك الطرزي صاحب جريدة سراج الأخبار التي كان لها تأثير كبير في النخبة الأفغانية.
ورغم انتهاء الحرب العالمية الأولى في آخر سنة 1918 بانتصار المعسكر البريطاني واستسلام ألمانيا، إلا أن حبيب الله سقط ضحية لها حين اغتاله أحد المعادين لبريطانيا في أوائل سنة 1919، وخلفه أخوه نصر الله، ولكن أولاد أخيه تمردوا عليه وعزلوه وتبوأ عرش أفغانستان أمان الله خان.
واستجاب أمان الله خان للمشاعر الوطنية الأفغانية وشن في أيار/مايو 1919 الحرب الأفغانية البريطانية الثالثة، والتي دامت شهراً ولم تنته بنتائج بينة على أرض المعركة لصالح أي طرف، إذ كانت بريطانيا لا تزال تلعق الجراح التي خرجت بها من الحرب العالمية الأولى، فمالت للحل السلمي وتفاوضت مع أمان الله حتى توصل الطرفان لمعاهدة راولبندي في سنة 1337=1919 والتي عدلت في سنة 1921، والتي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال أفغانستان الخارجي والداخلي؛ واعترفت أفغانستان فيها بالحدود الهندية الأفغانية القائمة؛ ونصت كذلك على تبادل التمثيل السياسي والقنصلي، وفي أثناء تفاوضه الأول مع بريطانيا قام أمان الله بعقد اتفاقية صداقة مع الاتحاد السوفياتي الذي انبثق عن الثورة البلشفية، وكانت أفغانستان من أوائل الدول التي اعترفت بالحكومة السوفياتية ومهد ذلك لنشوء علاقة خاصة بين البلدين دامت حتى آخر سنة 1979 عندما احتل الاتحاد السوفياتي أفغانستان.
وفي سنة 1923 ترك أمان الله خان لقب أمير أفغانستان الذي درج ملوكها على استعماله لقرون، وتلقب بالملك، وفي سنة 1927 قام الملك أمان الله مع زوجته الملكة ثريا برحلة رسمية خارجية بدأت في الهند ثم مصر، وفوجئ المسلمون في مصر، وهم المتأثرون بجمال الدين الأفغاني، أن ملك الأفغان يرتدي القبعة الأوربية، وأن الملكة ثريا كانت سافرة في الوقت الذي كانت فيه زوجة الملك فؤاد تلتزم الحجاب ولا تشارك في المناسبات الرسمية.
وسافر أمان الله من مصر إلى إيطاليا، حيث التقى بموسوليني، وفرنسا وإنكلترا وألمانيا، ثم روسيا فاستقبله حلفاؤه البلاشفة أعظم استقبال، وأبرم في موسكو معاهدة أفغانية روسية تجارية جديدة، وأبدى أمان الله أثناء رحلته اهتماماً عظيماً بمظاهر الحضارة الغربية، ولم يخف نيته في الاقتباس منها لبلاده بأعظم قدر، والعمل على تجديد أفغانستان ودفعها إلى طريق الحضارة الغربية بأسرع ما يستطاع، ولم تخف زوجته الملكة ثريا نيتها في العمل على تعليم المرأة الأفغانية وتحريرها، وكان لهما في ذلك تصريحات رنانة، والطريف أن الصحف الأوربية اهتمت برحلة الملك أمان الله وأغدقت الثناء على برنامجه الإصلاحي، ولكن حماستها فترت مذ شدَّ أمان الله رحاله إلى موسكو، وأن الصحف البريطانية بخاصة أخذت تحمل على سياسته، وتنتقد زيارته لموسكو وتورطه في محالفة البلاشفة، ومن موسكو ذهب أمان الله إلى تركيا والتقى بأتاتورك وتأثر بما رأى في تركيا من مظاهر التجديد الأوربي، وعرج على إيران والتقى  فيها برضا شاه الذي كان قد توج قبل سنتين ملكاً على إيران، وكان لديه مثل أتاتورك برنامج للتغيير التغريبي القسري.
