الجمعة، 14 فبراير 2014

حدث في الثالث عشر من ربيع الآخر

 
في الثالث عشر من ربيع الآخر من عام 1290، الموافق 10حزيران/يونيو 1873، أصدر السلطان العثماني عبد العزيز فرماناً يتعلق بتوارث بطريقة الحكم في أفراد أسرة محمد علي الكبير في مصر، وجعل المرسوم السلطاني الحكم الوراثي ينتقل عبر أكبر الأبناء بعد أن كان ينتقل عبر أكبر الإخوة، وحصره في أولاد الخديوي إسماعيل، وألحق الفرمان مديرتي سواكن ومصوَّع وملحقاتهما بالدولة التي كانت تشمل مصر والسودان، وسمح للخديوي بالاقتراض الخارجي دون الرجوع للدولة العثمانية، وهذا نص الفرمان:
فمن المعلوم لديكم أنكم استدعيتم منا جمع الخطوط الهمايونية والأوامر الشريفة السلطانية التي صدرت منذ توجيه الخديوية الجليلة بطريق التوارث إلى عهدة والي مصر الاسبق محمد علي باشا المرحوم إلى يومنا هذا، سواء كانت بخصوص تعديل توارث الخديوية المصرية، أو بخصوص إعطاء بعض امتيازات حسبما استوجبها موقع الخديوية وأمزجة الأهالي وطبائعها الخصوصية، وجعلها فرمانا واحدا مع التعديلات اللازمة في أحكامها والتفصيلات المقتضية في عباراتها، بشرط أن يكون هذا الفرمان الجديد قائم مقام الفرمانات السابقة وأن تكون الأحكام المندرجة فيها معمولا بها ومرعية الإجراء على الدوام والاستمرار، فقد قورن استدعاؤكم هذا بمساعدتنا الجليلة، وها نحن نذكر ونبين لكم أحكامها على الوجه الآتي:
لما تحقق لدينا أن تعديل أصول توارث الخديوية المصرية التي صار تعيينها بالفرمان العالي الصادر في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول من شهور سنة 1257، 26 مارس 1841، الموشح أعلاه بالخط الهمايوني وتبديلها بأصول حصر الوراثة الخديوية في أكبر أولاد خديو مصر بطريق سلسلة النسب المستقيم بأن يصير تخصيص مسند الخديوية الجليل وتوجيهه إلى أكبر أولاد الخديو الذكور، وبعده إلى أكبر أولاد هذا الأكبر الذكور، وهكذا على النسب المستقيم الذكوري على الدوام، يكون مستلزما لحسن إدارة الخديوية المصرية، وجالبا لاستكمال سعادة أحوال أهاليها وسكانها، هذا مع ماحصل لدينا من استحسان مساعيكم الجميلة المصروفة في استحصال معمورية الأقطار المصرية المهمة الجسيمة، ورفاهية أهاليها، وحصول وثوقنا بكم، واعتمادنا الكامل عليكم، فلأجل أن يكون دليلا باهرا على ذلك، قد أجرينا تعديل توارث الخديوية المصرية وتعيين وصايتها على الطريق الآتي بيانها:
وهي أن خديوية مصر الجليلة وملحقاتها وجهاتها المعلومة الجارية إدارتها بمعرفتها مع ما صار إلحاقها بها أخيرا من قائمقاميتي سواكن ومصوع وملحقاتهما، يصير توجيهها بعدكم على الطريق المار ذكرها إلى أكبر أولادكم الذكور، وبعده إلى أكبر أولاد من يكون خديويا على الأقطار المصرية من أولادكم.
وإذا انحلت الخديوية المصرية بأن لا يكون للخديو ولد ذكر يصير توجيهها إلى أكبر إخوته الذكور، و إذا لم يوجد له أخ بقيد الحياة فإلى أكبر أولاد الأخ، وهكذا تتخذ هذه الاصول قانونا مستمرا وقاعدة مرعية أبدية في توارث الخديوية المصرية، ولا يصير انتقال الوراثة الخديوية إلى الأولاد الذكور المتولدة من أولادكم الإناث أصلا.
ولأجل تامين أصول توارث الخديوية المصرية سنذكر صورة تشكيل الوصاية المقتضية في إدارة أمور الخديوية فيما إذا انحلت الخديوية وكان الوارث الذي هو أكبر أولادكم الذكور صغيرا وصبيا ،وهي أن الخديوية المصرية إذا انحلت وكان أكبر أولادكم الذكور، أعني الوارث، صغيرا وصبيا، بأن يكون عمره أقل من ثمانية عشر سنة، ولو أنه يصير خديو بالفعل حسب استحقاق الوراثة، ففي الحال يصدر فرمان من طرف السلطنة السنية بتوليته على الخديوية.
لكن إذا كان الخديو السالف عيَّن ونصب وصياً، ورتب هيئة وصاية لأجل إدارة أمور الخديوية لحين بلوغ الخديو اللاحق الصبي إلى سن الثامن عشرة سنة، وكتب سند وصاية بذلك وختم عليه هو، وختم أيضا اثنان من الأمراء المصرية المأمورين بأحدى المأموريات المصرية، على طريق الإشهاد وإجراء الوصاية هكذا، فالوصي مع هيئة الوصاية المذكورة يأخذ بزمام الإدارة في الحال، وبعد ذلك تعرض الكيفية إلى الباب العالي ويصير التصديق على ذلك الوصي وهيئة الوصاية من طرف الدولة العلية بفرمان عال، ويبقى الوصي وهيئة الوصاية على ما هم عليه لحين البلوغ.
وأما إذا انحلت الخديوية، ولم يعين الخديو السالف وصيا، ولم يرتب هيئة الوصاية على الوجه المذكور، تتشكل هيئة الوصاية من الذوات المأمورين على الداخلية والجهادية والمالية والخارجية ومجلس الأحكام المصرية وسردارية العساكر المصرية وتفتيش الأقاليم، ويصير انتخاب وصي في الحال من هؤلاء المأمورين على الوجه الآتي، وهو أنه في تلك الساعة تصير المذاكرة والمداولة ما بين هؤلاء الذوات في حق انتخاب وصي منهم، فإذا حصل اتفاقهم أو اتفاق أكثرية آرائهم على تسمية وجعل واحد منهم وصيا، يتعين ذلك الشخص وصيا على الخديوية، و إذا اختلفت الآراء بأن رغب نصفهم في تعيين شخص، والنصف الآخر في تعيين شخص آخر، يكون الوصي على الترتيب المحرر آنفا من الداخلية إلى آخره، وتتشكل هيئة الوصاية من الأشخاص الباقين بعده، ويباشرون إدارة الأمور الخديوية مع الوصي، وتعرض الكيفية بمضبطة من طرفهم إلى طرف سلطنتنا السنية، ويصير التصديق عليها بالفرمان الشريف.
وكما أنه لا يجوز تبديل الوصي وتغيير هيئة الوصاية قبل ختام مدتها في الصورة الأولى، أعني فيما إذا كان تعيين الوصي وترتيب الوصاية وتركيب اعضائها بمعرفة الخديو السالف، فكذلك في الصورة الثانية، أعني فيما إذا كان انتخاب الوصي بمعرفة المأمورين المذكورين، لا يجوز تبديل الوصي، ولا تغيير هيئة الوصاية ولا أعضائها في تلك المدة، وإذا توفي أحد من أعضاء هيئة الوصاية في ظرف تلك المدة، يصير انتخاب واحد من المأمورين المصرية بمعرفة الباقين، وتعيينه بدل المتوفي، وإذا توفى الوصي في تلك المدة، يصير انتخاب واحد من أعضاء هيئة الوصاية بمعرفتهم على الوجه السابق، وجعله وصيا، وانتخاب واحد من المأمورين المصرية وإلحاقه بأعضاء هيئة الوصاية بدل الذي نصب وصيا.
وبمجرد بلوغ الخديو الصبي إلى سن الثامن عشرة سنة صار رشيدا وفاعلا مختارا، فيباشر هو بنفسه إدارة أمور الخديوية المصرية مثل سلفه، وهذا حسبما تقرر لدينا واقتضته ارادتنا الملوكية.
ولما كان تزايد عمران الخديوية المصرية وسعادة حالها وتأمين رفاهية الأهالي والسكان وراحتها من اهم المواد الملتزمة المرغوبة لدينا، وإدارة المملكة الملكية والمالية ومنافعها المادية وغيرها المتوقف عليها تأسيس واستكمال وسائل الرفاهية وأسبابها عائدة على الحكومة المصرية، فنذكر بيان كيفية تعديل الامتيازات وتوضيحها بشرط بقاء كافة الامتيازات المعطاة قديما وحديثا من طرف الدولة العلية إلى الحكومة المصرية واستمرار جريانها خلفا عن سلف.
وتلك الكيفية هي أنه لما كانت إدارة المملكة بكل الصور والحالات سواء كانت إدارتها الملكية أو المالية أو كافة منافعها المادية وغيرها هي من المواد العائدة على الحكومة المصرية والمتعلقة بها، ومن المعلوم أن أمر إدارة أي مملكة كانت وحسن انتظامها وتزايد معموريتها وثروة اهاليها وسكانها لا يتيسر إلا بتوفيق معاملاتها وتطبيق إجراءآتها العمومية بالأحوال والمواقع وأمزجة الأهالي وطبائعها، فقد أعطينا لكم الرخصة الكاملة في أعمال قوانين ونظامات داخلية على حسب لزوم المملكة، وكذا لأجل تسهيل تمشية وتسوية كافة المعاملات سواء أكانت من طرف الحكومة أو من طرف الأهالي مع الأجانب، وترقي وتوسع الصنائع والحرف وأمور التجارة وأمور الضبطية مع الأجانب، قد أعطينا لكم الرخصة الكاملة في عقد وتحديد المقاولات والمعاهدات مع مأموري الدولة الأجنبية في حق الكمرك وأمور التجارة وكافة المعاملات الجارية مع الأجانب في أمور المملكة الداخلية وغيرها بصورة لا تستلزم إخلال معاهدات الدولة العلية البولتيقية السياسية.
وكذا لكون خديو مصر حائز التصرفات الكاملة في الأمور المالية، قد صار إعطاء المأذونية التامة له في عقد استقراض من الخارج بلا استئذان من الدولة العلية في أي وقت يرى فيه لزوم للاستقراض، بشرط أن يكون باسم الحكومة المصرية، وكذا لكون أمر محافظة وصيانة المملكة الذي هو الأمر المهم والمعتنى به زيادة عن كل شيء من أقدم الوظائف المختصة بخديو مصر، فقد أعطيت له الرخصة الكاملة في تدارك كافة أسباب المحافظة وتأسيسها وتنظيمها بنسبة إلجاءآت الزمن والموقع، وكذا في تكثير أو تقليل مقدار العساكر المصرية الشاهانية بلا تحديد على حسب الإيجاب واللزوم
وكذا ابقينا لخديو مصر الامتياز القديم في حق إعطاء رتبة أميرالاي من الرتب العسكرية، واعطاء رتبة ثانية من الرتب الديوانية، بشرط أن المسكوكات الجاري ضربها بمصر تكون باسمنا الملوكي، وأن تكون أعلام وصناجق العساكر البرية والبحرية الموجودة في الخطة المصرية كأعلام وصناجق سائر عساكرنا الشاهانية بلا فرق، وبشرط عدم إنشاء سفن زرخ أي مدرعة بالحديد فقط بدون استئذان لا غيرها من السفن الحربية، فإنها جائز إنشاؤها بلا استئذان.
ولأجل إعلان المواد المشروحة أعلاه وتأييدها أصدرنا لكم أمرنا هذا الجليل القدر من ديواننا الهمايوني بمقتضى إرادتنا الملوكية وصار توشيح أعلاه بخطنا الهمايوني وإعطاؤه لكم متمما ومكملا ومصرحا للخطوط الهمايونية والأوامر الشريفة الصادرة لحد هذا التاريخ سواء كان في تأسيس وترتيب وراثة الحكومة المصرية، أو في تشكيل هيئة الوصاية، أو في إدارة الأمور الملكية والعسكرية والمالية والمنافع المادية والمواد السائرة، بشرط أن تكون الأحكام المندرجة بهذا الفرمان الجديدة نافذة وباقية ومرعية الإجراء على ممر الزمان، وقائمة مقام أحكام الفرمانات السالفة على ما اقتضته ارادتنا الملوكية.
فيلزم أن تعلموا قدر لطف عنايتنا الملوكية، وأداءَ شكرها بصرف جل هممكم في حسن إدارة أمور الخطة المصرية، واستكمال أسباب وقاية أمنية الأهالي المنوطة بها واستحصال راحتهم، على حسب ما جُبِلتم عليه من الشيم المرغوبة والغيرة والاستقامة، وما اكتسبتموه من الوقوف والمعلومات في أحوال تلك الحوالي والأقطار، وأن تراعوا إجراء الشروط المقررة في هذا الفرمان الجديد، وأداء المئة وخمسين ألف كيسة التي هي ويركو، أي ضريبة، مصر المقطوع سنويا بأوقاتها وزمانها إلى خزينتنا الجليلة الشاهانية، على الترتيب والقاعدة المرعية في ذلك.
هذا هو الفرمان الذي رفع كثيراً من القيود التي كانت مفروضة على حاكم مصر منذ أن قاد والد الخديوي إسماعيل؛  إبراهيم باشا، في أيام والده محمد علي الحملة العسكرية التي استولت على بلاد الشام ووصلت حتى قونية وكادت أن تطيح بالخلافة العثمانية، بل إن الفرمان جعل من حكام مصر فئة فريدة حين منحها، بدلاً من لقب الوالي، لقب الخديوي الذي لم يتمتع بها غيرهم من ولاة وملوك التي خضعوا لسلطان الدولة العثمانية، وهي كلمة مشتقة من كلمة تعني السيد أو الأمير باللغة الفارسية.
وإسماعيل باشا المولود سنة 1246=1830، هو ثاني أولاد إبراهيم باشا المتوفى سنة 1264=1848، عن 59 سنة، بعد أن تربع على عرش مصر مدة 40 يوماً، وتلاه ابن أخيه عباس بن طوسون الذي حكم مدة 6 سنين حتى وفاته مقتولا بيد خدمه سنة 1270=1854، فتلاه عمه محمد سعيد بن محمد علي باشا الكبير الذي دام حكمه 7 سنين حتى وفاته سنة 1279=1863، حيت تلاه ابن أخيه إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي الكبير، وهذا التنقل في ولاية العهد في أكبر الذكور من أسرة محمد علي، يظهر لنا أحد الأسباب وراء تغيير نظام الوراثة إلى أكبر أبناء الحاكم، وبالطبع فإن السبب الأهم هو الطمع البشري، كما سيتبين لنا من شخصية الخديوي إسماعيل.
درس إسماعيل باشا في القاهرة، وتعلم فيها اللغات العربية والتركية والفارسية والرياضيات والطبيعيات، ثم أصيب برمد فأرسله أبوه إلى فيينا ليعالج من رمد أصابه، وقضى فيها عامين فى التعليم، ثم انتقل في سنة 1848 إلى باريس، وانضم إلى البعثة المصرية الخامسة ليدرس في الكلية العسكرية العليا في سان سير قرب باريس، وأتقن الفرنسية حتى كان يتكلمها كأحد أبنائها.
ولم تكن العلاقات بينه وبين ابن عمه عباس على مايرام، فلما تولى الحكم عباس رحل إسماعيل إلى الآستانة فعينه السلطان عبد المجيد، وهو أول سلطان يتحدث الفرنسية، عضوا بمجلس أحكام الدولة العثمانية وأنعم عليه بالباشوية، ثم عاد إلى مصر فى عهد عمه سعيد حيث تولى رئاسة مجلس الأحكام، وأوفده سعيد فقابل نابليون الثالث فى باريس والبابا بيوس التاسع حيث قوبل بالترحاب، ثم تولى  منصب سردار الجيش المصرى، وعهد إليه سعيد بإخماد تمرد بعض القبائل فى السودان , فقام بالمهمة دون أن يسفك قطرة دم واحدة.
تولى إسماعيل الحكم بعد وفاة سعيد فى 28 رجب سنة 1279=1863، وكانت أبرز إنجازاته عمه سعيد ما أدخله من إصلاحات على نظام الجباية الضريبية ونظام الملكية الزراعية، وهو الذي منح في عام 1856 ترخيص قناة السويس للشركة الفرنسية التي قام عليها دليسبس.
كان إسماعيل شديد الطموح، فهو أشبه في ذلك بجده محمد علي الكبير، وأوحى له حب العظمة أن يتشبه بفرنسة في مظاهر النهضة والرقي، فكان أن سعى أن يتخلص من إسار الولاية إلى عظمة الملك، وأن يستكمل استقلال مصر، ليصير أسوة بالدول الأوربية في كل شيء، حتى إنه قال: إن بلادي ليست من أفريقية ولكنها جزء من أوربة! ولئن اعتمد جده في مساعيه الاستقلالية على القوة العسكرية، فإن إسماعيل اعتمد على الدبلوماسية القائمة على إغداق المال على أولي الشأن وأصحاب القرار.
وساعدت إسماعيل عدة عناصرأولها أنه والسلطان العثماني عبد العزيز في نفس السن، ولديهما نفس الإعجاب الشديد، بل الانبهار بالغرب وبخاصة فرنسة، وبين تولي كل منهما الحكم سنة ونصف، وكلاهما يميل للبذخ والإنفاق وبخاصة على المباني والعمران، وتزعم بعض المصادر أن والدته هي خالة السلطان عبد العزيز.
وثاني هذه العناصر أنه استفاد من معرفته برجال القصر السلطاني الذين عاش بينهم، فأغرقهم بالهدايا الراشية لتسهيل اتخاذ القرار وعدم إبداء أي رأي معارض لما يريد، ونذكر أنه قد قدم للصدر الأعظم فؤاد باشا مبلغ 60.000 جنيه ليبذل مساعيه لدى السلطان لاستصدار هذا الفرمان.
وثالث هذه العناصر أن إسماعيل ما أن تولى على مصر حتى سافر إلى استانبول لتقديم الولاء شخصيًا للسلطان عبد العزيز، ولدعوته لزيارة مصر، وجاء السلطان بعد حوالي شهرين  مع ابنه يوسف وولي عهده مراد وأخيه عبد الحميد الثاني، واستمرت الزيارة 10 أيام لقي فيها السلطان من الحفاوة والاحترام والهدايا ما يفوق التصور، ويقال إن الهدايا وحدها بلغت حمولة سفينة بأكملها، وتيمناً بالزيارة أطلق اسم عبد العزيز على الشارع المعروف في القاهرة من العتبة حتى ميدان عابدين، وتوطدت عرى الصداقة بينه وبين إسماعيل الذي أنعم عليه السلطان بسيف الشرف العثماني.
ولما دعا الإمبراطور نابليون الثالث السلطان عبد العزيز إلى باريس لحضور معرضها العام في سنة 1284=1867، سافر إسماعيل باشا إلى باريس ليكون فيها حين قدوم السلطان إليها، وبقي في معيته إلى أن عاد إلى استانبول.
ورابع هذه العناصر أن الخديوي إسماعيل أرسل بطلب من السلطان عبد العزيز جيشاً من مصر في سنة 1867 شارك في قمع تمرد السكان اليونان في جزيرة كريت، وأنجز المهمة بنجاح.
ولعل أبرز ما في هذا الفرمان من الناحية العملية، بعيداً عن الألقاب، إطلاق يد حاكم مصر في الاستدانة بعيداً عن رقابة أو موافقة استانبول، ولا يعني هذا أن إسماعيل لم يقترض قبل هذا المرسوم، وكانت ديون مصر عند استلامه الحكم 3 ملايين جنيه، وهو مبلغ لم يكن من الصعب سداده على دولة مثل مصر غنية بزراعتها، ولما كان إسماعيل يريد إنجاز مشاريعه التنموية والعمرانية الغث منها والسمين في أقصر فترة ممكنة، فقد اضطر إلى تمويلها بالاقتراض لأن خزينة الدولة ما كانت لتتحمل مثل هذا الإنفاق الكثير في وقت قصير، وبخاصة أن القطن الأمريكي بدأ ينافس القطن المصري وتسبب في هبوط أسعاره.
قام إسماعيل بعدد من المشاريع العامة ففي أيامه أوصلت أسلاك البرق وسكك الحديد إلى بلاد السودان، وأقيمت المنارات في البحر الأحمر، وأنشئ المتحف المصري ودار الكتب المصرية، وتألفت شركات المياه والغاز في القاهرة والإسكندرية،  ولكنه كان متلافاً للمال في بناء قصوره وتأثيثها وتجميلها، وفي حفلاته وأفراحه ومراقصه، ورحلاته وسياحاته، وأهوائه وملذاته، بنى نحو ثلاثين قصراً من القصور الفخمة، وكان دائم الرغبة في التغيير والتبديل، وكان بعض القصور التي يبنيها لا يكاد يتم بناؤها وتأثيثها حتى يعرض عنها ويهبها لأحد أنجاله أو حاشيته.
ومما يدعو إلي الأسف أن أمواله التي كانت تتدفق ذات اليمين وذات الشمال لم يكن ينال المصريين منها إلا النزر اليسير، بالنسبة لما ينال الأجانب الطامعين الذين كانوا يحيطون به ويشملهم بثقته ورعايته، فكم من الفرنسيين والإيطاليين والإنجليز كانوا تعساء في بلادهم، ثم نالوا بعد أن هبطوا مصر الرخاء والنعيم، وصاروا من أصحاب الملايين.
وقد تم في عهد إسماعيل افتتاح قناة السويس في سنة 1869، بعد 11 سنة من بدء العمل فيها، والذي سُخِّر له عشرات الألوف من عامة المصريين، وتوفي فيه ألوف منهم، فأقام إسماعيل احتفالات دعى إليها ملوك أوروبا وتكلف عليه الأموال الطائلة، وبنى من أجله دار الأوبرا الخديوية في ستة أشهر، ودفع للموسيقار الإيطالي فيردي مبلغ 150.000 فرنك ذهبي ليؤلف أوبرا عايدة، عدا ما تكلفته من ملابس وتأثيث وزينة استقدمها من باريس، ولكنها لم تصل في الوقت المناسب، فاستعيض عنها بأوبرا أخرى..
ولم يكتف إسماعيل بأحلام العظمة من حيث العمران والسرف، بل طمح أن يوسع حدود دولته، أسوة بجده محمد علي باشا، ولكن شتان ما بين الجد والحفيد، فقد كان محمد علي يجند جميع مرافق البلاد لخدمة جيوشه والإنفاق عليها، وكانت هذه الجيوش تجلب له ما تجلب من المغانم والأسلاب، ولكن إسماعيل كان يستدين وينفق على حملاته، وكانت هذه الحملات تأخذ دائماً ولا تعطي شيئاً.
ولئن اتجه جده إلى فلسطين والشام ، فإن إسماعيل اتجه إلى التوسع جنوباً في أفريقية، وتحدث عن إقامة وحدة أفريقية تشمل حوض نهر النيل من المنبع إلى المصب، ولذا أعطته الدولة العثمانية مصوع وسواكن، فتوسع منهما للداخل، ووصل بعد السودان إلى البحيرات العظمى في إقليم خط الاستواء وأوغندة، وأدى هذا إلى اصطدامه مع الحبشة في معارك باهظة التكاليف، في وقت كانت الخزانة المصرية تأن تحت وطأة الديون، وحققت حملات إسماعيل نجاحات مبدئية، ثم انتهت بالهزيمة واضطر للانسحاب منها إلى حدود ما منحته الدولة العثمانية، وقد جعلته حملاته الإفريقية منافساً مباشراً للتوسع الاستعماري الأوربي في شرق ووسط أفريقية، ولذا أصبحت الدول الأوربية تتوجس منه وتود احتوائه وكبت طموحه.
ولذا فإن هذا الفرمان كان لعنة على مصر وعلى إسماعيل من الناحية المالية، فقد أطلق يده ليقترض بفوائد باهظة ناءت بدفعها ودفع أقساطها الخزانة المصرية، وفي البداية كانت الفائدة الاسمية للقروض تتراوح بين 6 و 7%، ثم بدأت البنوك والمقرضون في رفع الفائدة حتى وصلت إلي 12 و18 و26 و27%، ولم تكن قيمة القروض تصل كاملة إلي الخزانة، بل كان أصحاب البيوت المالية والمرابين يخصمون منها مبالغ طائلة لحساب المصاريف والسمسرة والفوائد، وما إلى ذلك، وهكذا بحلول سنة 1876 بلغت ديون مصر 126 مليون جنيه.
ومثله مثل الغارق في الديون لم يكن إسماعيل يدقق أو يعارض في الحسابات التي يقدمها له الماليون والسماسرة، وقد أحصى بعض الماليين الفرنسيين مقدار ما تسلمه الخديوي من القروض فبلغ 54 مليوناً من الجنيهات تقريباً في حين أن قيمتها الرسمية 96 مليوناً، وذكر الخبراء أن ميزانية الحكومة لو حسن تدبيرها كانت تفي بنفقاتها المعتدلة، وتفي بأعمال العمران دون حاجة للاستدانة.
وقد رهنت في مقابل هذه الملايين إيرادات بعض مديريات الوجهين القبلي والبحري، وإيرادات الجمارك والسكك الحديدية وجميع الثغور والعوائد المختلفة، وإيرادات أملاك الدائرة الخديوية، ثم باع إسماعيل لبريطانية حصة مصر في قناة السويس بثمن بخس؛ 4 ملايين جنيه، فاستعادت بريطانية ما فاتها حين أعرضت عن المساهمة في مشروع قناة السويس، ولم يلبث إسماعيل أن رأى مصر التي أراد أن تكون قطعة من أوربا تساق على رغمه لأن تكون تحت رحمتها، فمن أوربا استدانت تلك الملايين؛ ولما عجزت عن دفع دينها كانت رهينة لذلك الدين.
وطلب الخديوي من بريطانية أن ترسل له خبيراً مالياً يدرس الحالة المالية ويعاون الوزير المصري في إدارة شؤونها وعلاج أسباب اضطرابها، ولاقى طلبه هوى في نفس بريطانية التي أرسلت بعثة وضعت تقريراً مطولاً مستفيضاً استعرض أسباب الخلل واقترح توحيد الديون في دين واحد طويل الأجل، وإنشاء مصلحة مراقبة مالية تتسلم الإيرادات ولا تعقد الحكومة أي قرض جديد إلا بعد موافقتها.
واضطر الخديوي أن يصدر مرسوماً في 6 أبريل 1876 بتأجيل دفع السندات والأقساط المستحقة علي الحكومة ثلاثة أشهر، فكان هذا التوقف عن الدفع  إيذاناً بالإفلاس، فسرى السخط والذعر في الأسواق المالية الأوروبية، وصار إسماعيل هدفاً لطعون الماليين والمرابين الأجانب، ثم بعدها بشهرين جرى عزل السلطان العثماني عبد العزيز بسبب إنفاقه وإسرافه، ففقد الخديوي إسماعيل صديقاً وحليفاً، وصنواً في التبذير والتفاخر.
ثم أصدر إسماعيل أمراً بإنشاء صندوق الدين من أعضاء أجانب يعينهم الخديوي بناء على ما تعرضه الدول التابع لها كل منهم، ثم أعقبه بإنشاء مجلس المالية الأعلى، ثم أنشأ هيئة المراقبة الثنائية المكونة من فرنسة وبريطانية في أواخر سنة 1876، مما يكفل لهما دقة الإشراف المالي على مصر، وذلك بتعين مراقب إنجليزي للإيرادات، ومراقب فرنسي للمصروفات، ثم أرغم الخديوي على تأليف لجنة من الأجانب سميت لجنة التحقيق العامة، منحت سلطة واسعة غير محدودة، وكان هدفها العمل لصالح الدائنين، ولذلك فلم تتضمن دراساتها واقتراحاتها أي دعوة لهم للتنازل عن شيء من ديونهم، متناسية ما جره جشعهم على البلاد من دمار، وما انطوى عليه مكرهم من وبهتان وزور، واقترحت أن يتنازل الخديوي وأسرته عن أملاكه لصالح الدين، وأن تحكم الرقابة على الواردات المصرية لضمان وصولها لصندوق سداد الدين المصري.
وانفتح الباب أمام التدخل الأجنبي في إدارة مصر، وهو تدخل تجاوز الرقابة أو الإدارة المالية إلى القضاء، حيث إرضاء للدول الأوربية جرى في سنة 1875 إنشاء المحاكم المختلطة لتختص بالفصل في قضايا الأجانب المختلفي الجنسية والأجانب والمصريين، وجعلت أغلبية قضاتها من الأجانب، ووضعت لها لوائح وقوانين جديدة مستمدة من القانون الفرنسي؛ وتتم مرافعاتها باللغة الأجنبية، فكانت عبئاً ثقيلا على سيادة مصر ويعرقل حريتها وتقدمها، ويحدث الخلل والاضطراب في شؤونها القضائية والمالية والإدارية، لم تتخلص منها مصر إلا في معاهدة مونرو سنة 1937.
وعلى الرغم من الترتيبات التي سبق ذكرها ازدادت الأحوال اضطراباً، وتدخلت بريطانية وفرنسة بطلب تعيين وزيرين أوربيين في الوزارة المصرية، فتولى السير شارلز ريفرز ويلسون وزارة المالية، والمركيز دي بلينيزر وزارة الأشغال في وزارة نوبار باشا التي تألفت في عام 1878، وبذلك انتقل الحكم المطلق من إسماعيل إلى الأجانب وبخاصة بريطانية، وامتلأت دوائر الحكومة المصرية بالموظفين الأجانب يتمتعون فيها بالمرتبات العالية، والموظفون المصريون تتأخر رواتبهم وتثقل كواهلهم الأعباء، واشتدت الضائقة على الأهلين لكثرة ما كانوا يؤدونه من الضرائب؛ وأحس المتعلمون منهم أنهم خرجوا من حكم الخديوي المطلق ليدخلوا في نير الأجانب الذين لا تعرف قلوبهم الرحمة، حتى تظاهر ضباط الجيش أمام وزارة المالية يطالبون بمرتباتهم المتأخرة، فحضر نوبار باشا ومعه السير ويلسن وزير المالية لفضهم، فهجموا عليهما وأشبعوهما ضرباً، وكاد يتفاقم الحادث لولا أن بلغ الخبر الخديوي فخف إلى هناك بنفسه في فرقة من حرسه ففر المتظاهرون، وكانت هذه الحادثة إرهاصاً بتمرد عرابي القادم.
وامتعض الوطنيون المصريون من هذه الحالة امتعاضاً شديداً، إذ كانت جرحاً عميقاً للكرامة المصرية، وقام إسماعيل بعزل الوزارة الأوربية في عام 1879، وتعيين وزارة وطنية برياسة شريف باشا، واحتجت فرنسة وبريطانية وغيرهما من الدائنين، وتحولت المسألة من مالية إلى قضية سياسية مهدت للاحتلال البريطاني لمصر في عام 1882م.
وطلبت حكومتا بريطانية وفرنسة من حكومة الآستانة عزل اسماعيل، فعزله السلطان مراد الخامس في سنة 1296=1879، واستأذن إسماعيل السلطان بالإقامة في استانبول أو أزمير، فلم يأته الجواب بالموافقة، فلما علم ملك إيطاليا الشاب أومبرتو الأول بهذا الرفض، وكان إسماعيل صديق والده فكتور إيمانويل الثاني الذي توفي حديثاً، أرسل يدعوه إلى إيطاليا ووضع تحت تصرفه قصر فافوريتا بضواحي نابولي،  قبل أن يأتيه الإذن في أيام السلطان عبد الحميد ليقطن في الآستانة، وجاءته الأمراض وكُفَّ بصره، ثم توفي في الخامس من رمضان سنة 1312=1895، ونقلت جثته إلى القاهرة.
ولما وصل جثمان الخديوي إسماعيل إلى القاهرة، لم يلق كثير استقبال من الناس، ورثاه أمير الشعراء أحمد شوقي بقصيدة، استحسنت إيراد بعض منها، على طوله،  لما فيها من معاني تطابق الوقائع التاريخية التي أسلفت:
حُلمٌ مدَّه الكرى لك مدَّا ... وسُّدى تبتغي لحلمك ردا
وحياةٌ ما غادرت لك في الأحياء قبلاً، ولم تذر لك بَعدا
لم ير الناس مثل أيام نُعماك زماناً ولا كبؤسك عهدا
كنت إن شئت بُدِّل السعدُ نحساً ... وإذا شئت بُدِّل النحسُ سعدا
قائماً بالعطاء والسلب فينا ... كالليالي أو أنت أكبر أيْدا
يتمشى القضاءُ خلف نواهيك حديدَ الأظفار يطلب صيدا
ويُظِلُّ السراةَ منك كريمٌ ... رضيت رِفدَه العنايةُ رفدا
ومُعِزٍّ يصير القيدَ تاجاً ... ومُذِّل يصير التاج قيدا
أنت من مثَّل السعادةَ لو لم ... يك ذاك النعيم أخذاً وردًَا
قصدَ الدهرُ منك ركنَ المعاني ... ورمى طَودها الذي كان طودا
والأبيَّ الذي أبى العصرَ في الملك ... شريكاً لو أن ذلك أجدى
لم ينؤ بالجبال ديناً ولكن ... ودَّ منه الغريم ما لم يودَّا
لبس الشرق من لقائك تاجاً ... وتلقى أعوام رُشدك عقدا
وجرت فيه بالسعود جَوار ... لك مَنَّينَ مصرَ مُلكاً ومجدا
كل يوم صرحٌ يُشيَّدُ للعلم، وظِلٌ يُمدُّ في مصر مدَّا
ولواءٌ، وعدة، وعديد ... ونظام نرى به الشهب جندا
وغَزاةٌ في البيض والسود تبغي ... مصرُ فيها مُجدِّداً مسترِدّا
وبريدٌ لها تسيل به القضب، وثان بالبرق أجرى وأهدى
وخطوطٌ بها التنائي تدانى ... وبُخار به الأقاليم تندى
وبيوتٌ لله ترفع فيها ... وقصور تشاد للحكم شيدا
وأمانيُّ للرعية تُوفى ... وحقوقٌ في كل يوم تؤدى
ووفود إلى الممالك تُزجى ... وثمين إلى الخواقين يهدى
يا كبير الفؤاد والهم والآراب مهلاً مهلاً رويداً رويدا
لم تكن حقبة أساءت علياً ... في جنى عمره لتحفظ ودَّا
خذلت منه واحدَ الترك والعرب ... وسامت سيف المشارق غمدا
لا غراماً بحاسديه ولكن ... رَهَباً اْن يبلغ الشرق قصدا
ولأنت ابنُه الذكيُّ فهلا ... جئت بالطَّلبة الطريقَ الأسَّدا
فتأنيتَ، والتأني فلاحٌ ... وهو يا ثاقبَ النُهى بك أجدى
وحميتَ الأيدي العوادي أن تدنو، وأن تعتلي، وأن تتصدى
بالغتْ بعد لينها لك في العسر، وصار الوعيدَ ما كان وعدا
وإذا العصرُ والملوك خصومٌ ... لك، والناسُ والمحبون أَعدا
ولو أنا صُنا وصُنتَ، لعشنا الدهر في العز والسيادة رغدا
نهضتْ مصرُ بالزمان نزيلاً ... وبأهليه يوم ذلك وفدا
خطروا بين زاخرَين ولاقوا ... ثالثاً من نداك أحلى وأندى
بين فُلك يجري وآخر راسٍٍ ... ولواء يحدو، وآخر يُحدى
وملوكٍ صِيد يراح بهم في ... واسع الريف والصعيد ويغدى
صُورٌ لم يكنَّ حقاً، وحلم ... فُجع الصبحُ فيه لما تبدى
وقناطير يجفل الحصر عنها ... كل يوم تَعدُّها مصر عدَّا
ليت شعري؟ هل ضعن في الماء، أم هل ... يضمر الماء للودائع ردا
ليعيدنَّها إلينا بوقت ... زمنٌ طالما أعاد وأبدى
إن ما أجَرَّت يداك لنرجو ... أن سيحيي البلاد من حيث أردى
وملكتَ السودان في الطول والعرض، وفي شأنه المعظم عبدا
نلت بالمال والدِّما منه أرضاً ... بجبال الياقوت والدر تفدى
ثم نظَّمته ممالكَ كانت ... نارُ تنظيمها سلاماً وبَردا
فهنئنا به السعادة عمراً ... وأصبنا به المُعين المُمِدَّا
وطريقَ البلاد نحو المعالي ... وسياجاً لملك مصر وحدَّا
ليتَ لم تَغشَ بعده في حماها ... حَبش المكر والخديعة أُسدا
سلبوا مصر أي جيش كريم ... كان للمجد والفخار أُعدِّا
أنت أنشأته فلم تر مصر ... جحفلاً بعده، ولم تر جندا
ونفضتَ اليدين يأساً على الرغم كأن لم تجد من الصبر بدا
وإذا لم يكن من الله عون ... فاطراح الآمال بالنفس أبدى
ما لمِصرٍ رآك في العز لا يرسل دمعاً، ولا يبلل خدا
أين ود عهدت منه وعطف ... وولاءً مؤكداً كان أبدى
وملوكٌ له أتتك وساداتٌ حداها إليك وفداً فوفدا
أبت الناسُ فيك للناس إلا ... أن يجاروا الزمان وصلاً وصَدَّا
فرأيتَ الحميم أول جاف ... ووجدت الولي في البؤس ضدا
ورجالاً لولاك لم يعرفوا العيش أبوا أن يقدموا لك حمدا
ما رأوا بعدك الأمور ولكن ... يحسنون الكفران حلاً وعقدا
 
بان مجدُ البلاد إذ بِنتَ والصفوُ، وكان الرجاء حياً فأودى
ودهتك الخطوبُ فينا فلم تترك صواباً لنا ولم تُبق رشدا
ولقينا من الحوادث ما لم ... يك يعيا به دهاؤك ذودا
فبكى البائسون منك حساماً ... طالما قدَّ هامة الخطب قدا
وبصيراً إذا المشورات لم تنجد ... ذويها ساس الأمور مُسِدا
نازح الدار ما لبينِك حدٌ ... ولَقربُ الديار زادك بعدا؟!
هكذا من قضى حنيناً وشوقاً ... وأنيناً مع الظلام وسهدا
شاكياً للبنين والأمر والصحة والجاه والشبيبة فَقدا
عد إلى مصرك الوفية وانزل ... في ثراها واسكن من المهد لحدا
لا تقل أعرضت بلادي وصدَّت ... مصرُ خيرٌ هوى وأكرم عهدا
وقبيح بالدار أن تعرف البغض ... وبالمهد أن يباشر حقدا
غفرت مصر ما مضى لعلى ... وبنيه وللحفيد المفدى
ولآثارك الجلائل فيها ... ولجسم من نأيها خرَّ هدَّا
إنما الموت منتهى كل حي ... لم يصب مالكٌ من المُلك خلدا
سنة الله في العباد وأمرٌ ... ناطق عن بقائه لن يردا
وإلى الله تُرجعُ النفسُ يوما ... صدق الله والنبيون وعدا
 

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer