الجمعة، 6 ديسمبر 2013

حدث في الثالث من صفر


في الثالث من صفر من عام 36، بعث علي رضي الله عنه الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة أميراً على مصر، وقال له: سر إلى مصر قد وليتكها، واخرج إلى رحلك، واجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصبحك حتى تأتيها ومعك جند؛ فإن ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك، وأحسن إلى المحسن، واشدد على المريب، وارفق بالعامة والخاصة، فإن الرفق يمن. فقال له قيس: أما قولك اخرج إليها بجند فوالله لئن لم أدخلها إلا بجند آتيها به من المدينة لا أدخلها أبداً، فأنا أدع ذلك الجند لك، فإن كنت احتجتَ إليهم كانوا قريباً منك وإن أردت أن تبعثهم إلى وجه من وجوهك كانوا عدة .
وخرج قيس حتى دخل مصر في سبعة من أصحابه، ولما قدم صعد المنبر وجلس عليه، وأمر بكتاب علي رضي الله عنه فقريء على أهل مصر، وهذا بعض مما جاء فيه:
من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أمّا بعد، ... فكان مما أكرم الله عزّ وجلّ به هذه الأمّة، وخصّهم به من الفضيلة أن بعث إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم، فعلّمهم الكتاب والحكمة والفرائض والسنّة، ... ثم إنّ المسلمين استخلفوا به أميرين صالحين، عملا بالكتاب والسنّة، وأحسنا السيرة، ولم يعدوا السنّة، ثم توفّاهما الله عزّ وجلّ، رضي الله عنهما، ثم ولى بعدهما وال فأحدث أحداثاً، فوجدت الأمة عليه مقالاً فقالوا، ثم نقموا عليه فغيّروا، ثم جاءوني فبايعوني، فأستهدي الله عزّ وجلّ بالهدى، وأستعينه على التقوى.
ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، والقيام عليكم بحقه والتنفيذ لسنّته، والنّصح لكم بالغيب، والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وقد بعثت إليكم قيس بن سعد بن عبادة أميراً، فوازروه وكانفوه، وأعينوه على الحقّ، وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم، والشدّة على مريبكم، والرّفق بعوامّكم وخواصّكم، وهو ممّن أرضى هديه، وأرجو صلاحه ونصيحته. أسأل الله عزّ وجلّ لنا ولكم عملاً زاكياً، وثواباً جزيلاً، ورحمة واسعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم قام قيس فقال: الحمد لله الذي جاء بالحق، وأمات الباطل وكبت الظالمين، أيها الناس: إنا قد بايعنا خير من نعلم بعد نبينا، فقوموا أيها الناس فبايعوه على كتاب الله وسنة رسوله رضي الله عنه، فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم . فقام الناس فبايعوه.
واستقامت مصر، وبعث عليها عماله إلا قرية يقال لها خربتا فيها ناس قد أعظموا قتل عثمان، عليهم رجل من بني كنانة ثم من بني مدلج اسمه يزيد بن الحارث. وكان مسلمة بن مخلد أيضاً قد أظهر الطلب بدم عثمان، فأرسل إليه قيس: ويحك! أعليَّ تثب؟! فوالله ما أحب أن لي ملك الشام إلى مصر وأني قتلتك! فبعث إليه مسلمة: إني كافٌّ عنك ما دمت أنت والي مصر. وبعث قيس إلى أهل خربتا إني لا أُكرِهكم على البيعة، وإني أكفُّ عنكم. فهادنهم وجبى الخراج، ليس أحد ينازعه.
واختط قيس بمصر داراً قرب الجامع، فلما عُزل كان الناس يقولون: إنها له، حتى ذُكِرت له، فقال: وأي دار لي بمصر؟ فذكروها له، فقال: إنما بنيتها من مال المسلمين، لا حق لي فيها. وأوصى لما حضرته الوفاة: إني كنت بنيت بمصر دارا وأنا واليها، واستعنت فيها بمعونة المسلمين؛ فهي للمسلمين ينزلها ولاتهم.
لم تطل مدة قيس بن سعد في ولاية مصر، فقد عزله الإمام علي رضي الله عنه بعد قرابة أربعة أشهر، وذلك بمكيدة من معاوية في دمشق، ذلك إن تعيينه والياً على مصر، وما كان يتصف به من رأي ودهاء وشجاعة وحزم جعل معاوية يخشاه أشد الخشية، فقد أدرَّ قيس بن سعد الأرزاق على أهل مصر، ومنع حمل الطعام إلى الشام، وكان أخشى ما يخشاه معاوية أن يقبل إليه عليّ في أهل العراق، ويقبل إليه قيس بن سعد في أهل مصر، فيقع بينهما، فأراد معاوية أن يستميل قيس بن سعد، وعليّ بن أبي طالب يومئذ بالكوفة قبل أن يسير إلى صفّين، فكتب إليه:
من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد. سلام عليك، أمّا بعد، فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان بن عفان رضي الله عنه في أَثَرة رأيتموها، أو ضربة سوط ضربها، أو شتيمة رجل، أو في تسييره آخر، أو في استعماله الفتيّ، فإنكم قد علمتم - إن كنتم تعلمون - أنّ دمه لم يكن يحلّ لكم، فقد ركبتم عظيماً من الأمر، وجئتم شيئاً إدّاً، فتب إلى الله عزّ وجلّ يا قيس ابن سعد، فإنك كنت في المجْلِبين على عثمان بن عفان - إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئاً - فأمّا صاحبك فإنا استيقنّا أنّه الذي أغرى به الناس، وحملهم على قتله حتى قتلوه، وأنه لم يسلم من دمه عِظمُ قومك، فإن استطعت يا قيس أن تكون ممّن يطلب بدم عثمان فافعل؛ تابعنا على أمرنا، ولك سلطان العراقين إذا ظهرتُ ما بقيتُ، ولمن أحببتَ من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، وسلني غير هذا مما تحبّ، فإنّك لا تسألني شيئاً إلا أوتيته، واكتب إليّ برأيك فيما كتبت به إليك. والسلام.
فلما جاء قيس بن سعد كتاب معاوية أحبّ أن يدافعه ولا يبدي له أمره، ولا يتعجّل له حربه، فكتب إليه: أمّا بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه من قتل عثمان، وذلك أمر لم أقارفه، ولم أطف به، وذكرت أنّ صاحبي هو أغرى الناس بعثمان، ودسّهم إليه حتى قتلوه، وهذا ما لم أطّلع عليه، وذكرت أن عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان، فأوّل الناس كان فيه قياماً عشيرتي. وأمّا ما سألتني من متابعتك، وعرضت عليّ من الجزاء به، فقد فهمته، وهذا أمر لي فيه نظر وفكرة، وليس هذا مما يسرع إليه، وأنا كافّ عنك، ولن يأتيك من قبلي شئ تكرهه حتى ترى ونرى إن شاء الله، والمستجار الله عزّ وجلّ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فلما قرأ معاوية كتابه، لم يره إلاّ مقارباً مباعداً، ولم يأمن أن يكون له في ذلك مباعداً مكايداً، فكتب إليه معاوية أيضاً: أمّا بعد، فقد قرأت كتابك، فلم أرك تدنو فأعدّك سلماً، ولم أرك تباعد فأعدّك حرباً، أنت فيما هاهنا كحنك الجَزور، وليس مثلي يصانع المخادع، ولا ينتزع للمكايد، ومعه عدد الرّجال، وبيده أعنّة الخيل؛ والسلام عليك.
فلما قرأ قيس بن سعد كتاب معاوية، ورأى أنه لا يقبل معه المدافعة والمماطلة، أظهر له ذات نفسه، فكتب إليه: بسم الله الرّحمن الرّحيم. من قيس بن سعد، إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد، فإنّ العجب من اغترارك بي، وطمعك فيّ، واستسقاطك رأيي! أتسومني الخروج من طاعة أولى الناس بالإمرة، وأقولِهم للحق، وأهداهم سبيلاً، وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيلة، وتأمرني بالدّخول في طاعتك، طاعةِ أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم للزّور، وأضلّهم سبيلاً، وأبعدهم من الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلم وسيلة، ولد ضالَّين مضلَّين، طاغوت من طواغيت إبليس! وأمّا قولك إني مالئ عليك مصر خيلاً ورجلاً فوالله إني إن لم أشغلك بنفسك حتى تكون نفسك أهمّ إليك؛ لذو جدّ، والسلام. فلما بلغ معاوية كتاب قيس أيس منه، وثقل عليه مكانه.
ولجأ معاوية إلى المكيدة فقال لأهل الشام: لا تسبّوا قيس بن سعد، ولا تدعوني إلى غزوه، فإنه لنا شيعة، تأتينا كتبه ونصيحته سرّاً، ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من أهل خربتا، يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم، ويؤمّن سربهم؛ ويحسن إلى كلّ راغب قدم عليه!
فبلغ ذلك الكلام عليّاً، فشك في ولاء قيس، وكتب إليه يأمره بقتال أهل خربتا، وهم يومئذ عشرة آلاف، فأبى قيس بن سعد أن يقاتلهم، وكتب إلى عليّ: إنهم وجوه أهل مصر وأشرافهم، وأهل الِحفاظ منهم، وقد رضوا منّي أن أؤمّن سربهم، وأجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم، وقد علمتُ أنّ هواهم مع معاوية، فلست مكايدهم بأمر أهون عليّ وعليك من الذي أفعل بهم، ولو أني غزوتهم كانوا لي قرناً، وهم أسود العرب، ومنهم بسر بن أبي أرطأة، ومسلمة بن مخلّد، ومعاوية بن حديح، فذرني فأنا أعلم بما أداري منهم.
فأبى عليّ إلاّ قتالهم، وأبى قيس أن يقاتلهم، وكتب إلى أمير المؤمنين علي: أما بعد يا أمير المؤمنين، فقد عجبت لأمرك، أتأمرني بقتال قوم كافّين عنك، مفرّغيك لقتال عدوّك! وإنّك متى حاربتهم ساعدوا عليك عدوّك، فأطعني يا أمير المؤمنين، واكفف عنهم، فإنّ الرأي تركهم، وإن كنت تتهمني فاعزلني عن عملك، وابعث إليه غيري. والسلام.
فبعث عليّ محمد بن أبي بكر أميراً على مصر،  ومحمد بن أبي بكر، ولد سنة 10 ونشأ في حجر علي لأنه تزوج والدته أسماء بنت عميس بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه، فلما وصل محمد إلى مصر خلا به قيس بن سعد وقال له: إنك جئت من عند امرىء لا رأي له، وليس عزلكم إياي بمانعي أن أنصح لكم، وأنا من أمركم هذا على بصيرة، وإني في ذلك على الذي كنت أكايد به معاوية وأهل خربتا، فكايِدهم به، فإنك إن تكايدهم بغيره تهلك.
ولم يقبل محمد بن أبي بكر نصيحة قيس بن سعد، وخالف كل شيء أمره به، ولم يلبث حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس وادعهم،فقال: إمّا أن تدخلوا في طاعتنا، وإمّا أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: إنا لا نفعل، دعنا حتى ننظر إلى ما تصير إليه أمورنا، ولا تعجل بحربنا.
فأبى عليهم، فامتنعوا منه، وأخذوا حذرهم، وهم على خوف منه، وجرت معركة الجمل ثم وقعة صفّين في هذه الأثناء، فلما أتاهم صبر معاوية وأهل الشام فيها، وأنها انتهت بما يشبه التعادل، ولجوء الطرفين إلى التحكيم، اجترءوا على محمد بن أبي بكر، وأظهروا له المعارضة، فلما رأى ذلك محمد بعث قوة لقتالهم فهزموها، ثم أرسل أخرى فهزموها كذلك،  فاشتدت شوكتهم وتبين سداد رأي قيس بن سعد، وبلغ ذلك معاوية، فأرسل في سنة 38 جيشاَ من الشام على رأسه عمرو بن العاص فانهزم جيش محمد بن أبي بكر وقتل، وصارت مصر في حكم معاوية.، وأصبحت أكبر موارده المالية بخراجها العظيم.
وعاد قيس إلى المدينة وفي قلبه على عليٍّ شيء لعزله إياه عنها، فأقام بالمدينة متخلفاً عنه، فأرسلت إليه أم سلمة تلومه وتقول: فارقت صاحبك؟! قال: أنا لم أفارقه طائعاً، هو عزلني. فكتبت إلى علي تخبره بنصيحة قيس وأبيه في القديم والحديث وتلومه على ما صنع، فكتب عليُّ إلى قيس يعزم عليه إلا لحق به فقال والله ما أخرج إليه إلا استحياء، وإني لأعلم أنه مقتول؛ معه جند سوء لا نية لهم.
وكان في المدينة من شيعة معاوية مروان بن الحكم والأسود بن أبي البُختري، فتوعدا قيساً بالقتل، فلما لحق بعلي ظنا أنهما أخرجاه، وكتبا بذلك إلى معاوية فأجابهما مغتاظاً: أمددتما عليّاً بقيس بن سعد ورأيه ومكانه، فوالله لو أنّكما أمددتماه بمئة ألف مقاتل ما كان ذلك بأغيظ لي من إخراجكما قيس بن سعد إلى عليّ.
ولما قدم قيس بن سعد على عليّ، وشرح له ما جرى معه في مصر، ثم جاء خبر قتل محمد ابن أبي بكر، عرف عليٌّ أنّ قيس بن سعد كان يداري بالمكيدة أموراً عظاماً، وأنّ من كان يحرضه على عزل قيس بن سعد لم ينصح له، فأطاعه عليّ في الأمر كلّه.
وكان قيس بن سعد أحد قواد علي رضي الله عنه في معركة صفين في صفر من سنة 37، مقدماً على رجالة أهل البصرة، وأبلى فيها بلاء حسناً، وأصيب بطعنه في غير مقتل، ولما نشر عليٌّ لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لم ينشر منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجتمعت الأنصار وأهل بدر، فلما نظروا إلى اللواء بكوا، وقال قيس بن سعد:
هذا اللواء الذي كنا نحف به ... مع النبي وجبريل لنا مدد
ما ضر من كانت الأنصار عيبته ... أن لا يكون له من غيرهم أحد
قومٌ إذا حاربوا طالت أكفهم ... بالمشرفية حتى يفتح البلد
وكان من نتيجة المعركة الاتفاق على اللجوء للتحكيم، وهو الأمر الذي أغضب مجموعة من أنصار علي فخرجوا عليه، ومن هنا سمُوا بالخوارج، ومر بهم عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلوه نقمة منه، وبقروا بطن امرأته، وكانت حاملاً، وقتلوا بعض النساء،  فأرسل إليهم علي رضي الله عنه قيس بن سعد ليسلموا المجرمين للقصاص، فقال لهم: عباد الله، أخرجوا إلينا طلبتنا منكم، وادخلوا في هذا الأمر الذي منه خرجتم، وعودوا بنا إلى قتال عدونا وعدوكم، فإنكم ركبتم عظيماً من الأمر، تشهدون علينا بالشرك، والشرك ظلمٌ عظيم، وتسفكون دماء المسلمين، وتعدونهم مشركين! فأبوا إلا المنابذة، فقال لهم: وقال: نشدتكم بالله في أنفسكم أن تهلكوها، فإني لأرى الفتنة قد غلبت عليكم! ولما قاتل علي رضي الله عنه الخوارج في النهروان سنة 38 كان قيس بن سعد مقدم أهل المدينة في جيش علي، ثم بعدها ولاه علي على شرطته، على أمل أن يوليه أذربيجان بعد الانتهاء من التحكيم.
وزادت نتيجة التحكيم المضطربة من الانقسام في معسكر علي رضي الله عنه، وشدت من عضد معاوية وأنصاره، وبايعه أهل الشام على الخلافة في آخر سنة 37، وكان من قبلها يدعى بالأمير، وانشغل علي بقتال الخوارج الذين أمعنوا في قتل الأبرياء وفقاً لمنطق شيطاني مريب، واتفقت ثلة من الخوارج على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص، في يوم واحد وهم خارجين إلى صلاة الصبح، ليتخلصوا في زعمهم من أقطاب الخلاف، وقتل علي رض الله عنه في رمضان من سنة 40، أما معاوية فأصيب بجروح  نجا معها، ولم يصل عمرو بن العاص الفجر لوعكة ألمت به، فنجا كذلك.
وقام قيس بن سعد في الكوفة فخطب وحمد الله وأثنى عليه، ثم وصف فضل عليّ وسابقته وقرابته، وما كان عليه في هديه وعدله وزهده، وقرَّظ الحسن ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي هو أهله في هديه وحلمه، واستحقاقه الأمر بعد أبيه، ورغبهم في بيعته، ودعاهم إلى طاعته، وكان قيس أول من بايعه، قال له: ابسط يدك أبايعك على كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه، وقتال المحلين؛ فقال له الحسن رضي الله عنه: على كتاب الله وسنة نبيه؛ فإن ذلك يأتي من وراء كل شرط؛ فبايعه وسكت، وبايعه الناس.
وخرج  الحسن بالناس حتى نزل المدائن، وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفاً، وكانوا يسمون شرطة الخميس، والخميس:  الجيش الكبير، فبينا الحسن في المدائن إذ نادى منادٍ في العسكر: ألا إن قيس بن سعد قد قتل، فانفروا، فاختبط الناس، وانتهب الغوغاء سرادق الحسن حتى نازعوه بساطاً تحته، وطعنه رجل من الخوارج من بني أسد بخنجر، فوثب الناس على الرجل فقتلوه، وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن، وكانت هذه الواقعة ثالثة الأثافي بالنسبة للحسن، فقرر أن لا فائدة من الاستمرار في قتال معاوية، وصارت خطته أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية، ثم يدخل في الجماعة.
وعرف الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على رأيه، فعزله وأمَّر عبيد الله بن عباس، وبعد أن اتفق معاوية والحسن سنة 41، قال الحسن: يا أهل العراق، إنه سخى بنفسي عنكم ثلاثٌ: قتلُكم أبي، وطعنُكم إياي، وانتهابكم متاعي. ودخل معاوية الكوفة، فبايعه الحسن وبايعه الناس من بعده.
وكان عبيد الله بن عباس حين علم بمفاوضات الحسن مع معاوية، طلب الأمان لنفسه من معاوية، ويشترط لنفسه على الأموال التي قد أصاب، فشرط ذلك له معاوية، فانسل عبيد الله ليلاً، فدخل عسكر معاوية، فوفى له بما وعده، فأصبح الناس ينتظرون الأمير أن يخرج فيصلي بهم، فلم يخرج حتى أصبحوا، فطلبوه فلم يجدوه، فأمّروا عليهم قيس بن سعد، وتعاهدوا هو وهم على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة علي رضي الله عنه ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم، وما أصابوا في الفتنة؛ فخلص معاوية حين فرغ من عبيد الله ابن عباس والحسن رضي الله عنه إلى مكايدة رجل هو أهم الناس عنده مكايدةً.
وأرسل معاوية إلى قيس بن سعد يذكره الله ويقول: على طاعة من تقاتل، وقد بايعني الذي أعطيته طاعتك؟ فأبى قيس أن يلين له، حتى أرسل إليه معاوية بسجلٍّ قد ختم عليه في أسفله، فقال: اكتب في هذا السجل ما شئت، فهو لك. قال عمرو لمعاوية: لا تعطه هذا، وقاتله، فقال معاوية: على رسلك! فإنا لا نخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشام، فما خير العيش بعد ذلك! وإني والله لا أقاتله أبداً حتى لا أجد من قتاله بداً.
فلما بعث إليه معاوية بذلك السجل، قام قيس بن سعد في الناس فقال: يأيها الناس، اختاروا الدخول في طاعة إمام ضلالة، أو القتال مع غير إمام؛ قالوا: لا، بل نختار أن ندخل في طاعة إمام ضلالة. فاشترط قيس في الكتاب له ولشيعة علي الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال، ومن كرم نفسه ومروءته أنه لم  يسأل معاويةَ لنفسه مالاً، وأعطاه معاوية ما سأل، فدخل قيس ومن معه في طاعته، وعاد ومن معه إلى المدينة وكان ينحر لهم كل يوم جزوراً من ماله حتى وصلوها.
وكانوا يعدون دهاة الناس حين ثارت الفتنة خمسة، فقالوا: ذوو رأي العرب ومكيدتهم: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وقيس بن سعد؛ ومن المهاجرين عبد الله بن بديل الخزاعي؛ وكان قيس وابن بديل مع علي رضي الله عنه، وكان المغيرة بن شعبة وعمرو مع معاوية، إلا أن المغيرة كان معتزلاً بالطائف. وكان قيس يقول: لولا أن المكر فجور، لمكرت مكرا يضطرب منه أهل الشام بينهم.
وعاد قيس بن سعد إلى المدينة وأقبل على العبادة، وبقي من وجوه الناس، لا يرضى أن يغمط الحق، ولا يندم على جهاده مع علي، دخل في جماعة من الأنصار على معاوية، فقال لهم معاوية: يا معشر الأنصار، بِمَ تطلبون ما قِبَلي؟ فو اللّه لقد كنتم قليلاً معي، كثيراً عليَّ، وأفللتم حَدِّي يومِ صِفِّينَ حتى رأيت المنايا تلظَّى في أسنتكم، وهجوتمونى في أسلافي بأشد من وقع الأسنة، حتى إذا أقام الله ما حاولتم ميله قلتم: ارْعَ فينا وصية رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، هيهات يأبى الحقِينُ العِذْرَة - مثل يضرب للرجل يعتذر ولا عذر له - فقال قيس: نطلب ما قِبَلك بالإسلامِ الكافي به الله ما سواه، لا بما تمتّ به إليك الأحزاب، وأما عداوتنا لك، فلو شِئْت كففتها عنك، وأما الهجاء فقول يزول باطله، ويثبت حقه، وأما استقامة الأمر فعلى كره كان منا، وأما فَلُّنَا حدك يوم صفين فإنا كنا مع رجل نرى طاعَتَهُ طاعة للّه، وأما وصية رسول اللّه بنا فمن آمن به رعاها بعده، وأما قولك يأبى الحقين العذرة فليس دون اللهّ يد تحجزك منا يا معاوية، فقال معاوية: سوءةً. ارفعوا حوائجكم. فرفعوها فقضاها كلها. وقول معاوية: سوءةً. هو بمثابة قولنا اليوم: عيب، يقصد أن هذا الحديث معيب يثير كمائن الأحقاد.
بقي قيس بن سعد مقيماً في المدينة حتى أدركته المنية سنة 59 أو 60، رحمه الله تعالى، ولا تسعفنا المصادر بذكر ولادته أو سنه التقريبي، ولعله توفي وهو في عشر السبعين.
وهنا نعود القهقرى لنتحدث عن قيس بن سعد رضي الله عنهما، قبل ولايته مصر لعلي رضي الله عنه.
أما والده، سعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي الساعدي رضي الله عنه، فكان من كبار الأنصار، شهد العقبة وهو نقيب الخزرج، وكان حامل راية الأنصار، وكان ممن يضرب بهم المثل في الكرم كابراً عن كابر، وكانت له قصعة طعام يرسلها كل يوم حيث يبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، تدور معه حيث دار، والتفّت عليه الأنصار يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايعوه، وكان موعوكا، حتى أقبل أبو بكر والجماعة، فردوهم عن رأيهم، فما طاب لسعد ذلك، وخرج إلى الشام غاضباً من قومه لخذلانهم إياه، وتوفي في حوران سنة 14. وأم قيس فُكَيْهَةُ بنت عُبيد بن دُليم، فهي ابنة عم والده، وكانت ممن بايعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جعله والده في خدمة رسول الله، فبقي فيها عشر سنوات، ويبدو أن خدمته لم تكن منزلية مثل أنس بن مالك رضي الله عنه، بل كان رسول الله يوجهه في مهمات تصلح للشباب، وبخاصة من كان في بنية جسمه، فقد كان ضخما، جسيما، صغير الرأس، أطلس لا لحية له، إذا ركب حمارا، خطت رجلاه الأرض.  ويؤيد هذا ما ورد في البخاري عن أنس بن مالك قال: كان قيس بن سعد يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير.
وكان قيس صاحب راية الأنصار يوم بدر، وشرفه الرسول بحمل لوائه في فتح مكة، حين نزعه من والده لخشية قريش أن يصول عليهم سعد، وتزوج قُريبة أخت أبي بكر الصديق، ولم تلد له، واستعمله الرسول على جمع الزكاة ثم أعفاه بطلب من والده، روى قيس بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ساعيا، فقال أبوه: لا تخرج حتى تحدث برسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا. فلما أراد الخروج أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا قيس لا تأت يوم القيامة على رقبتك بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها يعار، ولا تكن كأبي رِغال، فقال سعد: وما أبو رغال؟ قال: مصَّدِّق بعثه صالح، فوجد رجلا بالطائف في غنمه قريبة من المئة شصاص لا لبن لها، إلا شاة واحدة، وابن صغير لا أم له، فلبن تلك الشاة عيشه، فقال صاحب الغنم: من أنت ؟ فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرَّحب قال: هذه غنمي فخذ أيها أحببت، فنظر إلى الشاة اللبون، فقال: هذه، فقال الرجل: هذا الغلام كما ترى ليس له طعام ولا شراب غيرها، فقال: إن كنت تحب اللبن، فأنا أحبه، فقال: خذ شاتين مكانها، فأبى، فلم يزل يزيده، ويبذل حتى بذل له خمس شياه شصاص مكانها، فأبى عليه، فلما رأى ذلك عمد صاحب الغنم إلى قوسه فرماه فقتله، فقال: ما ينبغي لأحد أن يأتي رسول الله بهذا الخبر أحد قبلي، فأتى صاحب الغنم صالحا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال صالح: اللهم العن أبا رغال، اللهم العن أبا رغال، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، أعفِ قيسا من السعاية .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتردد إلى منزل والده سعد بن عبادة، قال قيس: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم دار سعد، فقام على بابها فسلم، ورد عليه سعد وخافَت، ثم سلم ورد عليه سعد وخافت، ثم سلم ورد عليه سعد وخافت، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا فتبعه سعد يسعى في أثره، فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، والله ما منعني أن أرد عليك السلام إلا لتكثر لنا من سلامك، فدخل ووضع له ماء يستبرد فاغتسل، فأتي بملحفة قد صبغت بالورس- نبت أصفر -  فلبسها فلقد رأيت أثر الورس على عُكنِهِ، ثم جاء فجلس، فقال: اللهم صل على الأنصار، وعلى ذرية الأنصار، وعلى ذرية ذرية الأنصار، فلما أراد أن ينصرف أُتي بحمار فجعل عليه قطيفة ما هي بخز ولا مرعزي وأرسل معه ابنه يرده الحمار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احمله بين يدي، فقال سعد: يا رسول الله أحمله بين يديك؟ قال: نعم، هو أحق بصدر حماره، قال: يا رسول الله، الحمار لك، قال: احمله خلفي.
وقد روى أصحاب الكتب الستة أحاديث رواها قيس بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن قيس بن سعد وسهل بن حنيف كانا قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما إنها من أهل الأرض، أي من أهل الذمة، فقالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفسا؟!
وتروى كثير من كتب التاريخ والأخبار أن ملك الروم تنافس مع معاوية من لديه أطول الرجال، وأن قيس رمى بسراويله للرومي فبلغت ثدييه. قال الإمام ابن عبد البر في الاستيعاب: خبره في السراويل عند معاوية كذب وزور مختلق ليس له إسناد.
وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 8 للهجرة بعد انصرافه من العمرة إلى ناحية اليمن في 400 رجل، وأمره أن يطأ صَدّاء، وهي ماء شديدة العذوبة، فعسكر قيس هناك، ثم جاء زياد بن الحارث الصدائي بإسلام قومه، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش، وجاء من صداء 15 رجلا، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله دعهم ينزلوا عليّ. فنزلوا عليه فحياهم وأكرمهم وكساهم ثم راح بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من وراءهم من قومهم، وفشا الإسلام في صداء فجاء منهم 100 رجل في حجة الوداع.
كان قيس بن سعد كريماً منذ نعومة أظفاره، ولا عجب، فقد نشأ في بيت الكرم كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم،  ولذلك قصة، ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح في سرية فيها ثلاثمئة رجل إلى ساحل البحر إلى حي من جُهينة يرصدون عيراً لقريش، فأصابهم جوع شديد، فأمر أبو عبيدة بالزاد فجمع، حتى إن كانوا ليقتسموا التمرة، فأكلوا ورق الخَبَط، وهو عادة علف الإبل، حتى قال قائلهم: لو لقينا عدوا ما كان بنا من حركة إليه لما نالنا من الجهد! فسمي ذلك الجيش جيش الخبط.
ووجد قيس بن سعد رجلا من جهينة فقال له قيس: بِعْني جزرا وأوفيك أوسقة من تمر بالمدينة، قال الجهني: والله ما أعرفك، ومن أنت؟ قال قيس: أنا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم، قال الجهني: ما أعرفني بنسبك، أما إن بيني وبين سعد خِلة؛ سيد أهل يثرب! فابتاع منه خمسة جمال كل جمل بوسقين من تمر آل دليم، قال الجهني: فأشهِد لي. فأشهد له،  فكان فيمن استشهد عمر بن الخطاب فقال عمر: لا أشهد! هذا يُدان ولا مال له، إنما المال لأبيه. قال الجهني: والله ما كان قيس ليخني بابنه في شِقَّة من تمر، وأرى وجها حسنا وفعالا شريفا.
وأخذ قيس الجمال فنحرها لهم في مواطن ثلاثة كل يوم جَزورا، فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره أبو عبيدة وقال تريد أن تخرب ذمتك ولا مال لك؟! فقال قيس: أبا عبيدة، أترى أبا ثابت وهو يقضي دين الناس ويحمل الكَلّ ويطعم في المجاعة لا يقضي عني أوسقة من تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله؟! فكاد أبو عبيدة أن يلين له ويتركه، حتى جعل عمر يقول اعزم عليه، فعزم عليه أن لا ينحر، فبقي جملان معه حتى وجد القوم الحوت ورمى به البحر إليهم فأكلوا منه.
وبلغ سعدا ما كان أصاب القوم من المجاعة فقال: إن يك قيس كما أعرف فسوف ينحر للقوم، فلما قدم قيس لقيه سعد فقال: ما صنعت في مجاعة القوم؟ قال: نحرت، قال: أصبتَ انحرْ، ثم ماذا؟ قال: ثم نحرت، قال: أصبت انحر، ثم ماذا؟ قال: ثم نحرت، قال: أصبت انحر، ثم ماذا؟ قال: نُهيت، قال: ومن نهاك؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح أميري، قال: ولِمَ؟ قال: زعم أنه لا مال لي وإنما المال لأبيك، فقلت: أبي يقضي عن الأباعد ويحمل الكَلَّ ويطعم في المجاعة ولا يصنع هذا بي؟! قال سعد: فلك أربع بساتين أدنى واحد منها يعطي خمسين وسقا. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فعل قيس فقال: إنه في بيت جود.
ومن وَصَفه رسولُ الله بالجود، فهو الجواد حقاً،  ويضيق المجال في حصر أخباره في الجود، ومن طريفها أن عجوزاً كان يعرفها جاءت إليه فقال لها: كيف أنت؟ فقالت: أحمد الله إليك، ما في بيتي فأرة تدبّ! فقال: لقد سألتِ فأحسنتِ، لأملأن عليك بيتك فأرا. فحمل معها كل ما تحتاج إليه من قوت.
ولما سافر سعد بن عبادة إلى الشام قسم ماله بين ولده، ثم توفي وامرأته حبلى لم يعلم بحبلها فولدت غلاماً، فجاء أبو بكر وعمر إلى قيس بن سعد فقالا: إن سعدا مات ولم يعلم ما هو كائن، وإنا نرى أن تردوا على هذا الغلام نصيبه، فقال قيس: أما شئ أمضاه سعد، فلا أرده أبدا، ولكن أشهدكما أن نصيبي له.
وباع قيس بن سعد مالاً من معاوية بتسعين ألفاً فأمر منادياً فنادى في المدينة من أراد القرض فليأت منزل سعد، فأقرض أربعين أو خمسين، وأعطى الباقي، وكتب على من أقرضه صكاً، فمرض مرضاً فاستبطأ عُوّاده فقال لزوجته قُريبة: يا قريبة لم ترين قل عوادي؟ قالت: يستحيون للذي لك عليهم من الدين. فقال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة. ثم أمر منادياً فنادى من كان لقيس عليه حق، فهو منه في حِلّ، فكسرت درجته بالعشي لكثرة من عاده.
ولم تكن ثروة قيس بن سعد إلا عن تدبير وعمل، لا كسل وتواكل، أتاه قوم يسألونه في حمالة، أي العون على أداء الدية، فصادفوه في بستان له يتتبع ما يسقط من الثمر فيعزل جيده عن رديئه، ويجعل كل صنف منها على حدته، فهمُّوا أن يرجعوا عنه وقالوا: ما نظن عند هذا خيرا. ثم عزموا على لقائه فأقاموا حتى فرغ من حائطه فكلموه فأعطاهم. فقال رجل من القوم له: لقد رأيناك تصنع شيئا لا يشبه فعالك! وأخبروه فقال: إن الذي رأيتم من صنيعي قضيت به حاجتكم.
وكان من دعاء  قيس: اللهم هب لي حمدا ومجدا، لا مجدا إلا بفِعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه.
اللهم ارزقنا التأسي بهم.
 

ليست هناك تعليقات:

 
log analyzer