وفور عودته إلى أفغانستان بدأ أمان الله خان في تنفيذ برنامجه الذي شمل كل مناحي الحياة، والذي تضمن على الصعيد السياسي إلغاء مجلس الشورى الذي يضم كبار علماء الإسلام ومشايخ القبائل، وإنشاء مجلس نيابي ينتخب أعضاؤه، وإلغاء سلطات الأشراف والمشايخ، وفرض الضرائب العامة المنظمة والخدمة العسكرية الإجبارية على كل أفغاني.
وعلى الصعيد الاجتماعي قلَّد أمان الله أتاتورك في قسر الشعب على تبني مظاهر التمدن الأوربي، وكانت وراءه تدفعه زوجته الملكة ثريا الغريبة التي لم تفهم روح الشعب الأفغاني الذي أصبحت ملكته، فأصدر طائفة من القوانين الاجتماعيةالجديدة ترمي إلى تحرير المرأة وسفورها، وإلغاء تعدد الزوجات، ورفع سن الزواج، وإلزام الأفغان بلبس القبعة والثياب الأوربية، ووقعت هذه القوانين وقع الصاعقة على الشعب الأفغاني الذي مارس تعاليم الإسلام الدينية والاجتماعية عبر قرون طويلة وصارت لها فيه هيبة ورسوخ، وقابل علماء الإسلام وزعماء القبائل محاولة تبديد سلطانهم العريق المستقل بكل استهجان ومقاومة، ولم تمض أشهر قلائل حتى سرى ضرام الثورة في صفوف الشعب الأفغاني الحر الذي حطم من قبل كل سلطان حاول إرغامه على ما لا يرضى، فكيف بمن أراده أن ينخلع من دينه وتقاليده.
نشبت الثورة بادئ بدئ في الشرق في منطقة جلال أباد، ثم امتدت بسرعة مدهشة إلى المناطق الأخرى، واستطاع أمان الله أن يهزم الثوار في البداية ورجحت كفته عليهم، واعتقد أنه أصبح سيد الموقف، ولكن الحوادث تفاقمت بسرعة وامتدت الثورة إلى الجيش، وزحف الثوار على العاصمة الأفغانية بقيادة ثائر من أصل طاجكي هو باشا السقا، وحاول أمان الله عبثاً أن يهدئ الثورة بإلغاء القوانين الجديدة التي أصدرها، فلما رأى أنها لن ترضى به بعد اليوم، تنازل عن العرش لأخيه الأكبر عناية الله الذي وجد أنه أضعف من أن يواجه تيار الثورة، ففر ناجياً بنفسه، ودخل باشه السقا كابول ظافراً، وتربع على العرش باسم حبيب الله الثاني في أوائل سنة 1929.
ولما رأى أمان الله خروج الملك من أسرته، عاد عن تنازله عن العرش، وجمع فلوله وحاول السير إلى كابل، ووقعت بينه وبين خصومه معارك عديدة انتهت بهزيمته، فانسحب من الميدان أخيراً وفر مع زوجته وأسرته في مايو سنة 1929 إلى الهند ومنها إلى أوربا منفياً طريداً حيث مات في زيوريخ سنة 1960.
ولم يطل الأمر بحبيب الله الثاني، فقد التف أبناء عمومة أمان الله حول واحد منهم هو السردار محمد نادر خان، المولود سنة 1300= 1883، وكان قائد الجيش ووزير الحربية في حكومة أمان الله خان، ثم اعتزلها عندما بدأت القوانين التغريبية، واصطفت القبائل وراء نادر خان وأعلنت رفضها لحبيب الله، وما لبثوا أن هزموه وأعدموه في سنة 1348=1929، ورفض نادر شاه  بعد انتصاره أن يعلن نفسه ملكاً على البلاد وانتظر حتى انعقد مجلس الشورى المكون من المشايخ وزعماء القبائل وانتخبه بالإجماع.
ولم يدم حكم نادر شاه سوى 4 سنوات استطاع فيها لململة أمور البلاد وإقناع بعض القبائل القوية لتقبل بسلطة الحكومة المركزية، وكان متواضعاً يميل إلى البساطة فأحبته العامة واحترمته الخاصة، وأصدر في سنة 1931 دستوراً جديداً خلا من كل ما من شأنه المساس بالشعائر والرموز الدينية والقبلية،  وبذل نادر خان جهوداً صادقة للإصلاح المعتدل الذي يناسب أوضاع البلاد، فتراجع عن ربط بلاده اقتصاديا بالاتحاد السوفياتي، وأصلح العلاقات مع بريطانيا التي أعادت سفارتها إلى كابل، وفتح جامعة كابل ودعا إليها الشاعر محمد إقبال ليستفيد من نصائحه، ولما بدا أن البلاد تتجه نحو الاستقرار والتقدم جرى اغتيال نادر شاه أثناء حضوره مباراة رياضية مدرسية في منتصف سنة 1352=1933 على يد شاب من أسرة تشركي ثأراً لزعيم كان من أبنائها كان نادر شاه قد أمر بإعدامه لتآمره عليه في سبيل إعادة الملك أمان الله.
وكان مخططو الاغتيال يتخيلون أن مقتل الملك سيثير الاضطرابات في أنحاء البلاد، وأن القبائل التي قمع تمردها ستتحرك من جديد فتسود الفوضى في البلاد، وبذلك تسنح الفرصة لعودة الملك أمان الله من منفاه، وأدلى أمان الله بتصريح إثر مقتل نادر خان أعلن فيه استعداده لخدمة البلاد متى طُلب منه ذلك.
ولكن خابت آمال المتآمرين بفضل حنكة وتدبير السردار محمود خان وزير الحربية وأصغر إخوة الملك نادر شاه، فقد تصرف بسرعة مبدياً تضحية وحكمة سياسية بعيدة المدى، ونادى على الفور بأن يكون ملك البلاد ظاهر شاه الولد الوحيد للملك القتيل، وكانت وراثة الملك من حق إخوة الملك، وكانوا ثلاثة، ولكن محمود خشي أن يتنازع أخوته على العرش ويودي هذا باستقرار البلاد الحرج، فحسم الأمر خلال ساعة من مقتل نادر شاه، ودعا الوزراء والقادة والزعماء إلى القصر حيث بايعوا ظاهر شاه ملكا على أفغانستان مكان أبيه وهو لما يبلغ العشرين من عمره.
ولم تكن مقاليد الأمور في الحقيقة في يد ظاهر شاه بل كان أعمامه وأقاربه هم الذين يتحكمون بمقاليد الأمور من خلال منصب رئيس الوزراء، واتبعت الحكومة الأفغانية سياسة حذرة محافظة في أول 20 سنة من حكم ظاهر شاه الذي دام 40 سنة، وكانت أهدافها هي تمتين وحدة البلاد وتنميتها اعتماداً على الأموال الأفغانية، وحافظت على حياد أفغانستان التقليدي أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 1949 أجرى رئيس الوزراء شاه محمود انتخابات نيابية حرة في أفغانستان ومنح الصحافة قدراً كبيراً من الحرية، وأدى ذلك لبروز النخبة الأفغانية الداعية إلى الأخذ بمظاهر الحضارة الغربية، وهو ما أدى بدوره لاستياء الزعماء الدينيين والقبليين، فانتهز ذلك المقدم محمد داود خان، زوج أخت الملك وابن عمه، وأطاح بالبرلمان واستلم هو رئاسة الوزراء في سنة 1953.
وبقي داود رئيساً للوزراء مدة 10 سنوات، أدخل فيها عديداً من الإصلاحات المعنية بمظاهر الحضارة الغربية، فسمح بالاختلاط ونزع الحجاب، وكان ذلك مبلغ إصلاحاته التي لم تتناول حرية الرأي والمعارضة، فقد كان قاسياً أشد القسوة على كل من عارضه، وعلى الصعيد الخارجي يمم داود وجهه تلقاء الاتحاد السوفياتي ليحصل منه على المعونة الاقتصادية والعسكرية، ليصبح الشريك التجاري والتنموي الأكبر لأفغانستان، ومع ذلك رفضت حكومة داود أن تنجر لصراعات الحرب الباردة بين الغرب وروسيا، وبقيت أبوابها مفتوحة للمساعدات الغربية التي جاء أغلبها من أمريكا.
كانت أكبر مشكلة خارجية واجهتها أفغانستان في تلك الحقبة بعد استقلال الباكستان هي مشكلة قبائل البشتون الذين كانوا يرغبون أن يلحقوا بإخوتهم في أفغانستان، والذين كان ولاءهم للدولة الباكستانية الوليدة محل شك كبير في كراتشي، وعلى خلاف من سبقوه شجع داود البشتون في الطرف الباكستاني على إثارة القلاقل والاضطرابات، وقد يكون لعلاقته بالاتحاد السوفياتي دور في هذا رداً على تحالف باكستان الوثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقامت الباكستان بإغلاق حدودها مع أفغانستان قرابة سنة ونصف ولم تفتحها إلا بعد سقوط حكومة داود خان بسبب ما عانته أفغانستان من جراء ذلك.
وبعد رحيل داود بدأ ظاهر شاه يحكم البلاد حقيقة، فسار بها نحو الحكم الملكي الدستوري، وفي سنة 1964 وافقت الجمعية العمومية الأفغانية على دستور جديد للبلاد يتضمن مجلس نيابياً منتخباً ومجلس شورى منتخب ومعين، وأجريت الانتخابات على أساس الدستور الجديد في سنتي 1965 و1969 وأظهرت نتائجها الاستقطاب الحاد في المجتمع الأفغاني بين النخبة المتغربة والإسلاميين التقليديين، وبدلا من أن تسير البلاد على قلب رجل واحد أضحت الساحة السياسية حلبة مصارعة للتيارات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حتى إن الملك غيّر رؤساء الوزارة 5 مرات خلال 7 سنوات، وإزاء هذا الصراع المستمر تقاعس الملك في تنفيذ كثير من المؤسسات والإجراءات التي تضمنها الدستور ومنها على سبيل المثال المحكمة الدستورية العليا.
ودخلت البلاد في حالة من الركود السياسي الذي انتهزه محمد داود خان فقام بانقلابه في  6 جمادى الآخرة من سنة 1393=7 تموز/يوليو 1973 وأطاح بالملك ظاهر شاه وألغى الملكية، وأعلن جمهورية أفغانستان التي حكمها بالتعاون مع الضباط والموظفين المنتمين إلى حزب بارشام، أي الراية، اليساري، وكان منصبه فيها رئيس اللجنة المركزية للجمهورية ورئيس الوزراء، وهكذا انتهت الحقبة البركزائية من تاريخ أفغانستان.
وحكم داود أفغانستان كأي طاغية يساري سلاحه البطش والقتل، وعدوه الأول الإسلام ورجال الدين، وما لبث بعد فترة أن أبعد حلفاءه اليساريين وجمع حوله المتملقين والمنافقين من أسرته  وعشيرته، فأدى هذا إلى اتحاد الحزبين اليساريين، خلق والراية، بعد افتراقهما، وعلم بذلك داود فأراد اعتقال حفيظ الله أمين زعيم حزب خلق، ولكن حفيظ الله دبر على عجل مع اعضاء حزبه في الجيش انقلابا أطاح بداود الذي لقي مصرعه مع عدد من أفراد عائلته، وأعلن الانقلابيون قيام جمهورية أفغانستان الديمقراطية في 19 جمادى الأولى من عام 1398= 27 نيسان/أبريل 1978.

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer